التحسينات المالية في المذهب المالكي و تطبيقاتها المعاصرة15
ذ/ عبد السلام اجميلي
من علماء القرويين
جواب السؤال الثاني:
لاشك أن موقف الإمام الشافعي من الاستحسان يحتاج إلى تفسير، وذلك لأن الإمام الشافعي تلقى العلم من الإمام مالك والإمام محمد بن الحسن الشيباني، وكلاهما من القائلين بالاستحسان، فهل يعقل أن الإمام الشافعي لا يعرف معنى الاستحسان عندهما؟ وهل يعقل أن الإمام الشافعي لا يعرف أن ما كتبه في إبطال الاستحسان بعيد كل البعد عن الاستحسان الذي قال به الإمامان مالك وأبو حنيفة؟ ويمكن أن نفسر هذا القول بعدة تفسيرات:
التفسير الأول:
أن الإمام الشافعي إنما نازع في إطلاق الاستحسان على العدول عن حكم شرعي بسبب العادة التي قصد بها: عادة من لا يحتج بعادته، ومثلها لا يترك به الدليل الشرعي، أما إن كان المقصود بها ما اتفق عليه أهل والعقد في الأمة فلا شك في صحتها، وصحة الاستحسان المبني عليها، لأنها استدلال بالإجماع[1].فخلاف الشافعي في هذا النوع فقط.
ويمكن أن يعترض على هذا التفسير: بأنه كان يسع الإمام الشافعي أن يبين أن استحسان العادة غير المعتبر شرعا هو الباطل، لكنه أبطل الاستحسان جملة وتفصيلا.
ويمكن أن يجاب عن هذا الاعتراض: بأن أنواع الاستحسان لم تكن متمايزة، فأنكرها جملة.
التفسير الثاني:
أن الإمام الشافعي قد وجد بعض مناظريه من أتباع المذهب الحنفي –كبشر المريسي- يحتجون بالاستحسان دون أن يكون له سند عندهم، فوجه حملته ضدهم([2])، ومما يؤيد هذا التفسير أن بشرا المريسي قد نسب إلى أبي حنيفة أن الاستحسان هو: ترك القياس لما استحسنه الإنسان من غير دليل ([3]).
ويمكن أن يعترض على هذا التفسير:
1-إن الثابت أن الإمام الشافعي قد ناظر بشر المريسي في مسائل اعتقادية كلامية، لا في مسائل فقهية ([4]).
2-إذا كان بشر المريسي من أهل البدع، فكيف يبنى على ما يقوله وينسبه؟ ويمكن أن يجاب عن هذا الاعتراض:
1-لا يوجد ما يمنع من مناظرة الإمام الشافعي لبشر المريسي في مسائل فقهية، وإن كانت مناظراته له أكثرها في مسائل اعتقادية.
2-إن بدعة بشر في عقيدته، فما الذي يمنع أن نقبل منه ما يقوله في غيرها ([5]).
[1] -الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 4/138.
[2] -الاستحسان في الفقه الإسلامي وعلاقته بالاستثناء في التشريع، لشلبي محمد مصطفى، 125-126.
[3] -التبصرة في أصول الفقه، للشيرازي ص 492.
[4] -الفتح المبين في طبقات الأصوليين 1/142.
[5] -التحسينات المالية لحسن عوض، ص 46.