مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةقراءة في كتاب

“التبصير في الدين”

للإمام أبي المظفر شاهفور بن طاهر بن محمد الإسفراييني
المتوفى(ت 471هـ)

مؤلف كتاب “التبصير في الدين” هو شاهفور بن طاهر بن محمد الإسفراييني الشافعي،  الإمام الكامل ، الفقيه الأصولى المفسر، جامع بارع[2].
وهو من كبار أئمة أصول الدين، وقد ترجم له ابن عساكر في “تبيين كذب المفتري في ما نسب إلى الإمام الأشعري” في عداد رجال الطبقة الرابعة من الأشاعرة، واصفا إياه بالإمام الكامل، الفقيه الأصوليى المفسر[3]صنف ” التفسير الكبير” المشهور، وصنف في الأصول، وسافر في طلب العلم، وحصل الكثير، وارتبطه نظام الملك بطوس فأقام بها سنين، ودرس بها سنين، ودرس بها في العلوم، وأفاد الكثير واستفاد الناس منه.
وسمع الحديث من أصحاب الأصم، وأصحاب أبي علي الرفاء، وكان له اتصال مصاهرة بالأستاذ أبي منصور البغدادي الإمام، وولد له منها النسل المبارك ومن غيرها، وكلهم كانوا وجوه أهل بَلَخْ المشهورين المعروفين بها، والمتقدمين من علمائها وأئمتها.
توفي الإمام شاهفور بطوس سنة إحدى وسبيعن وأربعمائة (481هـ ) [4].

مؤلفاته:

ألف أبو المظفر الإسفراييني كتبا عدة، منها ما كان في الأصول والتفسير والعقائد، ويبدو أن معظم هذه المؤلفات ضاعت، وما وصلنا منها إلا عدد قليل جدا وهو كالتالي:
ـ كتاب الأوسط: ذكره الأسفراييني أكثر من مرة في مؤلفاته، ويدور موضوعه حول العقائد والملل.
ـ تاج التراجم في تفسير القرآن الكريم للأعاجم: وهو مطبوع أكثر من مرة.
ـ كتاب التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن فرق الهالكين: وهو هذا الكتاب الذي نحن بصدد تعريفه.

موضوع الكتاب ومحتوياته:

إن المطلع على كتاب “التبصير في الدين” لأبي المظفر الإسفراييني، يرى أن صاحبه تناول مسائل تتعلق بتوحيد الله تعالى في أسمائه وصفاته، وأنها تشتمل على حكمة والتي تنحصر في المعرفة بما أوجب الله تعالى معرفته، والإحاطة بما أوجب عليه مجانبته، وهي إتيان الأوامر واجتناب النواهي، وأن الأنبياء عليهم السلام جاءوا لتعريف الناس هذه الحكمة، حتى يكونوا على هدى من أمرهم، وعلى صراط مستقيم، وأنه ينبغي على الإنسان أن يتعرف على الشر مخافة الوقوع فيه، فقد قيل:
عرفت الشر لا للشر  ولكن لتوقيه    *****    ومن لم يعرف الشر من الناس يقع فيه
وهذا هو الذي جعل الإمام الإسفراييني يقوم بتقسيم كتابه إلى خمسة عشر بابا، وهي كالتالي:
ـ الباب الأول: في بيان أول خلاف ظهر في الإسلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما ظهر من الخلاف في أيام الصحابة رضي الله عنهم أو قريبا منهم.
ـ الباب الثاني: في بيان فرق الأمة على الجملة.
ـ الباب الثالث: في تفصيل مقالات الروافض وبيان فضائحهم.
ـ الباب الرابع: في بيان مقالات الخوارج وبيان فضائحهم.
ـ الباب الخامس: في تفصيل مقالات القدرية الملقبة بالمعتزلة وبيان فضائحهم.
ـ الباب السادس: في تفصيل مقالات المرجئة وبيان فضائحهم.
ـ الباب السابع: في تفصيل مقالات النجارية وبيان فضائحهم.
ـ الباب الثامن: في تفصيل مقالات الضرارية وبيان فضائحهم.
ـ الباب التاسع: في تفصيل مقالات البكرية وبيان فضائحهم.
ـ الباب العاشر: في تفصيل مقالات الجهمية وبيان فضائحهم.
ـ الباب الحادي عشر: في تفصيل مقالات الكرامية وبيان فضائحهم.
ـ الباب الثاني عشر: في تفصيل مقالات المشبهة وبيان فضائحهم.
ـ الباب الثالث عشر: في بيان فرق ينتسبون إلى دين الإسلام، ولا يعودن في جملة المسلمين، ولا يكونون من جملة الاثنتين والسبعين، وهم أكثر من عشرين فرقة.

ثناء العلماء عليه:

أثنى عليه جمع من العلماء:
قال عنه الداودي: أبو المظفر المفسر، إمام بارع، صنف التفسير الكبير، وصنف في الأصول”[5]وقال عنه الذهبي: العلامة المفتي أبو المظفر، طاهر بن محمد الإسفراييني … كان أحد الأعلام” [6]وقال عنه السبكي: ” الإمام الأصولي الفقيه المفسر”[7]

سبب تأليف الكتاب:

كان السبب الداعي إلى تأليف هذا الكتاب، هو أن الوزير نظام الملك كلف أبا المظفر بتصنيف كتاب جامع شامل في عقائد أهل الأهواء وتمييز الفرقة الناجية، فألف كتابه هذا وقال عنه: “فأردت أن أجمع كتابا فارقا بين الفريقين، جامعا بين وصف الحق وخاصته، والإشارة إلى حجته، ووصف الباطل، وحل شبهه ليزداد المطلع عليه استيقانا في دينه، وتحقيقا في يقينه، فلا ينفذ عليه تلبيس المبطلين، ولا تدليس المخالفين للدين”[8]ويشير محقق كتاب “التبصير في الدين” مجيد خليفة، أن من الأسباب التي لاحظها من خلال مطالعته لهذا الكتاب[9]، قائلا:
1 ـ بيان زيف المقالات التي انتحلها البعض، وغروا بها العوام من خلال تزيينها للناس في المجتمع الإسلامي بصورة عامة، خاصة في بلاد خراسان وما وراء النهر، التي انتشرت فيها الأفكار والمعتقدات المنحرفة والغالية، من باب بيان الشر خشية الوقوع فيه، قال الإسفراييني:” وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسألونه عن الحق لصحة الاعتقاد والمعرفة، وعن الباطل والشر للتمكن من المجانبة، حتى قال حذيفة بن اليمان:
” كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر”، وإنما كان يفعله لتصح له مجانبته، لأن من لم يعرف الشر يوشك أن يقع فيه.
2 ـ الوقوف بوجه بعض الفرق من الكرامية والباطنية التي انتشرت بصورة واسعة في خراسان في القرن الرابع والخامس الهجري…..قال أبو المظفر الإسفراييني عن الفرقة الأخيرة: ” وفتنتهم على المسلمين شر من فتنة الدجال، فإن فتنة الدجال إنما تدوم أربعين يوما، وفتنة هؤلاء ظهرت أيام المأمون، وهي قائمة بعد”.
3 ـ بيان تأثير أفكار الأمم السابقة على الفرق التي ظهرت في خراسان بصورة خاصة، وقد شبه الأسفراييني الكرامية بالمجوس، فقال: ” ولم يجد هؤلاء في الأمم من يكون قدوة لهم بالقول بحدوث الحوادث في ذات الصانع غير المجوس، فرتبوا مذهبهم على قولهم..”
4 ـ تمييز الفرقة الناجية التي ذكرت في حديث الافتراق المشهور عن الفرق الأخرى، بل إن العنوان الذي حمله الكتاب يدل على ذلك، فقال بعد أن انتهى من استعراض الفرق الإسلامية: ” وقد نزههم الله تعالى عن جميع هذه الفضائح والرذائل التي سردناه، وجروا في اعتقادهم على ظاهر الكتاب والسنة وإجماع الأئمة، والخلاف بينهم رجع إلى فروع الدين، وإلى أمور يسيرة الخطب، لا توجب تكفيرا ولا ابتداعا”.
5 ـ رغم أن الكتاب كان مخصصا لفرق المسلمين، فقد بين أبو المظفر الإسفراييني عقائد غير المسلمين بصورة مختصرة، فقال في باب خصصه لذلك: “في بيان مقالات قوم كانوا قبل دولة الإسلام والله أعلم بعددهم ونذكر منهم ما اشتهر من جملتهم عند أرباب التواريخ وأصحاب المقالات”.
5 ـ بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة، بموازاة الفرق التي ظهرت في الإسلام، وقد تضمت ذلك ثلاثة أمور:
ـ أحدها: في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة.
ـ الثاني: في بيان تحقيق النجاة لهم بالطرق التي ننبه عليها.
ـ الثالث: في بيان فضائلهم.
وأهل السنة الذين يعنيهم المؤلف هنا هم الأشاعرة، وقد بينا سبب معتقده هذا في الفصل الذي تقدم.

طبعاته:  

للكتاب عدة طبعات ومنها:
ـ طبع الكتاب لأول مرة سنة 1359هـ، على يد الشيخ محمد زاهد الكوثري.
ـ طبعة عالم الفكر بعناية الأستاذ كمال يوسف الحوت سنة 1983م.
ـ طبعة مكتبات كليات الأزهر بتحقيق أحمد حجازي السقا سنة 1987م.
ـ طبعة  مكتبة الخانجي،  بتحقيق محمد زاهد الكوثري، سنة 1998م.
ـ طبعة دار ابن حزم بتحقيق الدكتور مجيد الخليفة، سنة 1429هـ ـ 2008م.
ـ طبعة المكتبة الأزهرية للتراث بتحقيق محمد زاهد بن الحسن الكوثري، سنة 2010م.

 

 

 

الهوامش:

 

[1] ـ هناك تشابه في العناوين بين هذا الكتاب وكتاب آخر وهو التبصير في معالم الدين، لأبي جعفر بن جرير الطبري (224 ـ 310هـ).
[2] ـ  طبقات المفسرين، الداودي، دار الكتب العلمية، ج 1: ص 218.
[3] ـ تبيين كذب المفتري، لأبي الحسن الأشعري، تحقيق، أجحمد حجازي السقا، دار الجيل بيروت، ص  276.
[4] ـ ينظر مصادر ترجمته في: تبيين كذب المفتري: ص 276، المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور: ص 272، سير أعلام النبلاء: 17/401، طبقات الشافعية الكبرى: 5/11، طبقات المفسرين للداودي: 1/218، كشف الظنون: 1/268، هدية العارفين: 3/430، الأعلام: 3/179، الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير : ص 1042.
[5] ـ  طبقات المفسرين، الداودي: ص 218.
]6[  ـ سير أعلام النبلاء، لشمس الدين الذهبي، تحقيق شعيب الأرنؤوط، محمد نعيم العرقسوسي، طبعة مؤسسة الرسالة، 18/ 401.
[7] ـ طبقات الشافعية الكبرى، للإمام السبكي، تحقيق محمود محمد الطناجي، عبدالفتاح محمد الحلو، طبعة دار احياء الكتب العربية، 5/11.
[8] ـ التبصير في الدين، لأبي المظفر الأسفراييني، تحقيق كمال يوسف الحوت، ص 16
[9] ـ  التبصير في الدين، لأبي المظفر الأسفراييني، تحقيق بتحقيق الدكتور مجيد الخليفة، طبعة دار ابن حزم سنة 1429هـ ـ 2008م، ص 78.

 

روابط تحميل الكتاب:

التبصير في الدين لأبي المظفر الأسفراييني
http://al-mostafa.info/data/arabic/depot2/gap.php?file=017768.pdf

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق