مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةمفاهيم

“مفهوم القدرة”

 القدرة لغة:
 (قَدَرْتُ) على الشيء (أَقْدِرُ) من باب ضرب، قويت عليه و تمكنت منه، و الاسم (القُدْرَةُ) و الفاعل (قَادِرٌ) و (قَدِيرٌ) و الشيء (مَقْدُورُ) عليه، …والقُدْرَةُ: مَصْدَرُ قَوْلكَ: له على الشَّيْءِ قُدْرَةٌ : أي مِلْكٌ ، فهو قَدِيرٌ وقادِرٌ. واقْتَدَرَ على الشَّيْءِ: قَدَرَ عليه…وقوله جل وعز: (عندَ مَليكٍ مُقتدر) أي قادر.
والقدير والقادر: من صفات الله عز وجل، يكونان من القدرة، ويكونان من التقدير. قال ابن الأثير: القادر: اسم فاعل من قدر ويقدر؛ والقدير فعيل منه وهو للمبالغة، والمقتدر مفتعل من اقتدر وهو أبلغ، وفي البصائر للمصنف: القدير: هو الفاعل لما يشاء على قدر ما تقضى الحكمة لا زائدا عليه ولا ناقصا عنه، ولذلك لا يصح أن يوصف به إلا الله تعالى، والمقتدر يقاربه، إلا أنه قد يوصف به البشر، ويكون معناه المتكلف والمكتسب للقدرة، ولا أحد يوصف بالقدرة من وجه إلا ويصح أن يوصف بالعجر من وجه، غير أن الله تعالى فهو الذي ينتفى عنه العجز من كل وجه تعالى شأنه.
والفرق بين الاستطاعة والقدرة: قيل الفرق بينهما أن الاستطاعة: انطباع الجوارح للفعل؛ والقدرة: هي ما أوجب كون القادر عليه قادرا، ولذلك لا يوصف الله تعالى بأنه مستطيع، ويوصف بأنه قادر…وقيل: الاستطاعة أخص من القدرة، فكل مستطيع قادر وليس كل قادر بمستطيع، لأن الاستطاعة: اسم لمعان يتمكن بها الفاعل مما يريده من أحداث الفعل وهي أربعة أشياء: إرادته للفعل، وقدرته على الفعل بحيث لا يكون له مانع منه، وعلمه بالفعل، وتهيؤ ما يتوقف عليه الفعل؛ ألا ترى أنه يقال: فلان قادر على كذا لكنه لا يريده، أو يمنعه منه مانع، أو لا علم له به أن يعوزه كذا، فظهر أن القدرة أعم من الاستطاعة، والاستطاعة أخص من القدرة [1].

القدرة اصطلاحا:

– القدرة هي: الصفة التي تمكن الحي من الفعل وتركه بالإرادة وصفة تؤثر على قوة الإرادة، والقدرة الممكنة عبارة عن أدنى قوة يتمكن بها المأمور من أداء ما لزمه بدنيا كان أو ماليا … والقدرة الميسرة ما يوجب اليسر على الأداء وهي زائدة على القدرة الممكنة بدرجة واحدة في القوة …والفرق ما بين القدرتين في الحكم أن الممكنة شرط محض حيث يتوقف أصل التكليف عليها فلا يشترط دوامها لبقاء أصل الواجب، أما الميسرة فليس بشرط محض حيث لم يتوقف التكليف عليها، والقدرة الميسرة تقارن الفعل عند أهل السنة والأشاعرة خلافا للمعتزلة لأنها عرض لا يبقى زمانين فلو كانت سابقة لوجد الفعل حال عدم القدرة وأنه محال وفيه نظر لجواز أن يبقى نوع ذلك العرض بتجدد الأمثال فالقدرة الميسرة دوامها شرط لبقاء الوجوب.[2] وقيل: «القدرة هي التمكن من إيجاد شيء، وقيل صفة تقتضي التمكن، وهي مبدأ الأفعال المستفادة على نسبة متساوية، فلا يمكن تساوي الطرفين الذي هو شرط تعلق القدرة إلا في الممكن، لأن الواجب راجح الوجود والممتنع راجح العدم … وتعرّف أيضا بأنها إظهار الشيء من غير سبب ظاهر، وتستعمل تارة بمعنى الصفة القديمة، وتارة بمعنى التقدير، ولذا قرئ قوله تعالى {فقدرنا فنعم القادرون} بالتخفيف والتشديد وكذا قوله تعالى {قدرناها من الغابرين} فالقدرة بالمعنى الأول لا يوصف بضدها، وبالمعنى الثاني بوصف بها وبضدها …واعلم أن محل قدرة العبد هو عزمه المصمم عقيب خلق الداعية والميل والاختيار، وبهذا يبطل احتجاج كثير من الفساق بالقضاء والقدر لفسقهم، إذ ليس القضاء والقدر مما يسلب قدرة العزم عند خلق الاختيار، فيكون جبرا ليصح الاحتجاج .» [3]وعرّفها الامام السنوسي بقوله: «حقيقة القدرة: هي صفة يتأتى بها إيجاد الممكن وإعدامه على وفق الإرادة» [4] .
قال الشيخ ابن كيران في “شرحه لتوحيد ابن عاشر”: «فالقدرة صفة تؤثر في الشيء عند تعلقها به، قاله المحلي، وهو تعريف حسن صادق بجميع الأقوال في تعيين أثر القدرة ماهو»[5 ].
وقال صاحب “الجوهرة، في تعريف القدرة وأدلة ثبوتها”: «و(قدرة)… وعبر عنها بالقوة في الكتاب والسنة واللغة، وهي كما قال السعد: “صفة أزلية تؤثر في المقدورات عند تعلقها بها»، بمعنى أن الذات الواجبة الوجود، القائم بها صفة القدرة القديمة تؤثر في الممكنات إيجادها أو إعدامها على وفق ما تعلقت به إرادتها، فأحسن منه قول بعض المتأخرين: “صفة يتأتى بها إيجاد كل ممكن وإعدامه على وفق الإرادة”، وإنما وجبت له تعالى، لأنه صانع قديم له مصنوع حادث، وصدور الحادث عن القديم إنما يتصور بطريق القدرة دون الإيجاب، وإلا يلزم تخلف المعلول عن تمام علته، حيث وجدت في الأزل العلة دون المعلول، و[معلوم] وجوب استناد جميع الحوادث إليه تعالى بالاختيار، وأيضا لو لم يتصف الباري بها لاتّصف بنقيضها وهو العجز، وهو محال ، فالملزوم كذلك وفي الأصل أدلة كثيرة.» [6]

القدرة عند أبي الحسن الأشعري

قال أبو الحسن الأشعري في الإجماع الثالث: «وأجمعوا أنه تعالى لم يزل موجودا حيا قادرا عالما مريدا متكلما سميعا بصيرا على ما وصف به نفسه، وتسمى به في كتابه، وأخبرهم به رسوله، ودلت عليه أفعاله، وأن وصفه بذلك لا يوجب شبهه لمن وصف من خلقه بذلك، من قبل الشيئين لا يشبهان بغيرهما، ولا باتفاق أسمائهما، وإنما يشبهان بأنفسهما، فلما كانت نفس الباري تعالى غير مشبهه لشيء من العالم بما ذكرناه آنفا، لم يكن وصفه بأنه حي وقادر وعالم يوجب تشبهه لمن وصفناه بذلك منا، وإنما يوجب اتفاقهما في ذلك اتفاقا في حقيقة الحي والقادر والعالم، وليس اتفاقهما في حقيقة ذلك يوجب تشابها بينهما، ألا ترى أن وصف الباري عز و جل بأنه موجود، ووصف الإنسان بذلك لا يوجب تشابها بينهما، وإن كانا قد اتفقا في حقيقة الموجود، ولو وجب تشابههما بذلك لوجب تشابه السواد والبياض بكونهما موجودين، فلما لم يجب بذلك بينهما تشابه وإن كانا قد اتفقا في حقيقة الموجود، لم يجب أن يوصف الباري عز و جل بأنه حي عالم قادر، ووصف الإنسان بذلك تشابههما وإن اتفقا في حقيقة ذلك، وإن كان الله عز و جل لم يزل مستحقا لذلك، والإنسان مستحقا لذلك عند خلق الله ذلك له، وخلق هذه الصفات فيه.» [7]
وقال في “الابانة”: «وزعمت الجهمية أن الله تعالى لا علم له ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا بصر له، وأرادوا أن ينفوا أن الله تعالى عالم قادر حي سميع بصير، فمنعهم خوف السيف من إظهارهم نفي ذلك، فأتوا بمعناه، لأنهم إذا قالوا لا علم لله ولا قدرة له، فقد قالوا إنه ليس بعالم ولا قادر ووجب ذلك عليهم، وهذا إنما أخذوه عن أهل الزندقة والتعطيل، لأن الزنادقة قد قال كثير منهم : إن الله تعالى ليس بعالم ولا قادر ولا حي ولا سميع ولا بصير، فلم تقدر المعتزلة أن تفصح بذلك فأتت بمعناه، وقالت إن الله عالم قادر حي سميع بصير من طريق التسمية من غير أن يثبتوا له حقيقة العلم والقدرة والسمع والبصر .» [8]
 وحكى ابن فورك مذهبه في الاستطاعة بقوله: «اعلم أنه كان يذهب إلى أن الاستطاعة هي القدرة، وأنه معنى حادث عرض لا يقوم بنفسه قائم بالجوهر الحي، وكذلك كان لا يفرق بين القوة، والقدرة، والأيد، والعون والمعونة، والنصر، والنصرة، واللطف ، والتأييد، في أن جميع ذلك يرجع إلى القدرة، وكان يقول: إن الانسان مستطيع باستطاعة هي غيره، وإنه يوصف بذلك على الحقيقة، كما يوصف بأنه قادر على الحقيقة، وإن كانت استطاعته تتعلق بما يصح أن يتصف به من نعت الاكتساب دون نعت الإحداث. وكان يقول إن الله تعالى لا تسمى قدرته استطاعة، لأجل التوقيف لم يرد بذلك، فأما من طريق المعنى فالذي له من القدرة هو معنى الاستطاعة، وأهل اللغة لا يفرقون بين معنييها، كما لا يفرقون بين القدرة والقوة وبين العلم والمعر فة، وبين الحركة والقلة.
وذكر في كتاب “النقض على أوائل الأدلة” للبلخي: “إنا لاننكر تسمية الله تعالى للأجسام قوة واستطاعة حقيقة، كما روي في الخبر تأويل قوله تعالى :{من استطاع إليه سبيلا} أن الاستطاعة هي الزاد والراحلة، وأن قوله تعالى:{ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}  أن ذلك هو السلاح، وأن قوله: {لو استطعنا لخرجنا معكم} أرادوا بذلك الخيل والمال فسموا ذلك استطاعة. قال: ولا ننكر أن يكون ذلك من الأسماء التي تقع على المختلفات من الأجناس، كما يقع وصف اللون والشيء على الأنواع المختلفة، وربما كان يقسم الكلام إذا سأل نفسه مطلقا عن الاستطاعة، أهي مع الفعل؟ أم قبله؟ بأنه إذا رجع بها إلى قدرة البدن التي يكون بوجودها وجود الكسب فلا يصح أن تتقدمه…» [9] .
قال أبو بكر الباقلاني  في  مسألة القدرة: «ويجب أن يعلم: أنه تعالى قادر على جميع المقدورات، والدليل عليه قوله تعالى: {وهو على كل شيء قديره }ولأنا نعلم قطعاً استحالة صدور الأفعال من عاجز لا قدرة له، ولما ثبت أنه فاعل الأشياء ثبت أنه قادر»[10].
وقال في تمهيد الأوائل: «وكذلك القديم تعالى يقدر عند الموحدين وعند من أثبته من الملحدين النافين للأعراض على تحريك الجسم تارة وعلى تسكينه أخرى…» [11]
وقال أيضا: «…ويدل على إثبات علم الله وقدرته من نص كتابه قوله:{أنزله بعلمه} وقوله:{وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه}وقوله:{أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة}والقوة هي القدرة، فأثبت لنفسه العلم والقدرة.»[12]
 قال الاسفراييني في “بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة”: «… وأن تعلم أن صانع العالم حي قادر عالم مريد متكلم سميع بصير؛ لأن من لم يكن بهذه الصفات كان موصوفا بأضدادها وأضدادها نقائص وآفات تمنع صحة الفعل فصحت ثبوت هذه الصفات له من وجهين: أحدهما دلالة الفعل، والثاني نفي النقائص وقد دلت على إثبات هذه ظواهر نصوص القرآن وردت جميعها في الأسماء التسعة والتسعين التي استفاضت بها الأخبار في أسماء الرب جل جلاله…[وقال]: {قل هو القادر}…  وأن تعلم أن له حياة وقدرة وعلما وإرادة وكلاما وسمعا وبصرا لأن من كان موصوفا بهذه الأوصاف ثبتت له هذه الصفات ولا يجوز أن يكون غير الموصوف بها موصوفا بهذه الصفات كما لا يجوز أن توجد الصفات من غير أن يكون الموصوف بتلك الأوصاف موصوفا بها …وورد في إثبات القدرة له:{ ذو القوة المتين}،  والقوة والقدرة واحد في العربية …» [13]
قال الامام السنوسي في “الوسطى” في: «فصل الأول في وجوب القدرة وأحكامها: “ويلزم أيضا أن يكون محدث العالم قادرا، وإلا لما أوجد شيئا من العالم بقدرته، لأنه لا يعقل قادر لا قدرة له غير متحدة بذاته، وإلا لزم كون الاثنين واحدا، وهو محال لا يعقل قديمه، وإلا كان ضدها وهو العجز قديما، فلا ينعدم أبدا لما عرفت أن القديم لا يقبل العدم أبدا، فيلزم أن لا يقدر أبدا، ومصنوعاته تشهد باستحالة ذلك، وأيضا لو كانت القدرة الحادثة لاحتاجت في إحداثها إلى قدرة أخرى، ولزم التسلسل، ويلزم أن تكون هذه القدرة متعلقة بجميع الممكنات؛ إذ لو تعلقت ببعضها دون بعض لاحتاجت إلى مخصص لاستوائها في حقيقة الإمكان فتكون حادثة، وقد عرفت وجوب قدمها، وإن فُرض تخصيصها بغير مخصص لزم انقلاب الجائز مستحيلا» [14].  

 

 

الهوامش:

[1] المصباح المنير في غريب الشرح الكبير – ث (2/ 492)، و المحيط في اللغة (1/ 460)، و تهذيب اللغة (3/ 184)، و تاج العروس (ص: 3377)، والفروق اللغوية (ص: 47).
[2]التعريفات علي بن محمد بن علي الجرجاني تحقيق : إبراهيم الأبياري  دار الكتاب العربي – بيروت الطبعة الأولى ، 1405(ص: 221).
[3]كتاب الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية لأبى البقاء الكفوى، تحقيق عدنان درويش – محمد المصري مؤسسة الرسالة – بيروت – 1419هـ – 1998م (ص: 1118-1121).
[4] الحقائق في تَعريفات مصطلحات عــلماء الكَلام، اعتنى بها أبو عبد الرحمن المالكي المازري عن نسخة من مقتنيات الحرم المدني (ص: 7).
[5 ]شرح توحيد ابن عاشر: مطبعة التوفيق الأدبية، بدون تاريخ، (ص:56).
[6] شرح الناظم على الجوهرة هداية المريد لجوهرة التوحيد طبعة دار البصائر بتحقيق وضبط الحواشي مروان حسين عبد الصالحين البجاوي الطبعة الأولى: 1430هـ/2009م،(ج:1، ص:366-367).
[7] رسالة إلى أهل الثغر لأبي الحسن الأشعري، تحقيق : عبدالله شاكر محمد الجنيدي، مكتبة العلوم والحكم  – دمشق  الطبعة الأولى ، 1988م، (ص:213).
[8] الإبانة عن أصول الديانة لبي الحسن الأشعري، دراسة وتحقيق عباس صباغ دار النفائس، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 1414هـ/1994م.( 107-108).
[9] انظر تفصيل مذهبه في مقالات الشيخ أبي الحسن الأشعري (ص:109)، وما بعدها إلى صفحة125.
 [10] الانصاف، تعريف وتقديم محمد زاهد الكوثري نشر وتصحيح عزت العطار الحسيني، مكتب نشر الثقافة الاسلامية،1950م. (ص:31).
 [11] تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، أبو بكر الباقلاني، تحقيق: عماد الدين أحمد حيدر ، مؤسسة الكتب الثقافية – بيروت، الطبعة الأولى، 1987م،( ص:39).
 [12] تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل( ص:228).
[13] التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، طاهر بن محمد الإسفراييني، تحقيق: الدكتور مجيد الخليفة، دار ابن حزم – بيروت لبنان، الطبعة الأولى ،1429هـ/ 2008م، (ص: 389-390).
[14]  العقيدة الوسطى وشرحها لأبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي، تحقيق السيد يوسف أحمد دار الكتب العلمية بيروت لبنان، (ص:143) وانظر  شرح السنوسية الكبرى المسمى عمدة أهل التوفيق والتسديد له أيضا، طبعة دار القلم الكويت ا لطبعة الأولى، 1402هـ/1982م،(ص:133)ومابعدها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق