وحدة الإحياءدراسات عامة

الإضافات النوعية في مسيرة علم مقاصد الشريعة

ليس عجيبا أن يساهم أكثر من مذهب لتأسيس وتأصيل وبلورة مباحث علم المقاصد، وليس غريبا أن يكون لعلماء كل مذهب إضافة نوعية في هذا العلم، تشكل منعطفا جديدا في البحث في المقاصد.

وقبل الحديث عن الإضافات النوعية التي قدمها علماء من المذهب الشافعي والحنبلي والمالكي في المقاصد لابد أن نشير إلى أن الإمام الجويني الذي كان له الفضل  في التنبه إلى المقاصد العامة وضبطها، وتصنيفها، حيث ميز بين أنواع المقاصد في تقسيمه الخماسي لأصول الشريعة، ومن أهم هذه الأقسام؛ الضروريات، الحاجيات، التحسينيات. وقد كان ذلك في كتابه البرهان، وفي كتابه غياث الأمم حيث أنه تحدث عن القواعد الكلية للشريعة. وكان مجمل ما قدمه الجوينـي في باب المقاصد، يمكن حصره في أمرين[1]:

1. وضع المصطلحات المقاصدية، كالضروريات والحاجيات والتحسينيات، ومصطلح مقاصد الشريعة، والاستصلاح: و”مباغي الشرع ومقاصده[2]” ومثل: المعاني[3]، والكليات والمصالح العامة[4].

2. المقاصد الشرعية المستقرأة غير المنصوصة، والتي تشكل أصول المصالح في الشرع.

3. المقاصد الشرعية المستفادة من القرائن التي تحتف بالنصوص الشرعية.

كما كان للغزالي اهتماما واضحا بالمقاصد من خلال  كتابهالمستصفىمن علم الأصول وكتابالمنخول “من تعليقات، الأصول، وكتابه “شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسائل التعليل”،وإحياء علوم الدين، وغيرها“. وحديثه عن المقاصد من جانبين:

أ. مقاصد الشريعة كأصول مصلحية: فقد عرّف الغزالي المصلحة في إطار حديثه عن الضروريات الخمس، فقال: “نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشارع، ومقصود الشارع خمسة، وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم. فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوِّت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة[5].”

ب. مقاصد الشريعة كدلالات مقصودة: وينحصر هذا النوع من المقاصد في نظر الغزالي فيما يستفاد من دلالات النصوص الشرعية، فهي إما نصوص لا تقبل الاحتمال في دلالاتها، فيتحدد القصد الشرعي منها بمعرفة وضعها اللغوي، وإما نصوص تتطرق إليها الاحتمالات، ولا تكفي معرفة الوضع اللغوي في تحديد قصد الشارع منها، وهنا يُلتفت إلى القرائن المحتفَّة بها من أجل ضبط معناها المقصود[6].

المبحث الأول: الإضافة النوعية الأولى في المقاصد: وتتمثل في تنظيم المقاصد وتفريعها وتقعيدها والتمكين لها

وتتجلى هذه الإضافة بما جاد به المذهب الشافعي في هذا المجال، وأفضل وأحسن من تناول المقاصد ويعد محدثا لطفرة فيها بحيث تميز تميزا كبيرا عمن سبقه، واستفاد منه كثيرا من جاء بعده، بل أقر له كثير منهم بالفضل والريادة في هذا الباب، وهو عز الدين بن عبد السلام الشافعي المتوفى سنة  (660ﻫ/1221م).

حيث يعد العز بن عبد السلام أهم حلقة في تناول المقاصد في المذهب الشافعي، وقد تميزت جهوده في خدمة المقاصد من خلال كتابه “قواعد الأحكام في مصالح الأنام “الذي له أثر كبير في المقاصد. وقد خص المقاصد بثلاثة كتب أخرى يتضح من عناوينها مدى الاهتمام الذي كان يوليه لهذا الموضوع، وهي: “الفوائد في اختصار المقاصدو”مقاصد الصلاةو”مقاصد الصوم”.

كما أن العز بن عبد السلام كان له الدور الرائد في إرساء أسس علم المقاصد؛ إذ أنه تناول المصالح والمفاسد بالدراسة، فوضع نظرية فيها تكاد تكون متكاملة لم يسبق إلى مثلها، كما أنه لم يكتف بذلك بل تناول بالدراسة الوسائل الموصلة للمقاصد والمصالح، ووضع لها قواعد، فكان بذلك أول من أفرد الوسائل بالبحث.

ولقد تفطن العز بن عبد السلام لضرورة إيجاد مسالك للكشف عن المقاصد، فاختار لنفسه أربعة مسالك وهي الشرع والعقل والطبيعة البشرية والاستقراء، فبين كيف يكون كل واحد منها كاشفا للمقاصد أثناء عملية الاجتهاد و موضحا لها.

أهم المباحث التي تناولها العز في المقاصد

1. حديث العز عن المصالح

لقد ذكر العز بن عبد السلام في فصل “بيان حقيقة المصالح والمفاسد” بأن: “المصالح أربعة أنواع؛ اللذات وأسبابها، والأفراح وأسبابها، والمفاسد أربعة أنواع؛ الآلام وأسبابها والغموم وأسبابها[7].” ثم قسمها إلى دنيوية وأخروية فقال: “وهي منقسمة إلى دنيوية وأخروية[8].”

وفي موضع آخر قال: “المصالح ضربان؛ أحدهما حقيقي وهو الأفراح واللذات، والثاني مجازي وهو أسبابها، وربما كانت أسباب المصالح مفاسد فيؤمر بها أو تباح لا لكونها مفاسد بل لكونها مؤدية إلى المصالح[9].”

وأيضا فالعز وضع معايير للمصلحة؛ فكل ما كان فرحا ولذة وخيرا ونفعا وحسنا فهو مصلحة، وكل ما كان شرا وألما وسيئا وغما وضارا فهو مفسدة لذلك قال: “ويعبر عن المصالح والمفاسد بالخير والشر، والنفع والضر، والحسنات والسيئات[10].”

كما تناول العز بن عبد السلام مسألة المصلحة الخالصة والمفسدة الخالصة، فقد ذهب إلى أن المصالح المحضة والمفاسد المحضة تكاد تكون منعدمة، بل الأمر الواضح هو اختلاطهما في نظام الحياة فيقول: “واعلم أن المصالح الخالصة عزيزة الوجود، فإن المآكل والمشارب والملابس والمناكح والمراكب والمساكن لا تحصل إلا بنصب مقترن بها، أو سابق، أو لاحق، و أن السعي في تحصيل هذه الأشياء كلها شاق على معظم الخلق، لا ينال إلا بكد وتعب، فإذا حصلت اقترن بها من الآفات ما ينكدها و ينغصها، فتحصيل هذه الأشياء شاق[11].”

 وأكد هذا المعنى في موضع آخر بقوله: “المصالح المحضة قليلة، وكذلك المفاسد المحضة، والأكثر منها اشتمل على المصالح والمفاسد ويدل عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “حفت الجنة بالمكاره و حفت النار بالشهوات”[12][13] ثم بين وجه اختلاط المصالح بالمفاسد فقال: “والمكاره مفاسد من جهة كونها مكروهات مؤلمات، والشهوات مصالح من جهة كونها شهوات وملذات مشتهيات، والإنسان بطبعه يؤثر ما رجحت مصلحته على مفسدته، وينفر مما رجحت مفسدته على مصلحته[14].”

كما فصل العز بن عبد السلام في بيان مقاصد الشرع في النصوص الجزئية في مجال المعاملات والتصرفات فيقول: “اعلم أن الله تعالى شرع في كل تصرف من التصرفات ما يحصل مقاصده ويوفر مصالحه؛ فشرع في باب ما يحصل مصالحه العامة والخاصة، فإن عمت المصلحة جميع التصرفات شرعت تلك المصلحة في كل تصرف، وإن اختصت ببعض التصرفات شرعت فيما اختصت به دون ما لم تختص به، بل قد يشترط في بعض الأبواب ما يكون مبطلا في غيره نظرا إلى مصلحة البابين[15].”

2. تعليل الأحكام

وأول ظهور لهذه المسألة كان في علم الكلام، فقد وقع الخلاف فيها تبعا للخلاف الواقع في تعليل أفعال الله، وانتقل إلى علم أصول الفقه[16]، فمنهم من أنكر التعليل كالظاهرية، وبذلك نفوا القياس ووقفوا عند ظواهر ألفاظ الشريعة. ومنهم من أثبت التعليل وهم جمهور العلماء لأنه مسلك القرآن، والسنة وهذا ما أوضحه العز بن عبد السلام بقوله: “ولو تتبعنا مقاصد ما في الكتاب والسنة، لعلمنا أن الله أمر بكل خير دقّه وجلّه، وزجر عن كل شر دقّه وجلّه، فإن الخير يعبر به عن جلب المصالح ودرء المفاسد، والشر يعبر به عن جلب المفاسد ودرء المصالح[17].”

 فالشريعة كلها تعلل بالمصالح من غير تقييد لإرادة الله تعالى، فهي إما تدرأ مفاسد أو تجلب مصالح “فإذا سمعت الله يقول: ﴿يا أيها الذين ءامنوا﴾ فتأمل وصيته بعد ندائه، فلا تجد إلا خيرا يحثك عليه أو شرا يزجرك عنه، أو جمعا بين الحث والزجر، وقد أبان في كتابه ما في بعض الأحكام من المفاسد حثا على اجتناب المفاسد، وما في بعض الأحكام من المصالح حثا على إتيان المصالح[18].”

والعز بن عبد السلام وإن كان يرى أن أحكام العبادات معللة، إلا أنه لا يجد حرجا في أن تكون هذه الأحكام غير معللة فيقول: “يجوز أن تتجرد التعبدات عن جلب المصالح ودرء المفاسد[19]“، والسبب في ذلك أنه يرى وإن لم تكن معللة بجلب المصالح و درء المفاسد، فهي معللة بما هو أهم من ذلك وهو الإذعان لله، عزّ وجلّ والطواعية له، وهو أرقى مستوى في التعليل عنده فيقول: “والمقصود من العبادات كلها إجلال الإله، وتعظيمه، ومهابته، والتوكل عليه، والتفويض إليه[20].”

وعليه فالعز بن عبد السلام يرى أن الأحكام المعللة أو المعقولة المعنى في مجال العبادات كثيرة جدا، وهو الأصل فيقول: “أحكام الله كلها مضبوطة بالحكم محالة على الأسباب والشرائط التي شرعها[21]“، وأن القليل منها هو الذي قد يتعذر تعليله تعليلا واضحا، ثم إن التعليل عموما لا يتنافى مع التعبد؛ لأن التعبد [حق الله] لا يخلو منه حكم من الأحكام الشرعية، سواء أكان تعبديا أو معللا، وسواء أكان في العبادات أو في غيرها، بل إن التعبد في الأحكام هو نفسه ضرب من التعليل المصلحي الذي لا يخلو عنه حكم من الأحكام، فكل حكم يعلم الناس ويدربهم على الانقياد للشرع، وعلى الخضوع لله ففيه مصلحة.

إلا أن الأصل في أحكام المعاملات هو التعليل، واعتبار المصالح فيها، يقول العز بن عبد السلام: “الشريعة كلها مصالح، إما تدرأ مفاسد أو تجلب مصالح”، ويقول في موضع آخر أن الغاية من كل التكاليف تحقيق مصالح العباد في الدنيا والآخرة و أن الله، عزّ  وجلّ، لا يعود عليه من ذلك شيء وهو غني عن العالمين “التكاليف كلها راجعة إلى مصالح العباد في دنياهم وأخراهم والله غني عن عبادة الكل…[22]“، ويعتبر العز بن عبد السلام هذا الأصل مسلم به و يستدل على ذلك بالاستقراء فيقول: “ولو تتبعنا مقاصد ما في الكتاب والسنة، لعلمنا أن الله أمر بكل خير دقّه و جلّه، وزجر عن كل شرّ دقّه و جلّه، فإن الخير يعبر به عن جلب المصالح و درء المفاسد، والشر يعبر به عن جلب المفاسد ودرء المصالح[23].”

3. أقسام المصالح والمفاسد عند العز بن عبد السلام

ـ أقسام المصالح

لقد أورد العز بن عبد السلام تقسيمات متعددة للمصالح وذلك باعتبارات مختلفة، وهذه التقسيمات هي:

  1. أقسام المصالح باعتبار رتبها: تقسم المصالح بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام وهي:

أ. المصالح الضرورية: وهي عند العز تشمل المصالح الدنيوية والمصالح الأخروية؛ أما المصالح الضرورية الدنيوية فهي كالمآكل والمشارب، والملابس والمساكن، والمناكح والمراكب الجوالب للأقوات، وغيرها مما تمس إليه الضروريات، وحد الضروري عند العز هو أقل المجزئ من ذلك[24].

أما مصالح الآخرة الضروري منها، فالعز بن عبد السلام يعتبرها واسعة، وأنها جميع ما أمر الله به، ونهى عنه، وذلك في قوله: “وأما مصالح الآخرة ففعل الواجبات، واجتناب المحرمات من الضروريات”.

ب. المصالح الحاجية: عرفها العز بقوله هي: “ما توسط بين الضروريات والتتمات  والتكميلات[25]“، هذا بالنسبة لمصالح الدنيا، أما مصالح الآخرة التي تقع في مرتبة الحاجيات، فهي السنن المؤكات الفاضلات[26].

ج. المصالح المكملة: وهي ما أطلق عليه العز بالتتمات والتكميلات، ومثل له بالمآكل الطيبات، والملابس الناعمات، والغرف العاليات، والقصور الواسعات والمراكب النفيسات، ونكاح الجواري الفاتنات، والسراري الفائقات[27]. وهذه المتممات من مصالح الدنيا، أما ما كان منها من مصالح الآخرة فهي المندوبات التابعة للفرائض، والمستقلات[28].

2. أقسام المصالح باعتبار حكم تحصيلها: قسمها العز إلى ثلاثة أقسام[29] وهي:

أ. المصالح الواجبة التحصيل: وهي ما عظمت المصلحة فيه فوجبت في كل شريعة، وهي ثلاث مراتب[30]:

ـ أفضل المصالح؛ وهو ما كان شريفا في نفسه، دافعا لأقبح المفاسد، جالبا لأرجح المصالح.

ـ متوسط المصالح بين الأفضل والفاضل.

ـ فاضل المصالح.

ب. المصالح المندوبة التحصيل: وهي ما ندب الله عباده إليه إصلاحا لهم، وأعلى رتب مصالح الندب دون أدنى مصالح الواجب، وتتفاوت إلى أن تنتهي إلى مصلحة يسيرة لو فاتت لصادفنا مصالح المباح.

ج. المصالح المباحة التحصيل: يقول العز عنها: “مصالح المباح عاجلة بعضها أنفع وأكبر من بعض، ولا أجر عليها، فمن أكل شق تمرة كان محسنا إلى نفسه بمصلحة عاجلة، ومن تصدق بشق تمرة كان محسنا بمصلحة آجلة، وإلى الفقراء بمصلحة عاجلة، ومن أتى مصلحة أخروية قاصرة عليه كان له أجرها وذخرها، ومن أتى مصلحة متعدية كان له أجرها ولمن تعدت إليه أجرها الآجل إن كانت في دينه، وكان نفعها العاجل إن كانت في دنياه[31].”

3. تقسيم المصالح باعتبار الثواب والعقاب: يقسم العز المصالح بهذا الاعتبار إلى قسمين[32]:

أ. ما يثاب على فعله لعظم المصلحة في فعله، ويعاقب على تركه لعظم المفسدة في تركه: وهو ضربان:

ـ الضرب الأول: فرض على الكفاية؛ والمقصود به تحصيل المصالح ودرء المفاسد دون ابتلاء الأعيان بتكليفه، ويسقط فرض الكفاية بفعل القائمين به دون من كلف به في ابتداء الأمر[33].

ـ الضرب الثاني: فرض على الأعيان؛ والمقصود به حصول المصلحة لكل واحد من المتكلفين على حدته، لتظهر طاعته أو معصيته، فلذلك لا يسقط فرض العين إلا بفعل المكلف به[34].

ب. ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه: وهو ضربان:

الضرب الأول: سنة على الكفاية.

الضرب الثاني: سنة على الأعيان.

4. تقسيم المصالح باعتبار توقع حصولها: وهي ثلاثة أقسام[35]:

أ. المصالح المتوقعة الحصول.

ب. المصالح الناجزة الحصول.

ج. المصالح المشتركة بين القطع والظن.

5. أقسام المصالح باعتبار معرفتها: قسمها العز بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام[36]:

أ. ما يشترك في معرفتها الخاصة والعامة، وهو ما عبر عنه العز بما يعرفه الأذكياء والأغبياء.

ب. ما ينفرد بمعرفته الخاصة، وهو ما عبر عنه بما يختص بمعرفته الأذكياء.

ج. ما ينفرد بمعرفته خاصة الخاصة، وهو ما عبر عنه بما يختص بمعرفته الأولياء؛ لأن الله تعالى ضمن لمن جاهد في سبيله أن يهديه إلى سبيله، فقال: ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾.

6. تقسيم المصالح باعتبار العاجل منها والآجل: تقسم إلى ثلاثة أقسام[37]:

أ. مصالح أخروية: وهي المتوقعة الحصول؛ إذ لا يعرف أحد بما يختم له؟ ولو عرف ذلك لم يقطع بالقبول، ولو قطع بالقبول لم يقطع بحصول ثوابها ومصالحها، لجواز ذهابها بالموازنة والمقاصة.

ب. مصالح دنيوية: ومنها الناجز كمصالح المآكل والمشارب والملابس والمساكن. ومنها متوقع الحصول، كالاتجار لتحصيل الأرباح وغيرها.

ج. ما يكون له مصلحتان إحداهما عاجلة والأخرى آجلة، كالكفارات والعبادات المالية.

ـ أقسام المفاسد

لقد بين العز بن عبد السلام كما أن للدارين مصالح، فإن لها أيضا مفاسد، إذا تحققت هلك أهلها، وكانت سببا للخسران في الدنيا والآخرة. فمفاسد الدنيا فوات ما تدعو إليه الضروريات أو الحاجات أو التتمات والتكميلات بالحصول على أضدادها. ومفاسد الآخرة الحصول على العقاب، وفوات الثواب، وخلود النيران وسخط الديان، مع الحجب عن النظر إلى وجهه الكريم[38]. والمفاسد على رتب متفاوتة، فمنها ما هو في أعلاها، ومنها ما هو في أدناها، ومنها ما يتوسط بينهما[39].

1. تقسيم المفاسد باعتبار رتبها: قسمها العز بهذا الاعتبار إلى[40]:

  • الكبائر: قال عنها العز: وهي منقسمة إلى الكبير والأكبر والمتوسط بينهما؛ فالأكبر أعظم الكبائر مفسدة. وكذلك الأنقص فالأنقص.
  • الصغائر: وقال عنها العز: ولا تزال مفاسد الكبائر تتناقص إلى أن تنتهي إلى مفسدة لو نقصت لوقعت في أعظم رتب مفاسد الصغائر. ثم لا تزال مفاسد الصغائر تتناقص إلى أن تنتهي إلى مفسدة لو فاتت لانتهت إلى أعلى رتب مفاسد المكروهات. 2

2. تقسيم المفاسد باعتبار حكم درئها: قسمها العز بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام[41]:

أ. ما يجب درؤه فإن عظمت مفسدته وجب درؤه في كل شريعة.

ب. ما تختلف فيه الشرائع فيحظر في الشرع ويباح في آخر تشديدا على من حرم عليه، وتخفيفا على من أبيح له.

ج. ما تدرؤه الشرائع كراهية له.

3. تقسيم المفاسد باعتبار الثواب والعقاب: قسمها العز بن عبد السلام بهذا الاعتبار إلى قسمين[42]:

أ. ما يعاقب على فعله ويؤجر على تركه إذا نوى بتركه القربة؛ كالتعرض للدماء والأبضاع والأعراض والأموال.

ب. ما لا يعاقب على فعله وتفوته مصلحة بتركه؛ كالصلاة في الأوقات المكروهات، وغمس اليدين في الإناء قبل غسلهما لمن قام من المنام، وترك السنن المشروعات في الصلوات.

4. تقسيم المفاسد باعتبار توقع حصولها: قسمها العز بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام[43]:

أ. المفاسد المتوقعة الحصول: سواء كانت دنيوية أو أخروية؛ أما المفاسد الأخروية فإنها متوقعة الحصول لا يقطع بتحققها لأنها قد تسقط بالتوبة، أو العفو أو الشفاعة أو الموازنة. أما المفاسد الدنيوية فإن منها ما هو متوقع الحصول غير مقطوع به؛ كقتال من يقصدنا من الكفار والبغاة وأهل الصيال.

ب. المفاسد الناجزة الحصول: وهي المفاسد المقطوع بحصولها كالكفر والجهل الواجب الإزالة، وكالجوع والعري وضرر الصيال والقتال.

ج. المفاسد المشتركة بين القطع والظن: وهو ما يكون له مفسدتان: إحداهما عاجلة والأخرى آجلة، كالكفر؛ فالعاجلة ناجزة الحصول، والآجلة متوقعة الحصول. وأما ما يكون مفسدته عاجلة ومصلحته آجلة كالصيال على الدماء والأبضاع والأموال، فإن درء مفسدته عاجلة حاصل لمن درئت عنه، ومصلحة درئه آجلة لمن درأه.

5. تقسيم المفاسد باعتبار معرفتها: كما قسم العز المصالح بهذا الاعتبار، فقد قسم المفاسد به، وذلك لأن من المفاسد ما هو جلي، ومنها ما هو خفي، ويتفاوت الناس في معرفتها على قدر تفاوتهم في سلامة فهمهم واستقامة طبعهم، وجعلها ثلاثة أقسام[44]:

أ. ما يشترك في معرفته الخاصة والعامة، وهو ما عبر عنه بما يعرفه الأذكياء والأغبياء.

ب. ما ينفرد بمعرفته الخاصة، وهو ما عبر عنه بما يعرفه الأذكياء.

ج. ما ينفرد بمعرفته خاصة الخاصة، وهو ما عبر عنه بما يعرفه الأولياء.

ـ الوسائل

1. حكم الوسائل

يقول العز: “وللوسائل أحكام المقاصد، فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل، والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل[45]“، كما أن “للمصالح والمفاسد أسباب ووسائل، وللوسائل أحكام المقاصد من الندب والإيجاب والتحريم والكراهة والإباحة، وربّ وسيلة أفضل من مقصودها؛ كالمعارف والأحوال وبعض الطاعات فإنها أقل من ثوابها والإعانة إلى المباح أفضل من المباح؛ لأن الإعانة عليه موجبة لثواب الآخرة وهو خير وأبقى من منافع المباح[46].”

 لم يكتف العز بن عبد السلام ببيان حكم الوسائل، بل بين أيضا كيف يترتب الجزاء والثواب على الوسائل فقال: “يختلف أجر وسائل الطاعات باختلاف فضائل المقاصد ومصالحها، فالوسيلة إلى  المقاصد أفضل من سائر الوسائل، فالتوسل إلى معرفة الله تعالى ومعرفة ذاته وصفاته أفضل من التوسل إلى معرفة أحكامه، والتوسل إلى معرفة أحكامه أفضل من التوسل إلى معرفة آياته، والتوسل  بالسعي إلى الجهاد أفضل من التوسل بالسعي إلى الجمعات… وكلما قويت الوسيلة في الأداء إلى المصلحة كان أجرها أعظم من أجر ما نقص عنها[47]“، كما يترتب الإثم والعقاب “كلما قويت الوسيلة في الأداء إلى المفسدة كان إثمها أعظم من إثم ما نقص عنها[48].”

كما بين العز بن عبد السلام أن الأجر على الوسائل  يتوقف أيضا على مدى المشقة المتعلقة بها وقت تحصيلها “وكذلك مشاق الوسائل في من يقصد المساجد والحج والغزو من مسافة قريبة، وآخر يقصد هذه العبادات من مسافة بعيدة، فإن ثوابهما يتفاوت بتفاوت الوسيلة، ويتساويان من جهة القيام بسنن هذه العبادات وشرائطها وأركانها، فإن الشرع يثيب على الوسائل إلى الطاعات كما يثيب على المقاصد مع تفاوت أجور الوسائل والمقاصد[49].”

2. شروط اعتبار الوسائل و شروط إلغائها
  • إذا سقط اعتبار المقصد سقطت الوسيلة المفضية إليه؛ لأنها تابعة للمقصد فليست هي المطلوبة أصالة، وإنما طلبها متعلق بطلب المقصد لذلك “الوسائل تسقط بسقوط المقاصد[50]“، إلا في حالات استثنائية كما بين ذلك العز بقوله: “كلما سقط اعتبار المقصد سقط اعتبار الوسيلة، فإنها تبع له في الحكم، وقد خولفت هذه القاعدة في الحج في إمرار الموسى على رأس من لا شعر له مع أنه وسيلة إلى إزالة الشعر فيحتاج إلى دليل يدل على أنه مقصود في نفسه[51].”
  • لكي تكون الوسيلة معتبرة والثواب عليها عظيما لابد أن تكون قوية في الأداء إلى المصلحة يقول العز: “كلما قويت الوسيلة في الأداء إلى المصلحة كان أجرها أعظم من أجر ما نقص عنها، فتبليغ رسالات الله من أفضل الوسائل لأدائه إلى جلب كل صلاح دعت إليه الرسل، وإلى درء كل فاسد زجرت عنه الرسل، والإنذار وسيلة إلى درء مفاسد الكفر والعصيان، والتبشير وسيلة إلى جلب مصالح الطاعة و الإيمان[52].”

ج. الوسائل تكون دائما أخفض من المقاصد و هذا إجماعا، فمهما تعارضتا تعين تقديم المقاصد على الوسائل، ولذلك قدمت الصلاة على التوجه إلى الكعبة لكونه شرطا ووسيلة، والصلاة مقصدا[53] ويدخل في الوسائل الأسباب المعرفات للأحكام، والشروط، وانتفاء الموانع فهي كلها وسائل موضوعة لتحقيق مقاصد[54].

ـ مقاصد المكلف فيقول: “لو تحققت الأسباب والشرائط والأركان في الباطن، فإن ثبت في الظاهر ما يوافق الباطن من تحقق الأسباب والشرائط والأركان فقد حصل مقصود الشرع ظاهرا وباطنا من جلب المصالح ودرء المفاسد وترتب عليه ثواب الآخرة[55].”

ملخص ما تناوله العز في المقاصد:

  1. وضع شبه نظريه في المصالح والمفاسد، وفي الموازنة بينهما، حيث كل من جاء بعده لم يضف عليها شيئا.
  2. تناول تعليل الأحكام في العبادات والمعاملات.
  3. أصّل لوسائل المقاصد بما لم يسبق إليه بل وحتى من جاء بعده اكتفى بما ذكره العز.
  4. تناول مقاصد المكلف في مواضع مختلفة من كتبه.
  5. تناول مسالك الكشف عن المقاصد وهي هي الشرع والعقل والطبيعة البشرية والاستقراء.

المبحث الثاني: الإضافة النوعية الثانية وتتمثل في مرحلة تحديد معالم المقاصد واستجلاء مجالاته ويمثل هذه المرحلة ابن قيم الجوزية المتوفى سنة (751ﻫ/1350م) من المذهب الحنبلي

لقد اهتم ابن القيم بمراعاته للمقاصد واعتبارها، فكان له الفضل في تعميق النظر إلى المقاصد، ومؤلفاته تشهد له بذلك، أمثال كتاب “شفاء العليل” و”مفتاح دار السعادة” و”أعلام الموقعين عن رب العالمين”. ولقد اهتم على وجه الخصوص بالمصالح وفصل فيها تفصيلا دقيقا، بل  بطريقة تطبيقية، فقد اعتمد التطبيقات العملية للمصلحة في مختلف الأحكام الجزئية، كما أولى عناية كبيرة لمسالة تعليل أحكام الشريعة بالمصالح ورد على نفاة التعليل وبين أن الشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق مصالح العباد في العاجل والآجل في قوله: “أن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم والمصالح في الآجل والعاجل، وهي عدل كلها ورحمة كلها وكل مصلحة خرجت من العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل[56]“، كما أنه اهتم بشكل متميز بقاعدتي سد الذرائع وإبطال الحيل وتوسع في عرضهما لأنهما من أكثر الوسائل التي تضيع بها مقاصد الشريعة[57] ودعا الفقهاء للاهتمام بهما.

1. المصلحة

يعرفها بقوله: “المصلحة؛ هي اللذة والنعيم وما يفضي إليه. والمفسدة؛ هي العذاب والألم وما يفضي إليه[58].”

 قال ابن القيم “وإذا تأملت شرائع دينه التي وضعها بين عباده وجدتها لا تخرج عن تحصيل المصالح الخالصة أو الراجحة بحسب الإمكان، وإن تزاحمت قدم أهمها وأجلها وإن فات أدناها، وتعطيل المفاسد الخالصة أو الراجحة بحسب الإمكان، وإن تزاحمت عطل أعظمها فساداً باحتمال أدناها.

وعلى هذا وضع أحكم الحاكمين شرائع دينه دالةً عليه، شاهدةً له بكمال علمه وحكمته ولطفه بعباده وإحسانه إليهم. وهذه الجملة لا يستريب فيها من له ذوق من الشريعة وارتضاع من ثديها وورود من صفو حوضها، وكلما كان تضلعه منها أعظم كان شهوده لمحاسنها ومصالحها أكمل… والقرآن مملوء من أوله إلى آخره بذكر حكم الخلق والأمر ومصالحها ومنافعها، وما تضمناه من الآيات الشاهدة الدالة عليه…

وإذا تأملت الشريعة التي بعث الله بها رسوله حق التأمل وجدتها من أولها إلى آخرها شاهدة بذلك ناطقة به، ووجدت الحكمة والمصلحة والعدل والرحمة بادياً على صفحاتها، منادياً عليها، يدعو العقول والألباب إليها[59].”

2. التعليل

 تناول ابن القيم تعليل الأحكام بتفصيل كبير بحيث لم يسبق إلى مثله، بل استفاد منه كثير ممن جاء بعده، ويقول عنه أنه من أجل الأبواب، وناقش كثيرا منكي التعليل، بل اعتبر انكاره من أعظم  الجنايات فيقول: “وهل يمكن فقيها على وجه الأرض أن يتكلم في الفقه مع اعتقاده بطلان الحكمة والمناسبة والتعليل وقصد الشارع بالأحكام مصالح العباد وجناية هذا القول على الشرائع من أعظم الجنايات، فإن العقلاء لا يمكنهم إنكار الأسباب والحكم والمصالح والعلل الغائية[60].”

ولقد ذكر ابن القيم أمثلة كثيرة من تعليلات القرآن والسنة[61] وجاء عنه في كتاب مفتاح دار السعادة: “والقرآن وسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مملوءان من تعليل الأحكام بالحكم والمصالح وتعليل الخلق بها، والتنبيه على وجوه الحكم التي لأجلها شرع تلك الأحكام ولأجلها خلق تلك الأعيان، ولو كان هذا في القرآن والسنة نحو مائة موضع أو مائتين لسقناها، ولكنه يزيد على ألف موضع بطرق متنوعة[62].”

3. الوسائل

ابن القيم عند تناوله لقاعدة سد الذرائع فقال: “لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها، كانت أسبابها تابعة لها معتبرة بها، فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها، ووسائل الطاعات والقربات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غاياتها، فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود، لكنه مقصود قصد الغايات، وهي مقصودة قصد الوسائل[63].”

4. مسالك الكشف عن المقاصد عند ابن القيم

 اعتمد ابن القيم ثلاثة مسالك لإثبات المقاصد، بركنيها المصلحة والتعليل وهي:

أ. الشرع: يقول ابن القيم: “القرآن وسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مملوءان من تعليل الأحكام بالحكم والمصالح وتعليل الخلق بهما والتنبيه على وجوه الحكم التي لأجلها شرع تلك الأحكام ولأجلها خلق تلك الأعيان ولو كان هذا في القرآن والسنة في نحو مائة موضع أو مائتين لسقناها ولكن يزيد على ألف موضع بطرق متنوعة[64].”

ب. العقل: يقول ابن القيم: “إن فعل الحي العالم الاختياري لا لغاية ولا لغرض يدعوه إلى فعله لا يعقل، بل هو من الممتنعات، ولهذا لا يصدر إلا من مجنون أو نائم أو زائل العقل؛ فإن الحكمة والعلة الغائية هي التي تجعل المريد مريدا،ً فإنه إذا علم بمصلحة الفعل ونفعه وغايته انبعث إرادته إليه، فإذا لم يعلم في الفعل مصلحة ولا كان فيه غرض صحيح ولا داع يدعوه إليه فلا يقع منه إلا على سبيل العبث هذا الذي لا يعقل العقلاء سواه، وحينئذ فنفي الحكمة والعلة والغاية عن فعل أحكم الحاكمين نفي لفعله الاختياري في الحقيقة وذلك أنقص النقص[65].”

ج. الاستقراء: وقد اعتمده ابن القيم لإثبات كثير من المسائل، ككون الشريعة جاءت لتحصيل مصالح الناس في العاجل والآجل، وأن التعليل مبثوث في نصوص الشريعة، وأن سد الذريعة معتبرة، وأثبته بالاستقراء.

خلاصة ما أضافه ابن القيم في المقاصد:

ـ  توسَّع في الكلام على المقاصد؛ وذلك بما أفرده من كتب، وما ضمَّنه في أخرى..

ـ اهتمامه بإثبات مقاصد الشارع، وتعليل الأحكام، وطرائق التعليل، وبيان الحِكَم؛ كما في كتابيه: “شفاء العليل” و”مفتاح دار السعادة” وجاء بما يعتبر جديداً في علم المقاصد..

ـ تناوله لمسائل مهمة في مقاصد الشريعة؛ كسد الذرائع، والحيل وأتى فيهما بكلام أوسع من العز بن عبد السلام؛ لأن لهما ارتباط كبير بمآلات الأفعال..

ـ توسّعه في الكلام على المصلحة، وتقسيمه للمصالح والمفاسد، وتمحضهما، وتساويهما، وترجيح إحداهما على الأخرى؛ كما في كتابه “مفتاح دار السعادة”..

ـ كلامه عن مقاصد المكلّفين ونيّاتهم كما في كتابه: “إعلام الموقعين عن رب العالمين”..

ـ بيانه لحِكَم كثير من الأحكام ومقاصدها في ثنايا كتبه؛ ومنها: “شفاء العليل”، و”مفتاح دار السعادة”، و”زاد المعاد”..

المبحث الثالث: الإضافة النوعية الثالثة وهي مرحلة اصطباغ البحث المقاصدي بالصبغة العلمية ويمثلها المذهب المالكي بعلميه؛ الإمام الشاطبي المتوفى سنة 790ﻫ/1388م وابن عاشور 1393ﻫ).

أولا: الشاطبي

 إن جهود الإمام الشاطبي في مجال المقاصد متميزة جدا؛ إذ أنه أفردها بالتأليف و خصص لها جزءا كاملا من كتابه “الموافقات”، وأعطى للمقاصد دفعا نوعيا متميزا، فقد توسع وتعمق فيها وقسمها إلى أربعة أنواع، وفصل كل نوع منها، وبيّن بجلاء كيف أن الشريعة مبنية على مراعاة المصالح. كما أنه جعل المقاصد ركنا أساسيا في بنية الفكر الإسلامي ورتب على ذلك أمورا منها: “أنه جعل الشرط الأول والأعظم لبلوغ مرتبة الاجتهاد هو معرفة المقاصد على كمالها[66].”

 وبين الإمام الشاطبي سبب اشتراطه لهذا الشرط بقوله: “فإذا بلغ الإنسان مبلغا فهم عن الشارع فيه قصده في كل مسألة من مسائل الشريعة وفي كل باب من أبوابها، فقد حصل له وصف هو السبب في تنزيله منزلة الخليفة للنبي، صلى الله عليه وسلم، في التعليم والفتيا والحكم بما أراه الله[67]“، وعليه من جهل المقاصد أو غفل عنها فلا قيمة لاجتهاده في فهم الشريعة؛ لأنه “يأخذ ببعض جزئياتها في هدم كلياتها، حتى يصير منها إلى ما ظهر به ببادئ رأيه من غير إحاطة بمعانيها ولا راجع رجوع   الافتقار إليها[68].”

1. تقسيمه للمقاصد من حيث هي إلى قسمين:

القسم الأول: ما يرجع إلى قصد الشارع

وهذا القسم ينقسم إلى أربعة أنواع:

النوع الأول: قصد الشَّارع في وضع الشَّريعة ابتداءً.

النوع الثاني: قصد الشَّارع في وضع الشَّريعة للإفهام.

النوع الثالث: قصد الشَّارع في وضع الشَّريعة للتَّكليف بمقتضاها.

النوع الرابع: قصد الشَّارع في دخول المكلَّف تحت حكمها.

القسم الثاني: ما يرجع إلى قصد المكلَّف

ربطه لمقاصد الشريعة بأفعال المكلَّف بصورة أوسع عمَّن قبله؛ مع أنَّه خصَّص لها الجزء الثاني من كتابه “الموافقات”؛ إلا أنه لم يخل الأجزاء الأخرى من الكلام عن المقاصد.

تعتبر مقاصد المكلف في التكليف عنصرا حيويا وجب البحث فيه حتى لا تظل مقاصد الشارع حبرا على ورق وقد تناوله الشاطبي من خلال عدة مسائل نوجزها فيما يلي:

  1. الأعمال بالنيات والمقاصد معتبرة في التصرفات من العبادات والعادات. ذلك أن قصد المكلف من فعله هو الذي يجعل فعله صحيحا أو باطلا، عبدة أو رياء، فرضا أو نافلة، إيمانا أو كفرا.
  2. قصد الشارع من المكلف أن يكون قصده من عمله موافقا لقصده في التشريع. ذلك أنه إذا كان قصد الشارع المحافظة على الضروريات إضافة إلى تحقيق مصلحة العباد فعلى هذا يجب أن يأتي تكليف العبد الذي وجب عليه أن يكون قائما على ما استخلفه الشارع عليه إذ يعتبر خليفة له ولن يتأتى له ذلك إلا باتباع أحكام ومقاصد الشارع.

ولكي يتأتى لكل المكلفين معرفة قصد الشارع في أعمالهم، وضع الشاطبي أمامهم ثلاثة خيارات إما:

ـ أن يكون قصد المكلف من عمله ما فهمه من قصد الشارع من غير إغفال لقصد التعبد.

ـ أن يقصد ما عسى أن يكون الشارع قصده من غير تحديد.

ـ أن يقصد مجرد امتثال لأمر الشارع والخضوع لحكمه.

وحصر الحالات الموافقة والمخالفة بين المكلف والشارع فيما يأتي:

ـ أن يكون المكلف موافقا للشارع في القصد والفعل وهذا هو المطلوب من المكلف.
ـ أن يكون مخالفا للشارع قصدا وفعلا وهو باطل.

ـ أن يكون موافقا للشارع في الفعل ولكن مخالفا له في القصد وهنا التمييز بين عدم علمه بالموافقة الفعلية مع قصد الشارع فيكون آثما في حق الشارع “الله” وبين علمه بالموافقة الفعلية وهنا يدخل المكلف تحت إثم الرياء والنفاق والتحايل على أحكام الله فيكون أشد.

ـ أن يكون مخالفا للشارع في الفعل موافقا له في القصد وهنا نميز بين علمه بالمخالفة الفعلية حيث يكون في غالب الأحيان متأولا معتمدا على حسن القصد وهم المبتدعين وبينى عدم علمه بالمخالفة الفعلية وهنا وجهتان نظر:

 الأولى؛ النظر إلى كونه موافقا في نيته وقصده (إنما الأعمال بالنيات) وأما مخالفته فجاءت عن غير قصد وعن غير علم منه.

الثانية؛ النظر إلى كونه مخالفا عمليا للشارع ولهذا فإن قصده لم يحقق قصد الشارع حيث أن قصد الشارع إنما يتحقق بالفعل والفعل هنا مخالف.

2. المصلحة

وعرفها الشاطبي بقوله: “وأعني بالمصالح ما يرجع إلى قيام حياة الإنسان وتمام عيشه، ونيله ما تقتضيه أوصافه الشهوانية والعقلية على الإطلاق، حتى يكون مُنَعَّمًا على الإطلاق[69].” وهذا التعريف يشير إلى مراتب المصالح، وأن المصلحة لا تتوقف على مجرد قيام حياة الإنسان [الضروريات]، بل إضافة إلى ذلك تمام العيش والتنعم [الحاجيات، والتحسينات] وهي المراتب الثلاثة للمصالح المقصودة شرعا.

3. التعليل

الإمام الشاطبي يسلم بالتعليل في المعاملات، ومستنده الاستقراء أيضا وبيان الأمثلة التي توسع الشارع في بيان عللها وحكمها في باب العادات “فإنا وجدنا الشارع قاصدا لمصالح العباد، والأحكام العادية تدور معها حيث دارت، فترى الشيء الواحد يمنع في حال لا تكون فيه مصلحة، فإذا كان فيه مصلحة جاز…[70]” وهو ما ذهب إليه ابن عاشور بقوله: “فالشرائع كلها وبخاصة شريعة الإسلام جاءت لما فيه صلاح البشر في العاجل والآجل … واستقراء أدلة كثيرة من القرآن والسنة الصحيحة يوجب لنا اليقين بأن أحكام الشريعة الإسلامية منوطة بحكم وعلل راجعة للصلاح العام للمجتمع والأفراد[71].”

عرض لهذا الإشكال في المسألة الخامسة من النوع الأول من كتاب المقاصد [وضع الشريعة    ابتداء] ونظر إليها من خلال جهتين:

النظر الأول: من حيث مواقع الوجود.

النظر الثاني: من حيث تعلق الخطاب بها شرعا.

من خلال النظر الأول: فإنه لا توجد مصلحة محضة، ولا مفسدة محضة، وعليه فإن المصالح والمفاسد التي ترجع إلى الدنيا إنما تفهم على مقتضى ما غلب، فإذا كانت جهة المصلحة هي الغالبة فهي المصلحة المفهومة عرفا، وإذا غلبت الجهة الأخرى فهي المفسدة المفهومة عرفا “وكان الفعل ذو الوجهين منسوبا إلى الجهة الراجحة، فإن رجحت المصلحة فمطلوب، ويقال فيه أنه مصلحة، وإذا غلبت جهة المفسدة فمهروب عنه، ويقال أنه مفسدة[72].”

أما النظر الثاني: فخلاصته أن المصلحة إذا اختلطت مع المفسدة، فإن المقصود من طلب الفعل هو تلك المصلحة لا ذلك القدر من المفسدة، وأن المفسدة التي فيها قدر من المصلحة فإن المقصود كمن طلب الترك هو تلك المفسدة لا ذلك القدر من المصلحة، يقول الشاطبي: “فالمصلحة إذا كانت هي الغالبة عند مناظرتها مع المفسدة في حكم الاعتياد، فهي المقصودة شرعا ولتحصيلها وقع الطلب على العباد… فإن تبعها مفسدة أو مشقة فليست بمقصودة في شرعية ذلك الفعل و طلبه، وكذلك المفسدة إذا كانت هي الغالبة بالنظر إلى المصلحة في حكم الاعتياد، فرفعها هو المقصود شرعا ولأجله وقع النهي… فإن تبعتها مصلحة أو لذّة فليست هي المقصودة بالنهي عن ذلك الفعل، بل المقصود ما غلب في المحل… فالحاصل من ذلك أن المصالح المعتبرة شرعا أو المفاسد المعتبرة شرعا هي خالصة، غير مشوبة بشيء من المفاسد لا قليلا و لا كثيرا[73].”

4. الاستقراء عند الإمام الشاطبي

يتميز كتاب “الموافقات” للإمام الشاطبي باعتماده المنهج الاستقرائي للاستدلال على القواعد والمسائل الأصولية والمقاصدية، والإمام الشاطبي حدَّد منذ بداية كتابه المنهج الذي سيسلكه ويعتمده فقال: “ولمّا بدا من مكنون السرِّ ما بدا، ووفَّق الله الكريم لما شاء منه وهدى، ولم أزل أقيد من أوابده، وأضمّ شواهده تفاصيلا وجملا، وأسوق من شواهده في مصادر الحكم وموارده؛ مبيِّنًا لا مجمِلًا، معتمِدًا على الاستقراءات الكلية، غير مقتصر على الأفراد الجزئية، ومبينا أصولها النقلية بأطراف من القضايا العقلية، حسبما أعطته الاستطاعة و المِنّة، في بيان مقاصد الكتاب والسنة”.

والمتتبع لكتاب الموافقات يظهر له، بجَلاء، التزام الإمام الشاطبي بالمنهج الاستقرائي، حتى إننا لا نكاد نجد قاعدة من القواعد العامة أو كلية من الكليات التي بحثها في كتابه هذا، إلا وقد دلَّل لها، من جملة أدلته، بالاستقراء. سواء اكتفى في ذلك بالقول بأن تلك القاعدة أو الكلية، محلّ الاستدلال، قد ثبتت باستقراء موارد الشريعة ومصادرها، من غير إيراد الجزئيات المستقرأة، أو إيراد طرف من تلك الآحاد المستقرأة.

5. مسالك الكشف عن المقاصد عند الشاطبي

لقد أورد الإمام الشاطبي خمسة مسالك الكشف عن المقاصد وهي[74]:

أ. مجرد الأمر والنهي الابتدائي التصريحي.

ب. اعتبار علل الأمر والنهي.

ج. المقاصد الأصلية والمقاصد التابعة.

د. سكوت الشارع.

ﻫ. الاستقراء.

والواضح من المسالك التي ارتضاها الشاطبي لنفسه، أنها تتعلق بالمقاصد الموجهة لآحاد الجزئيات والأحكام الخاصة، والتي من خلالها يمكن استخلاص المقصد الكلي والعام.

خلاصة ما أضافه الشاطبي في المقاصد:

  1. تخصيصه للمقاصد جزءاً من كتابه “الموافقات”، وقد كانت لا تذكر استقلالاً، وإنما تذكر عند الكلام على المصلحة أو الوصف المناسب.
  2. تفصيله لمقاصد الشارع، وكذا مقاصد المكلف وعلاقته بمقاصد الشارع.
  3. تناوله لمباحث أصول الفقه في ظل مقاصد الشريعة، وخاصة مباحث المباح والأسباب.
  4. تناول العلاقة بين المقاصد بالاجتهاد.
  5. اعتمد الاستقراء في تناوله للمقاصد، ويصرح بذلك في مواضع كثيرة.
  6. تناول مسالك الكشف عن المقاصد صراحة وهي:

أ. مجرد الأمر و النهي الابتدائي التصريحي.

ب. اعتبار علل الأمر و النهي.

ج. المقاصد الأصلية و المقاصد التابعة.

د. سكوت الشارع.

ﻫ. الاستقراء.

والواضح من المسالك التي ارتضاها الشاطبي لنفسه، أنها تتعلق بالمقاصد الموجهة لآحاد الجزئيات والأحكام الخاصة، والتي من خلالها يمكن استخلاص المقصد الكلي والعام.

ثانيا: ابن عاشور (ت 1393ﻫ)

  يعد الإمام ابن عاشور من رواد ومؤسسي علم المقاصد في هذا العصر، وصاحب الدعوة إلى إنشاء علم المقاصد الشرعية المستقل عن أصول الفقه، فقد تناول مقاصد الشريعة من جوانب عديدة؛ من تعريف، ومشروعيتها في فقه الشريعة، ومن جهة طرق إثباتها، ومن حيث مراتبها، وفصل الكلام في المقاصد الشرعية العامة والمقاصد الشرعية الخاصة بالمعاملات، كل هذه المواضيع وغيرها تناولها من الناحية النظرية، ثم تناول المقاصد من الناحية التطبيقية في جانب المعاملات وأولى لها اهتماما خاصا.

 ولقد بين ابن عاشور الغرض من علم المقاصد في أول كتابه بقوله: “هذا كتاب قصدت منه إلى إملاء مباحث جليلة من مقاصد الشريعة الإسلامية والتمثيل لها والاحتجاج لإثباتها لتكون نبراسا للمتفقهين في الدين ومرجعا بينهم عند اختلاف الأنظار، وتبدل الأعصار، وتوسلا إلى إقلال الاختلاف بين فقهاء الأمصار، ودربة لأتباعهم على الإنصاف، في ترجيح بعض الأقوال على بعض عند تطاير شرر الخلاف، حتى يستتب بذلك ما أردناه  غير مرة من نبذ التعصب والفيئة إلى الحق إذا كان القصد إغاثة المسلمين…[75].”

كما بين ابن عاشور أن “شريعة الإسلام جاءت لما فيه صلاح البشر في العاجل والآجل؛ أي في حاضر الأمور وعواقبها وليس المراد بالآجل أمور الآخرة؛ لأن الشرائع لا تحدد للناس سيرهم في الآخرة، لكن الآخرة جعلها الله جزاء على الأحوال التي كانوا عليها في الدنيا[76].”

1. المصلحة

أما ابن عاشور فعرف المصلحة بقوله: “وصف للفعل يحصل به الصلاح؛ أي النفع منه دائما أو غالبا للجمهور والآحاد[77].” يلاحظ من هذا التعريف أن ابن عاشور نزع إلى الإطلاق المجازي؛ أي إطلاق السبب وإرادة المسبب، فالفعل الذي حصل به النفع أو الصلاح هو سبب المصلحة، وأما نفس المصلحة فهي أثر للفعل؛ أي نتيجة للسبب.

وقد قام ابن عاشور بشرح التعريف الذي اقترحه للمصلحة “فقولي “دائما” يشير إلى المصلحة الخالصة والمطردة، وقولي “أو غالبا” يشير إلى المصلحة الراجحة في غالب الأحوال. وقولي “للجمهور أو الآحاد” إشارة إلى أنها قسمان”، باعتبار العموم والخصوص، وتقييد الصلاح أو النفع بـ “دائما” أو “غالبا” إشارة إلى النوع المعتبر شرعا؛ إذ ليس كل نفع معتبر شرعا.

وعرف ابن عاشور المفسدة بقوله: “وأما المفسدة فهي ما قابل المصلحة وهي وصف للفعل يحصل به الفساد؛ أي الضرر دائما أو غالبا للجمهور أو الآحاد”.

أما عن المصلحة الخالص والمفسدة الخالصة:

يعد ابن عاشور من الذين يرون إمكانية وجود المصالح الخالصة والمفاسد الخالصة، فهو مع إيمانه بندرة المصالح الخالصة والمفاسد الخالصة، لكنه يرى أنه بالمقدور وجودها فيقول: “النفع الخالص والضر الخالص وإن كانا موجودين إلا أنهما بالنسبة للنفع والضر المشوبين يعتبران عزيزين[78]“، ثم بعد أن أورد ما قاله العز بن عبد السلام بخصوص المصالح الخالصة والمفاسد الخالصة، وما قرره الشاطبي في المسألة الخامسة من أول كتاب المقاصد، قال ابن عاشور: “وإياك أن تتوهم من كلامهما اليأس من وجود النفع الخالص والضر الخالص، فإن التعاون بين الشخصين هو مصلحة لهما وليس فيه أدنى ضر، وإن إحراق مال أحد إضرار خالص، على أننا لا نلزم فرض الأمرين في خصوص تعامل شخصين أو أكثر بل إذا صورناه في فعل الشخص الواحد نستطيع أن نكثر من أمثلته. على أن بعض المضرة قد يكون لضعفه مغفولا عنه ممن يلحقه فذلك مُنزّل منزلة العدم، مثل المضرة اللاحقة للقادر على الحمل الذي يناول متاعا لراكب دابة سقط منها متاعه فإن فعله ذلك مصلحة محضة للراكب، و إن ما يعرض للمناول من العمل لا أثر له في جلب الضر إليه “[79].

2. التعليل عند ابن عاشور

أما ابن عاشور فعنده أن الحكم بتعبدية أحكام العبادات لا يكون إلا بعد استفراغ الجهد في تبين علة هذه الأحكام، فمتى آل ذلك الاستفراغ إلى التحقق من تعبدية الأحكام وجب على الفقيه المحافظة على صورته لا يزيد في تعبديتها كما لا يضيع أصل التعبدية[80] يقول ابن عاشور: “وجملة القول أن لنا اليقين بأن أحكام الشريعة كلها مشتملة على مقاصد الشارع، وهي حكم ومصالح ومنافع ولذلك كان الواجب على علمائنا تعرف علل التشريع ومقاصده ظاهرها وخفيها، فإن بعض الحكم قد يكون خفيا وإن أفهام العلماء متفاوتة في التفطن لها، فإذا أعوز في بعض العصور الإطلاع على شيء منها فإن ذلك قد لا يعوز من بعد ذلك، على أن من يعوزه ذلك يحق عليه أن يدعو نظراءه للمفاوضة في ذلك مشافهة ومراسلة ليمكن لهم تحديد مقادير الأحكام المتفرعة من كلام الشارع[81].”

3. أما في مجال الوسائل فقد ذكر ابن عاشور أن ما قدمه العز بن عبد السلام فيها جامع وكاف، واكتفى بإضافة واحدة في هذا المجل وهي تعدد الوسائل إلى مقصد واحد، ومثل ابن عاشور لتعدد الوسائل وتساويها مع إفضائها لمقصد واحد بقوله تعالى: ﴿فإن شهدوا فامسكوهن في البيوت﴾ (النساء: 15) فهذا خطاب للناس والمقصود منه حصول هذا العقاب، فإذا قام به ولي المرأة أو قام به زوجها أو قام به القاضي، كان ذلك سواء، فإذا عرضت أحوال في الناس أضعفت سلطة ولي المرأة أو سلطة الزوج كان تكليف القضاة بمباشرة ذلك متعينا؛ لأنه أوقع في دوام ذلك الإمساك وتعجيله وعدم اختلاله[82].

فإذا تعددت الوسائل إلى المقصد الواحد تختار الأقوى منها في الإفضاء إلى المقصد ويوضح ذلك ابن عاشور بقوله: “قد تتعدد الوسائل إلى المقصد الواحد فتعتبر الشريعة في التكليف بتحصيلها أقوى تلك الوسائل تحصيلا للمقصد المتوسل إليه بحيث يحصل كاملا، راسخا، عاجلا، ميسورا، فنقدمها على وسيلة هي دونها في هذا التحصيل، فإذا قدرنا وسائل متساوية في الإفضاء إلى المقصد باعتبار أحواله كلها سوت الشريعة في اعتبارها، وتخير المكلف في تحصيل بعضها دون الآخر؛ إذ الوسائل ليست مقصودة لذاتها[83]“، و هذه الحالة ذكرها ابن عاشور، وأشار إلى أن لا أحد تفطن إليها، وهي الإضافة التي يقدمها في باب الوسائل.

4- مسالك الكشف عن المقاصد عند ابن عاشور[84]:

1-استقراء الشريعة في تصرفاتها بنوعيه.

2-أدلة القرآن الواضحة الدلالة.

3-نصوص السنة المتواترة.

و يبدو أن الغرض من تحديد هذه المسالك عند ابن عاشور، و حصرها في هذا العدد هو سعيه إلى تحقيق مقاصد قطعية أو قريبة من القطع، و لا يتأتى له ذلك إلا من خلال اختيار الطرق الموصلة إلى تحقيق هدفه و هو تأسيس علم مقاصد الشريعة.

5. ما تفرد به في باب المقاصد

الفطرة، التي بُني عليها الإسلام، هي أصْلُ أصول الشريعة، وهي التي بُني عليها الإنسان. وقد جَاءت كلّ الأحكام الشرعية تؤكدَ حكم الفطرة، وتصونها، وتمنع إفسادها، وتنظّم موارِدُها.

مقصد السماحة؛ هي مقصد من أعظم مقاصد الشريعة، يجدها من استقرأ أحكامها، منتشرة في كافة الأحكام الشرعية والتوجيهات النبوية، وهي معنى الوسطية والاعتدال في الشرع، ومعنى اليسر في الدين، قال تعالى: ﴿وَكَذَ‌ٰلِكَ جَعَلْنَاكُمُ أُمَّةً وَسَطًا﴾ (البقرة: 142)، ولا عجب، إذ الدين هو الفطرة، والفطرة لا تستقل عن السماحة، والسماحة تأتي من معنى الرحمة، التي هي مقصود بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مقصد المساواة؛ هي مقصد عام للتشريع، وهي الأصل في المعاملات وإقامة الحُدود؛ إذ القصد من القصاص العدل بين الناس، الذي يقوم على أنهم سواسية بلا فرق، إلا ما فرضَه ظرفٌ طارئ على الأصل كالعبودية، أو الصِغر، أو فساد العقيدة.

مقصد الحرية؛ وأنها مبنية على أن “استواء أفراد الأمة في تصرفهم في أنفسهم مقصد أصلي من مقاصد الشريعة، وذلك هو المراد بالحرية[85].”

خلاصة ما أضافه ابن عاشور:

يُلحظ أنَّ ابن عاشور وسَّع دائرة البحث في المقاصد، وأعطاه وجهة جديدة تتجاوز حدود السعي لتأسيس مجرد أصول تشريعية عقلية كلية قطعية، حيث فتح أفقاً أرحب للتنظير الاجتماعي بمعناه الواسع، من حيث هو سعي للتشريع والتخطيط للمستقبل، انطلاقاً من استيعاب معطيات الحاضر وتحليلها وتمحيص عناصرها وفق بصائر الوحي، وتوجيهها طبقاً لقيمه وأحكامه، توخياً لتحقيق مقاصده، وفق أولويات متراتبة متكاملة[86].

وقد يكون من أهم ما امتاز به جهد ابن عاشور كما يقول طه جابر العلواني: “هو العمل على تقديم منهج للكشف عن المقاصد، جعله يضيف مقصدين هامين جداً، وهما: مقصد المساواة، ومقصد الحرية، وتلك خطوة اجتهادية هامة لابدّ من متابعتها والبناء عليها[87].”

كما أنه حاول القيام بتطبيقات ناجحة موفقة للمقاصد في دوائر المعاملات والسلوكيات، ومهَّد بذلك كله لجعل المقاصد علماً قائماً بذاته، يمكّن المشتغلين بالعلوم النقلية من اقتحام العقبة التي لا تزال تحول بينهم وبين التجديد والاجتهاد وبلورة وتيسير فقه التديُّن. فقال رحمه الله:

“إذا أردنا أنْ ندوّن أصولاً قطعية للتفقه في الدين حق علينا أن نعمد إلى مسائل أصول الفقه المتعارضة، وأن نعيد ذوبها في بوتقة التدوين، ونعيرها بمعيار النظر والنقد، فننفي عنها الأجزاء الغريبة التي عاشت بها، ونضع فيها أشرف معادن مدارك الفقه والنظر، ثم نعيد صوغ ذلك العلم ونسميه علم مقاصد الشريعة، ونترك علم أصول الفقه على حالة تستمد منه طرق تركيب الأدلة الفقهية[88].”

ويمكن إيجازها في ما يأتي:

  1. واصل الكلام في طرق إثبات المقاصد،.بالإضافة إلى مزيد من التعمق في القضايا المألوفة، كالمصالح وأقسامها.
  2. من أبرزها ما أضافه ابن عاشور “مقاصد التشريع الخاصة بأنواع المعاملات”.

ـ مقاصد أحكام العائلة؛

ـ مقاصد التصرفات المالية؛

ـ مقاصد الشريعة في المعاملات المنعقدة على الأبدان؛

ـ مقاصد أحكام القضاء والشهادة؛

ـ المقصد من العقوبات؛

ـ مقاصد المساواة والسماحة والحرية؛

ـ الدعوة إلى تأسيس علم المقاصد المستقل عن أصول الفقه.

  1. ابن عاشور هو أول من نادى صراحة بتأسيس علم جديد هو “علم المقاصد”، ويبدو أنه كان يؤلف كتابه على هذا الأساس.

خاتمة

لقد تناولت الدراسة أهم أربعة أعلام في المقاصد، لثلاثة مذاهب فقهية معتمدة، حيث كانت المقاصد الجامع بينها، وبترتيبها الزمني، فاهتمام علماء الشافعية بالمقاصد بدا واضحا عندهم أثناء تناولهم لمسائل في أصول الفقه، لكن المنعطف الرئيسي في المذهب في مجال المقاصد كان على يد الإمام  العز بن عبد السلام، فلم يكتف بإشارات كما هو شأن من قبله، بل خصّ المقاصد بالتأليف، في كتابين مستقلين، وحاول أن يجمع فيها أهم دعائم هذا العلم، وهي المصالح والوسائل والتعليل والمسالك.

فلقد اهتم الإمام العز بموضوع “المصالح والمفاسد” باعتبارها لب المقاصد، بصورة لم يُعهد لها مثيل لدى السابقين من الأصوليين والفقهاء، ولا حتى اللاحقين، وسبق إلى إفراد ذلك بالتأليف في كتابيه: “قواعد الأحكام في مصالح الأنام” و“الفوائد في اختصار المقاصد”، فكان مؤسساً لما يمكن أنْ نسميه بـ “علم المصالح والمفاسد”، كما اهتم بوسائل المقاصد فتناولها بتفصيل دقيق. واهتم ابن القيم بالتعليل اهتماما لم يسبق إليه، وهو أحد دعائم المقاصد. بينما اهتم الإمام الشاطبي بالقدر نفسه بموضوع “المقاصد الشرعية” فحرّر مواضيعها بطريقة بديعة متميزة تنظيرا وتنظيما، حيث ألَّف كتابه: “الموافقات”، وخصّص الجزء الثاني منه للمقاصد، مع هيمنة الفكر المقاصدي على سائر أجزائه، فأمكن بذلك اعتباره مؤسساً لعلم المقاصد. أما ابن عاشور فواصل البناء مع مزيد من التعمق مع إضافة نوع من المقاصد الذي خصص له القسم الثالث من كتابه، و سماه”مقاصد التشريع الخاصة بأنواع المعاملات”، بحيث من سبقه لم يتعرض لهذا النوع من المقاصد.

إن الناظر في المسالك التي أوردها العز بن عبد السلام، وابن القيم ثم بعده الشاطبي وابن عاشور يلاحظ أن هناك نقاط اتفاق تجمع بينهم، كما أن هناك نقاط اختلاف تميز مسالك كل واحد عن الآخر.

أما أوجه الاتفاق والاشتراك فهي:

  1. اتفاق الجميع على أن مصالح الآخرة لا تعرف إلا بالشرع، ولا مجال للعقل في إدراكها.
  2. مصالح الدنيا منها ما يعرف بالشرع ومنها ما يعرف بالعقل[89] والطبيعة البشرية باعتبار أن مصالح الدنيا في أغلبها تتعلق بمقاصد المكلف، فبإمكانه أن يدرك ذلك بالعقل والتجارب والضرورات، وأما ما تعلق بمقاصد الشارع فلا يعرف إلا بالشرع.
  3. اتفاق الجميع أن الاستقراء مسلك من مسالك الكشف على المقاصد، وإن اختلفوا في كيفية توظيفه، فالعز وابن القيم و الشاطبي لم يصرحوا بأنه مسلك من مسلك الكشف على المقاصد، وإنما اعتمدوا عليه في بحث المقاصد جملة، أما ابن عاشور فعده المسلك الأول من مسالك الكشف عن المقاصد.
  4. الجميع أدرك أهمية بحث المسالك للتعرف على المقاصد، لذلك أوردوها أثناء بحثهم للمقاصد.

أما ما اختلفوا فيه فهو:

1. ما تناوله العز بخصوص المقاصد عامة والمسالك خاصة، على أهميته البالغة لكن يبقى أنه بداية وتمهيد وتوجيه للأنظار إلى أهمية هذا العلم، الذي ستتبلور قواعده على أيدي من سيأتون بعده، وهو ما قام به كل من ابن القيم والشاطبي وابن عاشور. لذلك فالمسالك عند العز وابن القيم اتسمت بالإجمال والعموم.

أما الشاطبي وابن عاشور فقد وصلهم تراث ثري خاص بالمقاصد فكان من السهل البناء عليه، والاستمرار إلى الأمام، فمسالكهم جاءت مفصلة، تنحوا نحو الجزئيات عند الشاطبي، وإلى الكليات عند ابن عاشور.

2. أورد العز بن عبد السلام مسالكه في أول الكتاب وهو شأن ابن عاشور أيضا، لما يريانه من أن هذه المسالك هي مقدمات هذا العلم. وابن القيم أوردها ضمنا عند الحديث عن المصالح والتعليل، أما الشاطبي فجعلها في آخر كتابه؛ لأنه يعتبرها ثمرة للبحث الذي قام به حول المقاصد.

3. المسالك عند العز جاءت مجملة دون تفصيل، لكنها تنحو منحى الكليات والجزئيات معا وهو شأن ابن القيم، أما الشاطبي فالمسالك عنده تنحو منحى الجزئيات؛ أي إثبات مقاصد آحاد الأحكام لتأسيس الكليات، لذلك لم يعد الاستقراء[90] مسلكا من مسالكه لأنه لا يساير الوجهة التي رسمها من تفصيل و تبسيط و تدقيق، على أنه اعتمد الاستقراء منهجا في دراسة و بحث المقاصد. أما ابن عاشور فالمسالك عنده تنحو منحى الكليات، تحقيقا لهدفه الذي يسعى إليه وهو بناء أصول قطعية كلية تمهيدا لتأسيس علم المقاصد.

4. مسالك العز وابن القيم عامة وشاملة لمسالك الكشف عن مقاصد الشارع، ومسالك الكشف عن مقاصد المكلف، أما المسالك عند الشاطبي فهي خاصة بمقاصد الشارع كما أشار إلى ذلك بنفسه عندما قال: “… فإن للقائل أن يقول إن ما تقدم من المسائل في هذا الكتاب مبني على المعرفة بمقصود الشارع، فبماذا يعرف ما هو مقصود له مما ليس بمقصود …[91]“، أما ابن عاشور فقد نحى منحى التأصيل فاهتم بالاستقراء واعتبره أهم طريق للتوصل إلى المقاصد القطعية لفظ الخلافات والنزاعات الفقهية.

5. الملاحظ أن بحث المسالك عند العلماء الأربعة اتسم بالتطور، وعدم التكرار، فما كان من تنبيه عند العز بن عبد السلام وابن القيم على أهمية المسالك، تلقفه الشاطبي وبحثه في تحقيق المقاصد في آحاد الأحكام، في إطار تأسيس علم المقاصد، ثم تنبه ابن عاشور لما أورده الشاطبي فنحى منحى الكلية والتقنين والتقعيد، وهو استمرار وبناء على ما بدأه الشاطبي قبله، وقبلهما العز بن عبد السلام وابن القيم.

وعليه فما كان إشارات من العز تناولها ابن لقيم ببعض من التوضيح، وفصلها الشاطبي، فأثبتها ابن عاشور كعناصر ومباحث لعلم لمقاصد، أما ما فصله العز كالمصالح والمفاسد والوسائل، فمن جاء بعده إكتفى بم ذكره العز، إلا ما كان على سبيل الإشارة.

 6. عرض العز مباحث المقاصد؛ وهي مقاصد الشارع، مقاصد المكلف، المصالح والمفاسد التعليل، الوسائل ومسالك الكشف عن المقاصد. واهتم اهتماما متميزا بمبحثين وهما المصالح والمفاسد والوسائل، وسار على دربه ابن القيم، لكنه اهتم بمبحثين وهما مقاصد المكلف، والتفصيل المتميز في مبحث التعليل. أما الشاطبي، فتفرغ للتأليف المستقل في المقاصد وجمع مباحثه في كتاب واحد، والاهتمام الدقيق بمقاصد الشارع ومقاصد المكلف، والمسالك.أما ابن عاشور فاستفاد من الجميع لذلك كانت أهم إنجازاته في المقاصد هي التأليف المستقل فيها، وجمع كل مباحثه، والدعوة إلى جعله علما مستقلا عن أصول الفقه، مع الاهتمام بمسالك الكشف عن المقاصد، وإضافة مقاصد جديدة إلى مباحث هذا العلم.

الهوامش

[1]. انظر: عبد الله الجيوسي، أنموذج مقترح لقراءة نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، مجلة التجديد، السنة الرابعة، العدد الثامن، ص243.

[2]. الجويني، الغياثي، تحقيق مصطفى حلمي وفؤاد عبد المنعم أحمد، الإسكندرية: دار الدعوة، ط3، 1999، ص49.

[3]. الجويني، البرهان، تحقيق عبد العظيم ديب، القاهرة: دار الأنصار، ط2، 1400، ج2 ص724-726.

[4]. الجويني، الغياثي، م، س، ص253 والبرهان، م، س، ج2 ص875.

[5]. أبو حامد الغزالي، المستصفى في علم الأصول، بيروت: دار الكتب العلمية، ط2، 1403ﻫ/1983م، ج1، ص286.

[6]. إسماعيل الحسني، نظرية المقاصد عند الإمام محمد الطاهر بن عاشور، منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 1416ﻫ/1995، ص46-47.

[7]. العز، قواعد الأحكام، بيروت: دار الريان، 1990، ج1، ص12.

[8]. المصدر نفسه.

[9]. المصدر نفسه، ج1، ص13.

[10]. المصدر نفسه، ص6.

[11]. المصدر نفسه، ص8.

[12]. أخرجه مسلم واللفظ له في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الجنة وصفة نعيمها، المجلد التاسع، ج17، ص165، و البخاري بلفظ حجبت، كتاب الرقائق، باب حجبت النار بالشهوات، المجلد الرابع، ج7، ص239.

[13]. العز، قواعد الأحكام، ج1، ص14.

[14]. المصدر نفسه.

[15]. المصدر نفسه، ج2، ص293.

[16]. مصطفى شلبي، تعليل الأحكام، بيروت: دار النهضة العربية، ط2، 1981، ص95.

[17]. العز، قواعد الأحكام، م، س، ج2، ص327.

[18]. المصدر نفسه، ج1، ص11.

[19]. العز، قواعد الأحكام، ج1، م، س، ص19.

[20]. المصدر نفسه، ج2، ص240.

[21]. المصدر نفسه، ص300.

[22]. المصدر نفسه، ص240.

[23]. المصدر نفسه، ص327.

[24]. العز، قواعد الأحكام، م، س، ج2 ص 238-239.

[25]. المصدر نفسه، ص239.

[26]. المصدر نفسه، ص239.

[27]. المصدر نفسه، ص238-239.

[28]. المصدر نفسه، ص239.

[29]. المصدر نفسه، ج1، ص9 وص34، وج2، ص199.

[30]. المصدر نفسه، ج1، ص44.

[31]. المصدر نفسه، ج1، ص45.

[32]. المصدر نفسه، ص41.

[33]. المصدر نفسه.

[34]. المصدر نفسه.

[35]. المصدر نفسه، ج1 ص5-6، وج2 ص206.

[36]. المصدر نفسه، ج1 ص24 وص47.

[37]. العز، قواعد الأحكام، م، س، ج1 ص34-35.

[38]. المصدر نفسه، ص9، ج2ص240.

[39]. المصدر نفسه، ج1 ص9.

[40]. المصدر نفسه، ص45-46.

[41]. العز، قواعد الأحكام،  م، س، ج1، ص35.

[42]. المصدر نفسه، ص43.

[43]. المصدر نفسه، ص35 و36.

[44]. العز، قواعد الأحكام، م، س، ج1، ص24 و47.

[45]. المصدر نفسه، ص43.

[46]. العز، القواعد الصغرى، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد عوض، بيروت: دار الجيل، ط2، 1994، ص46.

[47]. العز، قواعد الأحكام، م، س، ج1، ص91.

[48]. المصدر نفسه، ص93.

[49]. المصدر نفسه، ص30.

[50]. المصدر نفسه، ج1، ص92.

[51]. المصدر نفسه، ص93.

[52]. المصدر نفسه، ص91.

[53]. محمد صدقي بن أحمد البورنو، موسوعة القواعد الفقهية، تحقيق أبو الحارث الغزي، مكتبة التوبة، (د، ت)، ج1، ص88.

[54]. عطية، جمال الدين، النظرية العامة للشريعة الإسلامية، مطبعة المدينة، ط1، 1988، ص123.

[55]. العز، قواعد الأحكام، م، س، ج1، ص111.

[56]. ابن القيم، شمس الدين، أعلام الموقعين عن رب العالمين، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1991، ج3، ص11.

[57]. المصدر نفسه، ج3، ص108 وما بعدها.

[58]. ابن القيم، مفتاح دار السعادة و منشور ولاية العلم والإرادة، القاهرة: دار المتنبي، (د. ت) ج2، ص14.

[59]. ابن القيم، مفتاح دار السعادة، م، س، ج2، ص22-23.

[60]. ابن القيم، شفاء العليل، بيروت: دار المعرفة، (د. ت)، ص205.

[61]. ابن القيم، أعلام الموقعين، م، س، ج1، ص196.

[62]. ابن القيم، مفتاح دار السعادة، م، س، ج2، ص22.

[63]. ابن القيم، أعلام الموقعين، م، س، ج3، ص108-109.

[64]. ابن القيم، مفتاح دار السعادة، م، س، ج2ص22.

[65]. ابن القيم، شفاء العليل، بيروت: دار المعرفة، 1978، ص422.

[66]. الريسوني، أحمد، نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، فرجينيا، ط4، 1995، ص330.

[67]. الشاطبي، الموافقات، تحقيق عبد الله دراز، بيروت: دار المعرفة، ج4، ص106-107.

[68]. المصدر نفسه، ج4، ص174-175.

[69]. الشاطبي، الموافقات، م، س، ج2، ص25.

[70]. المصدر نفسه، ص305.

[71]. ابن عاشور، مقاصد الشريعة، تونس: الشركة التونسية للتوزيع، ط3، 1988، ص13.

[72]. الموافقات، م، س، ج2، ص26.

[73]. المصدر نفسه، ج2، ص26-27.

[74]. أنظر تفصيل هذه المسالك: الشاطبي، الموافقات، م، س، ج2، ص293 وما بعدها. والريسوني، نظرية المقاصد عند الشاطبي، م، س، ص297 وما بعدها.

[75]. ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، ص5.

[76]. المصدر نفسه، ص13.

[77]. المصدر نفسه، ص65.

[78]. المصدر نفسه، ص67.

[79]. المصدر نفسه، ص67.

[80]. الحسني، إسماعيل، نظرية المقاصد عند الإمام الطاهر بن عاشور، فرجينيا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 1995، ص320.

[81]. ابن عاشور، مقاصد الشريعة، م، س، ص48.

[82]. المصدر نفسه، ص149.

[83]. ابن عاشور، مقاصد الشريعة، م، س، ص149.

[84]. أنظر تفصيل هذه المسالك: ابن عاشور، مقاصد الشريعة، م، س، ص20 وما بعدها. والحسني، مقاصد الشريعة عند ابن عاشور، م، س، ص354 و ما بعدها.

[85]. ابن عاشور، م، س، ص391

[86]. ابن عاشور،  م، س.

[87]. العلواني، طه جابر: مقدمة نظرية المقاصد عند الإمام محمد بن عاشور للحسني، م، س، ص19.

[88]. المرجع نفسه.

[89]. الملاحظ أن ابن عاشور لم يتناول ذلك في مسالكه، لكنه تعرض لذلك ضمن بحثه للمقاصد، وللصفة الضابطة للمقاصد الشرعية فقال: “أما المعاني الحقيقية فهي التي لها تحقق في نفسها بحيث تدرك العقول السليمة ملاءمتها للمصلحة أو منافرتها لها؛ أي تكون جالبة نفعا عاما أو ضررا عاما= =إدراكا مستقلا عن لتوقف على معرفة عادة أو قانون كإدراك كون العدل نافعا، وكون الاعتداء على النفوس ضارا، وكون الأخذ على يد الظالم نافعا لصالح المجتمع”. ابن عاشور، مقاصد الشريعة، م، س، ص51. و قال عما لا يدركه العقل مستقلا بنفسه: “وأما المعاني العرفية العامة، فهي المجربات التي ألفتها نفوس الجماهير واستحسنتها استحسانا ناشئا عن تجربة ملاءمتها لصلاح الجمهور، كإدراك كون الإحسان معنى ينبغي تعامل الأمة به، وكإدراك كون عقوبة الجاني رادعة إياه عن العود إلى مثل جنايته، ورادعة غيره عن الإجرام”. مقاصد الشريعة، م، س، ص51.

[90]. بناء على أن الشاطبي لم يصرح به ضمن مسالكه، ولقد جعل الريسوني الاستقراء عند الشاطبي مسلكا من مسالك الكشف عن المقاصد وبرر ما ذهب إليه، فلمزيد من التفصيل يراجع: الريسوني، مقاصد الشريعة عند الشاطبي، م، س، ص307.

[91]. الشاطبي، الموافقات، م، س، ج2 ص 391.

Science

دة. أم نائل بركاني

أستاذة محاضرة بجامعة باتنة/الجزائر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق