مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

الإسهام المغربي في التراث الإسلامي إسهام أخلاقي عمل المغاربة الخُلُقي في مصر نموذجاً

الدكتور طه عبد الرحمن

    لقد عُرِف المغاربة في المشرق، منذ أن أخذوا يفدون عليه بعد الفتح الإسلامي، بالعكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى، حتى فاقوا غيرهم عددا ومَدَدا في المجاورة بالحرمين الشريفين والحرم الأقصى، واشتهروا عند أهله بكونهم من أشد المسلمين تمسكا بالكتاب والسنة عند انتشار البدع وظهور الفساد[1]، حتى وقر في القلوب أنهم هم المقصودون بالحديث الشريف: “لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة “[2]؛ كما شَهِد رجال الأخلاق بالمشرق لنظرائهم من المغاربة برسوخ القدم في التربية الخلقية والتزكية الروحية، وقدَّموهم على أنفسهم في إرشاد من يقصدهم، طلبا للتخلق والتحقق بمكارم الأخلاق[3].

    وإذا كان الأمر كذلك، أليس معنى هذا أن العطاء المغربي في باب التربية الدينية والخلقية كان وافرا؟ ولعله كان أوفر في هذا الباب منه في أبواب الثقافة الإسلامية الأخرى؛ ونريد بهذا الصدد أن ندعي دعوى ونشتغل بالتدليل عليها، وهي: أن العطاء المغربي الذي غلب على المصريين الاستمداد منه تعلَّق أساساً بالعمل الخُلُقي الذي تميز به المغاربة الوافدون عليهم.

ونحتاج في ذلك إلى بسط الكلام في الأغراض الثلاثة الآتية:

    أشكال وأسباب تنقل رجال الأخلاق المغاربة إلى مصر.

    خصائص العمل الخلقي المغربي.

    دور العمل الخلقي المغربي في مصر.

1  ـ  تنقل الأخلاقيين المغاربة إلى مصر

    لقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن العمل الخلقي المغربي انتقل إلى الديار المصرية، لكن انتقاله إليها لم يكن بطرق نظرية تقوم على الرواية والكتابة، وإنما بطرق عملية تقتضي التنقل إلى عين المكان والإقامة به.

    لقد أخذ الأخلاقيون المغاربة ـ أساتذة وتلامذة ـ يفدون على أرض الكنانة في طريقهم إلى أداء فريضة الحج وزيارة قبر الرسول عليه السلام. وقد يختار بعضهم الإقامة بهذه الأرض المباركة؛ وتَذْكر المصادر أن أشهر من أقام بها منهم في مطلع القرن الرابع أبو الخير الأقطع التيناتي (ت 343) الذي كان أوحد عصره في التحقق بخلق التوكل، ثم تفيض في سرد أسماء من جاء بعده في القرون الموالية إلى أن تذكر الوافدين منهم في القرن الرابع عشر الهجري؛ وسوف يطول بنا المقال لو أردنا أن نذكر أشهرهم[4]، على أن بعضهم سوف يستوقفنا عند تفصيل أدلتنا على دعوى إمداد المغاربة لإخوانهم المصريين في مجال الأخلاق.

1. 1  ـ  أشكال التنقل

اتخذ تنقل العمل الخلقي المغربي إلى الديار المصرية أشكالا مختلفة نذكر منها:

أ  ـ  تنـقل الأسـاتـذة المغاربة إلى مدن وقرى مصرية معينة مثل الإسكندرية أو قنا أو طنطا أو الفسطاط أو القاهرة أو الفيوم، إلخ.

ب  ـ تنقل أتباعهم من أهل الغرب الإسلامي (أي “المغرب الأقصى” و”الأندلس” و”المغرب الأوسط” و”إفريقية”)[5] إلى مصر والانتشار بأقاليمها المختلفة.

د  ـ  عودة المصريين إلى بلادهم بعد الأخذ عن الأساتذة المغاربة أو تلامذتهم[6]، وإن كان الوافدون منهم على المغرب قلة قليلة.

1. 2  ـ  أشكال الإقامة

كما اتخذت الإقامة بالمدن والقرى المصرية أشكالا متعددة نورد منها ثلاثة هي:

أ ـ   الإقامة الدائمة: قد يختار الأستاذ أو التلميذ الإقامة بمصر على الدوام، فيكون نزيلها ودفينها.

ب  ـ  الإقامة المؤقتة الواحدة: قد يختار الأستاذ أو التلميذ الإقامة بمصر لفترة واحدة قصيرة أو طويلة يعود إلى المغرب أو ينتقل إلى إحدى البلاد الإسلامية الأخرى مثل الحجاز أو الشام أو العراق أو اليمن.

ج  ـ  الإقامة المؤقتة المتعددة: قد يختار الأستاذ أو التلميذ الإقامة بمصر على فترات متعددة يقع فيها الاختلاف إلى مصر بعد تنقلات شرقا أو غربا[7].

 1. 3  ـ  أسباب التنقل

    لقد تعددت الآراء في شأن الأسباب التي حملت الأخلاقيين المغاربة على التنقل إلى الديار المصرية والإقامة بها.

    فقد قيل إن مصر التي كانت تضم مراكز للإشعاع الحضاري والنشاط الثقافي جعلت هؤلاء المغاربة يفضلون التوجه إليها لِما تفتحه هذه المراكز من آفاق لممارسة دعواتهم وجلب الأتباع إليها.

    وقيل أيضا إن مصر التي تحط بها رِحال المغاربة القاصدين أرض الحجاز للحج أو للمجاورة كما يشع بمنازل الحجاج بها جو من الروحانية يناسب أذواق الأخلاقيين منهم، فيطيب لهم المقام بها.

    وقيل كذلك إن مدينة الإسكندرية التي كانت تعد رباطا إسلامياً كبيراً، من أقام به كان له أجر المجاهد في سبيل الله، جلبت إليها الأخلاقيين المغاربة الذين ألفوا الرباطات في بلادهم واتخذوها مراكز يزاولون فيها العلم والتعبد والجهاد.

    وقيل أخيرا بأن مدينة الإسكندرية التي ظلت مدينة سُنِّية على مذهب الإمام مالك كانت تلبي حاجات الأخلاقيين المغاربة العقدية والمذهبية، فتغريهم بالمقام فيقيمون بها، ولاسيما أن الحدود بين أطراف البلاد الإسلامية لم تكن مرسومة ولا الشعور بها كان موجودا.

    أيا كانت هذه الافتراضات في تعليل تنقل أهل التربية المغاربة إلى أرض الكنانة، فلا نستطيع أن نقطع بانفراد واحدة منها بالصحة. فقد يكون لكل منها جانب من الصواب، وقد يشترك بعضها مع بعض أو قد تجتمع كلها لتحصيل هذا الصواب بعضا أوكلا؛ لكن يبقى أن هذه الافتراضات تتعلق بتعليل عموم إقامة الأخلاقيين المغاربة بمصر، بينما نحتاج إلى تعليل ظاهرة تقلبات هذه الإقامة، زيادة ونقصانا، عبر فترات التواصل بين البلدين: المغرب ومصر.

    فنحن نعلم أن الوافدين على مصر من الأخلاقيين المغاربة ارتفع عددهم ارتفاعا في الحقبة الممتدة بين أواخر القرن السادس وأواخر القرن السابع الهجري، وهي بالذات الفترة التي ازدهر بها العمل الخلقي بالقطر المصري واتسعت حركته اتساعا؛ ومن هؤلاء الوافدين المغاربة: الأستاذ عبد الرازق الجزولي والأستاذ عبد الرحيم القنائي والأستاذ أبو الحسن الشاذلي والأستاذ أحمد البدوي.

    أما عبد الرازق الجزولي، فأصله من المصامدة، أخذ الطريق على يد أبي مدين الغوث واستقر بالإسكندرية وبها مات سنة 592 هـ أو سنة 596 هـ على بعض الأقوال.

    أما عبد الرحيم القنائي، فأصله من ترغاي من قبيلة غمارة بإقليم سبتة؛ ولد سنة 521 هـ ولبس خرقة التخلق على يد الأستاذ أبي يعزى، ثم انتقل إلى الحجاز حيث أقام بها مجاورا تسع سنين ومنه تحول إلى صعيد مصر، فاستقر بقَنا، منتصبا للتدريس والإرشاد حتى وفاته سنة 592 هـ.

    وأما أبو الحسن الشاذلي، فتنسبه المصادر هو الآخر إلى قبيلة غمارة بإقليم سبتة؛ ولد سنة 593 هـ وأخذ الطريق على يد عبد السلام بن مشيش الذي وجهه إلى “إفريقية” (أي تونس) وأنبأه بالظهور في المشرق، فكان أن استقر بالإسكندرية، موجٍّها وهاديا إلى سبيل الله بكلامه “القريب العهد بالله” إلى أن وافته المنية  في طريقه إلى الحج سنة 656 هـ.

    وأما أحمد البدوي، فقد وُلد بفاس سنة 596 هـ ولبس الخرقة بها على يد الأستاذ عبد الجليل النيسابوري، ثم انتقل إلى المشرق متجولا فيه حتى انتهى به المطاف إلى الاستقرار بطنطا في شمال مصر، متصدرا للتربية والدعوة إلى الله.

    قد يقول القائل بأن علة توافد أرباب التربية على مصر في هذه الفترة هي أنهم وجدوا أسباب العيش الآمن في ظل دولة الأيوبيين ودولة المماليك اللتين صارتا رمزا للقوة الإسلامية القادرة على قهر جحافل الغزاة من التتار والصليبيين؛ ولا يمكن أن يصح هذا القول، لأن الفتن كانت منتشرة في هذه الفترة والتنازعَ على السلطة كان ضاربا أطنابه بين الأيوبيين والمماليك؛ والأرجح عندنا أن لهذا التوافد علتين متكاملتين:

    إحداهما أنه كان تنقلا مطلوبا: فإذا كانت مصر في هذه الفترة تسوسها دولة ذات قوة ومنَعَة، فإن المغرب كانت تسوسه دولة لا تقل عنها ظهورا بالسلطان؛ فقد أدرك هذا البلد آنذاك من البأس والمجد ما لم يدركه مذ كان دولة مستقلة، حتى سارعت الدولة الأيوبية إلى الاستنجاد به، طالبة منه قِطَعا من أسطوله لمنازلة المواقع التي احتلها الصليبيون.

    وهكذا، فقد كان المغرب مطلوبا للجهاد، ولا يخفى أن من يُطلَب للجهاد هو، عند الأخلاقيين المغاربة، كمن يُطلَب للمجاهدة وهم الذين ألفوا واختاروا الإقامة بالرباطات التي عُرِفت بالنضال الروحي والمادي.

    وعلى هذا، فلا يبعد أن يكون توجه المربين المغاربة إلى مصر امتدادا لتوجه المحاربين في أسطولهم إليها إن كان هذا التوجه العسكري قد تحقق أو يكون تعويضا عنه إن كان قد تعذر، وذلك استجابة لنداء إخوانهم من المصريين حتى يقوموا بواجبهم في تجديد أخلاق الجمهور وإعداده لمنع الغزاة عن بلاده؛ ولو أنهم لم يكونوا مطلوبين، لما هب الأيوبيون ينشئون المدارس والخوانق ويجرون عليها الأرزاق ويوقفون الأوقاف ويسارعون بإسناد مهام التدريس والتربية إلى الوافدين عليهم. فقد عينوا عبد الرحيم القنائي أستاذا للأخلاق في مدينة قَنا، وأسكنوا أبا الحسن الشاذلي برجا من أبراج الإسكندرية.

    والعلة الثانية أنه كان تنقلا مأذونا: لا يخفى أن الأخلاقيين المغاربة يأخذون في كل حركاتهم وسكناتهم بقِيَم روحية ومُثل ربانية لا تُجوِّز لهم ترك ترحالهم واستقرارهم تعبث بهما الأهواء العابرة وتعتورهما الأغراض الفانية، وإنما تحملهم على أن ينزلوا ويرحلوا حيثما وجدوا دلائل الاستزادة من النفع والانتفاع بهذه المعاني الخلقية، ووجدوا دلائل القيام بشروطها على الوجه الأكمل، كما تحملهم على الاستعانة بإشارات أساتذتهم في التربية والتخرج حتى لا يفوتهم حسن الأدب والوفاء بحقوق الصحبة؛ فقد أذن أبو مدين الغوث لعبد الرزاق الجزولي في الانتقال إلى مصر، كما أشار به عبد السلام بن مشيش على أبي الحسن الشاذلي.

    وقد جرى المؤرخون على عادة إسقاط مثل هذه الأسباب، إذ يعدونها من باب المزاعم أو الخواطر الذاتية التي لا تفيد كثيرا في التحليل التاريخي؛ ولا يتسع المقام لتقويم هذا الموقف، على شهرته بين الباحثين واعتقاد الجمهور في موضوعيته وعلميته، وإنما حسبنا أن نقول بأن الحياة التي تبنى أدق جزئياتها على قيم روحية صرف لا تنفع في تحليلها أساليب تتسم بالانغلاق على المادة ولا في تفسيرها أسباب تتصف بالجمود على الظاهر.

    لذا نذهب إلى أن هذا الجانب المعنوي أبلغ في الدلالة على علة الانتقال إلى مصر من الجانب الحسي الذي هو الطلب الموجه إلى المغاربة، لأن الذي استهلكت نشاطه الروحانيات لا يلوي على شيء من الحس إلا أن يكون خادما لهذه الروحانيات؛ ولولا الشعور بالإذن في التحرك، لما أتى هذا التحرك بالثمار المطلوبة منه، ألا ترى كيف أن التحول الأخلاقي الذي أحدثه المربون المغاربة في سلوك المصريين في تلك الفترة ما زالت آثاره تُشيع حتى الآن في أوساطهم روحانية قدسية !

    إذا صحَّ تعليلنا لتنقل أهل الأخلاق المغاربة إلى الديار المصرية، وهو أنهم طُلِبوا (بضم الطاء) فأُذِن (بضم الهمزة) لهم، صحَّت معه أيضا الحقيقتان التاليتان:

    إحداهما أن العمل الخلقي المغربي يتصف بأوصاف لا يشاركه فيها غيره.

    والثانية أن هذه الأوصاف الخاصة للعمل الخلقي المغربي تفيد في تحقيق جوانب التجديد الخلقي التي شعر المجتمع المصري بالحاجة إليها يومذاك.

    فلنمض الآن إلى بيان خصائص العمل الخلقي الذي نهض به المغاربة، ثم ننعطف على بيان الوجوه التي أفادت بها هذه الخصائص المجتمع المصري آنذاك في إنجاز مراده من الإصلاح الخلقي.

2  ـ  خصائص العمل الخلقي المغربي

    إن من يتأمل في الممارسة الخلقية المغربية في القرنين السادس والسابع لا يلبث أن يتبين أنها تتصف بخصائص أساسية ثلاث هي : “البعد عن التجزيء” (أو التجزؤ، أو التفريق؟؟؟) و”البعد عن التجريد” و”البعد عن التسييس”.

2. 1 ـ البعد عن التجزيء أو الخاصية التكاملية

    يظهر البعد عن التجزيء في العمل الخلقي المغربي في أصناف الجمع الثلاثة التالية، وهي: “الجمع بين التخلق والتفقه” و”الجمع بين التجرد والتسبب” و”الجمع بين المجاهدة والجهاد”.

1.1.2 ـ  الجمع بين التخلق والتفقه، تدل على هذا الجمع الأمور الثلاثة الآتية:

    أحدها أن الأخلاقيين المغاربة أخذوا الفقه في معناه الأصلي الواسع، وهو موافقة أحكام الشريعة ظاهرا وباطنا، بحيث تكون الأعمال الظاهرة متوقفة في صحتها على الأعمال الباطنة توقف المشروط في صحته على الشرط.

    والثاني أن أغلبهم كانوا فقهاء أو محدِّثين أو حملة للقرآن أو حفظة للمتون العلمية يشتغلون بالتدريس أو التحفيظ.

    والثالث أنهم شاركوا الفقهاء فيما هم فيه من القيام على أداء الأعمال الظاهرة، بل نافسوهم في ذلك حتى قاموا بما وقف دونه الفقهاء؛ فقد استنبطوا الوسائل التي تُعين على نشر العقيدة الإسلامية وعلى ترسيخها في النفوس وعلى إقدار العامة على أداء شعائرهم وفرائضهم، إذ انتقلوا إلى البوادي والأصقاع النائية يعلّمون الناس أمور دينهم، مقرّين لأنماط من التعبد كالذكر الجماعي وقراءة القرآن الجماعية، حتى يُسمعوا الغافل ويجلبوا العابر وييسروا الحفظ على الأمي، كما عملـوا على رفع الموانع التي جعلـت الفقهـاء يفتـون بإسقاط فريضة الحج عن المغاربة، فأمَّنوا الطرقات ونظموا الرحلات وأنشأوا المحطات، موفِّرين للحُجاج السلام والزاد والراحة[8].

2.1.2 ـ  الجمع بين التجرد والتسبب: اعلمْ أن التجرد عند الأخلاقيين تجردان: “تجرد عن الحظوظ أو المصالح” و”تجرد عن الأسباب أو الوسائل”، وكثيرا ما اختلط على الناظرين في التراث ا المغربي أمرهما، فحملوا أحدهما على الآخر؛ والصواب أن العمل الخلقي المغربي وَقَف التقدم السلوكي للتلميذ على ترك الحظوظ أو المصالح، حتى يتحقق بإفراد الله بالقصد في الأعمال، وامتاز بالتحذير من ترك الأسباب والنهي عنه؛ وقد دخل أكابر رجالهم في طلب الأسباب واتخذوا من وسائل العيش ما يدفع عنهم الحاجة إلى الخَلْق، فمارسوا التدريس والتجارة والزراعة وكرهوا “المتعطلين” من تلامذتهم، ونصحوهم باتخاذ الحِرَف وبالبعد عن السؤال وعن انتظار عول العائلين.

    لكن، لشدَّ ما كانوا يحرصون على أن يكون تعاطي هؤلاء التلامذة للأسباب قائما بشرط الخروج عن التعلق بها، حتى يدركوا أن تسبُّبهم ليس هو الذي يوصلهم إلى تحقيق طلبهم من الرزق، وإنما الذي يوصلهم إلى ذلك هو الرزاق ذو القوة المتين، فيكونون في ذات الوقت متسببين ومتجردين.

3.1.2 ـ  الجمع بين المجاهدة والجهاد: تدل على هذا الجمع الثالث المظاهر الآتية:

    أولها إنشاء مراكز للمرابطة بعيدة عن العمران تسمح بالانقطاع لأعمال العبادة، ومحاذية للسواحل والتخوم تسمح بالتصدي لأعمال السطو على البلاد.

    والثاني المشاركة الفعلية، إما مباشرةً بدخول غمار المعارك، طلبا لإحدى الحسنيين، وإما بصفة غير مباشرة باستنهاض الهمم واستنفار الرجال للذود عن حوزة الإسلام.

    والثالث المشاركة المعنوية بقبول دعوات الولاة والأمراء لهم بمصاحبتهم عند الخروج إلى ملاقاة العدو، استدرارا للبركات وتثبيتا للقلوب واستجلابا للنصر.

    وعلى الجملة، فإن العمل الخلقي المغربي ينأى عن منحى التجزيء ويتجه اتجاها تكامليا صريحا يجعل العمل الروحي جزءا من الاشتغال الفقهي والتجردَ جزءا من التسبب والجهاد جزءا من المجاهدة.

2. 2 ـ البعد عن التجريد أو الخاصية التداولية

    يظهر البعد عن التجريد في العمل الخلقي المغربي في أصناف النفور الثلاثة التالية، وهي: “النفور من الفروع الفقهية” و”النفور من الجدل الكلامي” و”النفور من الحكمة العرفانية”.

1.2.2 ـ  النفور من الفروع الفقهية: لقد اقتضى التطور أن يخرج علم الفقه عن بساطة أصوله وقرب مأخذ مسائله إلى تعقيدات في القواعد والأحكام وإلى تفريعات في الأقضية والفتاوي، فأظهرت هذه التشعبات أقوال بعض الفقهاء بمظهر النظر المجرد، وألجأت إلى رجال التخلق الذين ظلوا يدعون إلى سلوك يتسم بالبساطة والحيوية ويراعي طاقة العامة في التعقل والتفقه، ويأخذون من الآراء ما كان تحته عمل أو ما كان داعيا إلى العمل؛ لذلك، كان يقع تقريب  الأخلاقيين، فكانت دعوتهم تنتشر متى تعرض “فقهاء الفروع” للإبعاد والمضايقة[9]؛ وعلى العكس من ذلك، كان الأخلاقيون يتعرضون للمضايقة والمراقبة كلما وقع تقريب “فقهاء الفروع” وتوسيع نفوذهم[10].

2.2.2 ـ  النفور من الجدل الكلامي: لقد اختص الأخلاقيون المغاربة بمفهوم للتوحيد يقتضي أساسا العمل التعبدي، لا النظر التأملي على طريقة أهل الكلام، ولا يتعدون في هذا النظر القدر الذي جاء به الكتاب والسنة، وينفرون من الخوض في مسائله التفصيليــة، وقد لا يتردد بعضهم في إنكار ما جاء في كتب بعض الأخلاقيين[11] من الأقوال التي  تُشعــر باقتباس أساليب المتكلمين والمشاركة في قضاياهم؛ والشاهد على ذلك المناظرة التي دارت بين أبي شعيب السارية وواسنار ـ أحد قواد الموحدين ـ في مجلس عقده الأمير عبد المومن بن علي، فكان واسنار يسأل أبا شعيب عن عقيدة التوحيد، قاصدا الأوصاف التجريدية التي كان يبُثها المهدي بن تومرت في الناس، ويجيبه أبو شعيب بذكر الآيات القرآنية التي وردت فيها معاني التوحيد.

3.2.2 ـ  النفور من الحكمة العرفانية: لقد تسربت إلى الممارسة الخلقية بمقتضى التطور والاستمداد من البيئة بعض التوجهات الفكرية والعلمية التي لا يمكن إلا أن يضيق بها أخلاقيو المغرب، إذ يعدونها بمنزلة آفات سلوكية ينبغي صون النفس عنها، من هذه التوجهات نخص بالذكر اثنين هما: “الإشراق” و”الكيمياء”.

    استقر عند الأخلاقيين المغاربة أن الإشراق مستمد من النظر الفلسفي الذي يأخذ بمبدأين: “مبدأ إطلاق العقل” و”مبدأ امتياز الفرد”؛ أما مبدأ إطلاق العقل، فيعارض توجههم السني، لأن العقل إذا لم يقيد مسلكَه اعتبارُ الشرع، صار عرضة للأهواء؛ وأما مبدأ امتياز الفرد، فيعارض توجههم الجماعي، لأن الفرد إذا لم يقيد أفقَه اعتبارُ الجماعة، صار ضرره يغلب على نفعه.

    كما استقر عندهم أيضا أن الكيمياء مستمدة من الطمع الدنيوي الذي يخالف شاهد العقل[12]، ويوقع في صريح الفساد[13]؛ أما مخالفة شاهد العقل، فلأن الكيميائي يطلب أسبابا باطلة لقلب الأعيان؛ وأما الإيقاع في صريح الفساد، فلأن هذه الصنعة تحمل على ممارسة الغش والتدليس، فكان أن نهى الأخلاقيون المغاربة عن الاشتغال بها وحذروا أتباعهم منها أشد تحذير، ولاسيما أن بعض أخلاقيي عَدوة الأندلس تأثروا بهذا الاتجاه الإشراقي الكيميائي.

    وعلى الجملة، فإن العمل الخلقي المغربي ينأى عن منحى التجريد الذي وقع فيه فقهاء الفروع وأهل الكلام وأهل العرفان واتجه اتجاها تداوليا في ممارسة التعبد والعقيدة والمعرفة، اتجاها يجعلها طبيعية لا تكلُّف فيها ويسيرة لا تعقُّد فيها.

2. 3 ـ  البعد عن التسييس أو الخاصية التأنيسية

    ويظهر البعد عن التسييس في العمل الخلقي المغربي في أصناف المدلولات الثلاثة الآتية وهي : “المدلول الروحي للجهاد” و”المدلول الإنساني للدعوة” و”المدلول المعنوي للنسب”.

1.3.2 ـ  المدلول الروحي للجهاد: تجدر الإشارة إلى أن لفظ “الجهاد” من الألفاظ التي حُرِّفت معانيها، فقد صُرف هذا اللفظ عن مقصوده بوجهين:

    أحدهما أن الجهاد صار يُحمل على معنى القتال من أجل التسلط العسكري وبسط النفوذ السياسي.

    والثاني أن الجهاد صار يدل على معنى القتال من أجل القهر الديني وبسط النفوذ العقدي.

    أما مدلول الجهاد كما أخذ به رجال الأخلاق المغاربة، فلا تعلق له أصلا بطلب الرئاسة الدنيوية، لأن هذا يناقض مقاصد التربية الروحية، كما لا تعلق له بالتشدد العقدي، لأن هذا يناقض وسائل هذه التربية، وإنما تعلقه بمجاهدة النفس وحدها ببذلها رخيصة في سبيل الدفاع عن حوزة الإسلام كما استُرخِصت في سبيل الخروج عما سوى الله؛ وعلى هذا، فإن الجهاد بالمعنى المغربي ليس عملا سياسيا ولا سلوكا إيديولوجيا، وإنما عملا روحيا تأنيسيا بالأصالة.

2.3.2 ـ  المدلول الإنساني للدعوة: ليس من شك أن للدعوة دورا بالغ الأهمية في الممارسة الخلقية المغربية، فقد شمل مجالها البوادي والحواضر بعد أن ابتدأ محصورا في الأصقاع البعيدة عن العمران، إلا أنها لا تشبه في شيء الدعوات التي تطلب النفوذ السياسي لطائفة معينة، أو الدعوات التي تطمع في المكاسب المادية، إلا أن تكون قد دخلت على بعضها آفة التحريف، فتبدلت أحوالها أو دخلت عليها آفة الادعاء، فانتحلها بعض الأدعياء.

    والصواب أن الدعوة الأخلاقية، كما مارسها المؤسسون من أهل العمل المغاربة، لا تبتغي بالتجديد الخُلقي للإنسان بديلا؛ ولا سبيل لتجديد الإنسانية إلا إذا قام الداعية بشرط الإخلاص لله في دعوته، وقام المدعو بشرط تسليم الإرادة لله؛ وقد سُمّي هذا التجديد الإنساني باسم “الصلاح” وسُمي أصحابه باسم “الصلحاء” أو “الصالحين”، كما أُطلق عليهم اسم “الأفاضل” واسم “أهل الفضل والدين”[14]، علما بأن قِيم الإنسانية مستمدة من قيم الدين؛ وعليه، فإن دعوة أهل الصلاح ليست نزعة طائفية، ولا دعاية مادية، وإنما هي دعوة إنسانية أخلاقية.

 3.3.2 ـ المدلول المعنوي للنسب: من الثابت أن للنسب أهمية في التجربة الخلقية المغربية تزايدت مع مرور الزمن حتى ظُنَّ بأن الولاية الكبرى والفتوحات العظمى لا تحصل إلا لمن كان من أهل النسب الشريف؛ والغالب عند الأخلاقيين المغاربة أن يرفعوا نسب أساتذتهم إلى سيدنا الحسن بن علي، على خلاف الأخلاقيين في المشرق الذين غلب عليهم نسبة أساتذتهم إلى أخيه سيدنا الحسين بن علي[15]؛ وسواء صح هذا النسب أولم يصح، فإن دلالته تظل بالأساس دلالة معنوية. فلما كان سيدنا الحسن قد نزل لمعاوية عن الخلافة، دل الانتساب إليه على إرادة الزهد في السلطة السياسية، وإذا حدث لأحد الأخلاقيين المغاربة أن تولى السلطة السياسية ـ مضيَّقة أو موسَّعة ـ لِتعذر من يقوم مقامه فيها، فإن توليته لها تكون بالعرَض وبالتبعية للسلطة الأخلاقية التي اختص بها وليس بالجوهر وبالأصالة كما هو الشأن عند المنتسبين لسيدنا الحسين.

    وعلى الجملة، فإن العمل الخلقي المغربي ينأى عن منحنى التسييس ويتجه اتجاها تأنيسيا متميزا يجعل للجهاد بعدا روحيا وللدعوة بعدا إنسانيا وللنسب بعدا معنويا.

    وإذ قد عرفتَ أن العمل الخلقي المغربي يمتاز بالخصائص الثلاث: البعد عن التجزيء ـ أو قل طلب التكامل ـ والبعد عن التجريد ـ أو قل طلب التداول ـ والبعد عن التسييس ـ أو قل طلب التأنيس ـ، فاعرفْ أن السبب في ذلك هو تمكُّن المذهب المالكي من نفوس المغاربة حتى ولَّد فيهم نزوعا إلى الممارسة الروحية بحكم منطقه وملابسات نشأته. ويقوم هذا المنطق إجمالا على عنصرين هما: “العمل” و”الصحبة”، بينما تقوم ملابسات هذه النشأة على عنصرين هما: “التعظيم” و”الإحسان”.

    أما العمل، فالمالكية من دون المذاهب الفقهية الأخرى أقرت عمل المدينة مصدرا من مصادر التشريع الإسلامي. وفي هذا ما ينهض دليلا على أن المالكية تبينت حقّا ما لمشاهدة السلوك الحي من أثر في تحقيق التدين الصحيح. على أن مصادر التشريع التي اعتمدتها تنقسم إلى قسمين: القسم النظري ويشمل الكتاب والسنة والقياس، والقسم العملي ويشمل الإجماع والعمل، مما يترتب عليه أن التفقه في الدين لا يتم إلا بحصول الجمع بين الممارستين: الاستدلالية والاشتغالية. وما زالت مسألة العمل في المالكية مفتقرة إلى تناولها في سياق مستجدات البحث في مجال نظرية الممارسة.

    وأما الصحبة[16]، فهي مبدأ لازم عن أصل العمل الذي تقول به المالكية. ذلك بأن الصحبة عبارة عن المشاهدة  الحية للأسباب والقرائن التي ترافق أعمال المصحوب، أقوالا وأفعالا، والتي يحصل بها العلم بالمراد على وجه من التحقيق لا يتأتى بطريق آخر، فلا عمل حي إذن إلا بتمام الصحبة؛ لذا، فقد كان من تلامذة مالك المغاربة من يبقى على ملازمته ردحا من الزمن بعد تمام تعلُّمه وفراغ تكوينه النظري عملا بمبدإ الصحبة، حتى يرث عنه أخلاقه وأحواله.

    وأما التعظيـم، فإن مالكـاً، رحمه الله، كان يظهر ـ قولا وفعلا ـ من آداب تعظيم الرسول عليه السلام وفروض محبته ما يجعل حديثه وسلوكه ينقلان إلى تلامذته وجلسائه أخبار الرسول عليه السلام حيةً وكأن معانيها رأي العين، فتحيا قلوبهم بأسرارها وتنقاد جوارحهم إلى العمل بها؛ وقد ورث عنه فقهاء المالكية المغاربة هذا التعظيم ونشروا آدابه نشرا بين طبقات المجتمع.

    وأما الإحسان، فإن مالكاً صحب علماء عاملين بلغوا النهاية في صفات خلقية اختص الأخلاقيون بطلبها، وهي: “أخلاق الإحسان” أو “الفضائل الروحية”؛ فمن أساتذته هرمز الذي اشتهر بالبكاء، وابن المنكدر الذي عرف بالزهد، وجعفر الصادق الذي اشتهر بالمحبة، كما تتلمذ عليه رجال نالوا قدم السبق في الظهور بأوصاف الإحسان، ومنهم سفيان الثوري وأبو الحسن الشيباني.

    وحسبنا هذه العناية بهذه الأركان الأخلاقية: “العمل” و”الصحبة” و”التعظيم” و”الإحسان” دليلا على أن المالكية حملت بذور ممارسة روحية سرعان ما أثمرت عند المغاربة، بمجرد تشبعهم بمنطق هذا المذهب، تخلُّقا اختصوا به وصاروا فيه قدوة لغيرهم؛ ولا عجب إذ ذاك أن يتكاثر بين فقهاء المالكية أهل العبادة وأهل الزهادة وأهل الورع وأهل التقوى حتى إن “لفظ الصوفي”[17] أُطلِق عليهم إطلاقه على أهله المختصين به لاعتبار أساسي وهو كونهم يقصدون بفقههم وجه الله تعالى. وحتى إن ذكر الفقهاء في كتب التراجم والطبقات، صار لا ينفصل عن ذكر المتعبدين والزاهدين[18].

    بعد أن أنهينا الكلام عن الخصائص التي تميز العمل الخلقي المغربي في القرنين السادس والسابع على الخصوص والتي تجعل منه تخلقا تكامليا تداوليا تأنيسيا، نمضي إلى بيان كيف أن هذه الخصائص تخدم أغراض التجديد الخلقي الذي ينشده المجتمع المصري في هذه الفترة؛ ولا سبيل الى قيام العمل الخلقي المغربي بهده الخدمة المطلوبة إلا إذا كان وصفه التكاملي يفيد في محو  مظاهر تجزيئية لحقت بهذا المجتمع، ووصفه التداولي ينفع في محو جوانب تجريدية عرضت له، ووصفه التأنيسي يفيد في محو مظاهر تسييسية طرأت عليه.

3ـ  آثار العمل الخلقي المغربي في التجدد الأخلاقي المصري

3. 1 ـ  الخاصية التكاملية للعمل الخُلقي المغربي ومحو المظاهر التجزيئية في المجتمع المصري

    لقد أشرفت مصر على هذه الفترة وهي تعاني من المظهرين التجزيئيين التاليين:

    أحدهما أن الفقهاء السنيين لم يكونوا على وئام مع رجال الأخلاق، لما نُسب إلى هؤلاء من مخالطة الإسماعلية[19]؛ فقد استخدم الفاطميون ستار الخطاب الأخلاقي لفرض دعوتهم وترسيخ حكمهم، حتى حامت حول كل أخلاقي شبهات الانتماء إليهم، ولاسيما أن ما ظهر في كلام الأخلاقيين من معان يشبه بعضُه ـ وإن قَلَّ ـ عقائد أهل التشيع.

    والثاني أن وسائل القتال الرسمية (من استعدادات مادية وجيوش نظامية) لم تكن على وئام مع أساليب الجهاد الروحية، هذا الوئام الضروري لمواجهة الأخطار التي تحدق بالمسلمين في مصر بسبب هجوم المغول والتتار والصليبيين والمبشرين[20].

    فاحتاج الحكام الجدد في مصر إلى إزالة هذين المظهرين التجزيئيين: التفرقة بين الفقهاء والأخلاقيين والتفرقة بين المقاتلين والمجاهدين، مع العلم أنه لا سبيل إلى ذلك إلا بالجمع بين التفقه والتخلق والجمع بين الجهاد والمجاهدة في الممارسة، فتبينوا أنه لا يصلح لهذه المهمة إلا من تحقق بالتوجه التكاملي الصحيح.

    ويبدو أن التجربة المرابطية التي جمعت بين الجهاد والمجاهدة كانت حاضرة في ذهن الأيوبيين، كما كان بين أيديهم حُكم أبي بكر الطرطوشي على سيرة المغاربة؛ فهذا الفقيه الأندلسي السلفي الذي نال حظا وافرا من التربية الروحية زار المغرب وأخذ عن علمائه بفاس واطلع عن كثب على العمل الخلقي المغربي لينتهي به المطاف إلى الاستقرار بالإسكندرية حيث تعاطى للتأليف والتدريس، فقد كان حكم هذا العالم على أهل المغرب ـ وهو الذي ألف كتابا في البدع ـ هو أنهم ما زالوا ظاهرين على الحق بما هم عليه من التمسك بالسنة والجماعة وطهارتهم من البدع والإحداث في الدين[21].

    وبدا لهؤلاء الحكام أن للتجربة الخلقية المغربية توجها تكامليا صريحا، يجعلها تستجيب أكثر من غيرها لغرضهم في توثيق الصلة بين التفقه والتخلق والصلة بين الجانب الروحي والجانب المادي من الجهاد.

    ولما فُتِح باب العمل للمربين المغاربة، تولوا تحقيق الوصل بين التفقه والتخلق عند تلامذتهم، مبطلين عمليا الدعوى الإسماعيلية القائلة باستقلال علوم الباطن؛ وقد كان أغلبهم، وبالأخص عبد الرزاق الجزولي وعبد الرحيم القنائي وأبو الحسن الشاذلي، يحيطون بالعلوم الشرعية الظاهرة والعلوم القلبية معا، كما كانوا يتمتعون برسوخ القدم في ممارسة تدريس الفقه ورواية الحديث، فلقنوا تلامذتهم أن للشريعة وجهين متكاملين: وجها حُكميا تنضبط به الأعمال الظاهرة ووجها خلقيا تنضبط به الأعمال القلبية، ووجَّهوهم إلى الاشتغال بعلوم الأحكام وعلوم الأعمال اشتغالا متساويا، فتخرجت على أيديهم ثلة ممتازة من العلماء العاملين، منهم أبو الفقراء حجاج وعبد الرحمان بن طيب من تلامذة عبد الرزاق الجزولي، ومنهم أيضا أبو الحجاج الأقصري وأبو الحسن بن الصباغ وصالح بن غازي الأنماطي من مريدي عبد الرحيم القنائي، ومنهم أخيرا مكين الدين الأسمر وأبو القاسم القباري وابن المنير وأبو العباس المرسي من تلامذة أبي الحسن الشاذلي.

    كما تولى هؤلاء المجددون تحقيق الوصل بين الاستعدادات الروحية والمادية في الجهاد؛ فقد نقلوا إلى تلامذتهم المصريين خبرتهم الأصيلة والطويلة في المرابطة الجامعة بين الممارسة الحربية والممارسة الخلقية، على اعتبار أن الأولى تنزل عندهم منزلة الفرع التابع للثانية، فجددوا قدراتهم المعنوية والوجدانية بأن مدوا عزائمهم بمدد روحي خلاَّق أنهضهم إلى التطوع وحبب إليهم التضحية والاستشهاد، ونصبوا أنفسهم قدوات لهم في هذا الصنف من الجهاد المتكامل، فشاركوهم في ما خاضوه من معارك بأن حملوا السلاح وثبَّتوا الأقدام. فهذا أبو الحسن الشاذلي، على انكفاف بصره وتقدم سنه، يَهُبُّ إلى إنقاذ ثغر دمياط من الصليبيين، محفِّزا للهمم ومثبّتا للقلوب، حتى أتى نصر الله.

3. 2 ـ  الخاصية التداولية للعمل الخلقي المغربي ومحو المظاهر التجريدية في المجتمع المصري

    لقد خرجت مصر من الحكم الفاطمي وهي تقاسي من آثار المظهرين التجريديين التاليين:

    أحدهما أن الحكمة العرفانية بوجهيها، وهما: الشطحات الإشراقية والأسرار الكيميائية الموروثة عن مصر القديمة، ظهرت على بعض الأخلاقيين المحليين والوافدين[22].

    والثاني أن العمل الخلقي الذي احتضنته الدولة الفاطمية واستعملته لنشر مذهبها الشيعي تصوف فردي، أي يختص به الأفراد دون الجماعات.

    فاحتاج الحكام الجدد في مصر إلى محو هذين المظهرين التجريديين: “الحكمة العرفانية” و”التصوف الفرداني”، مع العلم بأنه لا سبيل إلى ذلك إلا بتحصيل الحكمة الشرعية والتخلق الجماعي؛ وتبينوا أن هذا الأمر لا يمكن أن يقوم به إلا من تحقق بالتوجه التداولي الصحيح.

    ولا يبعد أن تكون حالة الصوفيَّيْن الفردانيَّيْن: محيي الدين بن عربي وعبد الحق بن سبعين حاضرة في أذهان هؤلاء الحكام؛ فمعلوم أن هذين الصوفيين الأندلسيين قد استقرا بالمغرب، لكنهما ما لبثا أن تركاه، متوجهين إلى المشرق، طلباً لممارسة تجربتهما الإشراقية والأسرارية الفردانية؛ وسواء كان تركهما للمغرب عن رغبة أو عن رهبة[23]، فإن ذلك شاهد حي على أن نوع الممارسة الخلقية الذي اشتهر به هذا البلد والذي بلغ صيته غالب الديار المشرقية، لم يكن يوافق هواهما العرفاني الخاص.

    ويبدو أن هؤلاء الحكام أدركوا أن للممارسة الخلقية المغربية توجها تداوليا تصير به أقدر من غيرها على التصدي للحكمة العرفانية وللتصوف الفرداني، ففتحوا الطريق لعمل المغاربة الوافدين على مصر.

    وقد تولى هؤلاء تنقية الممارسة الخلقية المصرية من أقوال الشطح وعبارات الرمز التي يأباها ظاهر الكتاب والسنة وتخالف ما أُثِر عن جمهور السلف الصالح، كما تولوا تجريد النفوس من الميل إلى الاشتغال بالكيمياء الذي كان راسخا في البيئة المصرية، وأورثوا تلامذتهم في مصر الدعوة إلى محاربة هذا الاشتغال. فهذا أبو العباس المرسي أقرب التلاميذ إلى أبي الحسن الشاذلي يتبرأ من الكيمياء ويجعل الكرامات تعلوها درجات في قلب الأعيان وطي الأزمان[24].

    وقد ساعد إنشاءُ المراكز لتجمع التلامذة من مدارس و”خوانق” هؤلاء المجددين على ترتيب الأعمال الجماعية لهم وتوظيف الوظائف المشتركة عليهم، فكانت هذه الأعمال والوظائف تجمع أفرادا من مختلف الطبقات، فمنهم العالم والأمي والكبير والصغير والغني والفقير ومنهم الوجيه وغير الوجيه والشريف وغير الشريف، فجعلت الجميع ينتفع بالجميع، فقويت بذلك بينهم أواصر الخدمة وكثرت فيهم الأسباب لإنهاض الهمة.

    ولا نستغرب إذ ذاك أن يجد ابن عربي وابن سبعين من بعده في مصر بيئة أخذ يشكلها التخلق التداولي الجماعي المغربي تشكيلا لم يلبثا أن ضاقا به أولم يلبث هو أن ضيق عليهما حتى اضطرا إلى النزوح عن هذا البلد كما نزحا عن المغرب من قبل ليستقر الأول بالشام والثاني بالحجاز[25].

 3. 3 ـ الخاصية التأنيسية للعمل الخلقي المغربي ومحو المظاهر التسييسية في المجتمع المصري

    لقد تولى الأيوبيون الحكم في مصر، فوجدوا أنفسهم في مواجهة المظهرين التسييسيين التاليين:

    أحدهما أنهم، وإن كسروا شوكة الصليبيين، لم يتمكنوا من إيقاف الحملات التبشيرية في بعض المراكز من أرض الكنانة.

    والثاني أنهم، وإن أنهوا الحكم السياسي للفاطميين بخلع آخر خليفة منهم، لم يتمكنوا من إيقاف تأثير المذهب الشيعي في النفوس.

    فاحتاج الحكام الجدد إلى القضاء على هذين المظهرين التسييسيين: التبشير والتشيع، علما بأنه لا سبيل إلى ذلك إلا بدعوة إنسانية روحية، وتبينوا أن هذه المهمة لا ينهض بها إلا من تحقق بالتوجه التأنيسي الصحيح، حتى لا تستهويه الميول السياسية ولا تراوده الأطماع الرئاسية، فينازعهم سلطانهم ويقاسمهم نفوذهم.

    ولا شك أن مثال الإسكندرية كان نصب أعينهم، وهم يسعون إلى إيجاد وسائل هذا التجديد الإنساني الروحي؛ فقد ظلت هذه المدينة سُنية تعمل بالمذهب المالكي على عهد الفاطميين، وتُتَّخذ محط رِحال المغاربة في ذهابهم إلى الحج وإيابهم منه، فكان واضحا أن محافظة الإسكندرية على طابعها السني واتجاهها المالكي يرجع الفضل فيه إلى هؤلاء المغاربة الذين اجتمعت لهم خبرتان تاريخيتان: إحداهما خبرة مواجهة الحكم العبيدي أثناء تسلطه على بلاد المغرب قبل أن يحوِّل وجهه إلى مصر؛ والثانية خبرة مواجهة الدعوات المنحرفة والحملات التنصيرية التي ظل يتعرض لها الغرب الإسلامي[26].

    والغالب على الظن أن هؤلاء الحكام علموا أن للعمل المغربي توجها تأنيسيا صريحا يصير به أقدر من غيره على الوقوف في مواجهة التبشير والتشيع، فاستقبلوا رجال الأخلاق المغاربة في أرضهم ومكنوا لهم المقام فيها.

    وقد استطاع هؤلاء الأخلاقيون الوافدون أن يتصدوا للدعوات التبشيرية التي كان يقوم بها الدعاة المسيحيون في المناطق القريبة من المراكز التي احتلها الصليبيون أوفي المناطق النائية من الصعيد؛ فقد تولى الأستاذ أحمد بدوي في طنطا والأستاذ عبد الرحيم القنائي في منطقة قنا تجديد الإيمان في قلوب مَن أضلتهم هذه الدعوات التنصيرية[27]، وأشرفوا على تكوين ثلة من الرجال انتشروا في البلاد يردون الناس إلى أصول الدين الحنيف، فهذا أبو الحجاج الأقصري تلميذ عبد الرحيم القنائي يعيد أهل الأقصر إلى الإسلام بعد أن انسلخوا عنه لسنوات عدة[28].

    كما اجتهد هؤلاء المجددون في أن ينزعوا من قلوب عامة المصريين الآثار العقدية التي تركها في نفوسهم المذهب الشيعي ويزرعوا بدلها محبة المذهب السني ويرسخوا العمل بالفقه المالكي بين بعضهم، مزاوجين بين أساليب التربية الروحية التي ترتكز على الأوراد والأذكار والأحزاب وبين أساليب الوعظ والتدريس التي ترتكز على الفهم والحفظ.

    وحاصل الكلام في هذا المقام، فنقول: لقد ظهر أن تنقل أرباب السلوك المغاربة إلى مصر في القرنين السادس والسابع كان تنقلا مطلوبا باعتبار توجه أنظار المسلمين عامة والمصريين منهم خاصة إليه في هذه الفترة، وكان تنقلا مأذونا باعتبار شعور المغاربة بواجبهم نحو المسلمين عامة والمصريين منهم خاصة، كل ذلك لحصول هذا العمل المغربي على صفات تؤهله لسد حاجات المجتمع المصري من التجديد الأخلاقي؛ وقد ذكرنا أن هذه الخصائص ثلاث هي: البعد عن التجزيء والبعد عن التجريد والبعد عن التسييس، جاعلة من العطاء المغربي عطاء تكامليا تداوليا تأنيسيا؛ ثم بينا كيف أن الخاصية التكاملية لهذا العطاء أفادت في محو التنافر بين التفقه والتخلق وإغناء مفهوم الجهاد في المجتمع المصري، وأيضا كيف أن الخاصية التداولية لهذا العطاء أفادت في محو آثار الحكمة العرفانية ـ إشراقا وأسرارا ـ وآثارِ التصوف الفرداني في هذا المجتمع، وأخيرا كيف أن الخصوصية التأنيسية للعطاء المغربي أفادت في إيقاف الحملات التبشيرية وإيقاف تأثير المذهب الشيعي فيه.

    وهكذا نكون قد دللنا على الدعوى التي قلنا بها وهي أن العطاء المغربي الذي غلب على المصريين الاستمداد منه تعلق أساسا بالعمل الخلقي الذي تميز به المغاربة.

    وإذا ثبتت هذه الدعوى، ترتبت عليها النتائج التالية:

أـ  أن أهل المغرب أمَدوا المصريين بأفضل ما يميز الثقافة الإسلامية، ما دام الإسلام هو عبارة عن مكارم الأخلاق.

بـ  أنهم أمدوا مصر بأخص ما يميز الثقافة الإنسانية، ما دامت “الأخلاقية” هي المقوم الذاتي للإنسان، وليست، كما يُظَن منذ أرسطو، “العقلانية المجردة”.

جـ  أن أصالة العطاء المغربي يجب أن تُطلب في المنجزات الأخلاقية أكثر مما تُطلب في سواها من الاختيارات الثقافية الأخرى، ما دام عطاء المغرب هو أبرز في جانب الأخلاق منه في أي جانب آخر.

دـ  أن العطاء المغربي يحصل إحياؤه ويسهل استئنافه متى وقع تجديد الصلة بهذا الأصل الأخلاقي من أصول الثقافة المغربية، ما دامت أسباب الإبداع متوافرة في المجال الأخلاقي أكثر مما هي متوافرة في غيره من مجالات الثقافة المغربية.

المراجع

الإدريسي الحسني، يوسف بن عابد، ملتقط الرحلة من المغرب إلى حضرموت، شركة النشر والتوزيع، الدار البيضاء، 1988.

الأزدي القشتالي، أحمد إبراهيم، تحفة المغترب ببلاد المغرب، المعهد المصري للدراسات الإسلامية، مدريد، 1973.

أعراب، محمد سعيد، المقصد الشريف والمنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف، المطبعة الملكية، الرباط، 1982.

بدوي، عبد الرحمن، تاريخ التصوف الإسلامي، وكالة المطبوعات، الكويت، 1985.

بسيوني، إبراهيم، نشأة التصوف الإسلامي، دار المعارف، القاهرة، 1969.

التفتازاني، أبو الوفا، ابن عطاء الله السكندري وتصوفه، مكتبة الأنجلو مصرية، القاهرة، 1969.

ابن سبعين وفلسفته الصوفية، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1973.

التليدي، عبد الله، المطرب بذكر بعض مشاهير أولياء المغرب، مطابع الشمال، طنجة، 1980.

الجاوي، علي، (تحقيق)، كتاب المعزى في مناقب الشيخ أبي يعزى لأبي العباس أحمد بن أبي القاسم التادلي الصومعي، رسالة دبلوم الدراسات العليا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 1989.         

جعفر، محمد كمال إبراهيم، التصوف، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1980.

الجنحاني، الحبيب، دراسات مغربية، دار الطليعة، بيروت، 1980.

الجيدي، عمر، محاضرات في تاريخ المذهب المالكي، منشورات عكاظ، 1987.

حسين، أبو لبابة، موقف متصوفة إفريقية وزهادها، دار اللواء للطباعة والنشر.

الحفني، عبد المنعم، الموسوعة الصوفية، دار الرشاد، القاهرة، 1992.

حلمي، محمد مصطفى، ابن الفارض والحب الإلهي، دار المعارف، القاهرة، 1971.

حوى، سعيد، المستخلص في تزكية الأنفس، دار عمار، بيروت.

حوى، سعيد، مذكرات في منازل الصديقين والربانيين، دار عمار، بيروت، 1989.

ابن خلدون، عبد الرحمن، المقدمة، مطبعة مصطفى محمد، مصر.

درنيقة، محمد أحمد، الطريقة الشاذلية وأعلامها، المؤسسة الجامعية، بيروت، 1990.

رزق، يونان لبيب ومزين محمد، تاريخ العلاقات المصرية المغربية، الهيئة المصرية العامة.

ابن الزيات التادلي، التشوف إلى رجال التصوف، منشورات كلية الآداب ـ الرباط، 1984.

السكندري، تاج الدين، لطائف المنن، مكتبة القاهرة.

السلمي، عبد الرحمان، طبقات الصوفية، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1982.

الشعراني، عبد الوهاب، الطبقات الكبرى، دار الفكر.

المختار من الأنوار في صحبة الأخيار، عالم الكتب، بيروت، 1985.

الصغير، عبد المجيد، إشكالية إصلاح الفكر الصوفي، منشورات دار الآفاق الجديدة، المغرب، 1988.

الطويل، توفيق، التصوف في مصر إبان العصر العثماني، مكتبة الآداب بالجماميز.

عاشور، سعيد عبد الفتاح، السيد أحمد البدوي : شيخ وطريقة، دار الكتاب العربي، القاهرة، 1967.

بنعبد الله، عبد العزيز، “الفكر الصوفي والانتحالية بالمغرب”، مجلة البينة، عدد 6 ـ7، أكتوبر ـ نوفمبر، 1962.

ابن عجيبة، أحمد بن محمد، إيقاظ الهمم في شرح الحكم، دار المعرفة، بيروت.

عزام، صلاح، السيد عبد الرحيم القنائي، دار الشعب.

ابن عسكرالحسني الشفشاوني، محمد، دوحة الناشر، مطبوعات دار المغرب، الرباط، 1976.

الغبريني، أبوالعباس، عنوان الدراية، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت.

الفاسي، علال، “التصوف الإسلامي في المغرب”، مجلة الثقافة المغربية، يناير ـ فبراير، 1970.

الفاسي، محمد المهدي، ممتع الأسماع في الجزولي والتباع وما لهما من الأتباع، مطبعة محمد الخامس، فاس، 1989.

فهمي، محمد عبد اللطيف، السيد البدوي ودولة الدراويش في مصر، المركز العربي للصحافة، القاهرة.

ابن القاضي المكناسي، أحمد، جذوة الاقتباس، دار المنصور، الرباط، 1974.

القبلي، محمد، مراجعات حول المجتمع والثقافة بالمغرب الوسيط، دار توبقال، الدار البيضاء، 1987.

ابن قنفد القسنطيني، أنس الفقير وعز الحقير، المركز الجامعي للبحث العلمي، الرباط.

الكتاني، محمد بن جعفر، سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس، المطبعة الحجرية، فاس، 1900.

الكلابدي، أبوبكر محمد، التعرف لمذهب أهل التصوف، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، 1980.

المالكي، عبد الله بن أبي عبد الله، رياض النفوس، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1901.

مبارك، زكي، التصوف الإسلامي، دار الجيل، بيروت.

المراكشي، أبو عبد الله، الذيل والتكملة، السفر السادس، دار الثقافة، بيروت، والسفر الثامن، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط.

محمود، عبد الحميد، قضية التصوف، دار المعارف، القاهرة.

أبو الحسن الشاذلي، دار الكتب الحديثة، القاهرة.

المراكشي، عبد الواحد، المعجب في تلخيص أخبار المغرب، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1978.

ابن الملقن، طبقات الأولياء، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1973.

ابن أبي المنصور، صفي الدين، رسالة صفي الدين بن أبي المنصور، ترجمة وتحقيق ديني جريل، المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة، القاهرة، 1986.

النبهاني، يوسف بن إسماعيل، جامع كرامات الأولياء، دار الكتب العربية الكبرى، مصر، 1983.

النجار، عامر، الطرق الصوفية في مصر، دار المعارف، القاهرة.

النشار، علي سامي، ديوان أبي الحسن الششتري، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1960.

الهجويري، كشف المحجوب، دار النهضة العربية، بيروت، 1980.

اليوسي، الحسن، المحاضرات في الأدب واللغة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1982.

الهوامش: 


[1] ابن الزيات، التشوف إلى رجال التصوُّف، ص.32.

([2]) حديث شريف رواه مسلم في كتاب “الإمارة”.
([3])    محمود عبد الحميد، قضية التصوُّف، ص. 20.
 ([4])      فيما يلي لائحة بأسماء بعضهم متسلسلةً من القرن الرابع إلى القرن الرابع عشر الهجري؛ في القرن الرابع: أبو الخير أقطع التيناني توفي سنة 340 هـ؛ وفي القرن السادس: القنائي وأبو يزيد يعلى من أصحاب أبي مدين توفي بالإسكندرية سنة 577 هـ، وأبو حفص عمر الجنان الذي استوطن الإسكندرية من أهل فاس، وابن عمران المعروف بابن تاندلست الذي أقام بالإسكندرية مدة من الزمن، وأبو محمد عبد الرزاق الجزولي الكبير وأبو العباس الطنجي الذي توفي سنة 612 هـ، ومحمد الحصار المغربي الفاسي الذي رحل إلى مصر سنة 597 هـ ومات فيها؛ وفي القرن السابع: الشاذلي والبدوي والشريشي السلوي (581 ـ 641 هـ)، وأبو الحسن بن الدقاق، وأبو زكرياء السبتي، وأبو محمد السجلماسي، وعبد الرحمان السوسي، وأبوعبد الله محمد الفاسي، وعبد العزيز بن أبي محمد صالح الذي مات بالقاهرة سنة 646 هـ، وعبد الله السايح المغربي الدمنهوري الذي كان خليفة للشاذلي في منطقة دمنهور وقد توفي سنة 684 هـ؛ وفي القرن الثامن: حسين الآدمي، وبرهان الدين إبراهيم بن محمد المغـربي الذي توفي سنة 816 هـ ؛ وفي القـرن التاسع: عواض بن محمد بن إسحاق الطهلموس الذي توفي بمصر سنة 878 هـ، وأحمد زروق الذي توفي سنة 899 هـ؛ وفي القرن العاشر: محمـد المغربي الـذي توفي في أوائـل الـقرن الحـادي عشـر الهجري؛ وفي القرن الثالث عشـر: محمد  =
=        الفاسي الشاذلي شيخ الأمير عبد القادر، وقد حضر إلى مصر وتوفي بمكة سنة 1284 هـ؛ وأخيرا في القرن الرابع عشر: عبد القادر بن عبد الكريم الشفشاوني الدرقاوي، وقد توفي بالقاهرة سنة 1313 هـ الموافق لـ 1895 م.
([5])     أي تونس حاليا.
([6])      نذكر من هؤلاء المصريين: عبد العظيم الشروني الذي صحب عبد العزيز المهدوي من أكابر اصحاب أبي مدين.
([7])    ممن أقاموا إقامات متعددة  في مصر، نجد أبا العباس أحمد بن إدريس (1172 ـ1253 هـ) والمعروف بأبي العباس العرائسي والمؤسس للطريقة المحمدية الأحمدية.
([8])     لا يخفى ما قام به أبو محمد صالح دفين أسفي وذريته من أعمال جليلة لتأمين الطريق للحُجَّاج المغاربة.
([9])     خير مثال على ذلك موقف الموحدين من الأخلاقيين والفقهاء.
([10])    أفضل مثال على ذلك موقف المرابطين بين الطائفتين: الأخلاقيين والفقهاء.
([11])   يأتي على رأس هذه الكتب كتاب “إحياء علوم الدين” للغزالي الذي أثار الضجة المعلومة وافترق الناس بشأنه بين منتقد ومعتقد حتى غلب أهل الانتقاد، فصدر أمر علي بن يوسف المرابطي بإحراقه؛ وقد كان من المنتقدين بعض كبار الأخلاقيين المغاربة من أمثال أبي الحسن بن حرزهم، ووقفته ضد “الإحياء” معروفة، إذ كان يقوم على إحراق أجزاء منه، حتى رأى رؤيا يشكوه فيها الغزالي إلى رسول الله (ص)، فقضى الرسول بضربه بالسوط.
([12])    قال الشاذلي : “كنت في ابتداء أمري أطلب عمل الكيمياء وأسأل الله فيها، فقيل لي: “الكيمياء تجدها في بولك، اجْعل فيه ما شئت يعود كما شئت”، فحميت فأسا فطفيته فيه فعادت ذهبا، فرجعت إلى شاهد عقلي، فقلت: “يا ربي، سألتك عن شيء فلم أصل إليه إلا بمحاولة النجاسة”، فقيل لي: “يا علي، الدنيا قذرة، فإن أردت القذارة، فلا تصل إليها إلا بالقذارة”، فقلت: “يا رب أقلني منها”، فقيل لي: “احم الفأس يعود كما كان في أصله” ( الصومعي،المعزى في مناقب أبي يعزى، تحقيق علي الجاوي، رسالة دبلوم الدراسات العليا مرقونة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، 1989).
([13])    قال أبو محمد صالح: “اتركوا الاشتغال بصنعة الكيمياء لأنها توقع في الغش والتدليس” (المنهاج الواضح، ص.261، 266 وص.334، 335).
([14])     ابن الزيات، المصدر السابق، ص. 270، 271، 300، 344، 377.
([15])    حسين صافي، الأدب الصوفي، ص.146.
([16])    فقد صحب مالك ـ رضي الله عنه ـ نافعا مولى عبد الله بن عمر، حتى كانت أصح أسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر.
([17])    ابن الزيات، المصدر السابق، ص.34.
([18])     المالكي، رياض النفوس.
([19])     ابن خلدون، المقدمة ، ص. 473؛ وقد شاعت تهمة مخالطة الإسماعيلية إلى غاية أن صارت وسيلة في يد الخصوم للتضييق على كل أخلاقي وافد أخذ صيته ينتشر بين الجمهور؛ فقد رُمِي بهذه التهمة أحمد البدوي وأبو الحسن الشاذلي.
([20])   سعيد عبد الفتاح عاشور، السيد أحمد البدوي، شيخ وطريقة، ص.35
([21])    ابن الزيات، المصدر السابق، ص. 32.
([22])     فقد اشتهر ذو النون بممارسة الكيمياء؛ كما اشتهر تلامذته بذلك. ولعل هذه الممارسة هي التي جنت على ذي النون، فتسبَّبت له في دخول السجن ببغداد في عهد الخليفة المتوكل.
([23])      لقد كفَّر بعض علماء المغرب عبد الحق بن سبعين وقضوا بنفيه.
([24])      قال المرسي: “ما أصنع بالكيمياء؟! والله لقد صحبت أقواما ما يصير أحدهم على الشجرة اليابسة، فيشير إليها، فتثمر للوقت. فمن صحب هؤلاء الرجال، ماذا يصنع بالكيمياء؟!” (أبو الوفاء التفتازاني، ابن عطاء الله،ص.101).
([25])     فقد ضايق قطر الدين القسطلاني عبد الحق بن سبعين؛ كما أن ابن عربي تعرض لمحاولة اغتيال.
([26])     أبو لبابة، موقف متصوفة إفريقية وزهادها.
([27])   صلاح عزام، السيد عبد الرحيم القنائي، ص.71.
([28])    المصدر نفسه، ص ص. 69-70.
 

[1] ابن الزيات، التشوف إلى رجال التصوُّف، ص.32.
[2] حديث شريف رواه مسلم في كتاب “الإمارة”.
[3] محمود عبد الحميد، قضية التصوُّف، ص. 20.
[4] فيما يلي لائحة بأسماء بعضهم متسلسلةً من القرن الرابع إلى القرن الرابع عشر الهجري؛ في القرن الرابع: أبو الخير أقطع التيناني توفي سنة 340 هـ؛ وفي القرن السادس: القنائي وأبو يزيد يعلى من أصحاب أبي مدين توفي بالإسكندرية سنة 577 هـ، وأبو حفص عمر الجنان الذي استوطن الإسكندرية من أهل فاس، وابن عمران المعروف بابن تاندلست الذي أقام بالإسكندرية مدة من الزمن، وأبو محمد عبد الرزاق الجزولي الكبير وأبو العباس الطنجي الذي توفي سنة 612 هـ، ومحمد الحصار المغربي الفاسي الذي رحل إلى مصر سنة 597 هـ ومات فيها؛ وفي القرن السابع: الشاذلي والبدوي والشريشي السلوي (581 ـ 641 هـ)، وأبو الحسن بن الدقاق، وأبو زكرياء السبتي، وأبو محمد السجلماسي، وعبد الرحمان السوسي، وأبوعبد الله محمد الفاسي، وعبد العزيز بن أبي محمد صالح الذي مات بالقاهرة سنة 646 هـ، وعبد الله السايح المغربي الدمنهوري الذي كان خليفة للشاذلي في منطقة دمنهور وقد توفي سنة 684 هـ؛ وفي القرن الثامن: حسين الآدمي، وبرهان الدين إبراهيم بن محمد المغـربي الذي توفي سنة 816 هـ ؛ وفي القـرن التاسع: عواض بن محمد بن إسحاق الطهلموس الذي توفي بمصر سنة 878 هـ، وأحمد زروق الذي توفي سنة 899 هـ؛ وفي القرن العاشر: محمـد المغربي الـذي توفي في أوائـل الـقرن الحـادي عشـر الهجري؛ وفي القرن الثالث عشـر: محمد الفاسي الشاذلي شيخ الأمير عبد القادر، وقد حضر إلى مصر وتوفي بمكة سنة 1284 هـ؛ وأخيرا في القرن الرابع عشر: عبد القادر بن عبد الكريم الشفشاوني الدرقاوي، وقد توفي بالقاهرة سنة 1313 هـ الموافق لـ 1895 م.
[5] أي تونس حاليا.
[6] نذكر من هؤلاء المصريين: عبد العظيم الشروني الذي صحب عبد العزيز المهدوي من أكابر اصحاب أبي مدين.
[7] ممن أقاموا إقامات متعددة  في مصر، نجد أبا العباس أحمد بن إدريس (1172 ـ1253 هـ) والمعروف بأبي العباس العرائسي والمؤسس للطريقة المحمدية الأحمدية.
[8] لا يخفى ما قام به أبو محمد صالح دفين أسفي وذريته من أعمال جليلة لتأمين الطريق للحُجَّاج المغاربة.
[9] خير مثال على ذلك موقف الموحدين من الأخلاقيين والفقهاء.
[10] أفضل مثال على ذلك موقف المرابطين بين الطائفتين: الأخلاقيين والفقهاء.
[11] يأتي على رأس هذه الكتب كتاب “إحياء علوم الدين” للغزالي الذي أثار الضجة المعلومة وافترق الناس بشأنه بين منتقد ومعتقد حتى غلب أهل الانتقاد، فصدر أمر علي بن يوسف المرابطي بإحراقه؛ وقد كان من المنتقدين بعض كبار الأخلاقيين المغاربة من أمثال أبي الحسن بن حرزهم، ووقفته ضد “الإحياء” معروفة، إذ كان يقوم على إحراق أجزاء منه، حتى رأى رؤيا يشكوه فيها الغزالي إلى رسول الله (ص)، فقضى الرسول بضربه بالسوط.
[12] قال الشاذلي : “كنت في ابتداء أمري أطلب عمل الكيمياء وأسأل الله فيها، فقيل لي: “الكيمياء تجدها في بولك، اجْعل فيه ما شئت يعود كما شئت”، فحميت فأسا فطفيته فيه فعادت ذهبا، فرجعت إلى شاهد عقلي، فقلت: “يا ربي، سألتك عن شيء فلم أصل إليه إلا بمحاولة النجاسة”، فقيل لي: “يا علي، الدنيا قذرة، فإن أردت القذارة، فلا تصل إليها إلا بالقذارة”، فقلت: “يا رب أقلني منها”، فقيل لي: “احم الفأس يعود كما كان في أصله” ( الصومعي،المعزى في مناقب أبي يعزى، تحقيق علي الجاوي، رسالة دبلوم الدراسات العليا مرقونة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، 1989).
[13] قال أبو محمد صالح: “اتركوا الاشتغال بصنعة الكيمياء لأنها توقع في الغش والتدليس” (المنهاج الواضح، ص.261، 266 وص.334، 335).
[14] ابن الزيات، المصدر السابق، ص. 270، 271، 300، 344، 377.
[15] حسين صافي، الأدب الصوفي، ص.146.
[16] فقد صحب مالك ـ رضي الله عنه ـ نافعا مولى عبد الله بن عمر، حتى كانت أصح أسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر.
[17] ابن الزيات، المصدر السابق، ص.34.
[18] المالكي، رياض النفوس.
[19] ابن خلدون، المقدمة، ص. 473؛ وقد شاعت تهمة مخالطة الإسماعيلية إلى غاية أن صارت وسيلة في يد الخصوم للتضييق على كل أخلاقي وافد أخذ صيته ينتشر بين الجمهور؛ فقد رُمِي بهذه التهمة أحمد البدوي وأبو الحسن الشاذلي.
[20] سعيد عبد الفتاح عاشور، السيد أحمد البدوي، شيخ وطريقة، ص.35
[21] ابن الزيات، المصدر السابق، ص. 32.
[22] فقد اشتهر ذو النون بممارسة الكيمياء؛ كما اشتهر تلامذته بذلك. ولعل هذه الممارسة هي التي جنت على ذي النون، فتسبَّبت له في دخول السجن ببغداد في عهد الخليفة المتوكل.
[23] لقد كفَّر بعض علماء المغرب عبد الحق بن سبعين وقضوا بنفيه.
[24] قال المرسي: “ما أصنع بالكيمياء؟! والله لقد صحبت أقواما ما يصير أحدهم على الشجرة اليابسة، فيشير إليها، فتثمر للوقت. فمن صحب هؤلاء الرجال، ماذا يصنع بالكيمياء؟!” (أبو الوفاء التفتازاني، ابن عطاء الله،ص.101).
[25] فقد ضايق قطر الدين القسطلاني عبد الحق بن سبعين؛ كما أن ابن عربي تعرض لمحاولة اغتيال.
[26] أبو لبابة، موقف متصوفة إفريقية وزهادها.
[27] صلاح عزام، السيد عبد الرحيم القنائي، ص.71.
[28] المصدر نفسه، ص ص. 69-70.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق