مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات محكمة

الأحاديث الموضوعة في الصلاة وقراءة سورة الّإخلاص في ليلة النصف من شعبان

بسم الله الرحمن الرحيم:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد؛ فشهر شعبان من الأشهر المباركة التي تغتنم فيه الأوقات، وتلتمس فيه النفحات؛ حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم، يكثر من صيامه كما في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: “فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان”([1]).

وقد أثر  عن بعض السلف الصالح اجتهادهم في هذا الشهر الفضيل، خصوصا ليلة النصف منه، خاصة بعض التابعين من أهل الشام، حيث كانوا يعظمون ليلة النصف من شعبان، قال ابن رجب: “وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان، ومكحول، و لقمان بن عامر ، و غيرهم يعظمونها و يجتهدون فيها في العبادة، و عنهم أخذ الناس فضلها و تعظيمها، و قد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية “([2]).

وقد كان بعض الوضاعين والكذابين باختلاق أحاديث مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تحث على فضل الصلاة في ليلة النصف من شعبان؛ ولهذا فمن باب الذود عن الحديث، وحتى لا يغتر الناس بهذه الروايات المكذوبة،كان من الواجب بيان وضعها، وكذبها، حتى لا تنسب إلى كلام الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم؛ ولأهمية هذا الموضوع أفردته بهذا المقال؛ حيث سأتناول فيه بعض الأحاديث الموضوعة في الصلاة وقراءة سورة الإخلاص ليلة النصف من شعبان، مقتصرا فيه على أربعة أحاديث، وتخريجها، وذكر أقوال العلماء الذين حكموا عليها بالوضع، وهذا أوان الشروع في المقصود وبالله التوفيق:

الحديث الأول:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: “: من صلى ليلة النصف من شعبان ثنتي عشر ركعة، يقرأ في كل ركعة (قل هو الله أحد) ([3])  ثلاثين مرة، لم يخرج حتى يرى مقعده من الجنة، ويشفع في عشرة من أهل بيته كلهم وجبت له النار ”  .

تخريج الحديث:

أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات، والسيوطي في اللآلئ المصنوعة، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال ابن الجوزي: “وهذا موضوع أيضا وفيه جماعة مجهولون، وقبل أن يصل إلى بقية وليث وهما ضعفاء فالبلاء ممن قبلهم([4]) ، وحكم عليه أيضا السيوطي بالوضع([5]).

الحديث الثاني:

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “يا علي من صلى مائة ركعة في ليلة النصف من شعبان، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب، و (قل هو الله أحد) ([6])أحد عشر مرات … إلا قضى الله عز وجل له كل حاجة طلبها تلك الليلة”

تخريج الحديث:

أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات ([7]) ، وأورده السيوطي في اللآلئ([8]).

الحديث الثالث:

عن ابن عمر  رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قرأ ليلة النصف من شعبان ألف مرة (قل هو الله أحد) ([9]) في مائة ركعة، لم يخرج من الدنيا حتى يبعث الله إليه في منامه مائة ملك، ثلاثون يبشرونه بالجنة، وثلاثون يؤمنونه من النار ، وثلاثون يعصمونه من أن يخطئ، وعشر يكيدون من عاداه”.

تخريج الحديث:

أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات ([10]) ، والسيوطي في اللآلئ([11])، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وحكم عليه ابن الجوزي بالوضع([12]).

الحديث الرابع:

عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قرأ ليلة النصف من شعبان ألف مرة (قل هو الله أحد) ، وفي مائة ركعة، في كل ركعة: الحمد لله مرة، و(قل هو الله أحد) ، عشر مرات، لم يمت حتى يبعث الله إليه مائة ملك، ثلاثون يبشرونه بالجنة، وثلاثون يؤمنونه من العذاب،  وثلاثون يقومونه أن يخطئ، وعشر ةأملاك يكتبون أعداه “.

أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات ([13]) ، والسيوطي في اللآلئ([14])، من حديث جعفر بن محمد، عن أبيه.

قال ابن الجوزي”هذا حديث لا يشك في أنه موضوع، وجمهور رواته.. مجاهيل، وفيهم ضعفاء بمرة، والحديث محال قطعا، وقد رأينا كثيرا ممن يصلى هذه الصلوات ، ويتفق قصر الليل، فينامون عقبها فتفوتهم صلاة الفجر ، ويصبحون كسالى، وقد جعلها جهلة أئمة المساجد مع صلاة الرغائب ونحوهما من الصلوات، شبكة لجمع العوام، وطلبا لرياسة التقدم، وملأ بذكرها القصاص مجالسهم، وكل ذلك عن الحق بمعزل” ([15])، وقال السيوطي : “موضوع”([16])

 الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال وبناء على ما تقدم معنا إيراده من الأحاديث التي ذكرت في الصلاة وقراءة سورة الإخلاص في ليلة النصف من شعبان، تبين من خلال تخريجها، وبيان أقوال العلماء أنه لا يصح منها شيء؛ وإنما وضعها الوضاعون والكذابون زورا وبهتانا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا فعلى المسلم أن يتحرى ما صح من سنته صلى الله عليه وسلم عند رغبته التعبد بأي نوع من أنواع العبادات المشروعة.

والحمد لله رب العالمين.

************************

هوامش المقال:

([1])أخرجه البخاري في صحيحه (ص: 473)، في كتاب: الصوم، باب: صوم شعبان، برقم: (1969).

([2])لطائف المعارف (ص: 263).

([3])سورة الإخلاص: (1).

([4])الموضوعات (2/ 442)، برقم: (1013).

([5])اللآلئ (2/ 59).

([6])سورة الإخلاص: (1).

([7])الموضوعات (2/ 440)، برقم: (1010).

([8])اللآلئ (2 /57-58).

([9])سورة الإخلاص: (1).

([10])الموضوعات (2/ 442)، برقم: (1011).

([11])اللآلئ (2 /59).

([12])الموضوعات (2 /442).

([13])الموضوعات (2 /442)، برقم: (1012).

([14])اللآلئ (2 /59).

([15])الموضوعات (2 /443).

([16])اللآلئ (2/ 59).

******************

لائحة المصادر:

صحيح البخاري. لمحمد بن إسماعيل البخاري. دار ابن كثير، دمشق، ط1 /1423هـ- 2002مـ.

لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف. لزين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي. تحقيق: ياسين محمد السواس. دار ابن كثير  دمشق – بيروت. ط5/ 1420هـ – 1999مـ

اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة. لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي. دار المعرفة بيروت (د.ت).

 الموضوعات من الأحاديث المرفوعات . لجمال الدين عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي ، ت: د نور الدين بن شكري بويا جيلار، أضواء السلف، التدمرية، ط1/ 1418هـ-1997مـ.

راجع المقال الباحث: يوسف أزهار

Science

د. محمد بن علي اليــولو الجزولي

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق