مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

أيام البيض في شهر شعبان (تسميتها وفضل صيامها)

  بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

     إن من حكمة الله تعالى أن جعل لعباده مواسم الخيرات، يكثر الأجر والثواب فيها؛ رحمة بهم، ومن هذه المواسم “شهر شعبانّ”؛ الذي يسبق شهر رمضان، ويأتي بعد شهر رجب، وهو من أفضل الشهور وأعظمها، ومن الأعمال المستحبة فيه “الصيام” وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصوم فيه، ومنها الأيام البيض؛ فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان”([1])

في هذا المقال سأتناول فيه إن شاء الله تعالى كما هو مبين من عنوانه الآتي:

  • أيام البيض وسبب تسميتها.
  • فضل صيامها من خلال بعض الأحاديث.

وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق والسداد:

  • أيام البيض و سبب تسميتها:

قال النووي (676هـ) في باب استحباب صوم ثلاثة أيام من كل شهر: “والأفضل صومها في أيام البيض، وهي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وقيل: الثاني عشر، والثالث عشر، والرابع عشر، والصحيح المشهور هو الأول”([2])

وقال القرافي (684هـ): قال ابن الجواليقي : “والليالي البيض، ليلة الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ” ([3])، وقد جاء تحديدها بذلك في الأحاديث النبوية الشريفة؛ مثل حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  ” صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر وأيام البيض صبيحة ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة “([4]) وغيرها.   

وأما سبب تسمية هذه الليالي بيضا؛ لأنها تبيض بطلوع القمر من أولها إلى آخرها قال ابن قتيبة (ت 276هـ) : “والعرب تسمي ليالي الشهر: كل ثلاث منها باسم .. وثلاث بيض لأنها تبيض بطلوع القمر من أولها إلى آخرها “([5])، وقال ابن الأثير (ت606هـ ):  ” سميت لياليها بيضا؛ لأن القمر يطلع فيها من أولها إلى آخرها” ([6]).

وقال القرافي (ت 684هـ) في الذخيرة: ” قال ابن الجواليقي في إصلاح ما تغلط فيه العامة: تقول: الأيام البيض، فيجعلون البيض وصفا للأيام، والصواب: أيام البيض، أي: أيام الليالي البيض ، بحذف الموصوف وإقامة الوصف مقامه، وإلا فالأيام كلها بيض”([7]) .

وقال ابن منظور (ت 711 هـ): “قال ابن بري”: “وأكثر ما تجيء الرواية الأيام البيض والصواب أن يقال: أيام البيض بالإضافة؛ لأن البيض من صفة الليالي- أي: أيام الليالي البيضاء” ([8]).

فضل صيام الأيام البيض:

       ورد في صيـام أيام البيـض عددا من الأحاديث النبوية الشريفة التي تحث المسلمين على صيامها، ويستحب صيامها من كل شهر ، ومنه شهر شعبان؛ الذي فيه من الفضل والثواب المضاعف، وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم  بشهر يغفل عنه الناس، وكان من أشد الناس حرصا على صيامه؛ حيث كان يصوم أكثره، ويشهد له ما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان([9]).،

والأفضل أن تكون هذه الأيام؛ اليوم الثالث عشر، والرابع عشر ، والخامس عشر([10])؛ كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام، فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة”([11]) ،وهي الأيام البيض -كما في لفظ أحمد- قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” من كان منكم صائماً من الشهر ثلاثة أيام، فليصم الثلاث البيض” ([12])، وحديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر وأيام البيض صبيحة ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة”.([13])، وحديث قتادة بن ملحان القيسي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة، قال: وقال: هُنَّ كهيئة الدهر”([14]).

وممن كان يصوم الأيام البيض من السلف الصالح: عمر بن الخطاب ، وابن مسعود ، وأبو ذر الغفاري رضي الله عنهم، ومن التابعين: الحسن البصرى ، والنخعى ، وسئل الحسن البصري: لم صام الناس الأيام البيض وأعرابى يسمع ، فقال الأعرابى: لأنه لا يكون الكسوف إلآ فيها ، ويحب الله ألا تكون في السماء آية إلا كانت في الأرض عبادة”([15])، وقد أوصى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بصيام الثلاثة أيام من كل شهر  دون تعينها كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : “أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت صوم ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى ونوم على وتر”([16])، وأن أجر من يصومها فكأنما صام الدھر كله، وفي هذا يقول النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم : ” وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام ؛ فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فإن ذلك صيام الدهر  كله” ([17])، كما يدخل صائمها ضمن أجر الصائمين عامة في قوله تعالى: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) ([18])، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “إن في الجنة بابا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل  منه أحد  “([19]).

وأما ماجا في فضل أيام صيام شهر شعبان بصفة عامة، -ومنها الأيام البيض- أن الله تعالى يرفع الأعمال في هذا شهر العظيم ، ومن الأفضل أن يكون المسلم فيه صائمًا كي ينال الأجر كاملًا، كما في حديث  أسامة بن زيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في فضل الصيام في شهر شعبان: “ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر يرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم”([20])

الخاتمة:

 وفي ختام هذا المقال فقد خلصت إلى:              

أن على المسلم أن يعوِّد نفسه على الصيام، وذلك حتى يحب العبادة التي يحبها الله تعالى، وأقل شيء أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وأفضلها صيام أيام البيض؛ وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، فما بالك إذا صامها في شهر شعبان، وهو الشهر الذي تعرض فيه الأعمال مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ” ([21])صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والحمد لله رب العالمين

***********************

هوامش المقال:

([1]) أخرجه البخاري في صحيحه (2 /50)، كتاب: الصوم، باب: صوم شعبان، برقم: (1969)، ومسلم في صحيحه (1 /513) كتاب: الصيام، باب: صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان، واستحباب أن لا يخلي شهرا عن صوم برقم: (175) واللفظ للبخاري .

([2]) رياض الصالحين (ص: 211).

([3]) الذخيرة في فروع المالكية للقرافي (2 /352).

([4]) أخرجه النسائي في سننه (3/ 221) ، كتاب: الصيام، باب: كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ، وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك.  وإسناد الحديث صحيح كما قال العيني في عمدة القارئ (8 /203).

([5]) أدب الكاتب لابن قتيبة (ص: 72).

([6]) النهاية في غريب الحديث والأثر (1 /170) “مادة: بيض”.

([7]) الذخيرة في فروع المالكية للقرافي (2 /352).

([8]) لسان العرب (7/ 124)”مادة: بيض”.

([9]) تقدم تخريجه.

([10]) وأما ما ورد عن كراهية الإمام مالك صيام أيام البيض، إنما كره أن يتعمد صيام الأيام البيض، مخافة  أن يجعل صيامها واجبا . مواهب الجليل لشرح مختصر  خليل (3 /329).

([11]) أخرجه الترمذي (2/126) أبواب الصوم، باب: ما جاء في صوم ثلاثة أيام من كل شهر برقم:( 761 ) وقال: حديث حسن.

([12]) أخرجه أحمد في مسنده من حديث أبي ذر رضي الله عنه (35/ 280) برقم:  (21350)  قال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.

([13]) تقدم تخريجه.

([14]) أخرجه أبو داود في سننه (2 /197) برقم: (2449).

([15]) شرح صحيح البخاري لابن بطال (4 /102-103).

([16]) رواه البخاري ( 1/ 364)، كتاب: التهجد، باب:  من لم يصل الضحى ورآه واسعا ، برقم: (1177)، ومسلم في صحيحه، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب:  استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان وأكملها ثمان ركعات وأوسطها أربع ركعات أو ست، والحث على المحافظة عليها، برقم:  ( 721) واللفظ للبخاري.

([17])  أخرجه البخاري ( 4/ 115-116 )، كتاب: الأدب، باب: حق الضيف، برقم: (6134)، ومسلم في صحيحه (1 /514) ، كتاب: الصيام، باب: النهي عن صيام الدهر، برقم: (1159) واللفظ للبخاري.

([18]) سورة الأحزاب ، الآية (35).

([19]) أخرجه البخاري في صحيحه (2 /29)كتاب: الصوم، باب: الريان للصائمين، برقم: (1896)، ومسلم في صحيحه (1/ 511-512) ، كتاب: الصيام، باب: فضل الصيام، برقم:(1152) واللفظ للبخاري.

([20]) أخرجه أحمد في مسنده (36 /85-86)، برقم: (21753).

([21]) تقدم تخريجه.

********************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

أدب الكاتب. لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري. شرحه وكتب حواشيه وقدم له: ذ علي فاعور. دار الكتب العلمية بيروت لبنان 2012مـ

الجامع الصحيح. أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400هـ.

الجامع الكبير. لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي. حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: د بشار عواد معروف. دار الغرب الإسلامي. ط1/ 1996مــ

الذخيرة في فروع المالكية. لأبي العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي المشهور بالقرافي. تحقيق وتعليق: أبو إسحاق أحمد عبد الرحمن. دار الكتب العلمية بيروت لبنان 2016مـ.

رياض الصالحين. لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي. دار الفكر بيروت لبنان. 2016م.

سنن أبي داود. لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني. تحقيق: محمد عبد العزيز الخالدي. دار الكتب العلمية بيروت لبنان. 2016مـ

سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي، وحاشية الإمام السندي. دار الكتب العلمية بيروت لبنان 2012مـ.

شرح ابن بطال على صحيح البخاري. لعلي بن خلف بن عبد الملك ابن بطال القرطبي. حققه وخرج أحاديثه: مصطفى عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية بيروت لبنان. 2015مـ.

صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج لمحمد بن محمد مرتضى الزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427هـ-2006مـ.

عمدة القاري شرح صحيح البخاري. لبدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني. دار الفكر  بيروت لبنان. 2016مـ.

لسان العرب (ج 7). لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور. دار صادر بيروت. ط3/ 1414هـ- 1994مـ .

مسند أحمد. لأحمد بن حنبل..  تحقيق: مجموعة من الباحثين. (ج 35)ط 1/ 1420هـ- 1999مـ (ج 36) ط1/ 1421هـ- 2001مـ.مؤسسة الرسالة بيروت لبنان- ط1/ 1420هـ- 1999مـ

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل. لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بالخطاب الرعيني. ضبطه وخرج آياته وأحاديثه: الشيخ زكريا عميرات. دار الكتب العلمية بيروت لبنان. 2007مـ

النهاية في غريب الحديث والأثر. لمجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد ابن الأثري الجزري. خرج أحاديثه وعلق عليه: أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عويضة. دار الكتب العلمية بيروت لبنان. 2010مـ.

راجع المقال الباحث: يوسف ازهار

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق