مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةدراسات عامة

أنموذجات من الوقفات المنتقدة على الإمام أبي عبد الله الهبطي وتوجيهها (8)

الحمد لله القائل: ﴿وَقُرْءَاناٗ فَرَقْنَٰهُ لِتَقْرَأَهُۥ عَلَي اَ۬لنَّاسِ عَلَيٰ مُكْثٖ وَنَزَّلْنَٰهُ تَنزِيلاٗ﴾، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي تلقى القرءان عن ربه ورتله ترتيلا، وعلى ءاله وصحبه الذين تحملوه وأدوه إلينا أداء جميلا.

وبعد:

فقد ذكرتُ في الحلقة الأولى من حلقات هذا الموضوع أن وقوف الشيخ أبي عبد الله الهبطي (930ه‍) -رحمه الله- كانت غرضا لنقد بعض العلماء، فبعضٌ أنصف، وبعضٌ أصْلَف.

وذكرت أن الاستقراء التام لوقوف الشيخ الهبطي يُظهر أنه كان تابعا لمذهب الإمام نافع المدني -رحمه الله- في أصول مذهبه في الوقف، وهو كان ينظر إلى المعاني في وقوفه، وذكرت بعض الأنموذجات الوقفية المنتقدة عليه.

وهذه أنموذجات أخرى من الوقوف المنتقدة عليه، مع بيان وجهها وتأصيلها من مذهب الإمام نافع رحمه الله أو من غيره:

– قوله تعالى في سورة الأنعام: ﴿قُلَ اَيُّ شَےْءٍ اَكْبَرُ شَهَٰدَةٗ قُلِ اِ۬للَّهُ شَهِيدُۢ بَيْنِے وَبَيْنَكُمْ﴾.

وقف الهبطي على قوله تعالى: ﴿قُلِ اِ۬للَّهُ﴾ ثم استأنف ﴿شَهِيدُۢ بَيْنِے وَبَيْنَكُمْ﴾.

وقد عده أبو عمرو الداني رحمه الله  وقفا كافيا(1)، وعده ابن الأنباري رحمه الله وقفا حسنا(2).

وهو موقف منسوب للبدر الإمام نافع المدني رحمه الله، قال الغزال النيسابوري: «وقال نافع: الوقف: ﴿قُلِ اِ۬للَّهُ﴾، ثم يبتدئ: ﴿شَهِيدُۢ بَيْنِے وَبَيْنَكُمْ﴾، أي: وهو شهيد»(3).

وقال الأشموني رحمه الله: «قال نافع الوقف على ﴿قُلِ اِ۬للَّهُ﴾ فيكون خبر مبتدأ محذوف تقديره قل هو الله ويبتديء ﴿شَهِيدُۢ﴾ على أنَّه خبر مبتدأ محذوف تقديره هو شهيد بيني وبينكم»(4).

وقال محمد بن عبد السلام الفاسي رحمه الله: «﴿قُلِ اِ۬للَّهُ﴾ كاف على أنه مبتدأ لخبر محذوف، أي: الله أكبر شهادة، والجملة محكية القول جواب ﴿اَيُّ شَےْءٍ﴾، والجملة مستأنفة، والله أعلم»(5).

لكن الشيخ ابن الصديق قال: «الوقف على ﴿وَبَيْنَكُمْ﴾، وزاد الهبطي فوقف على اسم الجلالة، وفصل بين المبتدإ والخبر، ويصح هذا الوقف على وجه مرجوح»(6).

ثم نقل كلاما لأبي حيان رحمه الله في تفسيره في رد الإعراب على هذا الوقف النافعي الهبطي، وعده مرجوحا، والناظر في تفسير أبي حيان يظهر منه أنه لم يرد بناء على الوقف، بل كان وُكْده التقرير لمسألة اعتقادية وهي هل يجوز إطلاق (شيء) على الله عز وجل، ثم انسل منها إلى الرد على سؤال جهمي، ورأى أبو حيان أن الإعراب المحكي على وقف نافع –دون إشارة منه للوقف- ينصر رأي الجهمي، فمن هذه الناحية عده مرجوحا، لا من ناحية وقف الإمام نافع.

والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكتفى: 248.

(2) إيضاح الوقف والابتداء: 2/629.

(3) الوقف والابتداء: 1/494.

(4) منار الهدى: 128.

(5) الأقراط والشنوف: (لوحة 45/ب).

(6) منحة الرؤوف المعطي: 15.

 د. محمد صالح المتنوسي

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق