مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةدراسات عامة

أنموذجات من الوقفات المنتقدة على الإمام أبي عبد الله الهبطي وتوجيهها (2)

الحمد لله القائل: ﴿وَقُرْءَاناٗ فَرَقْنَٰهُ لِتَقْرَأَهُۥ عَلَي اَ۬لنَّاسِ عَلَيٰ مُكْثٖ وَنَزَّلْنَٰهُ تَنزِيلاٗ﴾، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي تلقى القرءان عن ربه ورتله ترتيلا، وعلى ءاله وصحبه الذين تحملوه وأدوه إلينا أداء جميلا.

وبعد:

فقد ذكرتُ في الحلقة الأولى من حلقات هذا الموضوع أن وقوف الشيخ أبي عبد الله الهبطي (930ه‍) -رحمه الله- كانت غرضا لنقد بعض العلماء، فبعضٌ أنصف، وبعضٌ أصْلَف.

وإن الاستقراء لوقوف الشيخ الهبطي يُظهر أنه كان تابعا لمذهب الإمام نافع المدني -رحمه الله- في أصول مذهبه في الوقف، ونافع كان يتبع المعانـيَ في وقوفه ويتَتَبَّعُها، وغيره من أكثر القراء يتبعون رؤوس الآي(1)، فهذا ما عرَّض الهبطيَّ للانتقاد والإنحاء باللائمة، دون اطلاع من المنتقدين على موافقته لنافع أو مخالفته في أصول مذهبه الوقفي، مع أن هذا كان منهم مطلوبا، لمعرفة متكآته في هذا الوقف، ثم ليُتوجه بالنقد بعدها -إن بقي- على سلفه وإمامه فيه(2).

وهذه نماذج من الوقوف المنتقدة عليه، مع بيان وجهها وتأصيلها من مذهب الإمام نافع رحمه الله:

* قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمُۥٓ أَحْرَصَ اَ۬لنَّاسِ عَلَيٰ حَيَوٰةٖ وَمِنَ اَ۬لذِينَ أَشْرَكُواْ…﴾ الآية.

وقَفَ أبو عبد الله الهبطي على قوله: ﴿عَلَيٰ حَيَوٰةٖ﴾، وذكر أبو جعفر النحاس أن التمام عند قوله: ﴿أَشْرَكُواْ﴾، ثم قال: «وهذا قول أهل التأويل وأهل القراءة واللغة إلا نافعا، فإنه قال: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمُۥٓ أَحْرَصَ اَ۬لنَّاسِ عَلَيٰ حَيَوٰةٖ﴾»(3). وقال أبو عمرو الداني: «وقال نافع: التمام ﴿عَلَيٰ حَيَوٰةٖ﴾»(4). ووقفُ الهبطي هنا تابع لوقف إمامه نافع رحمه الله، لكن الذي انتقدوا هذا الوقف توجهوا إليه وحده بالنقد؛ قال عبد الله بن الصديق: «وَوَقَفَ الهبطي على لفظ ﴿حَيَوٰةٖ﴾وهو خطأ». ثم زاد ضغثا على إبالة فقال: «الوقف الصحيح على ﴿أَشْرَكُواْ﴾ كما في مصحف حفص»(5). فحاكم الهبطي برواية غير رواية إمامه.

* 4- قوله تعالى من سورة ءال عمران: ﴿هُوَ اَ۬لذِےٓ أَنزَلَ عَلَيْكَ اَ۬لْكِتَٰبَ مِنْهُ ءَايَٰتٞ مُّحْكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ اُ۬لْكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞۖ…﴾ الآية.

وقَفَ أبو عبد الله الهبطي على قوله: ﴿مِنْهُ﴾، قال أبو جعفر النحاس: «﴿هُوَ اَ۬لذِےٓ أَنزَلَ عَلَيْكَ اَ۬لْكِتَٰبَ مِنْهُ﴾، قال نافع: تم»(6). وقال أبو الحسن الغزال: «ويجوز منه عند نافع»(7). 4وقال الأشموني: «ونقل بعضهم أن الوقف عند نافع على ﴿مِنْهُ﴾، ولم يذكر له وجها، وَوَجْهُهُ -والله أعلم- أنه جعل الضمير في ﴿مِنْهُ﴾ كنايةً عن الله؛ أي: هو الذي أنزل عليك الكتاب من عنده، فيكون ﴿مِنْهُ﴾ بمعنى مِنْ عنده، ثم يبتدئ: ﴿ءَايَٰتٞ مُّحْكَمَٰتٌ﴾؛ أي: هو ءايات محكمات»(8).

لكن الشيخ عبد الله ابن الصديق لما ذكر هذا الموضع، وبين الوقف المشهور، قال: «كما في مصحف حفص وقالون». ثم قال:«ولكن الهبطي وقف على لفظ ﴿مِنْهُ﴾، فدل على أنه لا يعرف النحو؛ لأنه فصل بين المبتدإ والخبر، وصير المبتدأ بلا خبر»(9).

والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)- ينظر النشر: 1/238.

(2)- ينظر تقييد وقف القرءان الكريم: 72، وقراءة الإمام نافع: 4/198.

(3)- القطع والائتناف: 71.

(4)- المكتفى في الوقف والابتدا: 169.

(5)- منحة الرءوف المعطي: 7.

(6)- القطع والائتناف: 124.

(7)- الوقف والابتداء: 1/340.

(8)- منار الهدى: 154.

(9)- منحة الرءوف المعطي: 11.

 د. محمد صالح المتنوسي

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق