وحدة الإحياءدراسات وأبحاث

أصول وخصائص الاجتهاد المقاصدي في فقه المدرسة المالكية الأندلسية

ليس يخفى بأن للاجتهاد المقاصدي حلقات متسلسلة، بدءاً بالشيوخ الأوائل، مرورا بحلقات العلماء الأعلام، إلى أن تصل حلقاته إلى الإمام الشاطبي المؤسّس الذي بنى على معطيات سابقيه، إلى عصرنا الحالي، حيث هذه الالتفاتة إلى المقاصد درسا وتمحيصا، مما يسمّى في مراحل العلم بــ”مرحلة التراكم أو التركيم” التي تسبق الفهم فالتأسيس والتأصيل، ذلك بأن التقعيد يأتي دائما بعد التراكم العلمي، وإلا فإن القواعد تكون مع أصولها العلمية منذ البدء، علمَ ذلك فاستنبطه من علمه، وجهله من جهله..

 لنأخذ، على سبيل المثال، في مجال اللغة كيف تفطّن أبو الأسود الدؤلي إلى مستخرجاته اللّطيفة ليقول له علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، بعدما بيّن له الاستقراء منهجا اعتمده في استخلاصاته: “اُنْحُ هذا النحو”، الشيء نفسه فيما يخص الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170ﻫ) في العروض والقوافي، ومحمد ابن إدريس الشافعي (ت 204ﻫ) في الأصول، وأبا إسحاق الشاطبي (ت 790ﻫ) في المقاصد، وغيرهم في شتى العلوم والفنون.

ولَئِنْ كان الإمام الشافعي، رحمة الله تعالى عليه، قد كتب “الرسالة” و”الأم” نظرية وتطبيقا، ومارسَ علم أصول الفقه عمليا، فهذا لا يعني أنه لم يُسبق إلى هذا المجال، بل سبقَه واحد من أهمّ أساتذته ألا وهو الإمام مالك (ت 179ﻫ)، الذي يقول عنه الإمام الشافعي (ت 204ﻫ) كما جاء في ترتيب المدارك للقاضي عياض (ت 544ﻫ) رحمة الله تعالى عليه: “مالك أستاذي، وعنه أخذت العلم… إذا ذكر العلماء فمالك النجم[1]“، بما أسَّس ونظّر وقعّد ونَقَدَ رحمة الله تعالى عليهما.

وفي نقده وبنائه ما شدّ ذهن مالكية الأندلس له ولتلامذته، فضلا عن أصوله الغنيّة التي تعتمد من بين ما تعتمده المصلحة المرسلة والمصلحة العامة والاستحسان، وقاعدة خير الخيرين وشرّ الشرين، وما إلى ذلك مما له العلاقة الوطيدة بالفكر والاجتهاد المقاصديين، وإن لم يصرّح به التلاميذ تصريحا، ولكن الاشتغال والعمل يوحي بالاهتمام والمعرفة ممارسة وتنفيذا، فمنهج مالكية الأندلس في الاجتهاد لم يبتعد عن حقيقة اعتمادهم أصول الإمام مالك وتوسعهم في الأخذ بها والنيل من مرونتها وسعتها، والعمل بمنهجية محكمة لتطوير منظومة أصولها.

ومما يؤكد اعتماد فقهاء الأندلس على المنهج المقاصدي “أن منهج أبي الوليد الباجي في الفقه هو منهج الإمام مالك، والمالكية على العموم؛ إذ كان يعتمد في فقهه واجتهاداته على أصول مذهب مالك، وأصول مذهب أبي حنيفة من كتاب وسنة وإجماع وقياس، وغيره من المصادر التبعية كالمصالح المرسلة وسد الذرائع والاستحسان[2].”

 فمعاني مقاصد الشرع منسجمة في أصول وقواعد كلّية جامعة، ترعى مصالح العباد في العاجل والآجل، وهو تعبير عما يمكن أن يعمل به المقاصدي، بوصفه معنى عاما، في مجال فهم النصوص وتدبّرها وتدبيرها، وهي أصول سليقية لدى مالكية الأندلس، يدل على ذلك امتلاكهم مَلَكَة النظر، وعقلهم لمعاني المقاصد وإلمامهم بمبادئ الأصول التي أصّل لها إمام المذهب رحمه الله.

  ولكي يتأتّى لنا فهم المنهجية التي اشتغل من خلالها مالكية الأندلس في تعاملهم مع مقاصد الشريعة، لابدّ من توضيح الأصول التي اعتمدوها في ذلك “الحور الثاني” وتبيين الخصائص التي ميزت فقههم الاجتهادي “المحور الثالث” وقبل ذلك، يتعيّن الحديث عن بوادر نشأة الاجتهاد المقاصدي عندهم.

المحور الأول: بوادر نشأة الاجتهاد المقاصدي عند مالكية الأندلس

  تكونت بالأندلس مدرسة للمالكية جعلت من أصول فقه مالك وأصحابه، وما تقوّمت عليها هذه الأصول من مراعاة مقاصد الشرع ومقاصد المكلف من الفعل، ورعاية الأصول الاجتهادية؛ كالمصلحة المرسلة والاستحسان وسد الذرائع سنداً تعتمد عليه في استنباط الأحكام، ولما كان المذهب المالكي سباقا إلى الأندلس بفضل العلماء الذين رحلوا إلى المشرق واستقوا من علم مالك وفقهه واجتهاده ونقلوا عنه كتاب الموطأ، تكونت بذلك مدرسة العلماء المالكيين، في مقدمة هؤلاء فقهاء مبرزون مثل: زياد بن عبد الرحمان (ت 193ﻫ)[3]، وعيسى بن دينار (ت 212ﻫ)، ويحيى بن يحيى الليثي (ت 234ﻫ)، وعبد المالك بن حبيب (ت 238ﻫ)، وعلى يد هؤلاء الفقهاء والرواد ذاع مذهب مالك بالأندلس منذ عصر هشام بن عبد الرحمان (ت 180ﻫ).

  فقد لاحَت بوادر تأسيس مدرسة للمالكية بالأندلس ببداية دخول المذهب المالكي إلى هذه الديار، فقد مرّ انتشار المذهب المالكي بالأندلس بالمراحل التالية:

ـ في عصر الولاة (95-138ﻫ) انتشر مذهب عبد الرحمن الأوزاعي (ت 157ﻫ) على يد معصمة بن سلام الدمشقي الشامي (ت 180ﻫ)[4].

ـ رحل طلبة الأندلس إلى الحجاز قاصدين الحج، فالتقوا بإمام المذهب وتتلمذوا عليه وأخذوا عنه مباشرة، وعادوا إلى بلادهم ينشرون علمه وفقهه ويتحدثون عن ورعه وتقواه، منهم زياد بن عبد الرحمن الملقب بشبطون (ت 204ﻫ)[5]، فقد ذكر القاضي عياض (ت 544ﻫ) أن “ثمانية عشر طالبا أندلسيا تتلمذوا على الإمام وعاصروه[6]“، وجاء في نفح الطيب أن “هؤلاء لما رجعوا، وصفوا من فضل مالك وسعة علمه وجلالة قدره ما عظم به صيته في الأندلس، فانتشر رأيه بها[7].”

ـ دخل موطأ الإمام مالك إلى الأندلس أيام عبد الرحمن بن معاوية (138-172ﻫ) على يد الغازي بن قيس (ت 199ﻫ) الذي لقي مالكا وأخذ عنه الموطأ في صورته الأولى وعاد به إلى الأندلس، ثم على يد زياد بن عبد الرحمن المعروف بشبطون (ت 204ﻫ) الذي لقي مالكا وأخذ عنه الموطأ على صورته المنقحة، ورجع به إلى الأندلس أيام هشام بن عبد الرحمن بن معاوية (172-180ﻫ).

ـ بدأ المذهب المالكي يأخذ طريقه إلى الحياة التشريعية أيام هشام بن عبد الرحمن (172-180ﻫ) وابنه الحكم بن هشام (180-206ﻫ) “الذي ألزم الناس جميعا بمذهب مالك وصيّر القضاء والفتيا عليه[8].”

ـ بدأت المدرسة الأوزاعية في هذا الظرف بالذات تتخلى عن مواقعها، فاسحة المجال للمدرسة المالكية، إذ لم يبق لمذهب الأوزاعي من يناصره أو ينافح عنه، إلا أفراد قليلون، منهم صعصعة بن سلام الدمشقي الأندلسي: رائد المدرسة الحديثية وشيخ المفتين بقرطبة[9]، يؤكد القاضي عياض السبتي (ت 544ﻫ) الأمر بقوله: “وأما أهل الأندلس فكان رأيهم منذ فتحت على رأي الأوزاعي إلى أن رحل إلى مالك زياد بن عبد الرحمن وقرعوس بن العباس، والغازي بن قيس، ومن بعدهم فجاؤوا بعلمه، وأبانوا للناس فضله واقتداء الأمة به، فعرف حقه، ودرس مذهبه، إلى أن أخذ أمير الأندلس إذ ذاك هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان الناس جميعا بالتزام مذهب مالك، وصير القضاء عليه[10].”

فتكونت بذلك ما أصبح يعرف بالمدرسة المالكية الأندلسية، هذه المدرسة التي لا يمكن الحديث عنها بمعزل عن المدرسة المغربية؛ لأن علماء الأندلس “مغاربة” نظرا إلى قوة الاتصال العلمي بين هذين القطرين، وهذا الاتصال يكاد يدون “امتزاجا” خاصة بعد هجرة كبار علماء الأندلس إلى المغرب[11]، لذلك لا نجد عند المتأخرين فصلا بين المدرستين، بل يعدّون علماء المدرسة الأندلسية من المدرسة المغربية.

ودور الأندلسيين في هذه المدرسة لم يكن قاصرا على ترديد ما أخذوه عن المشارقة، بل ساهموا في نموّ المذهب وتطويره، وبرهن هؤلاء العلماء أنهم يمتلكون روح المثابرة والاستنباط، والابتكار في مختلف ميادين المعرفة ومنها ميدان الفقه.

ومع امتداد جذور المذهب المالكي في الأندلس، وانتشار مدوناته الكبرى التي صارت المرجع في أحكام القضاء والفتوى، بدأ الاعتناء بالكتب الأمهات كالواضحة والعتبية، وكتب ابن رشد وأمثاله[12]، وكان لهذين المصدرين أثر كبير في إعطاء دفعة قوية لترسيخ المدرسة المالكية بالأندلس، إضافة إلى الجانب السياسي الذي حضر بقوة في توطيد معالم هذه المدرسة، تؤكد هذه الحقيقة الدكتورة “فرنانديز فيليكس”، في كتابها “قضايا تشريعية في الإسلام المبكر، العتبية وصيرورة المجتمع الإسلامي الأندلسي”، تقول:

“إن توطيد المدرسة المالكية بالأندلس لم يكن راجعا للأسباب الجغرافية فقط، على اعتبار أن الأندلسيين كانوا في رحلاتهم الحجية إلى المشرق يربطون علاقات وطيدة مع فقهاء المدينة وفقهاء مصر، المراكز الهامة في تطور المذهب المالكي، إن الأسباب السياسية هي التي حكمت في نهاية المطاف بغلبة المذهب المالكي بالأندلس، فأمويو الأندلس لم يكونوا ليقبلوا بتركيز المذهب الحنبلي بأرض الأندلس نظرا لارتباطه الوثيق بأعدائهم العباسيين[13].”

وهذه الأسباب لا تختلف في نظري عن ما ذكره ابن حزم الظاهري (ت 456ﻫ)، ورجّحه غير واحد من الباحثين، منهم الدكتور الغلبزوري في مقاله عن المدرسة المالكية بالأندلس بين التأصيل والتفريع[14]، وهو قوّة السلطان، يقول ابن حزم: “مذهبان انتشرا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان، مذهب أبي حنيفة، فإنه لما ولي قضاء القضاة أبو يوسف كانت القضاة من قبله، فكان لا يولي قضاء البلاد من أقصى المشرق إلى أقصى أعمال أفريقية إلا أصحابه والمنتمين إلى مذهبه، ومذهب مالك بن أنس عندنا، فإن يحي كان مكينا عند السلطان، مقبول القول في القضاء، فكان لا يلي قاض في أقطارنا إلا بمشورته واختياره، ولا يشير إلا بأصحابه ومن كان على مذهبه، والناس سراع إلى الدنيا والرياسة، فأقبلوا على ما يرجون بلوغ أغراضهم به[15].”

 وهذا الكلام من ابن حزم، وإن ظهر فيه بعض التحامل على المذهب المالكي الذي أظهر قوة في التطور بالأندلس عن المذهب الظاهري، فإنه يؤكّد حقيقة أن المدرسة المالكية الأندلسية، تأسّست لَبِناتها الأولى على قوة السلطان، لكن تطورها ونموّها، ساهم فيه جهود علماء المالكية أنفسهم، وقوة رجالات المذهب الذين عملوا على نشر هذا المذهب في هذه الربوع “وأسهموا في نشر مذهب مالك، وإبانة فضله، واقتداء الأمّة به فعرف بذلك حقّه ودرس مذهبه[16].”

كما أن جمع هذه المدرسة بين اتجاهين[17]: اتجاه فروعي يميل إلى الفقه والنظر والرأي، واتجاه حديثي يميل إلى الرواية والأثر[18]، أسهم بشكل كبير في تطوير منظومة الاجتهاد ونضج فكر علماء المدرسة، وتطوّر منهجية الاستنباط التي أسهمت في خلق فقه متميّز يواكب العصر، حيث ظهرت معالم هذا الاجتهاد واضحة منذ النشأة الأولى للمدرسة، فبتتبع تراجم علماء مالكية الأندلس ممن قامت بهم هذه المدرسة نلحظ إشارة المترجمين إلى المنهج الذي اعتمده هؤلاء من حيث ميلهم إلى الرأي والنظر[19]، وحفظهم للمسائل في الفقه، ولا يمكن الحديث عن هذا الأمر إلا من حيث كون، الرأي والنظر[20]، آليتان للاجتهاد المقاصدي، ذلك أن مفهوم الاجتهاد يحدّ عند بعض العلماء بـ”استفراغ الوسع في النظر فيما يلحقه فيه لوم شرعي[21]“، والاجتهاد المقاصدي لا يتصوّر إلا حالة كونه استفراغ للوسع من جهة إعمال العقل والنظر تدبّرا وفهما للأصول النقلية وتوسّعا في الرأي عند الاستنباط من الأصول العقلية مما يقع وينزل ويستجد بحثا عن الحكم واستنباطا للتشريع وَفق مقاصد الشريعة الإسلامية.

المحور الثاني: أصول الاجتهاد المقاصدي عند مالكية الأندلس

إذا كان المراد بالاجتهاد المقاصدي هو “استحضار مقاصد الشريعة الإسلامية واعتبارها في كل ما يقدّره الفقيه أو يفسّره، ليس في مجال الشريعة وحدها، بل في كل المجالات العلمية والعملية[22]“، فهو بذلك له ارتباط أصيل بفهم النصوص والوقائع، بوساطة الأدوات التي تمكّن من دراسة البواطن والظواهر وَفق رؤى تشريعية تقوم على أسس معرفية وضوابط عقلية محكمة، تعنى بالعقل، وتقيم للنظر برهانا، وتربط النص بضوابطه المصلحية التي أرشد إليها التدبر والتأمل والتحرّي[23].

ومن الأصول التي قام عليها الاجتهاد المقاصدي عند مالكية الأندلس، ومثلت دعائم قوية في بناء الاجتهاد المقاصدي الرصين: المصلحة “المطلب الأول”، الاستحسان “المطلب الثاني”، سد الذرائع “المطلب الثالث”.

أولا: المصلحة

 المصلحة في اللغة: واحدة المصالح، والاستصلاح نقيض الاستفساد، وأصلح الشيء بعد فساده أقامه، وأصلح الله الدابة أحسن إليها فصلحت[24]. وبما أن المصلحة ليس لها مرادف في اللغة تعرّف به، نجد علماء اللغة يعرفونها بالضد.

فالضد واحد من الطرق التي تعرف بها الأشياء، كما قال أبو الطيب: أَلاَ بِضِدِّهَا تَتَمَيَّزُ الْأَشْيَاءُ.

أما المفسدة فهي كل ضر ومنكر، قصد الشارع دفعه أو رفعه، عاجلا أو آجلا، عاما أو خاصا، ماديا أو معنويا.

 وفي الاصطلاح: هي المنفعة التي قصدها الشارع الحكيم لعباده من حفظ دينهم، ونفوسهم وعقولهم، ونسلهم، وأموالهم، طبق ترتيب معين فيما بينها[25].

 يقول الإمام الغزالي (ت 505ﻫ) رحمة الله تعالى عليه: “نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع، ومقصود الشرع من الخلق خمسة، وهو أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يتضمّن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعها مصلحة[26].”

  وذهب الإمام الشاطبي (ت 790ﻫ) في الاعتصام إلى “أن المراد بالمصلحة… ما فهم رعايته في حقّ الخلق، من جلب المصالح ودرء المفاسد، على وجه لا يستقل العقل بِدَرْكِهِ على حال، فإن لم يشهد الشرع باعتبار ذلك المعنى بل يرده، كان مردودا باتفاق المسلمين[27].”

 وما يمكن استخلاصه من تعريفات العلماء للمصلحة أن تعرّف بما يلي:

  “المصلحة تصرف قولي أو فعلي يفضي إلى جلب منفعة أو دفع مضرة مقصودة للشارع، عاجلة أو آجلة، عامة أو خاصّة، مادية أو معنوية[28].”

والمصلحة من أهم الأصول التي قام عليها الاجتهاد المقاصدي عند مالكية الأندلس؛ لأن لها علاقة وطيدة بمقاصد الشريعة الإسلامية، حتىّ إن العبارة الجامعة لمقاصد الشارع كلها، هي: “جلب المصالح ودرء المفاسد”، مطردة في جميع أحكام الشريعة، فهي من أعظم قواعد المقاصد الشرعية، وأدقّ فصولها؛ إذ “هي أساس الاجتهاد وقوامه، والمحك الذي يعرف به المجتهد من غيره؛ لأن الخطأ في تقديرها والزلل في استعمالها يؤدّي إلى خطر جسيم، كما أن التمكن منها وإحكام استعمالها يؤدي إلى خير عظيم[29]“.

وكل هذه المعاني السالفة، نجد الفهم المالكي الأندلسي قد سبق إليها، وبيّنها وأوضح المناهج الاستنباطية المتبّعة لتنزيلها على واقع الناس، يدلّك على ذلك، ما جاء عنهم مؤصّلا للمصالح الكلية الخمسة التي تتوقف عليها حياة الناس، بل أسسوا لمفاهيم أعمق تتعلق بالموازنة بينها ارتباطا بضرورة التنزيل على ما يقع للناس من مسائل، فمن باب تقديم أصل الدِّين على أصل النسل مثلا، ذكر صاحب أصول الفتيا أنه “لا يحل نكاح الأمة إذا كانت على غير دين الإسلام، أكانت كتابية أم مجوسية، ولا يحل ولاء المجوسية حتى تسلم، لا بعقد نكاح ولا بملك يمين[30].”

  فإذا كان القصد الأصلي من النكاح هو تكثير النسل وحفظ هذه الكلية الأساسية في الشريعة الإسلامية من خلال الزواج، فمع ذلك قدّم ابن حارث أصل حفظ الدين من زواج المسلم بالْأَمَةِ المجوسية أو الكتابية حفاظا على دينه مع أن النكاح قد يكون واجبا عليه.

 وابن عبد البر (ت 463ﻫ) أيضا اعتمد نفس النهج، يقول في تارك صلاة الجمعة ثلاث مرات متواليات: “ومن ترك الجمعة ثلاث مرات متواليات من غير عذر سقطت شهادته، وقد قيل مرة واحدة عامدا من غير عذر تسقط الشهادة، والأول أولى إن شاء الله تعالى[31].”

 فترك شهادة من ترك صلاة الجمعة تهاونا تقديم لأصل الدّين على أصل النفس والمال؛ لأن شهادة الرجل تكون عادة في الأموال أو في الأنفس، وبتركه لصلاة الجمعة ثلاث مرات تسقط شهادته في ذلك؛ لأن مقصود الشرع من الأمر بالسعي إلى صلاة الجمعة أعظم من أن يترك تهاونا إلا من غافل ولاه.

 كما يرى أيضا أن الكافريْن إذا أسلم أحدهما دون الآخر، يفرق بينهما حفظا للدّين، وإن تعارض مع النسل وهو مقصد الزواج والنكاح. يقول: “لم يختلف العلماء أن الكافرة إذا أسلمت ثم انقضت عدتها أنه لا سبيل لزوجها إليها إن كان لم يسلم في عدتها، إلا شيء روي عن إبراهيم النخعي شذ عن جماعة من العلماء[32].”

أما عبد الملك بن حبيب (ت 238ﻫ) فيؤسّس لهذه المفاهيم بعقلية المفكر الرصين، يقول: “وينبغي للمسلم والمسلمة أن يتطهّرا كل يوم جمعة، ولو بلغ ذلك الطهور دينارا، فإن الذنوب تتساقط عنهما بذلك الطّهر، كما تتساقط أوراق الشجر[33]“. فحفظ الدين في اجتهاده المقاصدي مقدّم على حفظ المال، ولا سبيل للمال إذا ضاع الدّين، وهذه رؤية مقاصدية من زاوية اعتبار الموازنة بين هذه الكليات.

 وسئل أيضا عن رجل في جواره مسجد فتجاوزه إلى غيره، قال: “إن كان في المسجد الجامع فلا بأس به، وإن كان إلى غير ذلك لم أرَ أن يتجاوزه إلى غيره، إلاّ أن يكون إمامه غير عدل، قال محمد بن مرثد: قد روي عن مالك مثل هذا، وهو يدلّ على ما ذهب إليه ابن حبيب أن الصلاة في المسجد الجامع بخمسة وسبعين صلاة، فهي أفضل من الصلاة في سائر المساجد والجماعات، خلاف ما ذهب إليه غيره من استواء الفضيلة في جميع المساجد والجوامع والجماعات[34]“. فلئن كان حفظ الدين من المصالح الكلية، فإن من حفظه الحرص على الصلاة في المسجد الجامع الذي يفوق مسجد الصلوات الخمس بخمس وسبعين صلاة، بل إن تنبّه ابن حبيب إلى أمر مهم يوضح سديد اجتهاده المقاصدي، في حفظ الدين بحرص المكلف على الصلاة وراء الإمام العدل ما وجد إلى ذلك سبيلا.

وهذه النماذج كافية في تأكيد تأصيل مالكية الأندلس لما جاء بعد ذلك عند الشاطبي رحمه الله، من أنّ “المحافظة على الضروريات الخمس هو في الحقيقة الأصل[35]“، بل قام منهجهم على توضيح الصورة المتكاملة للبناء المصلحي من خلال عنايتهم بالمصالح العامة والخاصة وتوضيح منهج التعارض.

1. منهج مالكية الأندلس في رعاية المصالح العامة والخاصة  

من خلال استقراء نصوص الشريعة الإسلامية نجدها تتغيا تحقيق المصالح للناس إما بجلب النفع لهم أو بدرء الفساد عنهم، وقد أوضح ابن القيّم (ت 751ﻫ)، رحمه الله، هذا المعنى المجمل بقوله: “الشريعة مبناها وأساسها على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحِكمة كلها، فكلّ مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل[36].”

أما المصلحة العامة فهي: “النفع التام الشامل موضوعا أي معنويا وماديا والذي يستغرق ويعمّ الجماعة الكثيرة العدد من حيث النطاق الشخصي أو الإنساني للنفع، ويدخل في هذا دفع الضرر والفساد اللاّحق بهذه الجماعة[37].”

لذلك، فإننا نريد بالمصلحة العامة باعتبارها حقيقة في الواقع المعاش، تلك الحِكم والمعاني والغايات التي بمجموعها يتحقق النفع العام للناس في حياتهم ومن خلال التشريعات التي تسيّر وتحدد مسار حياتهم، فهي من مضامين المقاصد الشرعية، التي طلب الشارع من الخلق حفظها أو توقيعها.

ولا ريب أن الشرع يرعى المصالح العامة لما تحققه من نفع لجماعة المسلمين كما يرعى المصالح الخاصة ما دامت لا تتعارض مع مصلحة الأغلبية، وإلا قدّمت عليها، ونجد في اجتهاد مالكية الأندلس من وفّق للتأصيل لهذا المعنى.

    ففي نوازل الأندلسيين، نقف على نازلة سئل فيها ابن زرب (ت 319ﻫ) عن عين تجاورها قناة مجرية أوساخ، والأوساخ الواقعة بالقناة مضرّة بالعين، فأجاب: “إذا ثبت ضرر جرية الأوساخ في القناة فقطع جرية الأوساخ واجب[38]“، لما يترتب عن قطعها من مصالح للمسلمين ودفع المفاسد في المقابل عنهم.

وهذا الذي ذهب إليه ابن زرب وهو من علماء القرن الرابع الهجري، نجد حلقاته امتدت إلى الإمامين ابن عبد البر (ت 463ﻫ)  والباجي (ت 474ﻫ) وهما من علماء القرن الخامس الهجري في تأكيدهما على رعاية الشريعة لجلب المصالح العامة للمسلمين ودفع المفاسد والمضار باعتبارها مقاصد شرعية كلية، جاءت الشريعة لتؤكّدها وتحميها، فقد جاء عن ابن عبد البر (ت 463ﻫ) في شروط تولّي القضاء، قوله: “إنه لا ينبغي أن يتولّى القضاء إلا الموثوق به، في دينه وصلاحه وفهمه وعلمه، شرط أن يكون عالما بالسنة والآثار وأحكام القرآن، ووجوه الفقه واختلاف العلماء[39]“، ثم يتحدّث عن من لا يجوز له تولي ذلك، فيقول: “ولا يجوز أن يلي القضاء أصمّ ولا أعمى، وينبغي أن يكون ذا يقظة وتفطّن لأمور الناس وشرورهم، صَلبا يلي الحق، غير خائف لِلَوْمٍ ولا شتم، مستشيرا فيما يَشْكُلُ عليه لذوي العلم والدين، متثبتا غيرَ عَجِلٍ[40]“، فهو بهذه الشروط وضع الضوابط الأساسية التي تعين على حفظ حقوق ومصالح الناس، إذا تولّى القضاء من توفّرت فيه، فالمستعجل وغير الفطن يغيبُ عنهما فهم المصالح وعقل المعنى المناسب لها، وتضيع بسببهم الحقوق المدنية والمالية، مما يرتبط بنفوس المكلفين وأموالهم، فلا تتحقق بقضائهم مصلحة، ولا قصد.

أما الباجي (ت 474ﻫ) فجاء عنه في مسألة الزكاة في المعادن قوله: “فأما ما كان لجماعة المسلمين، فإن للإمام أن يقطعها من شاء، ومعنى إقطاعها إيّاه أن يجعل له الانتفاع بها مدّة محدودة أو غير محدودة ولا يملكه رقبتها؛ لأنها بمنزلة الأرض التي لجماعة المسلمين، فللإمام حبسها لمنافعهم ولا يبيعها عليهم ولا يملّكها بعضهم[41]“؛ لأن في تمليكها لبعضهم تفويت لمصلحة عامة تجلب الخير لعموم المسلمين، ولأن المصلحة العامة تقتضي عدم التمليك، لما فيه من ضياع الحقوق العامة.

 وفي مسألة خروج أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، لقضاء حاجتهن ليلا، يتبين لنا منهج ابن بطال (ت449 ﻫ) في توضيح فهم رعاية الشريعة الإسلامية للمصالح الخاصة.

جاء في باب خروج النساء إلى البراز في حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: “أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى الْمَنَاصِعِ، وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ، فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احْجُبْ نِسَاءَكَ، فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَفْعَلُ. فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زُمْعَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي إِلَى عِشَاءٍ، وَكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْحِجَابَ، وَفِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ فِي حَاجَتِكُنَّ[42].”

 يقول ابن بطال مؤصّلا لمعنى المصلحة الخاصة: “وفائدة هذا الباب أنه يجوز التصرف للنساء فيما بهنّ الحاجة إليه؛ لأن الله تعالى أذن لهن في الخروج إلى البراز بعد نزول الحجاب، فلما جاز لهن ذلك، جاز لهن الخروج إلى غيره من مصالحهن، أو صلة أرحامهن التي أوجبها الله عليهن[43]“، فهو نظر عقلي، ومنهج فكري لمعنى المصلحة الخاصة التي يرعاها الشرع الحكيم، تبيّنه كثرة النصوص الواردة عنه في هذا الباب.

 وقد تبعه في ذلك، الإمام الباجي (ت 474ﻫ) في مسألة الحفاظ على مال اليتيم، حيث قال: “وذلك أن الناظر لليتيم إنما يقوم مقام الأب له، فمن حكمه أن يُنمّي ماله ويُثمره له، ولا يثمره لنفسه؛ لأنه حينئذ لا ينظر لليتيم، وإنما ينظر لنفسه، فإن استطاع أن يعمل فيه لليتيم، وإلا فليدفعه إلى ثقة يعمل فيه لليتيم، على وجه القراض بجزء يكون له فيه من الربح، وسائرُه لليتيم[44]“. فقيام الناظر مقام الأب يتجلى في الحفاظ على مال اليتيم، وتنميته، في كل منفعة تحقق مصلحة خاصة لليتيم، فالهدف من النظارة هي رعاية مصلحة اليتيم بتنمية ماله كما يفعل الأب بمال ابنه.

وفي  هذه الأمثلة من الكفاية ما فيها، لأن المقصود هو الوقوف على منهج مالكية الأندلس في بناء الاجتهاد المقاصدي على أصل المصلحة.

ثانيا: أصل الاستحسان

  الاستحسان على الأرجح في اللغة: “هو عدّ الشيء حسنا[45].”

 وفي الاصطلاح: “هو الأخذ بأقوى الدليلين”[46].”

 وعرفه ابن أبي زيد القيرواني (ت 386ﻫ) بأنه: “التوسّط في القول عند تعلق الفرع بغير أصل واحد في التشبيه[47].”

 وقال فيه الشاطبي (ت 790ﻫ): “الاستحسان هو الأخذ بمصلحة جزئية في مقابل دليل كلي[48]“.

 والاستحسان من الأصول المهمة في المذهب المالكي التي اعتنى بها مالكية الأندلس، ومضمونه يكمن في الأخذ بجزئية في مقابل قاعدة كلية لدليل ينقدح في نفس المجتهد، ” فيلجأ إليه الفقيه في هذه الجزئية لكيلا يؤدّي الأخذ بالقاعدة التي هي القياس إلى الابتعاد عن الشرع في روحه ومعناه[49]“، ولهذا اشتهر على ألسنة فقهاء المذهب المالكي قولهم: “ترك القياس والأخذ بما هو أرفق بالناس”، إشارة منهم إلى أصل الاستحسان؛ لأن الاستحسان في المذهب المالكي كان لدفع الحرج الناشئ من اطّراد القياس؛ أي أن معنى الاستحسان طلب الأحسن للاتباع، وهذا وجه ذكره ضمن أصول مالكية الأندلس التي قام عليها اجتهادهم المقاصدي.

وإذا كان المالكية يعتبرون قاعدة الاستحسان من أصول فقههم ويأخذون بها، فإن مالكية الأندلس قبلهم عدّوها من أصول الاجتهاد المقاصدي، من هؤلاء ابن حبيب (ت 238ﻫ) رحمه الله، وهو الأمر الذي يظهر من خلال الفروع الفقهية التي أثرت عنه، بما أنه يعتمدها وسيلةً لتحقيق النظرة المقاصدية في أصوله، قال رحمة الله تعالى عليه: “سئل مالك عن قول الرجل للرجل في العيد: تقبل الله منا ومنك، وغفر لنا ولك، فقال: ما أعرفه ولا أنكره. قال ابن حبيب: أي لا يعرفه سنّة ولا ينكره لأنه قول حسن[50]“، وهذا بيان منه في القول بالاستحسان لعدم إنكاره قول الرجل للرجل في العيد تقبل الله منا ومنك.

 وهذا الذي أشار إليه هنا نصّ عليه صراحة فيما نقله عنه ابن رشد (ت 520ﻫ) في مسألة الرجل الذي يفسد حجّه بإصابة أهله وهو بعرفة، هل يمضي ماشيا حتى يحل بعمرة، أو يركب من حيث أفسد حجه؟ فقد أورد ابن رشد كلاما لابن حبيب جاء فيه: “وما نصّ عليه ابن حبيب في الواضحة من أن من ركب من غير أن يعجز عن المشي كله؛ إذ لا يجوز له أن يفرق مشيه إلا من ضرورة، ويهدي لأنه لما وطئ فقد فرق مشيه باختيار من غير ضرورة. قال ابن حبيب: “إنه إذا لم يطعم بالموضع الذي حكم به عليه، أو فيما قاربه فليخرجه على أرخص السعرين، وهو احتياط واستحسان[51].”

وبنفس المنهج سار القاضي ابن يبقى بن زرب (ت 319ﻫ) حين نصّ على الاستدلال به عن مالك، بقوله: “واستحسن مالك في الجنين الكفارة إذا ضربها خطأ[52]“، قال محقّق كتاب الخصال: “وصورة المسألة أن مقتضى إعمال الأصل أن تكون الكفارة في الضرب العمد، إلا أن مالكا عدل عن مقتضى ذلك الإجراء، وصار إلى حيث تتحقق المصلحة مقابل دليل كلي، والأصوليون لا يريدون بالاستحسان إلا هذا[53]“. على اعتبار أنها مناهج أصولية توصل إلى فهم مقاصد الشريعة الإسلامية في مرحلة التأسيس، ففي هذا المثال يتضح أن “غالب الاستحسان عند المالكية تقديم مصلحة جزئية في مقابلة قاعدة كلية[54]“، بما فيهم مالكية الأندلس، المؤسّسين لهذه المعاني.

 ولقيام الاجتهاد عند مالكية الأندلس على هذا الأصل، تبنّى غير واحد منهم النظر به، فقد نقل ابن عبد البر، رحمه الله تعالى، (ت463ﻫ) عن مالك أحكاما واجتهادات تتعلق بالمعاملات وحُسن الجوار، ثم قال: “هذا كلّه استحسان واجتهاد في قطع الضرر[55]“، مؤكّدا تعلقه بهذا الأصل وموضّحا التوجه العام الذي سار عليه في تأسيس بنية الاجتهاد المقاصدي.

 يقول، رحمه الله تعالى، أيضا عن مكان جلوس القاضي، وفيه توجيهٌ بيانيُّ واضح المعالم حول هذا الأصل: “والمسجد أعدلُ المجالس له، لأنه يحجب فيه، ولو قعدَ في المسجد وقتا، وفي داره وقتاً لتصلَ إليه الحائض والذمّي كان حسنا[56]“، فالأصل في جلوس القاضي للفصل بين الناس هو المسجد، لكن جمالية النظر عند ابن عبد البر جعلته ينظر في المسألة من زاوية الاستحسان استثناءا من الأصل لتصلَ إليه الحائض والذمّي ومن في حكمهما.

  والمقصود من إيراد هذه الفروع هو التأكيد على أنّ لهذا الأصل الاجتهادي جذورا في فقه مالكية الأندلس، كما أنه يعبّر عن مستوى النضج المقاصدي الذي بلغوه في مرحلة متقدمة من مراحل نموّ علم المقاصد الذي امتزجت فيه بعض المناهج المقاصدية ضمن مناهج الاستنباط، كالمصلحة والتعليل والقياس وغيرها.

ثالثا: أصل سدّ الذرائع

 إذا كان السدّ في اللغة هو الإغلاق، فإن الذريعة هي السبب إلى الشيء، وأصله من ذلك الجمل والبعير، يقال: فلان ذريعتي إليك؛ أي سببي ووُصلتي الذي أتسبب به إليك، وقال أبو وجْزةَ يصف امرأة:

طَافَتْ بِهَا ذَاتُ أَلْوَانٍ مُشْبَهَةٍ           ذَرِيعَةُ الجنِّ لاَ تُعْطِي وَلاَ تَدَعُ

        أراد كأنها جنية لا يَطمع فيها، ولا يعلمها في نفسها، قال ابن الأعرابي: سمي هذا البعير الدريئة والذريعة ثم جعلت الذريعة مثلا لكل شيء أدنى من شيء وقرَّب منه؛ وأنشد:

وللْمَـنِيَّةِ أسبـابٌ تُقـرِّبُهَا            كَمَا تُقَرِّبُ لِلْوَحْشِيَّةِ الذُّرُعُ[57]

وفي الاصطلاح: “سدّ الذريعة قاعدة كلّية تقوم على منع المأذون فيه حتى لا يتوسّل به ويتخذ سببا إلى شيء منهي عنه[58].”

  أما أهميتها في مجال التشريع فبادية لا تحتاج إلى إسهاب أو تفصيل، ذلك بأنها تمنع المكلفين من الوقوع في المحظور عبر اتخاذ وسائط الاحتياط والتحرز حتى يبقى الدين خالصا لله جل جلاله بابتعاد الناس عن محارم الله سبحانه وحِمَاه.

فالذريعة وجه آخر من وجوه رعاية مقاصد الشارع، فهي “تقوم على أساس أن الشرع ما شرعت أحكامه إلا لتحقيق مقاصدها من جلب المصالح ودرء المفاسد، فإذا أصبحت أحكامها ذريعة لغير ما شرعت له، ويتوسّل بها إلى خلاف مقاصدها الحقيقية، فإن الشارع لا يقرّ إفساد أحكامه وتعطيل مقاصده، ولا يجوز لأهل الشريعة أن يقفوا مكتوفي الأيدي، أمام هذا التحريف للأحكام عن مقاصدها، بدعوى عدم مخالفة ظواهرها ورسومها[59].”

ونذكر من تأصيل فقهاء المالكية لهذا الأصل، مسألة عدم جواز إعادة صلاة الجماعة في المسجد، سدًّا لذريعة تشتيت الكلمة وإيقاع الخلاف، وهذا ما نصّ عليه إمام المذهب في منعه لصلاة الجماعتين في مسجد واحد، بإمام راتب، حيث يعدّ ذلك تشتيتا للكلمة وإبطالا لهذه الحكمة، وذريعة إلى أن يتخذها من أراد الانفراد عن الجماعة وله عذر فيقيم جماعته، ويقدم لإمامته، فيقع الخلاف ويبطل النظام، وخفي ذلك عليهم وهكذا كان شأنه معهم، وهو أثبت قدما منهم في الحكمة، وأعلم بمقاطع الشريعة[60].

وبهذا يعدّ المذهب المالكي من المذاهب الرائدة في إعمال أصل سد الذرائع، ومما يؤكد هذه الحقيقة “تنصيص عدد من الفقهاء على أن هذا الأصل معمول به في الاستنباط الفقهي في المذهب، وأعملوه في عدد من الأبواب الفقهية، وخاصة أبواب البيوع والمعاملات والعقوبات والمناكحات[61].”

وهكذا يتّضح أن أصل سد الذرائع من الأصول المقاصدية المهمّة في المذهب المالكي، التي تميّز بها أيضا المنهج الاستنباطي في المدرسة المالكية بالأندلس.

فأهمّ مسألة يمكن الاستدلال بها من فقه مالكية الأندلس، “التهادي  بين الناس، أقارب وأصدقاء وجيران وغيرهم؛ إذ هو من الأعمال المشروعة والمرغب فيها، لما فيه من بث المودة والألفة والتعاون، ولكن قد تستعمل الهدية ذريعة إلى أمر غير محمود في حاله أو مآله[62].”

وفي هذا يقول ابن القيم (ت 651ﻫ) في إعلام الموقعين: “الوالي والقاضي والشافع ممنوع من قَبول الهدية، وهو أصل فساد العالم، وإسناد الأمر إلى غير أهله، وما ذاك إلا لأن قبول الهدية ممن لم تَجْرِ عادته بمهاداته، ذريعة إلى قضاء حاجته، وحُبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ، فيقوم عنده شهوة لقضاء حاجته مكافأة له[63].”

 وسدًّا لهذه الذريعة، نجد فهم ابن حبيب (ت 238ﻫ) يعتمد منهج الإمام مالك، لما تبين له من الحق والرجحان، فقال: “لم يختلف العلماء في كراهية الهدية للسلطان الأكبر وإلى القضاة والعمال وجباة الأموال، وهو قول مالك ومن قبلَه من أهل السنة[64]“، لما يترتب عن هدايتهم من إفساد للذمم وضياع للحقوق والمصالح.

  ويرى ابن حبيب أيضا أن صاحب الحمام يضمن ما تلف من الثياب، مع أن مالكا لم يضمّنه لا في “المدونة” ولا في “الموازية”، فقال ابن حبيب: “يضمن إلاّ أن يأتي بحارس فيسقط ضمانه[65]“، وهذا النظر مبني عنده على أنه مؤتمن على الثياب، وأن في عدم تضمينه ذريعة لأن يتخذ أصحاب الحمامات عدم الضمان وسيلة لأخذ ثياب الناس بالباطل، ولذلك فتضمينهم جلب لمصالح العامة ورفع لفساد يلحق بهم.

وينصّ على الذريعة في مسألة مسّ المرأة وهي حائض بقوله: “ويستحب اجتناب أسفلها مخافة الذريعة إلى مسيس الفرج[66]“، فمن تشوّف إلى امرأته وهي حائض، استحبّ له ابن حبيب اجتناب أسفلها احتياطا وذريعة من الوقوع في المحظور الذي ورد فيه النهي.

والأمر نفسه سلكه ابن حارث الخشني (ت 361ﻫ) بعده في “باب ما يحلّ ويحرم من البيوع” بنهيه عن قبض ثمن الطعام طعاما؛ “لأنه ذريعة إلى استجازة الطعام بالطعام غير يد بيد[67]“، يعني أن أخذ الطعام من ثمن الطعام، وإن لم يكن مقصودا أصلا، لا يجوز لأنه ذريعة إلى ربا النسيئة، و”النسيئة تحرم في بيع كل مطعوم بمطعوم، سواء أكان ربويا أم غير ربوي، وسواء أكان متفقا في جنسه أم مختلفا، فلا يجوز التأخير في شيء من ذلك، ويجب أن يكون يدا بيد[68].”

وقد ذكر القرافي (ت 756ﻫ)، رحمه الله، أصلاً في سد الذرائع في البيوع، وهو أن “الأصل أن ينظر ما خرج من اليد وما خرج إليها، فإن جاز التعامل به صحّ وإلا فلا، ولا تعتبر أقوال البيعين بل أفعالهما[69]“. ومع أن القرافي (ت 660ﻫ) ذكر هذا الأصل عند الحديث عن بيوع الآجال، إلا أن الظاهر أنه عام في كل صفقة، فدافع الطعام من ثمن الطعام، بغض النظر عن نيّة المتعاقدين، أخذ في الواقع طعاما، وبذل من ثمنه طعاما نسيئة.

والخلاصة أن ابن حارث علّل الحكم على هذه الصفقة بالمنع، بأنه سد للذريعة المفضية إلى استجازة ربا النسيئة.

أما ابن بطال (ت 449ﻫ)، رحمه الله تعالى، فقد أصّل لهذا المنهج وقال بوجوب الأخذ بالذريعة، مستدلا على ذلك من السنة، كما جاء في باب فضل من استبرأ لدينه، بعد أن ساق الحديث النبوي الشريف:”الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ[70]“. قال: “وهذا الحديث أصل في القول بحماية الذرائع، وفيه دليل على أن من لم يتقّ الشبهات المختلَف فيها وانتهك حرمتها، فقد أوجد السبيل إلى عِرضه ودينه، وأنه يمكن أن ينال من عِرضه بذلك في حديث رواه أو شهادة يشهد بها، لقوله عليه السلام: “فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِهِ[71].”

ويرى أيضا أن سبب قوله صلى الله عليه وسلم: “لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ[72]“، تأسيس لمعنى الذريعة؛ لأنه، صلى الله عليه وسلم، “أراد ألا ينسب إليه من متاع الدنيا شيء يكون عند الناس في معنى الأجر والثمن، فلم يحل له شيء منها، لأن ما وصل إلى المرء وأهله فهو واصل إليه، فلذلك، والله تعالى أعلم، حرّم الميراث على أهله لئلا يظن به أنه جمع المال لورثته، كما حرمهم الصدقات الجارية على يديه في الدنيا، لئلا ينسب إلى تبرأ منه في الدنيا، وفي هذا الحديث وجوب قطع الذرائع[73].”

  وفي جانب آخر من العبادات، نجد المهلب بن صفرة (ت 435ﻫ) وهو من علماء القرن الخامس الهجري يسير على نفس المنوال، فيقول: “يحتمل أن يكون نهيه عن صيام يوم الجمعة، والله تعالى أعلم، خشية أن يستمر الناس على صومه، فيفرض عليهم كما خشي من صلاة الليل فقطعه لذلك، وخشي أن يلتزم الناس من تعظيم يوم الجمعة ما التزمه اليهود والنصارى في يوم السبت والأحد من ترك العمل والتعظيم، فأمر بإفطاره ورأى أن قطع الذرائع أعظم أجرا من إتمام ما نوى صومه لله[74].”

فهذه النماذج تنبئ عن قيام واضحٍ بأصول الاجتهاد المقاصدي المعتنى بها في المذهب المالكي عموما، مما يؤكد حقيقة تأثر مالكية الأندلس بأصول المذهب وتوسّعهم في فهمها وإبراز خصوصيتهم في تنزيلها على واقع الناس.

المحور الثالث: خصائص الاجتهاد الفقهي المقاصدي في فقه مالكية الأندلس

نقصد بالخصائص مميزات الاجتهاد المقاصدي في فقه مالكية الأندلس، وهي مميزات انعكست بطبيعة الحال على المنهج الفقهي لهؤلاء العلماء، كما أن هذه الخصائص أو المميزات أسهمت بشكل كبير، بعد ذلك، في تحرير بنية الاجتهاد المقاصدي بالأندلس، وأخص هنا بالتوجيه المميزات الآتية: الواقعية، المرونة، الإجابة على المستجدات.

أولا: الواقعية

ونريد بها، الابتعاد عن الجدلِ العقيم الذي لا يخلق فقها ناضجا يمكّن من الإجابة الآنية والحل الفوري للمسائل الواقعة والناشئة في المجتمع، بل يقوم مثل هذا النوع من الفقه على دراسة الافتراضات وإيجاد الحلول لقضايا قد تقع وقد لا تقع، وبالتالي تضيع الجهود والمناهج في تصور قضايا افتراضية يَبعدُ أن تضيف فقها اجتهاديا دقيقا ومتميزا للمجتمع.

 ولقد استمد علماء المالكية بالأندلس هذا المنهج من مذهب الإمام مالك الذي أدخله زياد بن عبد الرحمن شبطون الأندلس (ت 204ﻫ)، كما سبقت الإشارة، فلقد كان مالكٌ لا يجيب في مسألة حتى يسأل، فإن قيل نزلت، أجاب عنها، وإلا مسك، يقول: إن المسألة إذا وقعت أعين عليها المتكلم، وإلا خذل المتكلف[75]، وبما أن مالكا كان متأثرا بفقه ابن عمر، وعمر بن الخطاب فإنه من الطبيعي أن يذهب مذهبهما في منع الافتراض الذي ليس تحته عمل، ولا ينتج فقها مثمرا.

وهذا المنهج المالكي هو الذي ارتضاه مالكية الأندلس، وصاروا على هديه، فقد درس مالكية الأندلس القضايا الافتراضية في المسائل والإجابة عنها، واختاروا المنع من ذلك، مستندين إلى الحديث الذي جاء فيه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، نهى عن الأغلوطات[76]. وقد أورد ابن عبد البر الأندلسي (ت 463ﻫ) أن ابن عمر، رضي الله تعالى عنه، قال: “لا تسألوا عما لم يكن، فإني سمعت عمر يلعن من يسأل عما لم يكن[77]“، فكان تأكيد منه لهذا المنهج، وبيان لمن يسلك باب الافتراض، ويتّبع سبيل الأرايتيين.

لقد حافظ مالكية الأندلس على صفاء المنهج الذي أخذوه في جملة ما أخذوه من مذهب مالك، وتجنبوا الانزلاق إلى الافتراض، من هؤلاء نجد زياد بن عبد الرحمان شبطون (ت 204ﻫ)، فقد وجّه إليه أحد ملوك الأندلس سؤالا عن كفّتي ميزان الأعمال يوم القيامة، أهما من ذهب أم من فضة، فأجابه زياد، حدثنا مالك عن ابن شهاب قال: قال رسول الله صلى الله عله وسلم: “من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وسترد فتعلم[78].”

فهذا المثال يصوّر حقيقة ثابتة، يتضح بها مسار منهج علماء الأندلس من المالكية، وإن المتبع المنصف لفقه هؤلاء العلماء يلحظ بيقين خلوّ فروع الفقه الاجتهادي المالكي الأندلسي من الافتراضات التي لا تفيد ولا تحقق مقصدا ولا غاية، ولا تنتج فقها للواقع[79] تستفيد منه الأمة في حالها، خاصة أنّ “واجب المجتهد الاطلاع على أحوال زمانه، وإلمامِه بالأصول العامّة لأحوال عصره[80]“، فالنصوص لم تأت إلا “لتخاطب الواقع وتتنزل فيه على أحسن حال، وأفضل منهج، وأقوم سبيل[81]“، واتباع الافتراضات لا يمكّن من ذلك، بل يدفع إلى الابتعاد عن واقع الناس، وعن ظروف حياتهم إلى تصور واقع افتراضي قد لا يقع للناس، ولا يمسّهم في حياتهم.

فإذا كان المقصود من الفقه، هو أن يكون سبيلا إلى إبراز معالم السلوك اليومي الصحيح للمكلّف، وَفق مراد الشريعة، حتى لا يتورط المسلم في شيء مما حرمه الله عليه، وحتى يؤدي عبادته التي هي مظهر الاستسلام والخضوع لله على الصفة التي جعلها الشرع مجزئة ورافعة للتكليف، فإنه من خلال هذا المنهج الواقعي الذي سلكه مالكية الأندلس، تتبين مقاصد هذا الفقه العلمية، ويتأكّد أنه من التحريف لمسيرته، ومن الخروج عن منهجه أن يصير ضربا من الرياضة العقلية الاحتمالية، أو يصير تفريعا لآراء تجريدية، لا صلة لها بالواقع وإذا كان المطلوب في الفقه أن يكون واقعيا ليكون عمليا فإن فقه علماء المالكية بالأندلس يعتبر الموصل الأبرز لهذا الاتجاه وذلك بكثرة ما أثر عنهم من الروايات في هذا الشأن.

ثانيا: المرونة

نقصد بالمرونة تلك المعاني الوسطية التي تكبِح جماح الانفتاح والتوسع دون قيود أو ضوابط، أو الوقوف والجمود على المسطور دون تغير أو تجدد،  فهي بالمفهوم المصطلحي: “الحد الفاصل بين الثبات المطلق الذي يصل إلى درجة الجمود، والحركة المطلقة التي تخرج بالشيء عن حدوده وضوابطه[82].”

وقد عرف المذهب المالكي منذ بداية تأسيسه بالأندلس هذا النوع من المرونة والتوسع والانفتاح، وإمكانية استيعاب وجهات النظر المتعددة في إطار منظومة المذهب الواحد، مما خلّف ثروة غنية من الاجتهادات والنظريات جرّاء التطورات الطارئة، فتحت آفاقا رحبة لأتباع هذا المذهب للإبداع والاجتهاد بمختلف صوره: كالتخريج والترجيح والتنقيح (…) وتأتي خطوة جمع هذه الاجتهادات وتصنيفها تتويجا لهذه المسيرة الإبداعية، مع ما طبع تلك الإبداعات من أشكال الإضافة أو الاختصار عبر مراحل الزمن المختلفة، اضطر بسببها المنظّرون من المذهب المالكي إلى وضع أسس علمية منهجية للتعامل معها تصحيحا وتضعيفا، وترجيحا وتشهيرا وموازنة، وبناء معايير علمية دقيقة تعتمد في التقديم والتأخير، بعضها يرجع إلى قوة الحجة، وبعضها إلى شخص المجتهد أو عدد المجتهدين، وبعضها الآخر إلى العمل بما اقتضته المصلحة، وبفعل ذلك “دخل المذهب المالكي مرحلة التقعيد العلمي لقواعد التعادل والترجيح والتشهير والتضعيف (…) إجراءً وقائيا للحدّ أو التخفيف من تلك الآثار السلبية التي من شأنها أن توحي بنوع من التناقض أو التشكيك في مدى قدرة الفقه المالكي على الالتزام بضوابط الاجتهاد وقواعد التخريج والاستنباط (…) وتتويجا لتلك المجهودات نجد أن المنظّرين من المذهب قد قاموا بتسطير منهج علمي في غاية الدقـّـة والموضوعية، خاضع لقواعد أصول الفقه المجمع عليها من لدن الفقهاء، وبمثابة ميزان علمي لترجيح الأقوال ومعرفة درجة صحتها ونسبتها وقوتها الثبوتية (…)[83].”

 فكان من نتيجة ذلك، تقسيمٌ شامل لكل الروايات والأقوال إلى خمسِ رتب، ووضع ميزان للترجيح بينها عند  تعارضها، وهي: المتفق عليه والراجح والمشهور والمساوي وجريان العمل، وهو المنهج الذي يستهدف تقريب المذهب وحصر المتّفق عليه ومحاولة حسم ما اختلف فيه، وتوضيح الطريق للمقلد، وتيسير العمل بالمذهب عموما.

جاء في المستخرجة للإمام العتبي (ت 255ﻫ) جواز الغبن اليسير في البيع؛ لأن البيوع لا تنفك عن الغرر اليسير، لذلك فهو مستخف فيها مجاز[84]، ولأن الالتزام بحرفية قوله تعالى: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ (الأعراف: 84) يجعل الناس في المشقة والحرج، والحرج مرفوع عن الأمة بمقتضى الاستقراء لنصوص الشريعة فهو من مقاصدها العليا، وقواعدها الكلية.

  وكذلك الإمام الباجي (ت 474ﻫ) لم يقف عند حدود لفظ “أحجار” بصدد ما جاء في حديث الاستطابة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سُئِل عن الاستطابة فقال: “أَوَ لاَ يَجِدُ أَحَدُكُمْ ثَلاَثَةَ أَحْجَارٍ؟”، بل أجاز الاستجمار بغير الحجر من الخرق والقشب وما في معناهما… مادام منق وليس بنجس[85]، لما في هذا من رفع للمشقة ومرونة وتوسعة على الناس، فقد يتعذر وجود الماء في مكان ما، ونظرته الحِكمية هنا محددة ومقيدة بأن لا يكون فيما يستجمر به نجاسة، وهذا إحدى ضوابط اعتماد المرونة كمنهج للاجتهاد المقاصدي، ويوضّح في الوقت نفسه النهج الذي كان يسلكه مالكية الأندلس في فهم النصوص والاستنباط منها.

لقد أسهمت هذه المرونة التي ميّزت الفقه المالكي الأندلسي في تطوير التشريع الإسلامي وتوكيد مسايرته لكل النوازل والمستجدات، بقياس النظير على النظير، وإلحاق الفرع بالأصل، يعملون فِكرهم في النصوص، ويستنبطون منها مناطات للأحكام، يشهرون ويرجّحون (…) فكانوا يرجّحون القول الشاذ والضعيف إذا اقتضت المصلحة والضرورة ذلك على حساب ما صحّ من أقوال المذهب واشتهر[86]، فأثبتوا بذلك أن للفقه الاجتهادي المالكي من الخصوصيات الذاتية والموضوعية ما جعله قادرا على العطاء والاستمرار.

ثالثا: الإجابة على المستجدات

إذا كان المراد من الفقه أن يُواكِبَ الحياة فيضبطها ويجيب عن مستجدّاتها ونوازلها من منطلق التصور الإسلامي فإن فقه مالكية الأندلس يمثّل بناءً متكاملاً قادرًا على الإحاطة بكل القضايا، وذلك بوفرة ما فيه من الأصول الاستنباطية المستمدة من مذهب الإمام مالك والتي من شأنها أن تحقق اجتهادا شاملا يواجه المعضلات، ويدرء المفاسد ويحقّق المصالح بحسب ما تفرزه المستجدات.

 إن الأصول التي قام عليها مذهب مالكية الأندلس هي نفسها أصول مذهب مالك، وهي كفيلة بتحقيق مطالب لابدّ منها لمجتمع ينظّم حياته وَفق هدي الإسلام، ويسعى لما تسعى إليه كل المجتمعات من جلب النفع ودفع الضرر، “فهذه الأصول تضمن الأخذ بالكتاب والسنة ومن خلال فهمهما فهما عميقا، يتجاوز الظاهرية التي تهدر عِلل الأحكام كما أن تلك الأصول تحقق جلب رعاية المصالح التي عليها مبنى التشريع الإسلامي كله[87].”

وقد سبقت الإشارة إلى أن اعتماد المدرسة المالكية الأندلسية على أصول الإمام مالك، المصلحة المرسلة، المصلحة العامة، الاستحسان، سد الذرائع، شكّل منطلقا لتحرير الاجتهاد المقاصدي، بما قام عليه من أسس ودعائم، ميّزت علماءَه وفقهائَه، وبما نسجَه من خيوط استطاع الإمام الشاطبي (ت 790ﻫ)، بعد ذلك، أن يستجمعها ليكوّن لبنة أساسية يحرّر من خلالها القول في علم مقاصد الشريعة الإسلامية.

ولولا هذه البنية الاجتهادية في منظومة فقه مالكية الأندلس، لما أمكن للعلماء والمجتهدين أن يؤسّسوا لنظريات متكاملة في مقاصد الشريعة الإسلامية، فتمكّن مالكية الأندلس من الإجابة عن المستجدات والنوازل التي يفرضها تطور المجتمع ساهم في توفير ثروة فقهية اجتهادية متجدّدة، يؤكد هذه الحقيقة المؤلفات النوازلية التي صاحبت تطور المجتمع الأندلسي خلال فترة بناء الاجتهاد المقاصدي، نذكر منها:

فتاوى أصبغ بن خليل أبي القاسم القرطبي (ت 293ﻫ)[88]، فتاوى ابن لبابة، محمد بن عمر القرطبي (ت 314ﻫ)، مسائل ابن زرب، أبي بكر محمد بن يبقى القرطبي (ت 381ﻫ)[89]، منتخب الأحكام، لابن أبي زمنين محمد بن عبد الله بن علي الإلبيري (ت 399ﻫ)[90]، فتاوى ابن المكوي، أبي عمر أحمد بن عبد الملك الإشبيلي (ت 401ﻫ)، المقنع في مسائل الأحكام وفقه القضاء، لابن بطال المتلمس سليمان بن محمد البطليوسي (ت 402ﻫ)،. فتاوى ابن الشقاق، عبد الله بن الشقاق بن سعيد القرطبي (ت426ﻫ)، نوازل ابن بشتغير، أحمد بن سعيد اللخمي اللورقي (ت 516ﻫ)[91]،… وغيرها، وهي مؤلفات قدمت اجتهادات وتصورات مالكية الأندلس في فهم المذهب المالكي، وبيّنت منهجهم في التعامل مع أصوله، وأكدت الخصائص التي تميز بها هذا المذهب من إجابته على المستجدات.

وختاما

  فقد أبانت الدراسة عن اهتمام مالكية الأندلس بالمقاصد ومراعاتها في فكرهم واجتهادهم وفتاويهم الفقهية، ممّا أكدته جملة النصوص من المأثور عنهم، وكثرة المسائل والقضايا والنوازل الفقهية، كما أوضحت أصول الاجتهاد المقاصدي المتمثلة في البناء المصلحي، والاستحسان وسد الذرائع، باعتبارها أصول قام عليها المذهب المالكي، وتأكيد لمنهج التطور الأصولي الذي صاحب قيام هذه المدرسة بالأندلس.

كما أن الحديث عن خصائص الاجتهاد المقاصدي في فقه مالكية الأندلس والمتمثلة في الواقعية، المرونة، الإجابة على المستجدات، تأكيد على أن هذا الاجتهاد لا يبتعد عن تصورات الفقيه للحكم الشرعي القائم على ضوابط الشريعة من تحكيم الأصول والمناهج وتدبّر الكليات والجزئيات، وترجيح الأولويات والوقوف على فقه الواقع المعيش ومراعاة تغير الظروف والأحوال.

 كما أنه دعوة لأهل العلم أن لا يبدؤوا من فراغ، وأن يستفيدوا من اجتهادات من سبقهم من علماء الأمة وفقهائها، الذين اعتمدوا مناهج علمية رصينة، استطاعوا من خلالها استيعاب قضايا عصرهم بتنوعاتها واختلافاتها، حتى إذا نهلنا مما نهلوا، واتبعنا السنن الذي اتبعوا تيسّر لنا حل المشكلات التي تعترض مجتمعاتنا، وإيجاد الحلول الملائمة لها وفق مناهج مقاصدية ملائمة.

الهوامش


[1]. القاضي عياض السبتي المغربي، ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، تعليق: محمد بن تاويت الطنجي، ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الرباط: مطبعة فضالة المحمدية، د. ت، 1/75.

[2]. محمد بن يعيش، مدرسة الإمام الحافظ أبي عمر بن عبد البر في الحديث والفقه وآثارها في تدعيم المذهب المالكي بالمغرب، الرباط: منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. (1414ﻫ/1994م)، 1/252.

[3]. زياد بن عبد الرحمن الملقب بشبطون، أبو عبد الله سمع من مالك الموطأ وله عنه سماع معروف بسماع زيد، كان فقيه الأندلس على مذهب مالك وهو أول من أدخل مذهبه  إلى الأندلس، وكانوا قبل يتفقهون على مذهب الأوزاعي. انظر: الحافظ أبي الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي المعروف بابن الفرضي، تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس، عني بنشره وتصحيحه: عزت العطار الحسني، (1373ﻫ/1954م)، 1/183. أحمد بن محمد المقري التلمساني، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تـ: إحسان عباس، بيروت:  دار صادر. (1938ﻫ/1978م)، 2/45.

[4]. بقيت الفتيا دائرة على هذا المذهب إلى أيام الأمير عبد الرحمن بن معاوية (138-172ﻫ).

[5]. انظر مقال توفيق الغلبزوري، المدرسة المالكية بالأندلس بين التأصيل والتفريع، مجلة التبصرة، العدد الرابع، يناير2013، تصدر عن المجلس العلمي لمولاي يعقوب، ص94.

[6]. القاضي عياض السبتي المغربي، ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك. ضبط وتصحيح: محمد سالم هاشم. ط1، بيروت: دار الكتب العلمية/لبنان، (1418ﻫ/1998م)، 1/202. ومنهم قرعوس بن العباس (ت 202ﻫ). وسعيد بن أبي هند. ومحمد بن بشير المعافري. وعبد الرحمن بن موسى الهواري وغيرهم.

[7]. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، م، س، 2/46. وانظر: مقال المذهب المالكي بالأندلس من خلال قراءة في كتاب الخصال لابن زرب القرطبي (ت 381ﻫ)، عبد الحميد العلمي، مجلة دعوة الحق، عدد 391.

[8]. ترتيب المدارك، م، س، 1/15.

[9]. انظر تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس، م، س، 1/345.

[10]. ترتيب المدارك، م، س، 1/26-27.

[11]. محمد إبراهيم أحمد علي، اصطلاح المذهب عند المالكية، دبي: دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث/الإمارات العربية المتحدة، ط1، (1421ﻫ/2000م)، ص72.

[12]. عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، تحقيق: علي عبد الواحد وافي، لجنة البيان العربي ط1، 1376ﻫ، ص450.

[13]. محمد الشريف، العتبية وصيرورة تكون المجتمع الإسلامي الأندلسي، مجلة دعوة الحق. ع391، صفر  (1430ﻫ/2009م)، ص186.

[14]. منشور ضمن مجلة التبصرة العدد الرابع، يناير2013.

[15]. نفح الطيب.. م، س، 2/218.

[16]. ترتيب المدارك، م، س، 1/15. محمد الحجوي، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، تـ: عبد العزيز القارئ، المكتبة العالمية، مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، ط1، 1396ﻫ، 2/366.

[17]. يرى الغلبزوري في مقاله عن المدرسة المالكية بالأندلس، إلى أنها عرفت اتجاهين: اتجاه فروعي مقلد، واتجاه حديثي تأصيلي متبع، وأن الاتجاه الفروعي هو الاتجاه الغالب. المقال منشور بمجلة التبصرة، م، س. قلت: وأعتقد أن ما سيتم الحديث عنه في الدراسة عن الاجتهاد المقاصدي بهذه المدرسة سيوضح مدى نضج فقهاء هذه المدرسة في تعاملهم مع منهجية الاستنباط، وقوة نظرهم في نسج خيوط فكر مقاصدي رصين.

[18]. انظر لمزيد توسع: عبد السلام أحمد فيغو، المدارس الفقهية المالكية ومدى مساهمتها في خدمة الفقه المالكي، مجلة دعوة الحق، السنة الخمسون، عدد 391، ص81-83.

[19]. انظر مثلا ترجمة أصبغ بن خليل (المتوفى سنة 273ﻫ)، وترجمة عبادة بن علكة الرعيني (ت 282ﻫ)، وإبراهيم بن أحمد بن معاذ الشعباني (ت 302ﻫ)، وأحمد بن عبد الله بن الفرج النميري (ت 303ﻫ) وغيرهم، في تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس لابن الفرضي، ونفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب لأحمد بن محمد المقري التلمساني، وترتيب المدارك للقاضي عياض، وشجرة النور الزكية لمحمد محمد مخلوف وغيرها.

[20]. عرّف القاضي أبو بكر الباقلاني (ت 403ﻫ) النظر، فيما نقل عنه، فقال: “النظر هو الفكر الذي يطلب به من قام به علما أو ظنا، وهو مطرد في القاطع والظني” بدر الدين بن عبد الله الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه، الكويت: وزارة الأوقاف، ط1، 1988م، ص62. قلت: فالنظر بهذا المعنى هو الفكر المترتّب في النفس على طريق يفضي إلى العلم، وقد يكون رأيا، أو تأملا، أو تدبرا، أو تحريا، أو قياسا، أو استنباطا، أو اجتهادا.

[21]. شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، الذخيرة، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1994م، 1/139.

[22]. أحمد الريسوني، الفكر المقاصدي: قواعده وفوائده، منشورات الزمن كتاب الجيب، الكتاب9، البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، 1999م، ص34-36.

[23]. انظر بحث الاجتهاد المقاصدي: مفهومه آلياته وعلاقته بفقه الواقع وقضايا العصر، للباحث، منشور ضمن كتاب “قضايا مقاصدية”، صدر عن جمعية البحث في الفكر المقاصدي بالمغرب، العدد الأول، شتنبر 2013، ص6.

[24]. ابن منظور الإفريقي، لسان العرب، مادة (ص ل ح).

[25]. محمد سعيد رمضان البوطي، ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، ط6، بيروت: مؤسسة الرسالة. دمشق: الدار المتحدة، ( 1421ﻫ/2000م)، ص23.

[26]. أبو حامد الغزالي، المستصفى من علم الأصول، دراسة وتحقيق: حمزة بن زهير: حافظ المدينة المنورة، ط2، المدينة المنورة: كلية الشريعة. بيروت: دار الكتب العلمية/لبنان، (1403ﻫ/1983م)، 2/482.

[27]. أبو إسحاق الشاطبي، الاعتصام، بيروت: دار الكتب العلمية، ط2، (1411ﻫ/1991م)، 2/13 وما بعدها. والموافقات، م، س، 2/20.

[28]. عزالدين بن زغيبة، الفكر المقاصدي عند فقهاء القيروان إلى منتصف القرن الخامس الهجري، مجلة آفاق للثقافة والتراث، دبي: مركز جمعية الماجد للثقافة والتراث، ع24، 1999م، ص73.

[29]. الفكر المقاصدي عند فقهاء القيروان إلى منتصف القرن الخامس الهجري، م، س، ص73.

[30]. محمد بن حارث الخشني، أصول الفتيا في الفقه على مذهب الإمام مالك، تحقيق الشيخ محمد المجذوب،  محمد أبو الأجفان، عثمان بطيخ. الدار العربية للكتاب. المؤسسة الوطنية للكتاب، ط.1985م، ص169.

[31]. ابن عبد البر، الكافي في فقه أهل المدينة المالكي، تحقيق: محمد أحيد ولد ماديك، الرياض: مكتبة الرياض الحديثة، ط1، (1398ﻫ/1978م)، 2/895.

[32]. أبو عمر بن عبد البر النمري، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، تـ. مصطفى العلوي. ومحمد البكر، الرباط:  وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ط.1387ﻫ، 12/23.

[33]. ابن حبيب، الواضحة في الفقه، تحقيق: عزيزة الإدريسي، رسالة مرقونة بدار الحديث الحسنية، 1994، ص305.

[34]. المرجع نفسه، ص304. وانظر البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل المستخرجة، تحقيق: محمد حجي، طبعة دار الغرب الإسلامي، ط2، (1408ﻫ/1988م)، 2/195.

[35]. الموافقات، م، س، 2/13.

[36]. ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، دراسة وتحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية/ مصر، (1388ﻫ/1968م)، 3/3.

[37]. بحث المصلحة العامة بين الشرع والفقه والسياسة، فوزي خليل، بحث منشور بموقع:

://www.onislam.net/arabic/madarik

[38]. عيسى بن علي الحسني العلمي، النوازل، تحقيق المجلس العلمي بفاس، الرباط: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، (1406ﻫ/1986م)، 2/233.

[39]. الكافي، م، س، 2/952.

[40]. المرجع نفسه.

[41]. القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب الباجي، المنتقى شرح موطأ مالك، تـ: محمد عبد القادر أحمد عطا، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، (1420ﻫ/1999م)، 3/143.

[42]. رواه البخاري في كتاب الاستئذان، 6240. ومسلم في كتاب السلام. باب إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان، رقم17.

[43]. أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال، شرح صحيح البخاري، ضبط نصه وعلق عليه أبو تميم ياسر بن إبراهيم، الرياض: مكتبة الرشد، ط1، (1420ﻫ/2000م)، 1/239-240.

[44]. المنتقى، م، س، 3/158.

[45]. علي بن محمد علي الجرجاني، التعريفات، تحقيق: إبراهيم الأبياري، بيروت: دار الكتاب العربي ، ط1/1405ﻫ،

 ص36.

[46]. أبو الوليد الباجي، حكام الفصول في أحكام الأصول، تـ: عبد المجيد تركي، بيروت: دار الغرب الإسلامي، ط1، 1986م، 1/206.

[47]. الذب عن مذهب مالك في شيء من أصوله وبعض مسائل من فروعه وكشف ما لبس به بعض أهل الخلاف وجهله من مخارج الأسلاف، مخطوط بخزانة تشتربتي، رقم 4475.

[48]. الموافقات، م، س، 4/148-149.

[49]. محمد أبو زهرة، أصول الفقه الإسلامي، ص251.

[50]. أحمد زروق البرنسي، شرح الرسالة لابن أبي زيد، بيروت: دار الفكر، (1402ﻫ/1982م)، 1/260.

[51]. ابن رشد، البيان والتحصيل، م، س، 4/67.

[52]. أبو بكر محمد بن يبقى بن زرب القاضي القرطبي المالكي، كتاب الخصال، قدمه واعتنى بنصه وعلق حواشيه: عبد الحميد العلمي، الرباط: منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، (1426ﻫ/2005م)، ص328.

[53]. الخصال، م، س، ص25.

[54]. عبد اللطيف العلمي، المصلحة المرسلة والاستحسان وتطبيقاتهما الفقهية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ط1، (1425ﻫ/2004م)، ص162.

[55]. ابن عبد البر، الكافي.. م، س، 2/938.

[56]. المرجع نفسه، 2/954-955.

[57]. لسان العرب، م، س، م 5-6، ص28. مادة (ذ ر ع).

[58]. فريد الأنصاري، المصطلح الأصولي، م، س، ص438.

[59]. نظرية المقاصد. الريسوني، م، س، ص73-74.

[60]. انظر ابن العربي، أحكام القرآن، تعليق: محمد عبد القادر عطا، بيروت: دار الكتب العلمية/لبنان، 2/582.

[61]. انظر: أحمد الريسوني، نظرية المقاصد، م، س، ص74-76.

[62]. المرجع نفسه، ص75.

[63]. إعلام الموقعين، م، س، 3/142. وانظر نظرية المقاصد، م، س، ص75.

[64]. ابن حبيب، الواضحة، ص319.

[65]. أحمد زروق، شرح الرسالة، م، س، 2/154.

[66]. عبد الملك بن حبيب، الواضحة، م، س، ص221.

[67]. ابن حارث، أصول الفتيا، م، س، ص115.

[68]. ابن جزي، القوانين الفقهية، الرباط: مطبعة الأمنية، ط3، (1382ﻫ/1962م)، ص117-118.

[69]. شهاب الدين القرافي، الفروق، تحقيق: محمد رواس قلعة جي، طبعة دار المعرفة، د. ت، 3/269.

[70]. رواه البخاري في الإيمان والبيوع، 2051. ومسلم في المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، رقم 107.

[71]. ابن بطال، شرح صحيح البخاري، م، س، 1/117.

[72]. رواه البخاري في الفرائض، 6730. ومسلم في كتاب الجهاد والسير 39 و51.

[73]. أبو الحسن بن بطال ومنهجه في فقه الحديث، رسالة مرقونة بدار الحديث الحسنية 2003، ص164-165.

[74]. شرح صحيح البخاري، م، س، 4/131.

[75]. ابن عبد البر النمري الأندلسي، جامع بيان العلم وفضله، بيروت: دار الفكر، د. ت، 2/132.

[76]. مسند الإمام بن حنبل مسند رجل من غفار. 5/435. قال الأوزاعي: “الأغلوطات شدائد المسائل”.

[77]. ابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله، م، س، 2/139.

[78]. ترتيب المدارك، م، س، 3/120.

[79]. يرى الدكتور القرضاوي أن فقه الواقع “مبني على دراسة الواقع المعيش، دراسة دقيقة مستوعبة لكل جوانب الموضوع، معتمدة على أصحّ المعلومات وأدق البيانات والإحصاءات”. أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة، مكتبة وهبة القاهرة، ط2، 1991، ص30. قلت: ارتبط ذكر هذا النوع من الفقه بدراسة الحوادث والمسائل التي تقع للناس وَفق ما يفهم من حياتهم ومعاشهم وظروفهم وتغيرات الأعراف.

[80]. نور الدين بن مختار الخادمي، الاجتهاد المقاصدي: حجيته ضوابطه مجالاته، بحث منشور في كتاب الأمة، تصدر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر، العدد: 66، السنة الثامنة عشرة، ط1 (1419ﻫ/1998م)، ج2، ص110.

[81]. المرجع نفسه، ص110.

[82]. حمدان الصوفي، مفهوم الأصالة والمعاصرة وتطبيقاته في التربية الإسلامية، رسالة دكتوراه مرقونة، جامعة أم القرى، كلية التربية، ص141.

[83]. بشرى الشقوري، في مرونة الفقه المالكي: خروج مالكية الأندلس عن المذهب المالكي إلى غيره من المذاهب، ميثاق رابطة علماء المغرب، العدد 1063، الجمعة 18 صفر 1425ﻫ الموافق 9 أبريل 2004م.

[84]. البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل، م، س، 9/385.

[85]. المنتقى شرح موطأ الإمام مالك، باب جامع الوضوء، دار الكتاب العربي، ط1، 1331ﻫ، 1/67-68.

[86]. انظر: عبد السلام أحمد فيغو، المدارس الفقهية المالكية ومدى مساهمتها في خدمة الفقه المالكي، م، س، ص81-83. وفي مرونة الفقه المالكي. بشرى الشقوري، في مرونة الفقه المالكي: خروج مالكية الأندلس عن المذهب المالكي إلى غيره من المذاهب، م، س.

[87]. أبو زهرة، مالك، م، س، ص384.

[88]. مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط، رقم: 8178.

[89]. جمعها يونس القاضي أبو الوليد بن عبد الله بن محمد بن مغيث يعرف بابن الصفار (ت 429ﻫ)، وهي من مصادر فتاوى ابن رشد، وقد طبعت باسم (فتاوى ابن زرب القرطبي) سنة 2011، نشر دار اللطائف.

[90]. مطبوع ومحقق، ونوقش في أطروحة دكتوراه للدكتور: محمد حماد بكلية الآداب – جامعة عبد المالك السعدي، كلية أصول الدين بتطوان.

[91]. حققه الدكتور: قطب الريسوني حيث كان موضوع أطروحته الدكتوراه، وطبع في مجلد واحد بدار ابن حزم سنة 2008.

Science

د. عبد الكريم بناني

دار الحديث الحسنية/الرباط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق