مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

أسْرارُ البيَانِ في القُرآنِ(33) البَيَانُ في التَّقْديمِ والتَّأخِير في قَولهِ تعَالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾

                و ذلكَ يتجلّى في اخْتلافِ الضّمير  بينَ التَّقديمِ والتّأخِير، في قولهِ تعالَى في سورَة (الأَنْعَام): ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِن إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾، وقولهِ تعَالى في سُورَة (الإسْرَاء) : ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾. فأنْتَ تَرى في الآيَتَينِ، أَنّ الضَّميرَيْنِ(كُمْ) و(هُمْ)، يَتعَاقبَانِ التَّقديمَ والتّأخيرَ: (نَرْزقُكُمْ وَإيّاهُم) و ( نَرزُقُهُم وإيّاكُم) . وليسَ ذلكَ اعْتبَاطاً وَلا اتّفاقاً، وإنما هُوَ  بناءٌ نَظميّ، يَستَبطنُ انْتِظاماً دَلاليّاً مُتّسقاً، منْ حيثُ عَلاقتُهُ  باخْتيَارِ اللَّفظِ، ومُتساوِقاً منْ حيثُ عَلاقتهُ باخْتلافِ السِّياقِ المقَاميّ والمقَاليّ في الآيَتيْنِ كِلتَيهِمَا.

         لكنّ الذِي يَسْتلفتُ النَّظَر  في اخْتِيار الألفَاظِ في الآيَة، هوَ  وُرُودُ كلمةِ(إمْلَاق) دونَ غَيرهَا ممّا هوَ  في مَعنَاها. فهذهِ الكلمَةُ لمْ تَردْ في القُرآنِ الكَريمِ، إلّا في هذَا الموضِع منَ الآيَتينِ. والّذي يَجري علَى اللّسانِ منْ مَعاني هذهِ الكَلمَة، أنّ (الإمْلاقَ) هُوَ(الفَقْرُ).لكنّ الأصلَ الاشتِقَاقيّ للكلمَةِ يَكشف لكَ أنَّ الإمْلاقَ أَشدُّ منَ الفَقْر. فــــ(ابْنُ سِيدَهْ) في(المحكَم والمحِيط الأعْظَم) يَقولُ: «الــفَقْرُ: ضدُّ الْغِنَى.وَقَدْرُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا يَكْفِي عِيَالَه». وجاءَ في(الصّحَاح) (للجَوْهَريّ): «ورجلٌ فَقيرٌ منَ المالِ. قالَ (ابنُ السّكِّيت): الفَقيرُ الّذي لهُ بُلْغَةٌ منَ العَيشِ». وعلَى ذلكَ جاءَ قولُ(ابن فَارسٍ) في (مَقاييس اللّغَة):« وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: الْفَقِيرُ: الَّذِي لَهُ بُلْغَةٌ مِنْ عَيْشٍ».

          أمّا (الإمْلاقُ)فَمنَ(الْـمَلْق)،ومَعناهُ العامّ المشتَركُ،الْـمَلاسَة والاسْتِواءُ. ومنهُ قالُوا (الْـمَلَقَة) وهيَ الصَّخرَةُ الملسَاءُ، و(الْـمَلَق)أيضاً مَا استَوَى منَ الأَرْض. ويأتي (الإمْلاقُ) بمَعنَى (الإنفَاق). قالَ(ابنُ مَنظورٍ)في(لسان العَرَب):« وأَصلُ الإمْلَاق،الإنْفَاق.يُقال:أَمْلَقَ ما مَعهُ إمْلاقاً، ومَلَقَـهُ مَلْقــاً، إذَا أَخرجَهُ منْ يَدهِ، ولَمْ يَحبِسْهُ». وهيَ معانٍ في عمْقِها تُفضي إلى مَعنىً واحدٍ،فالصخْرَة الملسَاءُ لا يَثبُتُ عليهَا شَيءٌ، فكلّ ما يَقعُ عليهَا منْ ماءِ المطَر، لا تُمسكُهُ،بلْ تَزلُّ بهِ:(كمَا زَلَّتِ الصَّفْواءُ بالْـمُتَـنَــزّلِ)،أو إِنْ شئتَ،قلتَ: هوَ في صُورَتهِ يقرُبُ منْ قولهِ تعالَى: ﴿كَمَثَلِ صَفْوَانٍ علَيهِ تُرابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَـرَكَهُ صَلْداً﴾؛ فكذَلكَ مَن يُنفقُ مالهُ تَبذيراً وإسْرافاً حَتّى يَصيرَ كالْـمَلَقَة.وعلَى هذَا المعنَى قالَ(ابنُ مَنظُور) بعدُ: « وَالإملَاقُ كَثرَةُ إنْفَاق المالِ وتَبذِيرهِ حتّى يُوَرّثَ حاجَةً». وقالَ (الطّبريّ) في (تَفسيرهِ): « وَالإمْلاقُ : مَصدرٌ من قَولِ القَائِل : أَمْلَقْتُ منَ الزَّادِ،فَأنَا أُمْلِقُ إمْلاقاً،  وذلكَ إذَا فَنيَ زادُهُ وذهَبَ مالُهُ وأَفلَسَ».

            وذهبَ(ابنُ عَطيّةَ) في (المحرَّر الوَجيز) إلَى مَعنىً بَديعٍ يُقرِّب صُورَة (الإمْلاق)، فقالَ: «ويُشبهُ أنْ يكونَ مَعناهُ، أَمْلَقَ: أيْ لَمْ يَبْقَ لهُ إلّا الْـمَلَقُ، كمَا قالُوا (أَتْرَبَ): إذَا لَمْ يَبْقَ لهُ إلّا التُّرابُ، و(أَرْمَلَ): إذا لَمْ يَبْقَ لهُ إلّا الرَّمْلُ. و(الْـمَلَق): الحجَارَةُ السُّودُ ،واحدَتهُ مَلَقَةٌ». ومثلُ قولهِ أورَدهُ (أبُوحيّان الأندَلسيّ) في(البَحر المحيط) حيثُ قالَ: « يُقالُ : أَمْلَقَ الرّجُل إذَا افْتَقَرَ. ويشبِهُ أنْ يكونَ، كَـــأَرْمَلَ. أيْ لمْ يبْقَ لهُ شَيْءٌ إلّا الْـمَلَقُ، وهيَ الحجَارةُ السّودُ، وهيَ الْـمَلَقَةُ. ولمْ يبقَ لهُ إلّا الرَّمْلُ والتُّرابُ» فالمعنَى في الآيةِ يَقعُ علَى أشَدَّ ما يَكونُ الافتِقَارُ، وهوَ الإمْلاقُ؛ إذْ يَصيرُ المرءُ إلَى حالٍ يَنعدمُ لَديهِ فيهَا القوتُ والزَّادُ.

          ثمّ إنكَ إذَا استَحضرْتَ كلَّ ذلكَ، لَفظاً ونَظماً وسيَاقاً،خَلَصتَ إلى لَطائِفَ منَ المعَاني، وبَدائعَ منَ الدّلالاتِ؛ذلكَ أنّ آيةَ (الأَنْعَامِ) جَاءَ فيها ( ولا تَقْتُلُوا... مِنْ إِمْلاقٍ)، أيْ أنَّ الإمْلاقَ،  بهَذَا السُّحقِ منْ دَرَكاتِ الفَقرِ، قائمٌ فيهمْ، مُلتَبسٌ بِـهِم، حاصلٌ بَينـهُمْ، يَعيشونَهُ هُمْ ومَعهُم أبْناؤُهُم. فدَفعَهُم ذلكَ إلى قَتْل أبنائِـهِم،خوْفاً علَى أنفُسهِم،منَ الهَلاكِ جُوعاً. فحرفُ الجَرّ(مِنْ) يُفيدُ السَّببيّةَ،أيْ بِسبَـبِ الإمْلاقِ. كمَا هيَ(مِنْ) في قولهِ تعَالى: ﴿وَإنَّ مِنْهَا لَـمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾.لذَلكَ قَدّمَ رزقَ الآباءِ:(نَرْزُقُكُمْ) علَى رزقِ الأبْنَاء: (نَرْزُقُهُمْ)، فَكَما رَزَقَهُمْ هُم مِنْ قَبْلُ، فَهُوَ تَعَالَى يَرْزُقُ أَبْنَاءَهُمْ مَعَهُمْ. فَقَدْ عاشُوا من سابقٍ برزْقِ اللهِ زَمَناً، وكذلكَ يَفْعَلُ أبْناؤُهُم. وهذَا منَ الاسْتِبشارِ برزْقِ اللهِ، ودَفعِ الجزَع عنِ النُّفُوس.

            وأمَّا الآيةُ الّتي في (الإسْرَاء) فجاءَ فيها ( وَلا تَقتُلُوا ... خَشيَةَ إمْلاقٍ)، فقَتلُ الأبناءِ فيها يَكونُ خوفاً منْ حُدوثِ هذَا الإمْلاقِ .فالإمْلاقُ هنَا غَيرُ حاصلٍ بَعدُ، وإنَّمَا همْ يَتوقَّعُونهُ وَيَستَحضرُونهُ،وهذَا أشَدُّ الجَزَع؛ فالرّجُل منهُمْ يَكونُ مُكتَفياً، مُحَصِّلاً أَسبابَ العَيشِ، أوْ ربَّمَا غنيّاً مُوسِراً، لكنّهُ يَخافُ إنْ كَثُر عيَالهُ أنْ يُمْلِقَ منْ زيَادَة الإنفَاقِ، فيَقتُلهُم لِيتجنَّبَ الوُقوعَ في الفَقر  والإمْلَاقِ. فطمْأَنهُ اللهُ تعَالى، بأنْ قَدَّمَ رِزْقَ الأبناءِ : (نَرزُقُهُمْ)علَى رزقِ الآباءِ:(نَرزُقُكُمْ). فالوَلدُ يُولدُ وَقَدْ تَكفَّلَ اللهُ برزقهِ، فَلا يَخشَى الآباءُ منَ الافتقَار، لأنَّ رزقَ الأبناءِ سابقٌ لهُمْ مِنْ ولادَتهِمْ، ويبقَى رزقُ الآباءِ مَحفُوظاً، لا يُنْتَقَصُ منهُ، وَلا يَسْتَنْفِدُهُ مَولودٌ جَديدٌ زَائدٌ.

           وَلذلكَ كانَ منْ أعظَم الذُّنُوب عندَ اللهِ، بعدَ الشّركِ،(قتلُ الوَلَد).فقدْ رَوَى الإمامُ (مُسلمٌ) في (صَحيحِه)عَنْ (عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسعُود) رضيَ اللهُ عنهُ  قَالَ:  « سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ. قَالَ، قُلْتُ لَهُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ. قَالَ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ. قَالَ، قُلْتُ، ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ».

           ومنْ عَجيبِ مَا يَلحظُهُ الباحثُ في الأَمرِ، أنَّ كثيراً منْ أهلِ التَّفسيرِ، لمْ تَستَوقفهُ هذهِ الدَّقيقةُ البَيانيّة، فمرُّوا عَليهَا بمَا مرُّوا علَى غَيرهَا، وجعلُوا آيَةَ(الإسرَاءِ)بمِثْل مَعناهَا، واعْتبرُوهَا بَياناً لهَا، وتَصريحاً بعدَ تَلمِيح. قالَ (الزّمخشريّ) في (الكشّاف): « ﴿مِنْ إِمْلاقٍ ﴾، مِنْ أَجلِ فَقْرٍ  وَ مِنْ خَشْيَتهِ ، كقولهِ تعَالى : ﴿ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ﴾». ومنْ بَعدهِ قالَ(الرَّازيّ) في (مَفَاتيح الغَيْب):«  أيْ: مِنْ خَوْفِ الفَقرِ. وقَدْ صَرَّحَ بذكْرِ الخَوفِ في قولهِ:﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ﴾». وكذلكَ هوَ الأمْرُ عِندَ(البَيضاويّ) في(أَنوَار التَّنزيل)، و(النَّسفيّ) في(مَدَارك التَّنزيلِ). 

                ولعلّ الأمرَ كانَ منظُوراً إليهِ منْ وَجهِ أنَّ المعنَى في الآيَتينِ وَاحدٌ، وأنّ النَّظمَ اختلَفَ لنَوعٍ منَ التّفَنُّن في الكَلامِ، كما بَيّنَ ذلكَ(أبو حيّان) في(البَحْر المحِيط)، قبلَ أنْ يَستَدركَ علَى ذلكَ بكلَامٍ،بيّن فيهِ الفَرقَ الدّلاليّ بينَ الآيَتينِ، فقالَ:  « وجاءَ التّركيبُ هنَا ﴿نَحنُ نَرزُقُكُمْ وإيَّاهُمْ ﴾ وفي (الإسْرَاء) ﴿ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وإيّاكُمْ ﴾؛ فيُمكنُ أنْ يَكونَ ذلكَ منَ التَّفنُّن في الكَلامِ. ويُمكنُ أنْ يُقالَ في هذهِ الآيةِ، جاءَ ﴿مِنْ إِملاقٍ ﴾، فَظاهرُهُ حُصولُ الإمْلاقِ للوَالدِ، لَا تَوقُّعُهُ وخَشيتُهُ، وإنْ كانَ واجداً للمَالِ. فبدأَ أوّلاً بقولهِ : ﴿ نحْنُ نَرزُقُكُمْ ﴾خِطاباً للآبَاء، وتَبْشيراً لهُمْ بزَوالِ الإمْلاقِ، وإحَالَة الرّزقِ علَى الخَلاقِ الرّزّاقِ ، ثمَّ عطفَ عليهِمُ الأوْلاد.َ وأمَّا في (الإسْرَاء)، فظاهرُ التّركيبِ، أنّهُم مُوسرُونَ، وأنّ قَتلهُم إياهُم ،إنَّمَا هوَ لتَوقُّعِ حُصُول الإملاقِ والخَشيةِ منهُ. فبُدئَ فيهِ بقَولهِ : ﴿ نَحنُ نَرْزُقُهُمْ ﴾،إخباراً بتكَفُّلهُ تعَالى بِرزقِهِمْ. فلستُمْ أَنتُم رَازقِيهِمْ، وعَطفَ عَليهمُ الآبَاءَ. وصارَت الآيَتانِ مُفِيدَتيْنِ مَعنَيَيْــنِ». وإلَى ذلكَ أشارَ(السَّمينُ الحَلبيُّ) في(الدّرّ المصُون)،إشارةً فاصلَةً رجّحَ فيهَا اختلافَ مَعنَى الآيَتينِ، علَى اعتبارِ  المعنَى فيهمَا واحداً، وأنَّ الكَلام فيهمَا منَ التفَنُّن البَلاغيّ. فقالَ:« وفي هَذهِ الآيةِ الكَريمَة ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ﴾ ، فَقدَّم المخَاطبِينَ ، وفي (الإِسراء) قَدَّمَ ضميرَ الأوْلادَ عليهمْ فقالَ: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم ﴾، فقيلَ : للتّفَنُّنِ في البَلاغَة . وأَحسنُ منهُ أنْ يُقالَ : الظاهِرُ منْ قولهِ ﴿مِنْ إِمْلاقٍ﴾، حُصُولُ الإِمْلاقِ للوَالدِ، لَا تَوقُّعُه وخَشيتُهُ. فبُدِئَ أوّلاً بالعِدَةِ برزقِ الآبَاءِ، بِشارةً لهُمْ بزَوالِ ما هُمْ فيهِ منَ الإِمْلاقِ . وأمّا في آيةِ (سُبْحَان) فظاهرُهَا أنّهمْ مُوسِرُونَ، وإنّما يَخشَوْنَ حُصُولَ الفَقرِ. ولذَلكَ قالَ : ﴿خَشْيَةَ إمْلاقٍ﴾ ، وإنَّمَا يُخْشى الأمُورُ المتوَقَّعةُ. فبُدِئَ فيهَا بضمَانِ رزقِهِم، فلَا مَعنَى لقَتلكُمْ إيَّاهُم.فهذهِ الآيةُ تُفيدُ النّهيَ للآباءِ عنْ قَتلِ الأوَلادِ ،وإنْ كانُوا مُتلبِّسينَ بالفَقرِ  والأخَرى عنْ قَتلِهمْ وإنْ كانُوا مُوسِرينَ ، ولكنْ يَخافونَ وقُوعَ الفَقْر. وإفَادةُ معنىً جَديدٍ أوْلَى من ادِّعَاءِ كَونِ الآيَتينِ بمَعنىً واحِدٍ للتَّأكيدِ».

        وهكذا اخْتَلَفَ السّيَاقُ،فتَغيَّـر النَّظمُ، فاختَلفَ الضَّميرُ تقدِيماً وتأخيراً ، فحصَلَ منْ ذلكَ اختلافٌ في المعنَى وانْبساطٌ في الدّلالَة.ولعَلّك تَخلُصُ أَخيراً إلى أنّ آيةَ(الإسْرَاء) بقولهِ:(خَشيَةَ إِمْلاقٍ)، تكُونُ أشدَّ في تَصْوير الجَزَع،لأنَّ المكرُوهَ مُنْتظَرٌ لمْ يَحصُلْ بَعدُ،فالفِتنَة فيهَا يَنبَغي أنْ تكونَ أخَفَّ وَطْئاً، والإغراءُ بالقَتلِ غيرَ غَلّابٍ،  ومنْ ثمَّ يكُونُ العُذرُ  في فِعلِ القَتل أبْعدَ غَرابةً، وأوْغَلَ في الاسْتبعَادِ. بينَمَا الحالُ في آيةِ(الأنْعَام)، بقَولهِ:(مِنْ إِمْلاقٍ)، فَالجزعُ فيهَا ،إِنِ اشْتدَّ، فَذلكَ لأنَّ الحالَ فيها أَشقُّ علَى النَّفسِ، لحُصولِ الإمْلاقِ والْتِباسِهِ بِهِمْ، فتكُونُ الفِتنَةُ فيهَا أَشدَّ وَطئاً،والإغراءُ بالقتْلِ قَاهراً غَلّاباً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق