مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأعلام

أحمد البدوي بن أحمد المعروف بـ “زويتن” (ت 1275ھ)

لله تعالى في كل عصر رجال، اصطفاهم لحضرته، واجتباهم لمعرفته، وآثرهم بمحبته، واختصهم بولايته، فهم خواصه بين خلقه، يغذوهم في رحمته، يحييهم ويميتهم في عافية، وإذا توفاهم توفاهم إلى جنته، إنهم صفوة الله تعالى، التي صفيت من الأكدار، وأولياء الله منارات كل عصر، ومصابيح الهدى في كل مصر.                   

ولقد حبا الله تعالى القرن الثالث عشر بنخبة من أقطاب الولاية وشموسها، يُعدون من أعظم مفاخر الأمة المحمدية، ومن أجلّهم قدرا، وأسناهم فخرا، السيد أحمد البدوي بن أحمد زويتن.

هو الشيخ الكبير، الولي الشهير، اللائح الأنوار، الواضح الأسرار، القدوة الهمام، البركة الإمام، الناصح النفاع، الوافر الأتباع، العارف بالله، الدال بحاله ومقاله عليه، أبو العباس أحمد البدوي بن الحاج أحمد الشهير بزويتن، الدرقاوي طريقة.[1]

ولادته ونشأته

ولد- رحمه الله تعالى- بمدينة فاس، ونشأ بها في عفاف وديانة، وكانت له حانوت بسوق العطارين، ثم إنه تركها، وانقطع إلى الله تعالى واشتغل بتعلم العلم، فكان يحضر مجالس الشيوخ ويأخذ عنهم…[2]

لقبه

يلقب أحمد زويتن بـ”البدوي”، وسبب تلقيبه بهذا اللقب أن والده ذهب للحج، وفي طريقه مرّ على طنطا بمصر وزار السيد أحمد البدوي، وسأل الله تعالى عند قبره أن يرزقه ولدا صالحا ليسميه باسم البدوي تفاؤلا وتبركا أن يكون مثله، فلما حج ورجع، ولد له ولد فسماه أحمد البدوي فظهرت عليه بركة التسمية، حيث إنه لما تعلم الكتابة وقرأ القرآن الكريم، وتعلم ما يحتاجه من العلم انقطع للعبادة ومطالعة كتب القوم كما سبقت الإشارة إلى ذلك.[3]

 من شيوخه

تتلمذ بفاس على جماعة من كبار علمائها أمثال: الشيخ الطيب بن كيران، وحمدون بن الحاج، وعبد السلام الأزمي وغيرهم…، ثم قرأ علم التجويد على الشيخ الأستاذ مولاي إدريس الملقب بالبكراوي، ولم يطل اشتغاله بعلم الظاهر، ولم يحصل له منه سوى القدر المحتاج إليه، وكان عاملا بعلمه، تابعا للسنة وإماما ومورقا بمسجد الشرابليين، ثم إنه صار يطلب من يأخذ بيده إلى الله تعالى، وحصل له ولوع بكتب القوم، إلى أن لقي الشيخ الأكبر، والقطب الأشهر، مولاي العربي بن أحمد الشريف الدرقاوي الحسني- نزيل القبيلة الزروالية- وذلك سنة خمس عشرة ومائتين وألف، أو قبلها بيسير، فانتفع به انتفاعا عظيما وتربى به وتأدب، وكان من كبار أصحابه وخواصهم، وذوي الأحوال العجيبة منهم، متقشفا زاهدا، ورعا متواضعا، صابرا حليما، محتملا صادقا، مخلصا عارفا معرفا، سالكا مسلكا، يربي المريدين، ويرشد المرادين، ويترقى في مقامات اليقين، ويؤم أولياء الله المتقين، وقد ظهرت له رضي الله عنه كرامات، وخوارق عادات.[4]

علمه وتصوفه

للسيد أحمد البدوي زويتن ولوع بكتب القوم، كما له زاوية وأتباع كثيرون، وكانوا على أكمل حالة في القيام بأمور الدين، والتخلق بأخلاق المهتدين، وظهرت عليهم بركته وشملهم عطفه، وله أيضا رسائل كبرى في سفر ضخم، وصغرى، وكان شيخه العربي الدرقاوي يشهد له بالصديقية.[5]

قال تلميذه العارف سيدي محمد العربي المدغري (ت1309ھ): إنه أدرك درجة القطبانية الغوثية، قال: “ومن رأى رسائله وتآليفه في أنواع العلوم- خصوصا علم الحقائق- لا يمتري في أنه قطب زمانه؛ لأن الأوصاف التي ذكر أهل الطريق للقطب والعلوم التي ذكروا أنه مختص بها كلها موجودة في الشيخ رضي الله عنه”.[6]

كما ترك أحمد البدوي مجموعة من الرسائل الصوفية الهامة، منها ما يعرف بـ: “الرسائل الكبرى: “المناجاة الفردية الإلهية في تبين معالم الطريقة المحمدية”، جاء في إحداها: “واعلموا إخواني علمكم الله خيرا، أن ما ذكرناه آنفا من كون الإذن للكامل الراسخ من الله جل جلاله، ومن رسوله صلوات الله وسلامه عليه؛ لا يكون إلا عن رؤية وعيان… فاعتقدوا كما تعتقدون الشهادتين… أن رؤية الباري جل جلاله وتقدست ذاته وصفاته وأسماؤه جائزة غير مستحيلة… قلت وذلك والله ثم والله من غير حلول ولا اتحاد ولا تجسيم ولا تشبيه ولا اتصال ولا انفصال، وكان الله على كل شيء مقتدرا…”.[7]

ولديه أيضا رسائل صغرى بعثها لجملة من تلامذته وأصحابه في مكناسة الزيتون ومناطق أخرى.

قال صاحب السلوة: “وقد وقفت على رسائله الكبرى في سفر كبير ضخم: وهي المسماة بكتاب “المناجاة الفردية الإلهية في تبيين معالم عزائم الطريقة المحمدية، وكشف أستار الحقيقة الأحدية، تبيينا واضحا لمن هو مخلص في النية، مجد في صفاء الطوية”، وهي من أحسن الرسائل وأنفسها، وله أيضا رسائل صغرى.[8]

وفاته

توفي رحمه الله تعالى ليلة الأحد قرب الفجر بيسير؛ عام خمسة وسبعين ومائتين وألف، ودفن بزاويته المحدثة بحومة السياج، تقابل زاوية سيدي عبد الواحد الدباغ، وضريحه بها بالفناء الذي عن يمين الداخل، عليه مقبرية من الخشب، وهو مزار متبرك به.[9]

 


[1] – سلوة الأنفاس، أبو عبد الله محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني (1274-1345ھ)، تحقيق: عبد الله الكامل الكتاني، وحمزة بن محمد الكتاني، ومحمد بن حمزة بن علي الكتاني، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط1، 1425ھ-2004م، 1/293.

[2] – المصدر السابق، 2/294.

[3] – نفسه، 2/294.

[4] – نفسه، 2/294.

[5] – شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، محمد بن محمد مخلوف (ت1360ھ)، تحقيق: علي عمر، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط1، 1428ھ-2007م، 2/430.

[6] – المطرب بمشاهير أولياء المغرب، عبد القادر التليدي، دار الأمان، الرباط، ط4، 1424ھ- 2003م، ص: 233.

[7] – الإحياء والتجديد الصوفي في المغرب، أحمد بوكاري، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مطبعة فضالة، المحمدية، ط1، 1427ھ-2006م، 1/199-200.

[8] – سلوة الأنفاس، أبو عبد الله محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني، 1/294.

[9] – المصدر السابق، 1/295.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق