مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةأعلام

“أبو الحجاج يوسف بن موسى الضرير”

 

إسمه ونسبه:

   هو أبو الحجاج  يوسف بن موسى الكلبي الضرير السرقسطي المراكشي الغرناطي على خلاف في النسبة الأخير، فقد ذكر بعضهم أن سكن مراكش وبها انتقل إلى جوار ربه[1] ، فيما يرى آخرون أن وفاته كانت بغرناطة[2].
 

ولادته ومكانها:

   لم تفصح المصادر التي ترجمت لأبي الحجاج يوسف بن موسى الضرير، عن تاريخ ميلاده على وجه التحديد، ولكنه يعد من علماء القرن السادس الهجري مؤكدا.
أصله من سرقسطة، وسكن مراكش ثم انتقل آخر أعوامه إلى العدوة[3].
 

شيوخه:

   أخذ الشخ الضرير عن: أبي بكر محمد بن الحسن المرادي الحضرمي القروي[4]. وأبي مروان عبد المالك بن السراج[5]. وأبي علي الحسين الجياني[6] وغيرهم.
 

تلاميذه:

    أخذ عنه: أحمد بن علي بن أحمد بن جعفر[7] ، والقاضي عياض[8] ،  ومحمد بن خلف بن موسى الأنصاري الإلبيري الأوسي[9] ، وعيسى بن يوسف بن عيسى بن علي الأزدي[10] ، وغيرهم.
 

ثناء العلماء عليه:

     قال القاضي عياض في المترجم له: يوسف بن موسى الكلبي المتكلم النحوي أبو الحجاج الضرير: كان من المشتغلين بعلم الكلام على مذهب الأشعرية ونظار أهل السنة، عارفا بالنحو والأدب وله في ذلك تصانيف مشهورة[11]     وقال فيه صاحب الصلة: كان من أهل التبحر والتقدم في علم التوحيد والاعتقادات، وهو آخر أئمة العرب فيه[12]     وقال في أزهار الرياض: وهو الضرير الأديب النحوي المتكلم الزاهد[13].
     وقال العباس بن إبراهيم السملالي صاحب “الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام”:لما مات المرادي خلفه يوسف بن موسى المترجم في علوم الاعتقادات، وغلب عليه الزهد في الدنيا وأهلها، وكان لباسه الخشن من الصوف[14].
 

مؤلفاته:

      قال بن بشكوال: له تصانيف حسان وأراجيز مشهورة[15].
  وقد اشتهر الضرير بمؤلفات نحوية وعقدية، لكن مع الأسف الشديد لم يصلنا من عطاءات هذا الرجل العقدية إلا منظومة عقدية شهيرة بمنظومة “التنبيه والإرشاد في علم الاعتقاد”، ولكننا نرجح أن تكون له مؤلفات أخرى في هذا الفن، بدليل نقل أبي علي السكوني للمناظرة الآتية التي جرت بين الضرير وأحد أحبار اليهود[16].
 

مناظراته:

     ذكر أبو علي عمر السكوني مناظرة وقعت بين الضرير وبعض أحبار اليهود حول التعديل والتجويز.
قال أبو علي: قال الأستاذ أبو الحجاج يوسف بن موسى الضرير صاحب رسالة “التنبيه والإرشاد”: «حضرني يوما بعض أحبار اليهود فتكلم في التعديل والتجويز وجاء بتخليط كثير وكان مما أحاله وأنكره أن يكون الله تعالى يأمر بما لا يريد كونه. فقلت له: أليس قد أمر الخليل أن يذبح ابنه، فقال: بلى، فقلت: هل أراد ذبحه؟ فقال: لا، فانقطع لوقته وأمسك لحيته.
     قال الأستاذ أبو الحجاج: وهم في هذه المسألة إخوان المعتزلة وقد بسط القول فيها أئمة أهل السنة والحمد لله ولي الطول والمنة»[17].
ومما يدل أيضا على اهتمامه بالمناظرة ما حكاه أبو علين، عن أبي الحجاج أن الفقيه أبا بكر الأبهري رحمه الله قال: تناظر رجل جلد من أهل السنة مع رجل جلد من المعتزلة حتى غابت الشمس من غير ظفر من أحدهما بصاحبه فقال أحدهما: هذا مجلس لا يغتاض منه ومجلس قد جمع قوما صالحين فهلم فلنخلص الدعاء إلى الله تعالى على أن من كان منا على حق أن يثبت الله القرآن في صدره ومن كان منا مبطلا أن ينسية القرآن (بدعوى الله فأنسى الله المعتزلي القرآن).
قال أبو بكر(الأبهري رحمه الله): فكنت ألقاه في أيام فأسأله فيقول: كأني ما قرأت القرآن قط[18].
 

آراؤه العقدية:

     الذي يقرأ منظومة “التنبيه والإرشاد” يجدها مستوعبة لجميع ما أثاره علم الكلام الأشعري من دقائق الأمور، وكبيرها، فهي تحتوي على تسع وتسعين بابا، بدءا من باب فضل الكلام، وانتهاء بباب ترتيب الصحابة. فجاءت مستوعبة لكل ما يطرح من أمور العقيدة الأشعرية.
    يرى الضرير في منظومته ضرورة تعليم علم الكلام الأشعري لعامة الناس دون استثناء، حين يعتبر النظر العقلي واجبا عينيا على كل مسلم ومسلمة، حيث يقول[19]:

وجلهم يرى لزوم المعرفة    ****   والنظر المفضي إلى تلك الصفة

ثم تحدث عن حدث العالم، فقال[20]:

باب في حدوث العالم

إن الدليل في حدوث العالــم  *****  لكل ذي فهم صحيح سالـــــم
حركــــة يعقــبـهـــا سكــــون  *****  يعدم هذا حيــن ذا يـكــــــون
ضــدان لو كانا قديميــن لمـا  *****  جــاز بكــل حالــة أن بعدمـا
إذ لا يصح دون أمر يـــوجبــه  *****  وليس للقديم شيء يذهـبـــه
ولهمــا بالجوهــر اخـتـــــلال *****  وكونــــــه دونهـــا تـحـــــال
فلم يكــن وجوده قبلـهـمـــــا  *****  فكــان حادثـــا إذا مثلهمــــا
وسائر الأعـــراض كـالأولـــى  *****   في ما فرضناه من البرهان
إذ الجـمـــيــع متعـــاقـبــــات  ***** على الــذوات وهي حـادثات
وخصــت الأكــــوان بالمثـــال  *****  لأنهــا من أظهــر الأحـــوال
وحدث النــــار عيانا يشهــــد  *****  إذ ليس في الزناد نار توقــد
وإنمــا يـبـــدعــهـــا الإلـــــــه  *****  عند اقتــداح الزنــد وســواه
أراد أن يكـــون هـــذا عــــادة  *****  فعــــلـــه يفــعـــل بالـــــرادة

   كما تحدث عن قضية خلق القرآن، فبعدما يثبت الصفات الإلهية جميعها، من قدم، وبقاء، ووحدانية وغيرها، ويثبت أنها قديمة، قدم الذات الإلهية، ينتقل إلى صفة الكلام ليطرح مسألة خلق القرآن، فهو يثبت أن القراءة صفة من صفات المخلوقات فهي إذن محدثة كالمخلوقات، لكن المقروء (القرآن) هو صفة من صفات الله الذي هو الكلام الإلهي فهو إذن قديم، يقول الضرير[21]:

باب القراءة والمقروء

قراءة الخلــــــق صفـات لهــــم  ****   وواجـــب حدوثـــهــا مـثـلـــــهم
وقوله المقـــــروء من صفـــاتـه  ****  فـــواجـــب قــدمــه كــذاتــــــــه
وهـــــو الـذي سمعه  الكليـــــم  ****    وهـو كــــلام ربنــــا القديــــــم
ليــــس لــه شبــه ولا مـثــــــال  ****   ولا له عـــن ذاتــــه انـتـقــــــال
وهــذه الرســــــوم والأصــــوات  ****   دلائــل عليــــه موضوعـــــــات
كمــا يدل الــــذكــر والكـتـــــاب  ****  عليــه جــل المــالك الوهـــــاب
ثـــم القـــراءات ذوات غـــايــــة  ****    وليس للمقـــــروء مـن نهـــايـة
فيـــــوعــب القرآن بالكـــتـــاب  ****   وليس للمــقــــروء من إيعـــاب
كما أتــــى في محكم القــــرآن   ****   في آخــر الكـهـف وفي لقمـــان
من قــــال إن هذه التــــــــلاوة   ****    قـديـمــــة فهــــو ذو غــبــــاوة
لأنهـــا تــبــــدأ ثــم تـــخـــتــــم  ****   وذاك فيــهــا للحـــــدوث حكــــم
وهي حـروف ما لــــها بقــــــاء  ****   يعـــمـــها الحــــدوث والـــفنـاء
فيحدث الحرف عقيب الـحــرف  ****   كسائر الأعراض في ذا الوقف
من قال إن الصفة القــدــيمـــة  ****   تــحــلــــه فقـــد أتـى عــظـيـمـة
كــأنـــه يــلازمـــــه الإلـحـــــــاد  ****  قـول النصـــارى وهو الاتحــــاد
وقــــدم العــالـــــم والحلــــــــول  ****   وشــرح ذاك ها هـنـــا يــطـــول

 
   وتحدث كذلك عن قضية رؤية الله تعالى، والرؤية عنده تدخل في إطار الجائزات، فرؤية المؤمنين لله تعالى في الآخرة، ليست واجبة على الله، عند الضرير، وإنما هي جائزة فقط، ولإثبات جوازها يلجأ إلى ما لجأ إليه أسلافه الأشاعرة حين أكدوا على أن كل موجود يرى، والله  موجود فالله إذن يرى، ثم يستدل بالآي والأخبار الواردة في المسألة، فيقول الضرير في منظومته[22]:

باب في رؤية الله بالأبصار

ورؤيـــــة العـــبــــــاد للمعبـــود  ****   جائــزة لـعـلــــــة الوجــــــــود
فــرؤيـــة الشيء إذا تــعــلــــــل  ****  بكـل ما ســوى الوجــود يبطــل
إذ قد يرى الموصوف والصفات  ****  وحــــــــــادث ومـتــقـــدمـــــات
وقد يـــرى القــريــب والبعــيــــد  ****  فــدل أن الـعــــلة الـوجـــــــود
والله موجـــود فجـــازت رؤيـــته  ****  وحجــب الأبــصـار جلت قدرته
وللـجـــواز ســـأل الــكـلـيـــــــــم  ****  رؤيــتـــه وهــو بــه عــلـيـــــم
وهـي في الميعــــــاد للأبـــــــرار  ****  ثابتـــة بالآي فــي الأخــبـــــار
وجـوهـهـم إلـى الإله نـــاظـــــرة  ****   في دار عدن مسفرات ناضرة
يــرونــــه سبحـــانـــه عيـــانـــــا  ****   كـفــى بـقــول المصطفى بيـانا
وقـــد رويـنــــا عنه أيضــا خبــرا  ****   يــرونـــــه كما تـرون القمـرا
إذ لـيـس تـرتابـــون في رؤيـتـــه  ****   حـقـا بما سبـق من تحدثــــــه
وحـظـهـــم بذاك دون الكـفـــــــرة  ****  إذ حجــبـوا عنه لفقد المغفـرة
وقد أتى الوعــيــــد بالحجـــــــاب  ****   لهـــم زيـــادة علـــى العـــذاب
فكــان كل مـــؤمـــــــن بالـضــــد  ****    يـرونـــه زيـــادة في المجــــد
وكــل هـــذا صـــح بالإجـــمــــاع  ****    قبــل حــدوث أهـــل الابتـداع

 
    وخصص الضرير بابا لمسألة خلق الأفعال، تكلم فيه بصراحة عن نظرية الكسب الأشعري، فهو يثبت للإنسان القدرة، على فعل ما يدخل تحت مقدوراته، ويؤكد على أن هذه القدرة، وذاك المقدور ما هو إلا إبداع وخلق من عند الله، ومن ذلك جائز أن يكلف الله عباده ما لا يطيقون، فيقول:

باب في الكسب ولاستطاعة

والعبد يكتسب من صفاتــــه  ****   ماهو من أجناس مقدوراتــــه
كالقول والصمـت والاعتقـاد  ****   والقصد والكون والاعـتـمـــاد
يكسبــه بقدرة تـقـــارنــــــــه  ****   في الوقت والمحـــل لا تباينــه
وهذه القـــدرة والمـقــــــدور  ****   كلاهــمــا يـبــــدعــه القــديـــر
فــــلا يؤثر هذا في الفعـــــل   ****  حدوثـه وحــالــــة فــي الكــــل
لكــن يؤثــر بذات القـــــــادر  ****   تـفــرقــة بـيـنــــة للنــــاظـــــر
مابينــه وبين من يضطــــره   ****  إلـى الــذي بـه كــمــن يـجــره
فذاك قـــادر وهـــذا عاجـــز   ****  والعجـز رفــع للمـــلام حـاجـز
وأثـبــت الإله الاستطــاعــة   ****  في الأمر بالسمع له والطاعة

وفاته:

   انتقل يوسف بن موسى الضرير في آخر عمره إلى العدوة وسكن حضرة السلطان وكانت وفاته فجأة سنة عشرين وخمسمائة (520) للهجرة والذي يوافق سنة ست وعشرين ومائة وألف (1126) للميلاد بغرناطة من بلاد الأندلس[23]. وقيل كانت وفاته بمراكش نفس السنة[24].

 

الهوامش:

1- أزهار الرياض 3/159. التشوف ص:87
2- بغية الملتمس ص:492 . الصلة 2/279 . الاعلام 8/254
3- الأعلام 8/245
4- انظر  الغنية فهرست شيوخ القاضي عياض ص:226
5- انظر ترجمته، “سير أعلام النبلاء” 19/133، و”ترتيب المدارك” 3/640، “شجرة النور الزكية”: ، “بغية الملتمس”، ص:353.
6- انظر ترجمته، سير اعلام النبلاء 14/172. وبغية الملتمس ص:243. وأبو القاسم بن بشكوال “كتاب الصلة” ط1/2003 المكتبة العصرية بيروت تح: صلاح الدين الهواري ص:130.
7- المعجم في أصحاب القاضي الصدفي: 1/8
8- أزهار الرياض: 3/159
9- نفسه: 3/159
10- “المعجم” 260 ، و “عثمان السلاجي ومذهبيته الأشعرية”131
11- الغنية “فهرست شيوخ القاضي عياض” 2/226
12- الصلة: 2/279
13- أزهار الرياض: 3/159
14- الاعلام بمن حل مراكش وأغمات من الاعلام: 10/308
15- الأعلام، للزركلي: 8/254
16- تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي، ص:83
17- أبو علي عمر السكوني “عيون المناظرة” 290/291
18- نفسه 291
19- منظومة الضرير (مخطزط)، وتطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي ص:85
20- منظومة الضرير (مخطزط).
21- نفسه
22- نفسه.
23- بغية الملتمس ص:492 . الصلة 2/279 . الاعلام 8/254
24- أزهار الرياض 3/159. التشوف ص:87

المصادر والمراجع:

ـ “أزهار الرياض في أخبار عياض”، لشهاب الدين المقري، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط: 1/2010م، تح:علي عمر.
ـ الأعلام” لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، ط: 17/2007م.
ـ “بغية الملتمس”، لأبي جعفر الضبي، المكتبة العصرية بيروت، ط:1/2005.
ـ “التشوف إلى رجال التصوف”، لابن الزيات التادلي، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط1: 2007م، تح: علي عمر.
ـ “ترتيب المدارك”، للقاضي عياض، دار الأمان الرباط، ط: 1/2009، تح،علي عمر.
ـ “تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي”، يوسف احنانة، منشورات وزارة الأوقاف المغربية، 2003م.
ـ الصلة” لأبي القاسم ابن بشكوال، دار الكتب العلمية، ط: 1/2008م، تح: جلال الأسيوطي.  
ـ “سير أعلام النبلاء”، للإمام الذهبي،  دار الحديث بالقاهرة 2006 تح: محمد أيمن ـ الشبراوي.
ـ “شجرة النور الزكية”، لمحمد مخلوف، مكتبة الثقافة الدينية بالقاهرة، ط: 1/2007، تح: علي عمر.
– “عثمان السلاجي ومذهبيته الأشعرية” لجمال علال البختي، منشورات وزارة الأوقاف المغربية، ط1: 2005م.
ـ “عيون المناظرة”، أبو علي عمر السكوني، منشورات الجامعة التونسية، 1976، تح: سعد غراب.
ـ الغنية “فهرست شيوخ القاضي عياض” للقاضي عياض اليحصبي، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط: 1/2003م، تح علي عمر.

إسمه ونسبه:
هو أبو الحجاج  يوسف بن موسى الكلبي الضرير السرقسطي المراكشي الغرناطي على خلاف في النسبة الأخير، فقد ذكر بعضهم أن سكن مراكش وبها انتقل إلى جوار ربه[1] ، فيما يرى آخرون أن وفاته كانت بغرناطة[2].
ولادته ومكانها:
  لم تفصح المصادر التي ترجمت لأبي الحجاج يوسف بن موسى الضرير، عن تاريخ ميلاده على وجه التحديد، ولكنه يعد من علماء القرن السادس الهجري مؤكدا.
أصله من سرقسطة، وسكن مراكش ثم انتقل آخر أعوامه إلى العدوة[3].
شيوخه:
   أخذ الشخ الضرير عن: أبي بكر محمد بن الحسن المرادي الحضرمي القروي[4]. وأبي مروان عبد المالك بن السراج[5]. وأبي علي الحسين الجياني[6] وغيرهم.
تلاميذه:
    أخذ عنه: أحمد بن علي بن أحمد بن جعفر[7] ، والقاضي عياض[8] ،  ومحمد بن خلف بن موسى الأنصاري الإلبيري الأوسي[9] ، وعيسى بن يوسف بن عيسى بن علي الأزدي[10] ، وغيرهم.

ثناء العلماء عليه:
     قال القاضي عياض في المترجم له: يوسف بن موسى الكلبي المتكلم النحوي أبو الحجاج الضرير: كان من المشتغلين بعلم الكلام على مذهب الأشعرية ونظار أهل السنة، عارفا بالنحو والأدب وله في ذلك تصانيف مشهورة[11]     وقال فيه صاحب الصلة: كان من أهل التبحر والتقدم في علم التوحيد والاعتقادات، وهو آخر أئمة العرب فيه[12]     وقال في أزهار الرياض: وهو الضرير الأديب النحوي المتكلم الزاهد[13].
     وقال العباس بن إبراهيم السملالي صاحب “الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام”:لما مات المرادي خلفه يوسف بن موسى المترجم في علوم الاعتقادات، وغلب عليه الزهد في الدنيا وأهلها، وكان لباسه الخشن من الصوف[14].
مؤلفاته:
      قال بن بشكوال: له تصانيف حسان وأراجيز مشهورة[15].
     وقد اشتهر الضرير بمؤلفات نحوية وعقدية، لكن مع الأسف الشديد لم يصلنا من عطاءات هذا الرجل العقدية إلا منظومة عقدية شهيرة بمنظومة “التنبيه والإرشاد في علم الاعتقاد”، ولكننا نرجح أن تكون له مؤلفات أخرى في هذا الفن، بدليل نقل أبي علي السكوني للمناظرة الآتية التي جرت بين الضرير وأحد أحبار اليهود[16].
مناظراته:
     ذكر أبو علي عمر السكوني مناظرة وقعت بين الضرير وبعض أحبار اليهود حول التعديل والتجويز.
     قال أبو علي: قال الأستاذ أبو الحجاج يوسف بن موسى الضرير صاحب رسالة “التنبيه والإرشاد”: «حضرني يوما بعض أحبار اليهود فتكلم في التعديل والتجويز وجاء بتخليط كثير وكان مما أحاله وأنكره أن يكون الله تعالى يأمر بما لا يريد كونه. فقلت له: أليس قد أمر الخليل أن يذبح ابنه، فقال: بلى، فقلت: هل أراد ذبحه؟ فقال: لا، فانقطع لوقته وأمسك لحيته.
     قال الأستاذ أبو الحجاج: وهم في هذه المسألة إخوان المعتزلة وقد بسط القول فيها أئمة أهل السنة والحمد لله ولي الطول والمنة»[17].
ومما يدل أيضا على اهتمامه بالمناظرة ما حكاه أبو علين، عن أبي الحجاج أن الفقيه أبا بكر الأبهري رحمه الله قال: تناظر رجل جلد من أهل السنة مع رجل جلد من المعتزلة حتى غابت الشمس من غير ظفر من أحدهما بصاحبه فقال أحدهما: هذا مجلس لا يغتاض منه ومجلس قد جمع قوما صالحين فهلم فلنخلص الدعاء إلى الله تعالى على أن من كان منا على حق أن يثبت الله القرآن في صدره ومن كان منا مبطلا أن ينسية القرآن (بدعوى الله فأنسى الله المعتزلي القرآن).
قال أبو بكر(الأبهري رحمه الله): فكنت ألقاه في أيام فأسأله فيقول: كأني ما قرأت القرآن قط[18].
آراؤه العقدية:
     الذي يقرأ منظومة “التنبيه والإرشاد” يجدها مستوعبة لجميع ما أثاره علم الكلام الأشعري من دقائق الأمور، وكبيرها، فهي تحتوي على تسع وتسعين بابا، بدءا من باب فضل الكلام، وانتهاء بباب ترتيب الصحابة. فجاءت مستوعبة لكل ما يطرح من أمور العقيدة الأشعرية.
    يرى الضرير في منظومته ضرورة تعليم علم الكلام الأشعري لعامة الناس دون استثناء، حين يعتبر النظر العقلي واجبا عينيا على كل مسلم ومسلمة، حيث يقول[19]:

وجلهم يرى لزوم المعرفة         والنظر المفضي إلى تلك الصفة

ثم تحدث عن حدث العالم، فقال[20]:
باب في حدوث العالم

إن الدليل في حدوث العالم   
حركة يعقبها سكون   
ضدان لو كانا قديمين لما  
إذ لا يصح دون أمر يوجبه   
ولهما بالجوهر اختلال   
فلم يكن وجوده قبلهما   
وسائر الأعراض كالأولى   
إذ الجميع متعاقبات   
وخصت الأكوان بالمثال   
وحدث النار عيانا يشهد  
وإنما يبدعها الإله   
أراد أن يكون هذا عادة   

      لكل ذي فهم صحيح سالم
  يعدم هذا حين ذا يكون
  جاز بكل حالة أن بعدما
  وليس للقديم شيء يذهبه
  وكونه دونها تحال
  فكان حادثا إذا مثلهما
  في ما فرضناه من البرهان
  على الذوات وهي حادثات
  لأنها من أظهر الأحوال
  إذ ليس في الزناد نار توقد
  عند اقتداح الزند وسواه
  فعله يفعل بالرادة

   كما تحدث عن قضية خلق القرآن، فبعدما يثبت الصفات الإلهية جميعها، من قدم، وبقاء، ووحدانية وغيرها، ويثبت أنها قديمة، قدم الذات الإلهية، ينتقل إلى صفة الكلام ليطرح مسألة خلق القرآن، فهو يثبت أن القراءة صفة من صفات المخلوقات فهي إذن محدثة كالمخلوقات، لكن المقروء (القرآن) هو صفة من صفات الله الذي هو الكلام الإلهي فهو إذن قديم، يقول الضرير[21]:
باب القراءة والمقروء

قراءة الخلق صفات لهم   
وقوله المقروء من صفاته   
وهو الذي سمعه  الكليم   
ليس له شبه ولا مثال   
وهذه الرسوم والأصوات   
كما يدل الذكر والكتاب   
ثم القراءات ذوات غاية   
فيوعب القرآن بالكتاب   
كما أتى في محكم القرآن   
من قال إن هذه التلاوة   
لأنها تبدأ ثم تختم   
وهي حروف ما لها بقاء   
فيحدث الحرف عقيب الحرف   
من قال إن الصفة القديمة   
كأنه يلازمه الإلحاد   
وقدم العالم والحلول   
      وواجب حدوثها مثلهم
  فواجب قدمه كذاته
  وهو كلام ربنا القديم
  ولا له عن ذاته انتقال
  دلائل عليه موضوعات
  عليه جل المالك الوهاب
  وليس للمقروء من نهاية
  وليس للمقروء من إيعاب
  في آخر الكهف وفي لقمان
  قديمة فهو ذو غباوة
  وذاك فيها للحدوث حكم
  يعمها الحدوث والفناء
  كسائر الأعراض في ذا الوقف
  تحله فقد أتى عظيمة
  قول النصارى وهو الاتحاد
  وشرح ذاك ها هنا يطول

   وتحدث كذلك عن قضية رؤية الله تعالى، والرؤية عنده تدخل في إطار الجائزات، فرؤية المؤمنين لله تعالى في الآخرة، ليست واجبة على الله، عند الضرير، وإنما هي جائزة فقط، ولإثبات جوازها يلجأ إلى ما لجأ إليه أسلافه الأشاعرة حين أكدوا على أن كل موجود يرى، والله  موجود فالله إذن يرى، ثم يستدل بالآي والأخبار الواردة في المسألة، فيقول الضرير في منظومته[22]:
باب في رؤية الله بالأبصار

ورؤية العباد للمعبود  
فرؤية الشيء إذا تعلل  
إذ قد يرى الموصوف والصفات  
وقد يرى القريب والبعيد  
والله موجود فجازت رؤيته  
وللجواز سأل الكليم  
وهي في الميعاد للأبرار  
وجوههم إلى الإله ناظرة  
يرونه سبحانه عيانا  
وقد روينا عنه أيضا خبرا  
إذ ليس ترتابون في رؤيته  
وحظهم بذاك دون الكفرة  
وقد أتى الوعيد بالحجاب  
فكان كل مؤمن بالضد  
وكل هذا صح بالإجماع  
      جائزة لعلة الوجود
  بكل ما سوى الوجود يبطل
  وحادث ومتقدمات
  فدل أن العلة الوجود
  وحجب الأبصار جلت قدرته
  رؤيته وهو به عليم
  ثابتة بالآي في الأخبار
  في دار عدن مسفرات ناضرة
  كفى بقول المصطفى بيانا
  يرونه كما ترون القمرا
  حقا بما سبق من تحدثه
  إذ حجبوا عنه لفقد المغفرة
  لهم زيادة على العذاب
  يرونه زيادة في المجد
  قبل حدوث أهل الابتداع

    وخصص الضرير بابا لمسألة خلق الأفعال، تكلم فيه بصراحة عن نظرية الكسب الأشعري، فهو يثبت للإنسان القدرة، على فعل ما يدخل تحت مقدوراته، ويؤكد على أن هذه القدرة، وذاك المقدور ما هو إلا إبداع وخلق من عند الله، ومن ذلك جائز أن يكلف الله عباده ما لا يطيقون، فيقول:
باب في الكسب ولاستطاعة

والعبد يكتسب من صفاته   
كالقول والصمت والاعتقاد   
يكسبه بقدرة تقارنه   
وهذه القدرة والمقدور   
فلا يؤثر هذا في الفعل  
لكن يؤثر بذات القادر  
مابينه وبين من يضطره   
فذاك قادر وهذا عاجز  
وأثبت الإله الاستطاعة   
      ماهو من أجناس مقدوراته
  والقصد والكون والاعتماد
  في الوقت والمحل لا تباينه
  كلاهما يبدعه القدير
  حدوثه وحالة في الكل
  تفرقة بينة للناظر
  إلى الذي به كمن يجره
  والعجز رفع للملام حاجز
  في الأمر بالسمع له والطاعة

وفاته:
انتقل يوسف بن موسى الضرير في آخر عمره إلى العدوة وسكن حضرة السلطان وكانت وفاته فجأة عام تسع وثمانين وأربعمائة (490) للهجرة والذي يوافق سنة ست وعشرين ومائة وألف (1126) للميلاد بغرناطة من بلاد الأندلس[23]. وقيل كانت وفاته بمراكش نفس السنة[24].
الهوامش

-1 أزهار الرياض 3/159. التشوف ص:87
-2 بغية الملتمس ص:492 . الصلة 2/279 . الاعلام 8/254
-3 الأعلام 8/245
4- انظر  الغنية فهرست شيوخ القاضي عياض ص:226
5- انظر ترجمته، “سير أعلام النبلاء” 19/133، و”ترتيب المدارك” 3/640، “شجرة النور الزكية”: ، “بغية الملتمس”، ص:353.
6- انظر ترجمته، سير اعلام النبلاء 14/172. وبغية الملتمس ص:243. وأبو القاسم بن بشكوال “كتاب الصلة” ط1/2003 المكتبة العصرية بيروت تح: صلاح الدين الهواري ص:130.
7- المعجم في أصحاب القاضي الصدفي: 1/8
8- أزهار الرياض: 3/159
9- نفسه: 3/159
10- “المعجم” 260 ، و “عثمان السلاجي ومذهبيته الأشعرية”131
-11الغنية “فهرست شيوخ القاضي عياض” 2/226
12- الصلة: 2/279
13- أزهار الرياض: 3/159
14- الاعلام بمن حل مراكش وأغمات من الاعلام: 10/308
15- الأعلام، للزركلي: 8/254
16- تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي، ص:83
-17أبو علي عمر السكوني “عيون المناظرة” 290/291
18- نفسه 291
19- منظومة الضرير (مخطزط)، وتطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي ص:85
20- منظومة الضرير (مخطزط).
21- نفسه
22- نفسه.
23- بغية الملتمس ص:492 . الصلة 2/279 . الاعلام 8/254
24- أزهار الرياض 3/159. التشوف ص:87

المصادر والمراجع

ـ “أزهار الرياض في أخبار عياض”، لشهاب الدين المقري، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط: 1/2010م، تح:علي عمر.
ـ الأعلام” لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، ط: 17/2007م.
ـ “بغية الملتمس”، لأبي جعفر الضبي، المكتبة العصرية بيروت، ط:1/2005.
ـ “التشوف إلى رجال التصوف”، لابن الزيات التادلي، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط1: 2007م، تح: علي عمر.
ـ “ترتيب المدارك”، للقاضي عياض، دار الأمان الرباط، ط: 1/2009، تح،علي عمر.
ـ “تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي”، يوسف احنانة، منشورات وزارة الأوقاف المغربية، 2003م.
ـ الصلة” لأبي القاسم ابن بشكوال، دار الكتب العلمية، ط: 1/2008م، تح: جلال الأسيوطي.  
ـ “سير أعلام النبلاء”، للإمام الذهبي،  دار الحديث بالقاهرة 2006 تح: محمد أيمن ـ الشبراوي.
ـ “شجرة النور الزكية”، لمحمد مخلوف، مكتبة الثقافة الدينية بالقاهرة، ط: 1/2007، تح: علي عمر.
– “عثمان السلاجي ومذهبيته الأشعرية” لجمال علال البختي، منشورات وزارة الأوقاف المغربية، ط1: 2005م.
ـ “عيون المناظرة”، أبو علي عمر السكوني، منشورات الجامعة التونسية، 1976، تح: سعد غراب.
ـ الغنية “فهرست شيوخ القاضي عياض” للقاضي عياض اليحصبي، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط: 1/2003م، تح علي عمر.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. له كتاب مخطوط قديم في العقيدة رأيته ضمن مجموع في تركيا.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق