آفات اللسان، (الغيبة والنميمة والكذب…) من مهلكات القلوب
تعتبر آفات اللسان من بين آفات القلوب المهلكة التي تحبط الأعمال، وتأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، ومن هذه الآفات على سبيل المثال لا الحصر، الغيبة، والنميمة، والمراء، والجدال، والكذب... ومصدر هذه الآفات هو اللسان، لأنه منبع الخير، ومنبع الشر في ذات الوقت، ويعتبر من أجل النعم التي أنعم الله بها عباده قال تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ)، [سورة البلد: الآيات 8 – 9]، قال الإمام أبو حامد الغزالي أما بعد فإن اللسان من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه البديعة فإنه صغير جرمه عظيم طاعته وجرمه إذا لا يستبين الكفر والإيمان إلا بشهادة اللسان، وهما غاية الطاعة والعصيان)[1].
لذلك فعلماء التربية الصوفية ركزوا كثيراً على أهمية حفظ اللسان، والاحتراز عن كل ما يصدر منه مستدلين بقوله تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [سورة الإسراء، الآية:53]، وقال جلت قدرته: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) [سورة البقرة، الآية:83]. قال الإمام أبي حامد الغزالي: (اعلم أنّ خطر اللّسان عظيم، ولا نجاة منه إلا بالنطق بالخير)[2]، فعن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (لا يستقيم إيمان العبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ، ولا يدخل الجنة رجل لا يأمن جاره بوائقه)[3].
فكل ما يصدر عن اللسان، فإنه يسجل ويكتب في كتاب، قال جلت قدرته: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [سورة الكهف، الآية: 49].
لقد تبين لعلماء التربية الصوفية أن من بين الأسباب التي تحجب القلوب عن معرفة الله، وعن الاستفادة من التربية الباطنية، هي آفات اللسان، وتتبع عورات النّاس، الشيء الذي يبعد المريد عن ذكر الله والاشتغال بعيوب الناس وفضح عوراتهم. فقد قيل للربيع بن خثيم: (ما نراك تغتاب أحداً؟ فقال: لست عن نفسي راضياً، فأتفرغ لذم الناس) [4]. وقال يحيي بن معاذ: (ليكن حظ المؤمن منك ثلاثاً: إن لم تنفعه فلا تضره ، وإن لم تفرحه فلا تغمه ، وإن لم تمدحه فلا تذمه) [5].
فلا غرو أن شأن اللسان عظيم وخطير، إذا صدرت منه الأقوال التي تؤدي النّاس في حياتهم العامة والخاصة، فعَنْ أبي هريرة عن النبي ﷺ قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُ اللهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ) [6].
ومن تم فمن الواجب على الإنسان أن ينتبه إلى الأقوال التي تخرج من فمه، لأنّ الملائكة تُحصي وتسجل كل ما يصدر عن العبد من أقوال وأفعال، قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [سورة ق، الآية: 18]. فخلو القلب من الإيمان والصدق والإخلاص، والغفلة عن ذكر الله يُعدُّ من الأسباب الرئيسية لتنامي آفات اللسان في القلوب، من غيبة ونمية وكذب.. وقد روي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة القلب وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي) [7]؛ فالقلب القاسي الغافل عن ذكر الله هو مصدر للشر والآفات وأكتر عداوة للناس، وبالتالي فالشريعة الإسلامية تحت الناس على أهمية ستر عورات الناس وعدم فضحها فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، كَشَفَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ) [8].
فهذا من المقاصد الرئيسية لبعثة النبي صلى الله عليه وسلم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ)[9]، لذلك ينبغي عدم الافتخار على الناس واحتقارهم والترفع عليهم وأن يضن الإنسان أنه أحسن من مخلوقات الله قال لقمان الحكيم لأبنه: (يا بني اذا افتخر الناس بحسن كلامهم ، فأفتخر أنت بحسن صمتك) [10].
وعن سهل بن سعد، عن رسول الله ﷺ قال: (من يضمن لي ما بين لحييه، وما بين رجليه، أضمن له الجنة)[11].
قال ابن حجر العسقلاني في شرح هذا الحديث: (فالمعنى من أدى الحق الذي على لسانه من النطق بما يجب عليه، أو الصمت عما لا يعنيه ضمن له الرسول ﷺ الجنة... فإن النطق باللسان أصل في حصول كل مطلوب، فإذا لم ينطق به إلا في خير سلم، وقال ابن بطال: دل الحديث على أن أعظم البلاء على المرء في الدنيا لسانه وفرجه، فمن وقي شرهما وقي أعظم الشر)[12]، وقال ابن عبد البر: في هذا الحديث دليل على أن أكبر الكبائر إنما هي من الفم والفرج، وما بين اللحيين الفم، وما بين الرجلين الفرج، ومن الفم ما يتولد من اللسان وهو كلمة الكفر، وقذف المحصنات، وأخذ أعراض المسلمين، ومن الفم أيضا شرب الخمر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم ظلمًا، ومن الفرج الزنى واللواط) [13].
1-1. مفهوم آفة اللسان
قال وهبة الزحيلي في التفسير الوسيط بأن الآفة هي: (كل ما يُصيب الشيء فيُفسدُه، من عاهة أو مرض أو قحط)،[14]، وقال ابن منظور: (والأفة العاهة، وفي المحكم: عرض نفسد لما أصاب من شيء، ويقال: آفة الظرف الصّلَفُ وآفة العِلم النِّسيانُ وطعامٌ مؤُوفٌ: أصابته آفةٌ) [15].
وفي الاصطلاح: (كل مَا يُصِيب شَيْئاً فيفسده من عاهة أَو مرض أَو قحط يُقَال آفَة الْعلم النسْيَان) [16]. وفي معجم لغة الفقهاء: (الآفة بالمد والتحريك، ج آفات، العاهة، وهي عرض يفسد ما يصيب من شيء) [17].
أنواع آفات اللسان
- الغيبة
قال الغزالي: (حد الغيبة: أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه سواء ذكرته بنقص في بدنه، أو نسبه، أو في خلقه، أو في فعله، أو في قوله، أو في دينه، أو في دنياه .. حتى في ثوبه، وداره، ودابته) [18].
وورد في الحديث: (قيل ما الغيبة يا رسول الله؟ فقال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته) [19].
ويذكر الغزالي أن للغيبة أسباب نذكر منها الأربعة الآتية:
- (موافقة الأقران، ومجاملة الرفقاء، ومساعدتهم على الكلام؛
- إرادة التصنع، والمباهاة، كأن يرفع المرء نفسه بتنقيص غيره؛
- اللعب، والهزل، والمطايبة، وتزجية الوقت بذكر عيوب الناس؛
- البراءة مما ينسب المرء إليه بتنقيص من يفعله...)[20].
الإجماع على تحريم الغيبة
قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: (والإجماع على أنها من الكبائر، وأنه يجب التوبة منها إلى الله تعالى. والحقيقة أن حكاية الإجماع في هذا فيه نظر. لكن هنا تعبير آخر أكثر دقه، وهو أن علماء الشافعية نصوا على أن الغيبة إذا كانت في أهل العلم وحملة القرآن الكريم فهي كبيرة وإلا فصغيرة)[21].
- النميمة
النميمة تتم عن طريق نقل الكلام بين شخصين، سواء كانا صديقين أو زوجين، والمقصود منها إيقاع الفتنة بينهما، سواء كان هذا الكلام صحيحا أو باطلاً، ولتحديد معنى النميمة قال الإمام الغزالي في الإحياء: (النميمة تطلقُ في الغالب على مَن يَنمُّ قولَ الغير إلى المقول فيه، كقوله: فلانٌ يقولُ فيك كذا، وليست النميمةُ مخصوصةً بذلك؛ بَلْ حَقِيقَةُ النَّمِيمَةِ إِفْشَاءُ السِّرِّ، وَهَتْكُ السِّتْرِ عَمَّا يُكْرَهُ كَشْفُهُ، بَلْ كل ما رآه الإنسان من أحوال الناس مما يكره، فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْكُتَ عَنْهُ إِلَّا مَا فِي حِكَايَتِهِ فَائِدَةٌ لِمُسْلِمٍ، أَوْ دَفْعٌ لِمَعْصِيَةٍ كَمَا إِذَا رَأَى مَنْ يَتَنَاوَلُ مَالَ غَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ أن يشهد به، مراعاة لحق المشهود له، فأما إذا رآه يخفي مالا لنفسه، فذكره، فهو نميمة) اهـ.[22].
الإجماع على تحريم النميمة
قال ابن حجر الهيثمي في كتابه الزواجر: (قال الحافظ المنذري أجمعت الأمة على تحريم النميمة، وأنها من أعظم الذنوب عند الله ـ عز وجل) [23].
- الكذب في القول
قال إسماعيل بن واسط: (سمعت أبا بكر الصديق يخطب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ أَوَّلَ مَقَامِي هَذَا - ثُمَّ بَكَى أَبُو بَكْرٍ - ثُمَّ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّهُ مَعَ الْبِرِّ، وَهُمَا فِي الْجَنَّةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّهُ مَعَ الْفُجُورِ، وَهُمَا فِي النَّارِ، وَسَلُوا اللَّهَ الْمُعَافَاةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُؤْتَ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرٌ مِنَ الْمُعَافَاةِ، وَلَا تَقَاطَعُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا) [24].
وعن سفيان بن أسيد الحضرمي، قال: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: كَبُرَتْ خِيَانَةً أَنْ تُحَدِّثَ أَخَاكَ حَدِيثًا هُوَ لَكَ بِهِ مُصَدِّقٌ، وَأَنْتَ لَهُ بِهِ كَاذِبٌ)[25].
- المراء والجدال
يعتبر المراء والجدال من بين الآفات المهلكة التي نهى الشرع عن التمادي فيهما، لأنها من مهلكات القلوب، قال الله جلت قدرته: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) [سورة الكهف، الآية: 54]، وقد جاء في الحديث الشريف: (لاَ تُمَارِ أَخَاكَ وَلاَ تُمَازِحْهُ وَلاَ تَعِدْهُ موعدًا فتُخلِفَه).[26]،
وقد عرف الامام أبو حامد الغزالي رحمهُ الله المراءُ بقوله: (المراء طعنُك في كلامِ الغير لإِظهار خللٍ فيه لغير غرضٍ سوى تحقيرٍ قائلهِ وإظهار مزيَّتِك عليه. وقال: وأما الجدالُ، فعبارةٌ عن أمرٍ يتعلقُ بإظهار المذاهب وتقريرها)[27].
وقال الامام النووي رحمه الله، واعلم أنّ الجدال قد يكون بِحَقّ، وقد يكون بباطل، قال الله تعالى: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [سورة العنكبوت، الآية:46]، وقال تعالى: (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [سورة النحل، الآية:125]، وقال تعالى: (مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) [سورة غافر،] فإن كان الجدالُ للوقوفِ على الحقّ وتقريرِه كان محموداً، وإن كان في مدافعةِ الحقّ، أو كان جدالاً بغير علمٍ كان مذموماً..)[28].
- آفة الخصومة
حذر الشارع الحكيم من الخصومة التي تحضُّ على الباطل، وخلق العداوة، والمس بحرية الأفراد، والاعتداء عليهم في حريتهم الشخصية والنفسية، فعن عائشة رضي الله عنها: قالت، قال رسول الله صلى الله عليه: (إِنَّ أبْغَضَ الرِّجَالِ إلَى اللهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ) [29]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم 🙁 مَنْ جَادَلَ في خُصُومَةٍ بِغَيرِ عِلْمٍ، لَمْ يَزَلْ في سَخَطِ اللهِ حَتَّى يَنْزِعَ) [30].
وفي تعريف الخصومة وتحديد ماهيتها يقول الامام أبو حامد الغزالي: (والخصومة لَجَاجٌ فِي الْكَلَامِ لِيُسْتَوْفَى بِهِ مَالٌ أَوْ حق مقصود، وذلك تارة يكون ابتداء، وتارة يكون اعتراضاً) [31].
- آفة المزاح
نهى الشرع الحكيم عن كثرة المزاح، لأنه يضعف القلب، ويصده عن ذكر الله، ويزج به في اللغو، وكثرة الضحك والكذب والبهتان، ويسقط المهابة والوقار، قال عمر رضي الله عنه: (هَلْ تَدْرُونَ لِمَ سُمِّيَ الْمِزَاحَ؟ قَالُوا: لَا قَالَ: لِأَنَّهُ زَاحَ عَنِ الْحَقِّ) [32].
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: (عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له، وإياكم والمزحة، فإنها تجر القبيح، وتورث الضغينة، تجالسوا بالقرآن وتحدثوا به، فإن ثقل عليكم فحديث من حديث الرجال حسن، سيروا بسم الله) [33].
وقيل لكل شيء بذور وبذور الْعَدَاوَةِ الْمِزَاحُ وَيُقَالُ الْمِزَاحُ مَسْلَبَةٌ لِلنُّهَى مَقْطَعَةٌ للأصدقاء) [34].
- آفة كلام ذي اللسانين صاحب الوجهين
وكلام ذي اللسانين أو صاحب الوجهين: هو الذي يظهر الموافقة والمناصرة لشخصين متخاصمين، وقد نهى الشرع الحكيم عن هذه الآفة، لأنها من أسباب فساد القلوب، وقد عدها الإمام ابن حجر الهيثمي، (بالْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ: كَلَامُ ذِي اللِّسَانَيْنِ، وَهُوَ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي لَا يَكُونُ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا) [35].
وفي النهي عن هذه الآفة، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: (تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا وَتَجِدُونَ خَيْرَ النَّاسِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً، وَتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَيَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ) [36].
وعن عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِي الدُّنْيَا كَانَ لَهُ لِسَانَانِ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [37].
- آفة السخرية والاستهزاء
حذر الله سبحانه وتعالى عباده من السخرية والاستهزاء بالأخرين، قصد الضحك عليهم، والنقص من قدراتهم أمام الناس، قال الإمام ابو حامد الغزالي في توضيح معنى السخرية: (الاستهانة والتحقير، والتنبيه على العيوب والنقائض، على وجه يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في القول والفعل، وقد يكون بالإشارة والإيماء) [38].
وقد حذر الله سبحانه وتعالى من هذه الآفة بقوله جلت قدرته: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِن نِسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [سورة الحجرات، الآية: 11]. وقال معاذ بن جبل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ قَد تَابَ مِنْهُ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَعْمَلَهُ) [39].