الرابطة المحمدية للعلماء

“تاريخ العالم” من وجهة نظرة باحث أمريكي من أصل أفغاني

تميم الأنصاري: الإسلام مشروع اجتماعي وحضاري لتنظيم حياة الإنسان

قبل عشرة أعوام تم تكليف المؤرِّخ تميم أنصاري من قبل دار نشر مختصة بتأليف الكتب المدرسية في ولاية تكساس الأمريكية من أجل إعداد كتاب مدرسي جديد حول تاريخ العالم، وذلك بغية تدريسه لتلاميذ المرحلة المتوسطة. واقترحت دار النشر هذه إخراج هذا الكتاب في عشر وحدات، تحتوي كلّ وحدة منها على ثلاثة فصول دراسية. ولكن ما نوعية الأحداث التي تعبِّر عن تاريخ الإنسانية في هذه الفصول الثلاثين؟ وعلى أية حال لقد أصرَّ الناشرون على ألاَّ يحتوي هذا الكتاب على أكثر من فصل واحد عن الإسلام. ولكن هذا المؤلف الذي نشأ في كابول وجد أنَّ تحديد موضوع الإسلام في فصل واحد لا يعطي الإسلام حقه.

وتكفل الباحث والناقد الألماني كلاوس هايماخ، في قراءته لهذا العمل، مقتبسة من موقع “قنطرة” الإلكتروني (ترجم المقال رائد الباش)، بالرد على هذه الأسئلة، ملاحظا بداية أن تميم أنصاري، الذي جاء إلى الولايات المتَّحدة الأمريكية في سن السادسة عشر بعد حصوله على منحة دراسية لإتمام دراسته الثانوية هناك، لا يعتبر من رجال الدعوة الإسلامية، ولا حتى من المتديِّنين – بيد أنَّ اسم عائلته يبيِّن أنَّه من أحفاد “الأنصار”، أي المسلمين الأوائل الذي أطلق عليهم هذا الاسم في المدينة المنورة. ولكنه كان على قناعة بوجود صيغة تاريخ أخرى بالإضافة إلى صيغة كتاب التاريخ المدرسي الغربي: “تاريخ عالمي بديل ومستقل استقلالاً تامًا، يمثِّل رواية تنافس تلك الرواية التي قدِّر لي أن أكتبها لصالح دار النشر في ولاية تكساس”، على حدّ قوله.

ولأنَّ الإسلام لا يعدّ مجرَّد شكل من أشكال الإيمان، مثلما يقول تميم أنصاري، فمن الممكن أن يتم تناوله ونقاشه تمامًا مثلما هي الحال في أي مادة دراسية إلى جانب الشيوعية والديمقراطية والفاشية، وذلك لأنَّه يعتبر أيضًا مشروعًا اجتماعيًا لتنظيم الحياة السياسية والاقتصادية وشؤون القضاء. وهو يشكِّل كذلك حضارة قائمة بذاتها لها إنجازات مميَّزة في مجالي الفن والصناعة؛ ويجسِّد كذلك تاريخًا عالميًا من بين تواريخ عالمية كثيرة.

ومِثل كونين متوازيين عاش الغرب والعالم الإسلامي عدة قرون من الزمن بجانب بعضهما – وتجاهلا بعضهما بعضًا. ولفترة طويلة كان كلّ منهما يعتبر نفسه محور التاريخ العالمي، مثلما يكتب مير تميم أنصاري. ولم تبدأ وجهتا النظر الإسلامية والغربية بالتداخل في بعضهما بعضًا إلاَّ في القرن السابع عشر. “وبما أنَّ الغرب كان الأقوى، فقد رجحت روايته وتغلبت على الرواية الأخرى”، والآن يروي تميم أنصاري في كتاب يقع في ثلاثمائة وخمسين صفحة صيغة التاريخ الأخرى. وهذا الكتاب الذي صدر بترجمته الألمانية تحت عنوان “مركز العالم المجهول” لم يصبح كتابًا مدرسيًا أو حتى أطروحة علمية، إذ لم يتَّبع مؤلفه أسلوب المؤرِّخ. وأنصاري الذي يبلغ عمره واحدًا وستين عامًا ويعيش حاليًا في سان فرانسيسكو، يصف في كثير من القصص والنوادر الطريفة “ما حدث من أحداث تاريخية حسب تصوّرات المسلمين” – “كمأساة إنسانية”.

ويلاحظ أن الكاتب لا يورد فقط سلسلة الخلفاء والسلاطين والإصلاحيين، بل يبحث أيضًا عن حقيقة القضايا الكبرى التي تميِّز في يومنا هذا العلاقات المتوتِّرة بين الشرق والغرب؛ مثل السؤال عن سبب انتصار الغرب الذي يبدو في يومنا هذا حتميًا لا يمكن تجنّبه؟ وما الذي أدَّى إلى تصادم العالمين في الحادي عشر من شتنبر 2001؟ وهل نعيش صدام حضارات؟ برأي المهدي المنجرة المغربي والراحل صامويل هنتنغتون الأمريكي، بما يجعل من طرح هذه التساؤلات في الكتاب، أمرا مفيدًا بالنسبة للقراء الغربيين والشرقيين على حد سواء؛ حيث إنَّ تميم أنصاري يتَّبع في تاريخه العالمي نهجًا تنويريًا للغاية. وهو يعرض كيف نشأت العلوم الطبيعية – مثلما نعرفها في يومنا هذا – في عهد الخلفاء العباسيين، قبل سبعة قرون من ولادتها في أوروبا الغربية. وكيف كان يقف المخترعون المسلمون على عتبة الكثير من الاكتشافات – ولكنهم لم يفكِّروا على الرغم من ذلك “باستخدام الطاقة البخارية في آلات أتاحت المجال لإنتاج سلع استهلاكية بكميَّات كبيرة”.

واشتهر تميم الأنصاري في الولايات المتَّحدة الأمريكية من خلال رسالة إلكترونية تم إرسالها في البدء إلى أصدقائه فقط، ناقش فيها بعد بضعة أيَّام من أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001 خطط إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الرامية إلى قصف أفغانستان وإعادتها إلى العصر الحجري. وقد كتب في تلك الرسالة: “المشكلة أنَّ أفغانستان تعيش في العصر الحجري”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق