الرابطة المحمدية للعلماء

من توصيات ندوة الاجتهاد في المذهب المالكي ومقتضيات التنمية

من توصيات ندوة الاجتهاد في المذهب المالكي ومقتضيات التنمية

إخراج التراث العلمي للمذهب وتحقيقه التحقيق الجيد الميسر لدراسته وفهمه واستيعابه

احتفالا بالذكرى العشرين لتأسيس جامعة المولى إسماعيل نظمت شعبة الدراسات الإسلامية برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس أيام 11 و12 و13 ماي الجاري ندوة علمية دولية تحت عنوان: ” الاجتهاد في المذهب المالكي ومقتضيات التنمية”، وقد تميزت الجلسة الافتتاحية لأشغال الندوة بكلمة ترحيبية للسيد رئيس جامعة المولى إسماعيل، وتلتها كلمة السيد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ثم كلمة رئيس شعبة الدراسات الإسلامية فكلمة السيد منسق اللجنة المنظمة، وأجمعت الكلمات كلها على أهمية الموضوع وراهنيته.

وقد اشتملت الندوة على خمسة محاور: المحور الأول كان تحت عنوان ” التفسير المصلحي للنصوص الشرعية في المذهب المالكي” وقد وُطأ بمحاضرتين الأولى للعلامة محمد التاويل بعنوان “قاعدة لا اجتهاد مع النص دراسة فقهية” ركّز خلالها على أهمية القاعدة في ضمان اجتهاد سليم ومنضبط، كما تعرض لمداخل الشبهة في القاعدة ورد على منكريها. والثانية لشيخ شنقيط محمد الحسن ولد الددوا حول موضوع: ” التفسير المصلحي للنصوص في تراث المالكية” تحدث فيه عن أنواع المصالح كما وردت عند الفقهاء، وقدم أمثلة ونماذج عن التفسير المصلحي للنصوص في التراث المالكي بما يؤكد مرونة المذهب وقدرته على تحقيق المصلحة الشرعية دون إهمال لمصالح الناس، وقد كشف الشيخان عن قوة حجة وغزارة علم واتساع معرفة، سواء أثناء مداخلتهما أو خلال المناقشة.

وقد تضمنت الحصة المسائية محور “رعاية المصالح في المذهب المالكي ” استكمل فيها المشاركون ما مهده الشيخان في المحور الأول، حيث بسط الدكتور حمزة أبو فارس من جامعة الفاتح بليبيا الكلام حول ” الاستدلال بالقواعد الفقهية في اجتهادات المدرسة المالكية بالعراق” فبعد أن بين الفرق بين القواعد الفقهية والضوابط الفقهية، ركز على ما قدمته المدرسة العراقية من اجتهادات وما استثمرته من قواعد، وتفضل بعده الدكتور زيد بوشعراء بتفصيل الحديث حول “النظر المصلحي عند المالكية” في مداخلة رصينة أكد فيها ريادة المذهب المالكي في اعتبار المصالح واختصاصه بهذا النظر وتفوقه على غيره من المذاهب، وقدم شواهد على ذلك.

ومن جهته تقدم الدكتور عمر اجدية بمداخلة قيمة عيّن لها عنوان ” التعليل المصلحي عند مالكية الغرب الإسلامي قضايا ونماذج” وحاول فيها إبراز أهمية التعليل المصلحي في الفقه المالكي باعتباره سبيلا من سبل الاجتهاد المعاصر واستعان من أجل بيان ذلك بنماذج تطبيقية مختارة من التراث المالكي ثم خلص إلى أن مذهب مالك هو أكثر المذاهب رعاية للمصالح وعلل الأحكام. وأخذ الكلمة بعد عمر اجدية الدكتور حميد الوافي تطرق فيها إلى موضوع دقيق بعنوان  “أصول التخريج الفقهي عند المالكية ” اعتبر فيه أن التخريج في المذهب المالكي كما في غيره من المذاهب هو مدخل منهجي لبناء الأصول واستخراج القواعد، ودعا بالمناسبة إلى إعادة صياغة أصول مالك من أجل بناء سليم لواجب الوقت معتبرا أن أصول مذهبه تتيح الجمع بين فقه الفرد وفقه واقع الأمة.

وفي صبيحة اليوم الثاني استكملت الندوة أشغالها ضمن المحور الثالث تحت عنوان “أصول الاجتهاد في المذهب المالكي وتدبير الخلاف” وقد تقدم بالمداخلة الأولى الدكتور محمد أبو عجيلة من جامعة المرقب بليبيا، فبسط تمهيدا مناسبا للمحور وإشكالاته تحت عنوان ” مذهب مالك وعمل الخلفاء الراشدين” بين فيه بُعد المذهب المالكي عن الغلو وعن البدعة ومحاربته للانحراف باعتماده عمل أهل المدينة وخصوصا عمل الخلفاء الراشدين كما لفت الأنظار إلى كون عمل أهل المدينة المتواتر له قوة حجة الحديث الصحيح. وقد كشف بعده الدكتور عبد الحميد العلمي أهمية المذهب المالكي في تدبير الخلاف فتناول بالتحليل والتفصيل “خصوصية الأدلة المالكية وأثرها في توجيه مسائل الخلاف” وأشاد بميزة المذهب المالكي المتفرد بإعمال أصل مراعاة الخلاف. وتناول الكلمة بعده الشيخ محمد سالم ولد دودو من موريتانيا حيث تحدث عن “الاجتهاد وتدبير الخلاف بين ضرورة الوحدة وأضرار الأحادية” وبيّن الاختلاف الحاصل بين مصطلحي الوحدة والأحادية، ووضح كيف ينفي الأخير التنوع بينما يسعى الأول إلى النسقية والاندماج والتوافق. وقد انتقل المحاضر بعد توضيحاته إلى بيان منهج المالكية في تدبير الخلاف دون أن يفوت الفرصة لكي يشير إلى مبدأ الوسطية والتيسير التي يتمتع بهما المذهب. وخلص بعد ذلك إلى أن تدبير الخلاف والاجتهاد هو أول مقتضى من مقتضيات التنمية في لفتة ذكية من جانبه إلى الموضوع العام للندوة كما اعتبر أن هذا الامتياز هو السبيل إلى تحقيق السلم الاجتماعي، ونبه بالمناسبة إلى ضرورة الانفتاح عمليا على المذاهب الأخرى ليكون أهل المذهب أقدر على التجديد والعطاء. وفي موضوع مكمل لسابقيه تحدث الدكتور محمد  السرار عن موضوع “المالكية وتفسير نصوص الحديث” فكشف عناية المالكية بالحديث الشريف، وذكّر بمجهودات محدثي الغرب الإسلامي في نشر الموطأ، واختار تعيين بعض الشروح التي أسهمت في إشاعة المذهب وخدمته وإخراج نفائسه ودرره. وفي علاقة الحديث بالفقه المالكي دائما، كشف الدكتور خالد المقالي عن وجوه ” التعامل الفقهي مع خبر الآحاد عند الإمام مالك” حيث كان يتوقف في مداخلته مرارا عند منهج مالك في تعامله مع خبر الآحاد ، كما كان ينبه إلى تميز أصول الاجتهاد المالكي عموما عند تعارض الأدلة الشرعية حيث كان يزنها بميران علمي دقيق، وحرص المحاضر على تقديم أمثلة على ذلك.

أما المحور الرابع الذي ناقش موضوع “التخريج الفقهي عند علماء المالكية: ضوابطه وآثاره” فقد شارك فيه الدكتور عبد الله الهيلالي بموضوع” الكد والسعاية بين اجتهاد الفقهاء وتهافت الأدعياء” بين فيه الخلاف الحاصل بين العلماء قديما وحديثا حول قضية تشريك المرأة في مال زوجها، وأشار إلى أن حق الكد والسعاية راجع إلى العرف. وفي مداخلة للدكتور محمد العلمي تحت عنوان “العرف وأثره في فقه المعاملات” كمّل ما انتهت إليه مداخلة الدكتور الهيلالي، حيث شرح في مداخلته فلسفة التنمية في الفقه المالكي من حيث مراعاتها التيسير والمرونة الملحوظة أساسا في المجال الاقتصادي، وذكّر بالقواعد الأصولية للعرف المبثوثة في التراث الفقهي وكيف تعامل معها المالكية.

ومن جهته أماط الدكتور لمراني علوي اباسيدي اللثام عن “خصائص فقه النوازل عند المالكية” متخذا من نوازل سجلماسة تافلالت نموذجا يلخص هذه الخصائص، وأظهر بالحجة والدليل احتكاك علماء مالكية سجلماسة بواقعهم ومراعاتهم لهموم الناس وقضاياهم الشاغلة، وأكد بالمقابل على جدارة الفقه المالكي وأهليته لتغطية مستجدات الحوادث المستقبلة.

أما المحور الخامس والأخير والذي انطلق صبيحة اليوم الثالث فقد تدارس فيه المشاركون موضوع ” الفقه المقاصدي وأثره في التنمية” وكانت مشاركة الدكتور خالد الصمدي فيه بموضوع “الفقه والتنمية دراسة في آليات الإفتاء” ألمح فيه إلى ارتباط التنمية في التصور الإسلامي بجانب العقيدة وبمبدأ الاستخلاف، وقدم شواهد قرآنية من أجل البيان، وأكد خلال مداخلته على ضرورة إعادة ربط الفقه بالتنمية ومعالجة الفقه الإسلامي الراهن لمختلف مجالاتها وفق التصور القرآني. وفي سياق آخر مرتبط بالتنمية كذلك أبرز الدكتور محمد احمين من بنك قطر الوطني الإسلامي” دور المذهب المالكي في نجاح العمل المصرفي الإسلامي” ووضح المساهمة الفعالة لأصول مذهب مالك في نجاح المصارف الإسلامية، ولم يفته تقديم أمثلة على تلك القواعد المبثوثة في المذهب والتي يرجع إليها الفضل في إنقاذ المصرف الإسلامي من الأزمة الاقتصادية الراهنة، وخلص إلى أن المذهب المالكي قاطرة أساسية للتنمية وركيزة مهمة لإنجاح تجربة المصارف الإسلامية، ودعا الجامعات والعلماء والباحثين إلى المزيد من الدراسات من أجل تحرير أصول مالك وبسطها للمستفيدين قصد تقويم الكتابات الفقهية القديمة والمعاصرة. وتحت عنوان “الاعتبار المصلحي في فقه الإمام ابن العربي” ألقى الدكتور محمد السدرة عرضا أغناه بشواهد من التراث الفقهي تبرز اعتبار المصلحة عند المالكية، وتناول بالدرس ظواهر اجتماعية معينة تدخل في باب المعاملات استقاها من فقه ابن العربي، وقدم  نماذج بيانية منتقاة من فقه الزكاة.

 وفي انسجام مع المحور العام للصبحية تطرق الدكتور عبد المجيد لوكيلي إلى موضوع لا يقل أهمية عن سابقيه عنوانه ” حاجة التنمية المعاصرة إلى فقه المقاصد” وتوقف عند ضرورة استنارة النظر الفقهي بفقه المقاصد باعتباره الإطار العام الذي يؤطر الحراك العمراني، ويؤطر الرؤية المستقبلية، ويحول دون جعل الفقيه غارقا في الجزئيات، ونبه كذلك إلى أهمية استقاء المناهج من غنى فقهنا المالكي. وفي ختام هذا المحور تفضل الدكتور فريد شكري بمداخلة تحت عنوان” مقاصد المذهب المالكي أصول وفصول” أصر فيها على كون مقاصدية المذهب المالكي تظهر في مجال الأصول والفروع على حد سواء، وتوقف عند أشهر الأصول التي لها علاقة بالمقاصد، وقدم أمثلة شافية على ذلك، وأكد بالمثل على أن المذهب المالكي غني بأعلام مقاصديين، وبتراث ثري بالمقاصد على مستوى التعليل والتقعيد والتفصيل.

هذا، وقد حققت الندوة نجاحا مستحقا حيث استمالت حضورا متنوعا ومكثفا وخرجت بتوصيات مهمة ينتظر أن تحقق – متى فعلت- الأغراض التي سطرها المنظمون ويُتطلع إلى إمدادها للبحث العلمي بفرص حقيقية تمكن من إغناء المذهب المالكي بما يلبي الحاجات المعاصرة. وقد اشتملت هذه التوصيات على النقط التالية:

أولا:  ضرورة العناية بالمذهب المالكي أصولا وفروعا، والحفاظ عليه باعتباره أحد الثوابت الوطنية المحافظة على الهوية الدينية والثقافية والحضارية للمغاربة.

ثانيا: إخراج التراث العلمي للمذهب وتحقيقه التحقيق الجيد الميسر لدراسته وفهمه واستيعابه.

ثالثا: إحياء الجوانب المشرقة في اجتهادات فقهاء المذهب وفتاويهم والاستفادة منها في مختلف مجالات التنمية المعاصرة بعد إعادة تصنيفها بما يحقق هذا الهدف.

رابعا: إنشاء مراكز فقهية ترصد مختلف القضايا التنموية وتواكبها بالتأصيل والتوجيه الفقهي في ضوء أصول وقواعد المذهب.

خامسا: تعميق التعاون العلمي بين مختلف الباحثين المتخصصين في التراث الفقهي المالكي على الصعيد المغاربي والتنسيق بين مشاريعهم العلمية من أجل تبادل الخبرات المكتسبة.

سادسا : ترشيد أولويات البحث الفقهي الأكاديمي ومساراته وتعلقاته بأوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

سابعا: تنظيم حلقات دراسية تزاوج بين الدراسة والتقصي لدى مختلف مجموعات البحث وتجمع بين المقاربات الفقهية والاقتصادية.

ثامنا: تشجيع مبادرة الدولة المغربية على إدخال النظام الإسلامي في المعاملات المصرفية والتنويه بالخطوات التي أقدمت عليها في هذا المجال.      

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق