مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةمفاهيم

ما حُكم بناء الفعل لما لَم يُسمَّ فاعلُه، ثم يُذكرُ بلفظٍ آخَرَ ؟

يقولُ بعضُ الناسِ “ كُتِبَ الموضوعُ بواسطةِ عمروٍ”، وربما قال “كُتِب الموضوعُ من قِبَل زيدٍ”.  أُرسلت بواسطة فلان” أي المشاركة.

 من الأساليب الشائعَة قولُهُمْ: “كُتِبَ الموضوعُ بواسطةِ عمروٍ”، و”كُتِب الموضوعُ من قِبَل زيدٍ”، و”أُرْسِلَ بواسطة فلان”. 

هذه الأساليبُ ليسَت عَربيّةً فصيحةً صحيحةً ولكنّها ترجماتٌ حرفيّةٌ من بعض اللغاتِ الأجنبيّةِ، فمن أساليب تلك اللغاتِ البَدءُ بالموضوع أو الذّات في حالَتَيِ البناء للفاعل والبناء للمفعول، فَمن أساليب اللغات: “فُلانٌ كتبَ الكتابَ” و”الكتابُ كُتبَ من طرفِ فلانٍ” the book is written by John.

أمّا اللغةُ العربيّةُ فيختلفُ تركيبُها عن تلكَ اللغات الأجنبيّة التي لا تبتدئ إلّا بالاسم أي الموضوع، وللعربية سَمتُها في التركيب والترتيب؛ ففي العربيّة أسلوبٌ يُسمى بناءُ ما لَم يُسمَّ فاعلُه أي ما لَم يُذكَرْ في الكلام لأغراض بلاغيّة؛ فنقولُ: “كُتِبَ الموضوعُ” من غير ذكرٍ لاسم آخَر؛ لأنّ الجملة في الأصل بُنيَت على حذف الفاعل وتَغييب ذكرِه وإنابة المفعول مَنابَه في الإعراب فَقَط؛ فلا يُعقَل أن تُبْنى الجملة عَلى طَيِّ ذكْرِ الفاعلِ ثمّ ُيُؤتى به في آخر الكَلام؛ فإن أبيْنا إلّا ذكرَ الفاعل والمفعول مع تقديم المعْتَنى به قُلنا: كَتَبَ الموضوعَ زيدٌ أو الموضوعَ كَتَبَ زيدٌ، أو الموضوعُ كَتَبَه زيدٌ، ولا نرتكبُ الترجمةَ الخاطئةَ: “الموضوع كُتب من طَرف أو بواسطة زيد”، ولا وجه لتصويبِ ما لَم يردْ سماعًا ولا يقبلُ قياسًا بدَعوى التوسُّع في اللغة وتطويرِها وتَقريبها من اللغات في منطق البناء والتركيب.

فإذا قيلَ: وما حكم قوله تعالى” كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ

قيلَ: 

الوضع يختلف لأن المُحْكِم والمُفصِّلَ واحد لا يتعدد، ومعلوم غيرُ مجهول، والجملَةُ بُنيَت لا على الجَهل بالفاعل بل على غَرَض آخَر وهو تثبيت مَعنى الإحكام والتفصيل، وتمكينه في النفوس، وجعله أولَ ما يُدرك القارئُ المُقبل على القُرآن، وهو يَعلم أنّ المُحكِمَ مَعلومٌ والمفصِّلَ مَعلومٌ، وإن بُني الفعل لِما لَم يُسمَّ فاعلُه في الظّاهر. أمّا “من لدن”، فليسَت هي “من طَرَف” المُتَرْجَمَة ولا قياسَ مع الفارق؛ لأنّ “لدن” ظرفٌ لَغوٌ أي غير متعلِّق، كَما يقول النحاة؛ وقَد جيءَ بها ههنا لربط الفعل بفاعله الوحيد، في المعنى [حكيم خبير].

ونُدرةُ هذا التركيب تناسبُ استثناءَ الفعل “أُحكِمَت وفُصِّلَت” ، فناسب اللفظُ المعنى، ولا وجه لقياس الآيَة على العبارَة المُترجَمَة فالآيَة استثناء، وظرفُها لا يتعلقُ، فقَد خَرَجَ عَن نَظائره للدلالة على العلم اللَّدُنيّ؛ كما في قوله تعالى: بَأْسًا شَدِيدًا مّن لَّدُنْهُ… أمّا العبارات المترجمَة فليس فيها ذلكَ، فقَد بُنيَت في العربية قياساً على الأجنبية من غير مراعاة غرضٍ كالذي روعيَ في الآية.

قال الإمام برهان الدين البقاعي في “نَظم الدُّرَر”: «بناه للمفعول بياناً لأنّ إحكامَه أمرٌ قد فُرغ منه على أيسر وجه عنه سبحانه وأتقن إتقاناً لا مزيد عليه» [هود: 1]: نظم الدرر، دار الكتاب الإسلامي 1404- 1984. ج:11، ص:225 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق