الرابطة المحمدية للعلماء

كيف نرتقي بالعربية لتصبح لغة المعرفة العلمية والتواصل الاجتماعي؟

د. بودراع: التمكين للغة للعربية مشروع حضارِيّ كبير يرتبط بهوية الأمة ووجودها..

استضاف موقع الرابطة المحمدية للعلماء في حواره الحي لهذا الأسبوع الدكتور عبد الرحمن بودراع أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب جامعة عبد الملك السعدي ليجيب عن مختلف تساؤلات زوار الموقع حول موضوع:
كيف نرتقي باللغة العربية لتصبح لغة المعرفة العلمية والتواصل الاجتماعي؟ “. وقد انصبت الأسئلة عن واقع اللغة العربية، والتحديات التي تواجهها، وسبل النهوض بها وتطويرها في الزمن الرقمي لتصبح بالفعل لغة المعرفة العلمية والتواصل الاجتماعي، وبوجه خاص في المنظومتين التعليمية والإعلامية، فضلا عن التعاملات الإدارية للمواطنين..  

فعن واقع اللغة العربية لم يجد الضيف الكريم بدا من الإقرار بأنها  “لا تحتلّ موقعاً مريحاً في مناهج التعليم المغربية، نظراً للمنافسَة الشّديدَة التي تواجهُها بِها اللغة الفرنسية واللهجات المحلية الوطنية، فهي في معاناة كبيرة في سياق الثّنائية اللغوية وفي سياق الازدواجية اللغوية، بالإضافَة إلى قلّة الاهتمام الذي يوليه المسؤولون لهذه اللغة و المنزلة التي تتبوأها بين موادّ الدّراسَة الأخرى ، فهي معدودة ضمن الموادّ ذات المعامل الضئيل. وليست من موادّ الانفتاح أو المعاصرَة أو الاندماج في المحيط الاجتماعي والاقتصادي فاللغة العربية إذن محكومَة بهذه النّظرة الضّيقة، وليست لها مكانة كبيرة في مشهد التنمية البشرِية المغربية المواطن العادي والتلميذ والأطر العليا جميعُهُم يلمسون هذه النظرة التي تُعامَلُ بِها اللغة العربية في المغرِب..

فمع أن المغرب معروف بتعدد اللغات واللهجات وتعايشها ولكن هذا التعدد عادة ما “يُوجَّه من قِبَل أصحاب القرار توجيهاً سلبيا ، حيث تُجرَّد العربية من إمكانات التعبير والتواصل في المجالات الأكاديمية والعلمية وتُبعَد من المشاريع المعرفية التي تُتبادلُ بين الجامعات..” بحيث أن “مَن لا يملك لغة أجنبية كالفرنسية فلا يُمكنُه بتاتا الانخراط في سلكِ الحداثَة ولا الاندماج في سياق المعاصَرَة والتفاعل مع المحيط الاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي ، ولا الاطّلاع على مجاري الأحداث على المستوى الدولي..”

كما أبرز أن “الارتقاءَ بالعربية يستلزمُ من المسؤولين التربويين وأصحاب القرارِ البيداغوجي والشأن التعليمي في بلادِنا الرجوع إلى المصادر اللغوية والنحوية لكسر الحواجز النفسية المُفتَعَلَة بين القارئ التلميذ وبين أمهات المصادر.” وذلك عبر منهجية تقوم على

تعليم النصوص المنتقاة، وتدريب التلاميذ على التعامل معها بدل تلقينِهِم القواعد، لأن “كثرة النصوص تكوِّن الملَكَة اللسانية، وكلما عُلّم التلميذ طريقَةَ قراءة النصوص قراءة سليمة وفهمها فهما صحيحا، اقترب من تعلم اللغة وسهُل عليه بعد ذلِك فهم القواعد واستيعابها.”

كما يؤكد أن هم اللغة العربية لا يمكن أن يحمله إلا مَن يحمل همّ الأمّة بناء على “أساسٍ عقدي متين ورصيد ثقافي مكين وتاريخ وحضارَة، فَمَن كان على نصيب كبير من الاهتمام بالشأن الفكري والعلمي والعقَدي ونصيب من الغيرة على تراث الأمة وتاريخها وحضارتها هو الذي توكَل إليه مهمّة إحياءِ العربية والنهوض بِها وتطويرِها.” منبها على أن” أصحابَ القرارِ مطالَبون بإخراج آلاف التوصياتِ التي تمخضت عنها المناظرات والمؤتمرات والمجامع اللغوية والأكاديميات، إلى حيز التنفيذ..”

ووعيا بالأهمية القصوى التي تحوزها المسألة اللغوية في تقدم الشعوب والأمم أكد الأستاذ عبد الرحمن بودراع أن “الدّعوة إلى العربية والتمكين لَها مشروع حضارِيّ وتاريخي كبير يرتبط بذات الأمة وهويتها بل بوجودِها، فإذا انقرضت لغةٌ ما انقرض أهلُها حضاريا وتاريخيا وانقطعت جذورُهم وذابوا في غيرهم، بل أصبحوا مكوّناً من مكوّنات غيرِهم” .

ومع ذلك فقد كشف كيف أن “التلاميذ والطّلاّب لا يُحسنون قراءة النصوص العربية قديمها وحديثها، ولا يحسنون التواصل بالعربية الفصحى، بل إنّهم يدرسونَ اللغة العربية بطرقٍ جافّة مبتسرة مختصرة تزيدهم نفوراً، ولا شكّ أنّهم يعيشون في وسط كلّ ما فيه ينزع إلى الانسلاخ عن الهوية العقديّة واللغوية، وفي مشهد لغوي يطبعُه التعدد والصّراع والمنافسَة الشّديدة..” الأمر الذي يستدعي بلورة مشروع متكامل للنهوض باللغة العربية “يبتدئ من إعادة الاهتمام بالعربية في نفوس التلاميذ وربطها بالحضارة والعقيدة فهي الحافز ولا مشروع بدون حوافز، ويُختصرُ هذا كلّه في تصحيح ألسنة الناس بتصحيح عقيدتِهم وأفكارِهم وتصوراتِهم حتى يستطيعوا أن يحكموا على الأشياءِ حكما سليما..” من منطلق أن “الحكمَ على الشيء فرع على تصوّرِه..”

وردا للتهم التي تجعل اللغة العربية عاجزة عن مواكبة واستيعاب لغة العلم أوضح الضيف الكريم أن “العربية لغة قادرة على تدريس العلوم وتطويرِها ونشرِها، وعلى تحقيق التفاعل العلمي بين المؤسسات العلمية الوطنية والدولية..” خاصة وأن “إمكانيات معالجة النصوص العربية سهّل للعربية طرق التواصل الإلكتروني، وتحديدا في النصوص المعالَجَة والنصوص المتشعّبَة أو المترابِطَة..” كما أن “المصادر والمراجع الإلكترونية قد انتشرت، وبات البحث العلمي أسرَعَ إنجازا مما كان عليه قبلُ، وتوافَرَت الموسوعات الإلكترونية والمعاجم ودوائر المعارِف..”

وقد دعا إلى “تنشيط حركة تعريب العلوم إلى العربية وتوسيع ترجمة العلوم في المدارس العليا والجامعات، ونقل مستجدّات الفكر والعلم والاقتصاد العالمي إلى العربية..” ومذكرا أن الفُقَهاء والأصوليون والمفسّرون قد كتبوا بها كما “كتبَ بِها أهل العلم في الطّبّ والصيدَلَة والدّورَة الدمويّة والبصرياتِ والرياضيات، وكتب بها الأدباء والنقاد والشّعراء، وكتبها بِها وفيها اللغويون والنحاة.”

وهو ما يجعل من الممكن جدا “إعادة تفعيل أثر العربية وتفعيل وظائفها وإحياءِ طاقاتِها التعبيرية..” مشددا على أن “العلة لا تكمن في العربية، وإنّما في أصحابِ القرارِ التعليمي والتربوي والشأن العلمي والثقافي..”

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق