مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات وأبحاث

فوائد إيمانية مع حديث: « من صام رمضان إيمانا واحتساباغفر له ما تقدم من ذنبه »

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره، وسلَّم تسليماً كثيراً.وبعد:

         فإن من رحمة الله وفضله علينا، أن جعل لنا في هذه الحياة الدنيا مواسم تمر علينا مرة واحدة كل عام ، نتزود فيها بالإيمان والتقوى، ونمحوا بها ما علق بقلوبنا من آثار الذنوب والمعاصي،  ومن أهم هذه المواسم: «شهر رمضان المبارك»، وهو شهر من أعظم الشهور  لمن أدركه وقام بحقه، وحفظ حُرماته، في أن ينال من ثواب الله عز وجل الأضعاف الكثيرة، والفضل في ذلك كله لرب العالمين، فهو سبحانه الذي شرع لنا من الأعمال الصالحة والعبادات ما يكون سببا في نيل الثواب ومحو الذنوب وغفرانها، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: « من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه »([1]) ، وهو من الأحاديث الصحيحة التي رواها  الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ وقد اهتم به العلماء شرحاً واستنباطاً لما فيه من الأحكام والفوائد المتعلقة به، وقد أردت في هذا المقال أن أقف وإياكم مع هذا الحديث  وقفات عل الله أن ينفعنا بها.

          ففي الحديث فضيلة عظيمة لمن صام رمضان إيمانا واحتسابا؛ وهي أن الله تعالى يغفر له ما تقدم من ذنبه؛  والمراد بالإيمان: التصديق بوجوب صومه والاعتقاد بفرضيته. قال النووي –رحمه الله_: «معنى إيمانا: تصديقا بأنه حق مقتصد فضيلته([2])، وأما الاحتساب فإن المراد به: طلب الثواب من الله تعالى. يقول النووي: «يريد الله تعالى وحده، لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص»([3]) ويقول الخطابي في معناه: « أي: عزيمة وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه طيبة نفسه بذلك غير مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه »([4])

هذا ولم يفرق بدر الدين العيني في عمدة القاري بين هذين اللفظين. قال: «فإن قيل كل من اللفظين وهما: إيمانا واحتسابا يغني عن الآخر؛ إذ المؤمن لا يكون إلا محتسبا، والمحتسب لا يكون إلا مؤمنا، فهل لغير التأكيد فيه فائدة أم لا الجواب: المصدق لشيء ربما لا يفعله مخلصا، بل للرياء ونحوه، والمخلص في الفعل ربما لا يكون مصدقا بثوابه وبكونه طاعة مأمورا به سببا للمغفرة ونحوه، أو الفائدة هو التأكيد »([5])

ومن قامه إيمانا واحتسابا  أي: محتسبا أجره على الله تعالى لا يقومه رياء ولا سمعة ( غفر له ما تقدم من ذنبه) اسم جنس مضاف فيعم كل ذنب لكن خصه الجمهور بالصغائر([6]) أي: الصغائر المتعلقة بحق اللّه بالعفو عنها دون الكبائر التي لا تكفر إلا بالتوبة الصحيحة .

***************

هوامش المقال:

([1]) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الإيمان، باب: صوم رمضان احتسابًا من الإيمان له (1 /29) برقم: (38)، ومسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح   (1 /343) برقم: (173).

([2]) شرح النووي على مسلم (6 /58).

([3])شرح النووي على مسلم (6 /58).

([4]) فتح الباري (4 /149).

([5]) عمدة القاري  (1 /234).

([6]) التيسير بشرح الجامع الصغير  (2 /823).

****************

لائحة المراجع المعتمدة:

التيسير بشرح الجامع الصغير. زين الدين عبد الرؤوف المناوي. مكتبة الإمام الشافعي – الرياض ط3/ 1408-1988.

الجامع الصحيح. أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1 / 1400هـ.

صحيح مسلم بشرح النووي. مؤسسة قرطبة. ط2/ 1414- 1994.

صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج للزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427-2006.

عمدة القاري شرح صحيح البخاري. بدر الدين العيني. دار الفكر.  (د.ت)

فتح الباري شرح صحيح البخاري. أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. دار السلام الرياض. ط1/ 1421-2000.

راجع المقال الباحث: عبد الفتاح مغفور

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق