مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةشذور

شروح دلائل الخيرات

من مظاهر الاهتمام بدلائل الخيرات[1] ما وضع حوله من شروح وحواش وتعليقات…تختلف حجما ومنهجا وهدفا، فمنها ما قصد به إفادة المريدين والعامة، وتقريب النص إليهم. ومنها ما صنف لطلبة العلم، إلا أن كثيرا من الشروح لم يصلنا منها إلا الاسم أو وصلت منها نسخ كثيرة البتر والخروم تصعب الاستفادة منها.

ويمكن تصنيف الكتاب إلى صنفين.

1-شروح مغربية.

بدا الاهتمام بالدلائل منذ تأليفه في منصف القرن التاسع، فقد سار على نهجه محمد بن قاسم الأنصاري الشهير بالرصاع في هذه الفترة [2]، ويرجع تاريخ شروحه الأولى التي وصلتنا إلى الربع الأول من القرن الحادي عشر، وسيعرف هذا القرن تأليف أهم شروح الكتاب وإن كان الاهتمام به قد استمر إلى القرن الرابع عشر. وهذه الشروح هي:

أ-الأنوار اللامعات في الكلام على دلائل الخيرات.

لأبي زيد عبد الرحمان بن محمد بن يوسف الفاسي، المتوفى سنة ست وثلاثين وألف [3]. والمؤلف مشهور بتصوفه وريادته في الطريقة، فقد توفي والده بعد سنتين من ميلاده، ونشأ في حجر أخيه الصوفي أبي المحاسن، وحجور المريدين من أتباعه، ومنهم عبد الرحمان المجذوب الذي كان شديد الاحتفاء به[4]، وخلف أخاه في تربية المريدين، وهو مؤسس زاوية القلقليين بفاس[5].

ومن هنا كان اهتمامه في مقدمة الكتاب إلى سبب تأليفه ومنهجه فيه، فقال: «بعد. فإني لما رأيت كتاب دلائل الخيرات وشوارق الأنوار..من أفضل ما صنف في كيفية الصلاة على النبي المختار …انتدبت لوضع تعليق يكون كالشرح لبعض معانيه، أو كالتشهد بما قد يخفى أو يحتجب من مبانيه لينبه العاكف عليه على بعض أسراره، ويزيده بصيرة في اجتناء ثماره، وسميته بالأنوار اللامعات في الكلام على دلائل الخيرات. سالكا فيه سبيل الايجاز والاختصار قاصدا بذلك رضى الله ونصيحة عباده، وتمسكا بما قد يجدي متعلقا بأذيال رسول الله ومصطفاه. والله سبحانه المستعان[6].

ويعتمد المؤلف في شرحه على بعض مصادر التفسير (تفسير ابن عرفة) والحديث (صحيح البخاري، وفتح الباري، والشفا)، وبما أن شرحه لغوي، فإن الملاحظ أن الشارح شديد الارتباط بالقاموس يذكره عند ايراد كل كلمة أو جملة، ولعل هذا عائد كذلك إلى اهتمامه بهذا الكتاب منذ صغره دون غيره من كتب اللغة، فقد كان ينسخه لنفسه حتى بلغ مادة «مع» حيث قال (أو هي للمصاحبة، فكانت مناسبة للحال. ففاجأه الجذب وورد عليه وارد قوي أزعجه. فكان آخر العهد بالنسخ. ولازم أبا المحاسن واختص به[7]، وكان ذلك في فترة المعاناة التي يمر بها كل مريد قبل أن تستقر أحواله ويلزم شيخه ويخلو له.

2-شرح دلائل الخيرات لمحمد العربي الفاسي. 

لمحمد العربي الفاسي المتوفى سنة اثنتين وخمسين وألف[8]. المؤلف من أتباع الطريقة الجزولية، وهو ابن أبي المحاسن الفاسي شيخ الطريقة ومجددها في عصره، وله مؤلفات في علوم مختلفة أشهرها: مرآة المحاسن في التعريف بوالده المذكور، وبشيوخه واتباعه في الطريقة، كما اشتهر بجراته وفتاويه في الجهاد ومواجهة النصارى في الشواطئ، وموقفه من تسليم العرائش لهم.

وقد استهل شرحه بحمد الله والثناء عليه (الحمد لله الذي هدانا للإيمان والاسلام…) ثم بدا مباشرة في شرح خطبة دلائل الخيرات.

وهو شرح لغوي شبيه بشرح عمه عبد الرحمان الفاسي السابق الذكر. من الاهتمام بمعاني الكلمة وإعرابها وضبط النطق بها، ويختلف عنه بميله إلى الاستقصاء والتطوي، وتناول القضايا التي يعرض لها الجزولي، وقد قال عنه محمد المهدي الفاسي في مقدمة شرحه للدلائل (سالكا في ذلك ألفاظ مشروحه من الفنون العلمية مستحقها)[9].

وبالرغم من صفحات الكتاب قد تتجاوز الستين وأربعمائة[10]، فإن الشرح ناقص[11]

أما القسم المشروح من الكتاب فهو:

أ-من الفاتحة إلى قول الجزولي «عن بعض الصالحين أنه قال: كان لي جار نساخ فمات ….أي يناهز نصف الفصل الأول»[12].

ب-ومن بداية الفصل الثاني (في كيفية الصلاة على النبي…) إلى آخر الربع الأول «الحمد لله على حلمه بعد علمه، وعلى عفوه بعد قدرته…»[13].

وجاء في آخر القسم الأول: هذا ما شرحه المؤلف رحمه الله من فضل الفضائل، ومن خطه نقل، ثم شرح قدس الله روحه من فصل الكيفيات إلى آخر الربع الأول حسبما هو بخطه.

ويشير محمد المهدي الفاسي إلى هذا التوقف بقوله (ثم خمدت قريحته، وفترت عزيمته، ولم يزد على ذلك شيئا مع بقائه حيا) ويفهم من حديثه أن السبب عائد إلى انعدام (كتب الحديث والسير التي هي في هذه البلاد مفقودة لا تظهر)[14]، ولا يمكن وضع شرح مفصل للدلائل دون الرجوع إليها.

(اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد عدد ما أظلم عليه الليل) أي عدد ما اشتمل عليه الليل ولفظ الليل قيل هو اسم جنس ليلة، كثمر ثمرة، قال أبو حيان: والصحيح أنه مفرد ولا يحفظ له جمع، واخطا من زعم أن جمعه ايال وليال، بل ليان جمع ليلة، ونظيره كيكة وهي البيضة وكياك كأنهم توهموا أنها ليلات وكيكات. ويدل على هذا التوهم لييله في التصغير، وقد حرصوا بليلات في الشعر (في كل يوم وبكل ليلات….).

(وأضاء عليه النهار) أي ما اشتمل عليه النهار، والاضاءة لازمة، فكلما كانت الشمس طالعة كان النهار موجودا. وكلما كان النهار موجودا كان وجه الأرض مضيئا…[15]

1 2 3 4 5 6الصفحة التالية
Science

د. طارق العلمي

  • أستاذ باحث في الرابطة المحمدية للعلماء، متخصص في المجال الصوفي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق