وحدة الإحياءدراسات عامة

رسالة الشباب ومخاطر الطريق

ذ. محمد مداني

(العدد 9)

 

الشباب هو سن الآمال العريضة والطموحات الكبيرة وسن البذل والفداء والهمم المتوثبة[1] وهي مرحلة تتميز بأنها مرحلة ميلاد جديد حيث يواجه الشباب تغيرات شاملة في مختلف الجوانب الفيزيولوجية والعقلية والانفعالية والاجتماعية، لذا كان موضوع الشباب موضوعا جذابا محببا إلى نفوس المربين والمصلحين في كل جيل وهو موضوع جليل له أهميته الخاصة التي تأتي من كون الشباب صلة الوصل بين الأجيال، والشباب عنوان المستقبل القريب والبعيد ورأس مال الأمة ورصيدها الوحيد، وهم مرآة المجتمع تتجلى فيهم محاسنه ومساوئه وهم مركز النقل ومعقد الآمال بالنسبة للجميع فالأنبياء والرسل والدعاة والمصلحون والمربون والمدرسون والزعماء والحكماء كلهم يتجهون إلى الشباب قبل أن يتوجهوا إلى غيرهم من الناس، وكل صاحب دعوة صالحة أو طالحة دعوة للبناء أو الهدم دعوة للاستقرار والتطور أو دعوة للطفرة أو الثورة لا يجد بدا من أن يعرض دعوته على الشباب حتى يضمن لدعوته الانتشار والانتصار[2] فالشباب، إذن، هو القطاع المعتمد لدى كل الاتجاهات ذات الاستراتيجية التطويرية في اتجاه الهدم أو البناء.

تعريف

وقبل أن نغوص في موضوع الشباب ورسالته ومشكلاته لابد لنا من تعريف نقف به على حقيقة الشباب ومفهومه وحدوده.

إن المراحل التي يمر بها الفرد في حياته مراحل متماسكة ومتداخلة لا يمكن أن نفصل الفصل التام بين كل مرحلة وأخرى كما يفصل بين مسكن وآخر بحدود الجدران أو بين حي وآخر بفواصل الشوارع والأزقة فلا يمكن الحديث عن مرحلة للشباب تبتدئ من سن معين وتنتهي عند أخرى بدقة، لذلك اختلفت التعريفات وتعددت المفاهيم فمن يعتمد الفترة الزمنية وآخر يعتمد الحالة النفسية والعقلية وثالث يعتمد النضوج الجسمي والفسيولوجي، وهنا سأكتفي بتعريفين معجمين وتعريف ثالث اعتمده الشيخ المكي الناصري في كتيبه مع الشباب، ولنبدأ بتعريف القاموس المحيط الذي يقول: “الشباب الفتاء كالشبيبة وقد شب يشب جمع شاب كالشبان وهو أول الشيء[3] وجاء في دائرة معارف القرن العشرين التعريف التالي: في مادة شب وردت كلمة الشباب باسم الشبيبة وهو “دور من أدوار حياة الإنسان يبتدئ به بعد سن الطفولة وأوله سن البلوغ وهو يختلف حسب الأنوثة والذكورة والأقاليم، والغني والفقير فأولاد الأغنياء يسرع إليهم سن الشبيبة فتبلغ الأنثى في تسع أو قد يتأخر إلى ثماني عشرة سنة، وفي هذه الأحوال تنشأ أمراض خطيرة، ويبتدئ هذا الدور في الذكور من السنة الرابعة عشرة إلى السادسة عشر، وفي هذا الدور يجب عناية الأهل بأولادهم لأن التغيرات الفجائية التي تحدث بأمزجتهم والعواطف الجديدة التي اكتسبوها توشك أن تهجم بهم على الفساد بأشكاله فيصعب انتزاعهم بعد نشوبه فيهم”[4].

وفي كلمة لتعريف الشباب قال الشيخ محمد المكي الناصري: “ظاهرة الشباب في نظر الباحثين ظاهرة مزدوجة: ظاهرة عضوية من جهة، وظاهرة نفسية من جهة أخرى، ظاهرة فيزيولوجية وسيكولوجية في آن واحد وصفات الشباب على العموم تستمد وجودها من هذه الازدواجية القائمة في كيان الشباب فهي إما مرتبطة بالنمو المادي للجسم وإما مرتبطة بالنمو الوجداني للنفس.

ومتى أطلقت كلمة “الشباب” فالمراد بها ما يشمل المرحلة التي تسبق مرحلة الكهولة ابتداء من وقت البلوغ فصاعدا.

وحيث إن عملية النمو بشقيها عملية باطنية معقدة لا تسير في خط مستقيم دائما فإنه يحدث أن يكون سن الشباب المسجل في الحالة المدنية موازيا لسن الحالة الفكرية والعقلية التي هو عليها من حيث النضج العقلي والنمو الفكري كما يحدث أن يكون سنه المدني غير مواز لحالته الفكرية والعقلية، وبذلك يكون الفرد معدودا من الوجهة الشكلية بين الشباب، بينما لا يزال فكريا وعقليا في عداد الأطفال أو دخل في عداد الذين بلغوا من الكبر عتيا”[5].

هذه التعاريف الثلاثة يبدو منها بعد تفحصها أن مرحلة الشباب مرحلة ممتدة مندمجة قد تأخذ بعض فتراتها من فترة الطفولة المتأخرة وقد تطول لتتداخل مع مرحلة الكهولة، وهذا الامتداد من الحدين راجع إلى العوامل المتعددة التي نستشف بعضها من تعريف دائرة المعارف التي أرجعت سبب الاختلاف إلى اختلاف الجنس واختلاف المناطق والحالة الاجتماعية للفرد، ويرتبط الاختلاف أيضا بالنمو المادي للجسم والنمو الوجداني للنفس، وعلى هذا نستنتج أن الشباب مرحلة يكون الفرد فيها قد بلغ درجة عالية من الاستعداد النفسي والقوة الجسمية حيث يمكنه أن يمارس أي نشاط فكري أو جسمي بسهولة ويسر وجدارة وهي المرحلة التي يستطيع الفرد فيها إذا ما وجه التوجيه الصحيح أن يحقق مزيدا من العطاء في كافة الميادين الفكرية والجسمية.

رعاية الإسلام للشباب

ومن أجل هذه القوة والحماس والفعالية المتواجدة في الشباب كانت الديانات السماوية تحرص على رعاية الشباب وترى فيهم النموذج القوي في الفرد الذي يمكن أن يتحمل متاعب الرسالات ومشاق الدعوة إليها وعنت الظلم المتفجر في قلوب الحاقدين المعتدين من الكفار والمشركين، فأهل الكهف فتية شباب يخبرنا القرآن الكريم في قصتهم الطويلة أنهم كانوا صامدين مجلدين ثابتين على عقيدتهم رغم ما تعرضوا له من تهديدات أهل الظلم والطغيان ففروا بعقيدتهم وتحملوا مشقة الجبال والكهوف حماية لهذا المعتقد الذي يعتبر في نظرهم مبدأ ساميا ينبغي الدفاع عنه إلى آخر رمق من الحياة يقول الله تعالى: ﴿إنهم فتية ءامنوا بربهم وزدناهم هدى، وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والاَرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا، هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا ياتون عليهم بسلطان بين﴾ (الكهف:13-15) ولو فرض أن أهل الكهف لم يكونوا شبابا أهل قوة وعزيمة فهل يستطيعون النجاح في محاربة أهل الظلم والجبروت؟ وإبراهيم الخليل عليه السلام هل كان باستطاعته مقاومة قومه الضالين وفيهم النمرود الجبار العنيد لولا فتوته وشبابه وصلابته وعزيمته، قال عز من قائل: ﴿ولقد ءاتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين، إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون﴾ (الأنبياء: 50- 51- 52) ولما هددهم بالكيد لأصنامهم والعزم على تحطيمها قالوا لطاغيتهم بعدما سألهم عمن حطم آلهتم: ﴿سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم﴾ (الأنبياء:60) وأمام الملأ أعلن معارضته لعبادتهم مالا ينفع ولا يضر وهو في أشد حالة من الغضب عليهم: “قال أفتعبدون من دون الله مالا ينفعكم شيئا ولا يضركم، أف لكم ولما تعبدون من دون الله، أفلا تعقلون”، ومثل ثالث هو سيدنا موسى عليه السلام الذي يصفه القرآن بالقوة والأمانة وصلابة العود فيثنى عليه بذلك فيما تحدثت ابنتا شعيب لما قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين”[6] قوة سيدنا موسى إذن أعجبت بها ابنتا النبي الصالح سيدنا شعيب اللتان رأيا أن أصلح من يستأجر هو الرجل الشاب الفتى المستقيم، ومن هنا يظهر أن الاستقامة والأمانة هما زينة الشباب الأقوياء.

ولقد كان الإسلام يفتخر بشبابه والفتية من رجاله فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك قال: “أقبل نبي الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف ونبي الله، صلى الله عليه وسلم، شاب لا يعرف قال: فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر من هذا الرجل الذي بين يديك، فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل قال فيحسب الحاسب أنه إنما يعني الطريق وإنما يعني سبيل الخير…”[7].

ويروى أنه لما نزل قول الله تعالى: ﴿وأنذر عشيرتك الأقربين﴾ (الشعراء: 214) جمع رسول الله، صلى الله عليه، وسلم بني عبد المطلب فكلمهم قائلا: “يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به إني جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وكانت بعثة محمد، صلى الله عليه وسلم، في سن الشباب من الأسباب التي جعلت شيوخ قريش يعارضون دعوته ويأبون اتباعه… وقالوا ﴿لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم﴾ (الزخرف: 31)[8].

وقد وضع الإسلام الشباب في مكانة عظيمة حيث أن رسول الإسلام صلوات الله عليه جعلهم في الطليعة واختارهم للمراتب الكبرى حيث كان منهم القائد والواعظ والوالي والقاضي، وكان يستشيرهم في كل الأمور المتعلقة بخطط الحرب وحياة المسلمين اليومية فكان الرسول، صلى الله عليه وسلم، إذا وزع على أفراد الأمة ما يناسب كل واحد منهم من الأعمال كان يخص الشباب بنصيب هام من المسؤوليات” فأسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنها، كان لها دورها المعلوم في الهجرة وعلي بن أبي طالب كانت له فدائيته وتضحياته النبيلة ومواقفه العظيمة ومصعب بن عمر كان معلما بالمدينة المنورة حتى استشهد في غزوة أحد وعبد الله بن عباس كان قمة رفيعة في الفقه والتفسير وأسامة بن زيد قاد جيشا فيه أبو بكر وخيرة المهاجرين والأنصار وهو لم يزل في الواحدة[9] والعشرين من عمره[10].

وأراد الرسول، صلى الله عليه وسلم، أن يجعل أمة الإسلام أقوى الأمم تقديسا للشباب… وأكثرهم معرفة بمزاياهم فأخذ يعطيهم في الموضوع دروسا عملية ناصعة الدلالة واضحة البرهان فقد ثبت عنده صلى الله عليه وسلم من حسن استقامته وعمق تفكيره ونصاعة رأيه كما ولى عليه السلام عتاب بن أسيد مكة بعد فتحها وله إحدى وعشرون سنة…واستعمل عمرو بن حزم الأنصاري على نجران باليمن… وهو ابن سبع عشرة سنة… كما بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قاضيا إلى اليمن معاذ بن جبل في الثامنة والعشرين من عمره وكان، صلى الله عليه وسلم، قد بعث من قبل إلى نفس البلد وفي نفس المهمة علي ابن أبي طالب فاستصغر علي نفسه ورأى أنه دون هذا المنصب وقال يا رسول الله: بعثتني وأنا شاب أقضي بين قوم شيوخ ذوي أسنان، وإني أخاف ألا أصيب فضرب رسول الله، صلى الله عليه، وسلم صدره بيده الكريمة ثم قال: اللهم أهد قلبه وثبت لسانه ثم بعثه (الطبقات ج 2 ص: 337)[11].

كل هذه نماذج من عناية الإسلام بالشباب أوردتها لنقف جميعا على مكانة الشباب في الإسلام علنا نقتدي بسيرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في هذا المجال ونسير على هدي صحابته الكرام.

رسالة الشباب ودورهم في بناء الأمة

واعتمادا على ما للشباب من قوة جسمية ونضج فكري وإرادة قوية تدفعهم للعمل بكل حماس ونظرا للمكانة الرفيعة التي يحظى بها الشباب في صدر تاريخنا الإسلامي، واعتبارا لكوننا جزءا من الأمة الإسلامية فإن ذلك كله يفرض على شبابنا القيام برسالة عظمى ودور فعال” فالدور للشباب عليه أن يشمر على سواعده ويعرف مهمته في الحياة ليعيد للأمة والمجتمع رفعتهما ويبني لهما نظامهما ويرفع لهما رايتهما رسالة الشباب في مجتمعنا رسالته ثقيلة ودوره متشعب الحلقات متعدد الواجهات، رسالته ينبغي أن تشمل كل مناحي الحياة وتعالج جميع الميادين التي تدعم أركان الأمة وتبني صرحها الشامخ المتداعي، الدور الذي ينتظر الشباب دور ثقافي، دور اجتماعي، دور روحي، دور خلقي، دور وطني وقومي، دور إنساني عالمي.

فرسالة الشباب في الميدان الثقافي والمعرفي تتجلى في ضرورة اكتساب المعرفة والتصدي لمحاربة آفة الجهل في المجتمع الذي يشكل إحدى لبناته ويكون خلية من خلاياه لأن أي خلية مريضة في الجسم تودي بالجسم كله. ففي الحديث النبوي الشريف: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا”[12] فإذا كان هذا الحديث يعني التعاون بين الأفراد فما أحوج شبابنا إلى التعاون لنشر الثقافة والمعرفة في المجتمع، لذا على الشباب أن يتسلح بسلاح العلم ويتقلد نور العرفان، وقد قيل إن العلم زينة الشباب، ولكن ما هو نوع العلم الذي ينبغي أن يتسلح به “الشباب” نظرة فاحصة إلى حال الشباب المسلم وإلى أوضاع المسلمين بشكل عام تؤكد ضرورة إعداد الشباب…إعدادا يتكافأ مع مهمتهم المنشودة بل وتجعل القيام بذلك تكليفا…لا يجوز التهاون فيه، ولما كانت مهمة الشباب مهمة صعبة وشاقة فمن البديهي أن يكون إعدادهم متكافأ مع ضخامة العبء وثقل “الرسالة” وخطورة المهمة التي سيضطلعون بها، ومن هنا كان لابد من تحديد إطار لتكوين الشباب وتعليمهم: فينبغي أن يكون الإعداد تاما بتناول جوانب الشخصية كلها الفكرية والنفسية والحركية فلا يكون إعدادا فكريا فحسب، أو روحيا تربويا فقط، أو حركيا سياسيا وحده، وأن يكون الإعداد متوازنا أي حسب تخطيط محكم يهتم بإعداد كل جانب من الجوانب بالقدر المطلوب. وأن يكون الإعداد ميدانيا لا يقتصر على النظريات وإنما يعتمد على أسلوب ونهج تطبيقي[13] وبمثل هذا التكوين والمعرفة المتنوعة يمكن للشباب أن يؤدي رسالته الثقافية التي تتجلى على العموم فيما يقومون به من ملء الفراغ الموجود في الإدارة، والفراغ الموجود في الصناعة، والفراغ الموجود في التعليم في مختلف المهن الحرة والتي تتجلى فيما يقوم به الشباب من مكافحة الأمية بجميع أنواعها بما فيها الأمية العلمية والأمية الدينية والأمية التاريخية، ورسالة الشباب الثقافية تتجلى في العمل على فتح آفاق جديدة في البحث والاطلاع والاكتشاف”[14].

ويعتبر البحث والكتابة أهم المجالات التي يمكن للشباب أن يؤدي بواسطتها رسالتهم الثقافية فالبحث من ضرورات العصر ولا يمكن للشباب أن يقنع بولوج الوظائف ويتطلع إلى الحصول على الشهادات من أجل الوصول إلى الإدارة ويحسب ذلك هو بلوغ الأمل الذي طالما تشوق إليه، على الشباب أن ينقب ويكتشف كما عليه أن يؤسس الأندية والجمعيات وينخرط في المنظمات الثقافية ذات الأهداف العملية ويعمل مع أقرانه على ربط الصلات بالمنظمات الوطنية والإقليمية والأجنبية لتبادل الخبرات واكتساب المزيد منها لبلوغ المراتب الكبرى من البحث ولتحقيق الدرجات العلمية الرفيعة، فيجعل بذلك وطنه في صفوف الدول المتقدمة في الأبحاث العلمية.

وللشباب دور هام في المجال الاجتماعي ينبغي أن لا ينساه أي شاب أراد لوطنه الرقي والتقدم لأن الآفات الاجتماعية تبلغ بالمجتمعات والأمم إلى الدرجات الدنيا من الحضيض أفيرضى واحد منا لبلده أن يكون في أسفل سافلين من العادات والأخلاق والتقاليد الهدامة؟ لا وألف لا فضمير الشباب الحي يأبى عليهم ترك بلادهم فريسة الأوهام والخرافات أو طغمة سائغة لأمراض المجتمع المدمرة، لذا فالشباب مدعو لمحاربة جميع أنواع الأخطار المحيطة بالوطن ومكافحة كل ما يثقل كاهله فيمنعه أن يسير في طريق التقدم والرفاه” على الشباب أن يساهم في إسعاف البؤساء وإغاثة المحرومين عليهم أن يعملوا متعاونين لإصلاح التقاليد الفاسدة والقضاء على الخرافات الشائعة ومكافحة المسكرات والمخدرات ومحاربة التفسخ والانحلال في الأخلاق” المتفشي في طبقات المجتمع” على الشباب أن يعمل على بعث روح التضامن والتعاون بين أفراد المجتمع وعلى التقريب بين طبقاته بدلا من تباعدها وسوء بعضها ببعض”[15].

وعلى الشباب في المجال الاجتماعي كذلك رعاية المجتمع وخاصة ناشئته من أخطار المذاهب الهدامة كالشيوعية والرأسمالية ومن فساد المبادئ الخطرة والأفكار الإلحادية ومن أضاليل الدعوات المنحرفة كالعنصرية والقبلية، كما على الشباب أن يدرأ مخاطر التقاليد والعادات الغربية والتنبيه إلى مساوئها وأخطارها والتحذير من مفاسدها وأضرارها والتحصين ضد التغريب وفضح طرقه وأساليبه وفضح أساليب الاستعمار والتبشير[16].

وبالجملة على الشباب أن يشارك في جهود المجتمع لمحاربة كل ما من شأنه الإساءة إليه أو إبقاؤه في مؤخرة الركب العالمي الزاحف إلى التقدم، فتنظيم الحملات الاجتماعية للتطهير والنظافة وتبني الحملات الصحية وحملات محاربة الفقر والأمية والمشاركة في حملات توعية المرأة وإنشاء المصالح العامة وغيرها كلها من رسالة الشباب، ونقف وقفة تأمل لنستعرض ما خلف آباؤنا عندما كان الشباب يؤدي دوره الحقيقي فقد خلفوا مقرات للزوايا وبنوا المساجد وعمروا الأسواق وشقوا الخطارات بحثا عن الماء في مجاهل الأرض وبطون الجبال، بنوا الأسوار الضخمة والأبراج الشامخة فحصنوا بها المدن وأسسوا المدارس القرآنية والعلمية بفضل سواعد الشباب المتعاون، فهلا نحاسب أنفسنا أيها الشباب فنقارن بين شبابنا في القديم وشبابنا في العصر الحاضر.

أما دور الشباب في المجال الروحي والخلقي فدور خطير وهذا الدور يستمد جذوره من سنة نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، فقد روي عنه أنه قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف  الله، ورجل تصدق فأخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفقه يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه )[17]، وانطلاقا من هذا الحديث نرى أن أول رسالة روحية وأخلاقية تنتظر الشباب المسلم هي أن يقوم الشاب بدراسة الإسلام والرجوع إلى التراث الإسلامي فلا يعتمد في دراسته على ما قال الغرب عنا، بل عليه أن يعود إلى مؤلفاتنا وكتبنا التي تشكل عماد نهضتنا وخزائن سلوكنا وعاداتنا القيمة وليس علينا أن نغوص فيما قاله أعداء الإسلام، بل ينبغي أن يتربى الشاب المسلم من معين حضارته وعمارة أفكار المسلمين من العلماء الأتقياء من بني جنسه ثم يمحص ما قالوا، وينتقد ما كتبوا بعد التحقيق والبحث. وعلى الشاب بعد الدراسة أن يأخذ على نفسه رسالة التبليغ فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويبتعد عن سلوكيات المغرضين الذين لا يريدون للإسلام خيرا، فيعملون على هدم أهم مبادئ الإسلام ألا وهو مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ديننا أيها الإخوة الشباب مبني على التناصح فلا خير في أمة لا يتناصح أبناؤها، وبعد تفهم ديننا بالرجوع إلى ينابيعه الصافية على الشباب أن يحرصوا على الدعوة إليه بالتي هي أحسن وبدون عنف ولا تطرف ولا استحواذ بالرأي، لأن الإسلام دين الحوار، دين احترام الآراء ما دامت الآراء المختلفة لا تمس صميم العقيدة وأصولها، أما الاختلاف في الوسائل والطرق وفي الفروع، فذلك ما أغنى علوم الإسلام عن طريق الاجتهاد، والاجتهاد مطلوب في ديننا الحنيف. فقد بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، معاذ بن جبل إلى اليمن قاضيا فأوصاه ثم سأله” بم تقضي يا معاذ. فأجاب قائلا: بكتاب الله، قال الرسول: فإن لم تجد في كتاب الله قال معاذ: أقضي بسنة رسوله، قال الرسول: فإن لم تجد في سنة رسوله، قال معاذ: أجتهد رأيي لا ألو فهلل وجه الرسول وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله”.

ومن رسالة الشباب في المجال الروحي، التعريف بمبادئ الإسلام القويمة ودعوة الأجانب إلى التعرف على الإسلام وأحكامه وتوضيح علل وأحكام الإسلام التي يتخذها الأعداء ذريعة للطعن في ديننا كمسألة الإرث والطلاق وولاية المرأة وغير ذلك. ومن هذه المهام الخطيرة كان لابد من الحصول على نصيب وافر من الثقافة الدينية حتى يتمكن الشباب من مواجهة المغرضين والوقوف أمام المبشرين الحاقدين على ديننا الحنيف، فديننا زاخر وحضارتنا مورد أساسي من موارد الحضارة الغربية والحضارة الإنسانية حضارة مستمرة مسترسلة لا تنخذل بتقهقر الشعوب بل تتسلمها الأمم فيما بينها، والبقاء لمن تحمل وعمل واعتصم، ورسالة الشباب تفرض عليهم الاستقامة والتحمل والصبر، لأن الشباب الذي يصدم إذا فشل في الحصول على عمل ما، أو ينخذل لأنه فتح عينه على واقع مر، كان لا يتوقعه، مثل هذا العنصر ليس من الشباب في شيء لأن الشباب هو الذي تقوى عزيمته على كل المثبطات ويقتحم بحزم كل العراقيل والحواجز، فلا يثنيه عدم حصوله على ما كان يصبو إليه من الشواهد أو ما كان يرسمه لنفسه في طموح من المراتب، على الشباب أن يبتعد عن الخمول والجمود فيشارك ويجالس ويشاور ويحاور حتى لا يقف في وسط الطريق أو أولها.

والشباب له دور وطني ينبغي القيام به وهو التشبث بقيم بلاده، ومدارسة تاريخها وعاداتها وتقاليدها السليمة البريئة فيأخذ بها، حتى يكون متميزا يعرف له أصل ويعتز بأمجاد وطنه لأن الحكمة تقول: ” حب الأوطان من الإيمان”.

ودوره الوطني لا يمنعه ولا يجعله يعترض رسالته نحو وطنه الكبير الوطن العربي، ولا نحو وطنه الأكبر الوطن الإسلامي، ولا نحو العالم كله باعتباره جزءا من ساكني هذا الكون، يسره ما يسرهم ويسوءه ما يسوؤهم، فكما عليه أن يؤدي دوره نحو المغرب عليه أن يكافح ويناضل من أجل تحقيق الرفاهية لأبناء الأمة العربية والإسلامية وللإنسانية جمعاء.

مخاطر الطريق

هناك كثير من المشكلات تؤدي إلى معاناة الشباب من الأزمات والأمراض النفسية والعقلية والجسمية والخلقية بالرغم من الرخاء المادي والتقدم العلمي والتكنولوجي، هؤلاء الشباب الذين يعانون الأزمات، نسبة كبيرة جدا لم ينجح العلم الحديث في تحقيق سعادتهم، ولم يجعلهم يحسون بالرضا أو التكيف مع المجتمعات التي يعيشون فيها. وهذه المشكلات تتعدد بتعددها العوامل والأسباب التي تؤدي إلى نشأتها، وقبل الحديث عن هذه العوامل لا بد من استعراض بعض المشاكل الهامة التي تقف في طريق الشباب والتي تؤثر تأثيرا سلبيا بليغا في متابعة الطريق إلى البناء واشتراك الشباب لتطوير البلاد وخدمة المجتمع قصد توجيهه نحو التقدم والازدهار.

وأول هذه المشكلات الشعور بالتوتر والقلق الذي يفقده الأمن والاطمئنان والثورة لأتفه الأسباب.

ـ الفشل والإحباط وفقدان الثقة بالنفس ثم السخط والضجر على المجتمع والتمرد على سلطة الوالدين والرغبة في التحرر.

ـ انخفاض الروح المعنوية والشعور بالحزن والاكتئاب وانكسار النفس والأرق الدائم وعدم النوم الهادئ.

ـ الاتصاف بروح التدمير وتدني الأخلاق وعدم احترام القيم كالإكثار من التدخين وتعاطي المخدرات والمسكرات والسقوط في مهاوي الدعارة والمجون والفسوق.

القسوة والعنف 

ـ  الإخفاق في المسار الدراسي والفشل في الحصول على المهنة ومشكلة الزواج.

ـ وأخيرا تعارض الأهداف الطموحة مع واقع المجتمع كالرغبة في التوظيف والتطلع إلى الاستمرار في الدراسة، والرغبة في الزواج قبل الحصول على العمل، هذه جملة من المشاكل ترجع إلى أسباب متنوعة أهمها ارتفاع مستوى الطموح لدى الشباب فوق قدرتهم ومؤهلاتهم، وسرعة التغيير التكنولوجي بما يفوق سرعة التغيير من القيم والمعايير الخلقية، وذلك كانتشار المخترعات الكبرى قبل الوصول إلى ما ينظمها من الأخلاقيات والقيم، ومن أهم الأسباب البعد عن حظيرة الإيمان وعن المبادئ الخلقية والعقيدة الدينية.

ـ خطأ المجتمع والأسرة في التعامل مع الشباب والنظر إليهم نظرة الأطفال الذين ليس لهم حق في الرأي ولا يحق لهم الاستقلال بشخصيتهم.

وانتشار الإيديولوجيات والمفاهيم المختلفة عن القيم والأخلاق وسرعة انتشارها عن طريق وسائل الإعلام من كتب ومجلات وإذاعات وتلفزيون وفيديو مع ضعف أجهزة الرعاية الخارجية للإسلام أو انعدامها، وهناك أخيرا خلافات علمية ومذهبية حفرت فجوات عميقة بين المسلمين وقطعتهم في الأرض أمما متدابرة وهم في واقع أمرهم وطبيعة دينهم أمة واحدة[18].

فما هو العلاج؟

فبنظرة سريعة إلى هذه المشكلات الشائكة وإلى أسبابها نجد أن الشباب يقف في فوهة بركان، أو كما يقول المثل فريسة بين مخالب الأسد، تحفه مخاطر جمة وتحيط به عقبات كأداء ومنعرجات شائكة تحتاج إلى من يزيلها من حوالي الشباب العربي المسلم حتى يتمكن من أن يسلك طريقه القويم ويصير آلة للبناء لا معولا للهدم، وفي رأيي فإن هذه الطريق الشائكة لا يمكن لأحد أن يدعي أنه قادر على إصلاحها وإزالة ما فيها من الشوائب والأخطار وما يكتنفها من القاذورات والأوحال، إلا عن طريق التعاون، تعاون الأسرة والمجتمع والدولة وكل الفعاليات المهمة بشؤون الشباب، وتبقى للشباب نفسه كلمته في الموضوع فقد قيل ما حك جلدك مثل ظفرك، ولن يستطيع الشباب القيام بهذه المهمة الخطيرة إلا إذا استغل كل إمكانياته المتاحة والمتوفرة لديه، إمكانيات هائلة يتمثل أعلاها وأولها في عزيمة الشباب وقوة شكيمته وعناده وقدرته على خلق المعجزات وصبره وثباته ويقينه وعقيدته الراسخة، فالعقيدة الصحيحة أيها الشباب هي المشعل الذي يمكنكم به إنارة الطريق، وهي الشعلة التي لا تنطفئ متى أوقدها صاحبها وزودها بكل ما تحتاج من فتيل وغذاء.

والاستعمار، أيها الإخوة الأماجد من الشباب، عندما أراد أن يستولي على البلاد الإسلامية كان معوله الأساسي يعمل من أجل هدم العقيدة وطمس الهوية والقضاء على لغة القرآن ومعتقدات الإيمان، ولنستمع أيها الشباب إلى أحد دهاقنة الاستعمار الفرنسي الأستاذ أكوست برنار أستاذ بكلية الآداب في الجزائر يلقي محاضرة بباريس سنة 27 يقول فيها: “نعم ليس من شك أن الإسلام هو العقبة الكبرى في طريق التقارب بيننا وبين الأفارقة، إن جيراننا في إفريقيا، يقصد الدول الاستعمارية الأخرى، لم يسهلوا دائما، عملنا الصعب كما كنا نأمل، ومع ذلك ففي وجه الإسلام كل الدول الأوروبية متضامنة”.

ثم تساءل ما هي الغاية القصوى التي نريد الوصول إليها في إفريقيا الشمالية؟ إن غايتنا القصوى هي تأسيس فرنسا ما وراء البحار حيث تخلد لغتنا وتبقى حضارتنا، وبكلمة مختصرة غايتنا فرنسا الأهالي.. لذا يلزم جعل الأفارقة مضطرين أن يتكلموا لغتنا وأن يقلدونا في مناهجنا وأفكارنا وأن يندمجوا شيئا فشيئا فينا”[19]، ومن هنا وحتى نحمي عقيدتنا من أن تنالها نوايا الأعداء، أعداء الإسلام، جاءت حتمية تمسك “شبابنا” بمناهج الإسلام كمنجد شامل قويم في تربية النفوس…وعلى شبابنا أن لا يقلد الغرب في أخلاقه وسلوكه ومظاهر الغواية فيه، فإن أردنا الإفادة من الغرب فلنعمل على تحصيل ما عنده من العلوم والتكنولوجيا وطرق البحث السليمة والثقافة الإنسانية التي لا تضر بمبادئنا وسلوكنا.

وعلى الشباب أن يحمل لواء الإصلاح بالرجوع إلى الشريعة الإسلامية والعمل بمقتضاها ويتصدى لدعوة وسائل الإعلام لترجع إلى سلوكيات الإسلام فتمتنع من تقديم ما يضر بالمجتمع دينيا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا، وينبغي كذلك لمعالجة مشاكل الشباب أن يتشبث هؤلاء بمبادئ الحوار مع الأسرة والمجتمع ومنظماته محترمين شروط الحوار، عاملين على درء مخاطر الانحراف والتحلي بصفات الصبر، ومجاهدة النفس ونبذ أسباب الإحباط والوقوع في مهاوي الرذيلة والفساد والمجون.

ثم على الشباب أن يحرصوا على تقديم مشاكلهم لدراستها مشكلة مشكلة مع من يعنيه أمر هذه المشاكل من فئات المجتمع ومكوناته كالأسرة والمدرسة والإدارة ومنظمات الشباب وغيرها، وبعد هذه الكلمة عن رسالة الشباب أردت أن أشارك بها مشاركة متواضعة في رسم طريق لشبابنا المعاصر عسى أن أكون قد أديت بعض ما علي من واجب الإرشاد والتوجيه سائلين الله تعالى أن يهدينا سواء السبيل.

الهوامش


1. إبراهيم عيسى العدد 279 من الوعي الإسلامي الكويتية، نونبر 87.

2. محمد المكي الناصري مع الشباب، مطبعة الأنباء 1991، ص11.

3. مجد الدين محمد الفيروزآبادي ج 2 ش مصطفى البابي مصر 1952، ص88.

4. محمد فريد وجدي ـ دائرة معارف القرن العشرين المجلد 5، بيروت: دار المعرفة، ط3، ص361.

5. محمد المكي الناصري مع الشباب، مطبعة الأنباء 1991، ص18.

6. ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، المجلد 7، دار الفكر، ص249.

7. عبد الرحمان العمراني الإدريسي مجلة كلية الشريعة، العدد 15 يونيو 84، فاس، ص15.

8. المصدر نفسه.

9. اختلف المؤرخون في سن أسامة عندما ولاه الرسول، صلى الله عليه وسلم، قيادة الجيش فقد أورد الأستاذ عبد الرحمان العمراني الإدريسي في مجلة كلية الشريعة العدد 15 يونيو 84، ص18 أن أسامة لم يكن يتجاوز السابعة عشر من عمره، وقال محمد رضا في كتابه رسول الله أن أسامة كان وقت بعثه في العشرين.

10. محمد العفيفي مجلة الوعي الإسلامي عدد 297، أبريل 1989، الكويت، ص95.

11. عبد الرحمان العمراني الإدريسي، مجلة كلية الشريعة الإسلامية والشباب، العدد 15 يونيو 84، فاس، ص18.

12. الإمام مسلم الجامع الصحيح، ج 8، دار الفكر، ص20.

13. إبراهيم عيسى دور الشباب المسلم مجلة الوعي الإسلامي العدد 279 نونبر 87، ص65 الكويت، ص65.

14. الشيخ محمد المكي الناصري مع الشباب، ص61-62، مطبعة الأنباء 1991 الرباط.

15. المرجع السابق.

16. إبراهيم عيسى دور الشباب المسلم مجلة الوعي الإسلامي العدد 279 نونبر 87، الكويت، ص63.

17. ابن حجر العسقلاني فتح الباري المجلد 2، دار الفكر، ص143.

18. خالد محمد خالد، رجال حول الرسول، صلى الله عليه وسلم، بيروت: دار الفكر، ص136.

19. محمد المكي الناصري مع الشباب، مطبعة الأنباء 1991 الرباط، ص106.

Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق