مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

النص بين المتكلم الأول والنَّظَرِ المستأنَفِ

النصوص القديمة ثابتة، ذهب أهلها، ولا سبيل إلى الزيادة فيها، ولا النقص منها، وغاية ما يمكن أن يكون من جهة النظر التوثيقي إثبات صحة نص، أو نفي صحته، أو نفي صحة جزء منه.

        وأما النظر فمتجدد متحول، كاشف عن سمات الناظر أكثر مما هو كاشف عن سمات النص، أو عن مراد المتكلم الأول وهو نافع في معرفة تحول الأنظار، وطرق ذلك، وجهات الالتفات التي تتغير بتغيرها، أكثر مما هو نافع في معرفة النص نفسه، فإن هذه المعرفة عند المتقدم في الزمان أقوى مما هي عند المتأخر وأجدى لقرب زمان الأول من زمان المتكلم، ولأنه أعرف بسياق النص، وزمانه، ولغته، وطبائع المتلقين الأُول، وجهات أغراضهم، وما أخفوه من معان على سبيل الإشارة، أو التضمين، مما لا يدرك إلا بمعرفة أحوالهم، وجهات تلك الأحوال على اختلافها، وتعددها، وتعلقها بالأمكنة، والمواضعات، وما إليهما مما لا يدرك إلا بالمعاصرة أو القرب من زمانها.

        فيكون درس عمل الناظر وأدواته ومناهجه أقوى لذلك، هنا، من درس عمل المتكلم الأول الذي أدار الناظر كلامه حول كلامه، وأجرى أدواته على متنه. ويدخل في ذلك الاختيار، أي اختيار النصوص التي يراها الناظر نموذجا أعلى لإدارة كلامه حولها. فإن الاختيار تابع أيضا للتغير الواقع في النظر المتجدد، وفرعُ الأدوات المستحدثة، والمناهج المبتكرة. ومن الاختيار أيضا ما يقع من اختيار الأدوات الفاحصة، واستعمال بعضها دون غيرها، وإسقاط بعض ما كان مستعملا، وإحياء ما كان مهملا، وإكمال ما كان ناقصا، ونحو ذلك.

        فيكون موضوع البحث والنظر هنا متعلقا بأمرين:

الأول: بالمتن.

والثاني: بالأدوات والمناهج.

وكلاهما مما له عُلْقَةٌ بالناظر خاصة قبل المتكلم.

ويكشف عن كل هذا، مما يتعلق بالنص والأدوات، المصطلحاتُ المستعملة، والمفاهيمُ التي تدلُّ عليها تلك المصطلحات. فإن اختلاف المصطلحات وتغيرَها كاشفٌ أَوَّلُ عما تحتها من تغير واقع في النظر والفهم.

Science

الدكتور محمد الحافظ الروسي

  • رئيس مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق