الرابطة المحمدية للعلماء

اللغة العربية وتحديات التكنولوجيا الحديثة على مستوى الانترنت

الدعوة إلى إيجاد صناعة عربية للمحتوى الرقمي من خلال تقوية البنيات التحتية المعلوماتية بما يتلاءم والخصوصيات اللغوية والحضارية العربية

بدعوة من مركز الدراسات المتقدمة للعالم العربي بجامعة درهم Durham البريطانية ومؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات بتونس، تم أيام 9 و10 و11 ديسمبر 2010 عقد المؤتمر الثاني والثلاثين لمنتدى الفكر المعاصر حول : “اللغة العربية وتحديات التكنولوجيا الحديثة على مستوى الانترنت”

وقد افتتح المؤتمر بكلمة الأستاذ عبد الجليل التميمي بالعربية، ثم كلمة د. أنيسة داودي من مركز الدراسات المتقدمة للعالم العربي بالإنجليزية، ثم كلمة سفير المملكة المتحدة المستعرب كريستوفر أكنورChristopher O’Connor ، والتي ألقاها بالعربية تقديرا منه لهذا الجمع من الأساتذة والخبراء المتخصصين والذين وفدوا من الدول التالية : الأردن، الإمارات العربية المتحدة، بريطانيا، تونس، الجزائر، روسيا، سوريا، سربيا، قطر، المغرب، فرنسا، مصر، والمملكة العربية السعودية. كما حضر افتتاح المؤتمر الباحث والخبير الثقافي السيد أنور حبيبي من رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية الإيرانية، وكان الحضور مكثفا من عدد من وسائل الإعلام المحلية والعربية.

وخلال ثماني جلسات علمية قدمت 22 محاضرة تناولت وبعمق مواضيع متعددة، ابتداء من الأهمية التاريخية والحضارية للغة الضاد، ومرورا بالإشكالات والفجوات التي تجابهها في العصر الرقمي، ووصولا إلى إمكانيات وآليات تجاوزها ونوجزها فيما يلي :

1.    الأهمية التاريخية والحضارية للغة الضاد
يبرز العمق التاريخي والارتباط العضوي للغة العربية مع اللغات والحضارات الأخرى الدلالات كما الأبعاد الجيو-استراتيجية لهذه اللغة. فقد أجمع الحاضرون على أن اللغة العربية :
–    تعد مكونا ووسيطا أساسيا لنقل المحمول الثقافي العربي- الإسلامي الذي أغنى الإنسانية بعطاءاته الفكرية لما يتعدى الثمانية قرون؛
–    تلعب دورا أساسيا كوسيط لنقل محمول ثقافات أخري لأقوام غير عرب، دون الحديث عن الثقافات التي دون محمولها، على مدى قرون من الزمن، بالخط العربي؛
–    تكون لحمة بين 22 دولة ( أكثر من 357  مليون نسمة) بصفتها لغتهم الرسمية؛ وبين ما يقرب من المليار ونصف نسمة من المسلمين عبر العالم بصفتها لغة القرآن الكريم ؛
–    ترتبط بلغات وثقافات أخرى، حيث يجاور العالم العربي أو يتفاعل في أطرافه القصية مع لغات متعددة، بما فيها لغات المستعمر القديم (الإنجليزية بالنسبة لدول المشرق، والفرنسية بالنسبة لدول المغرب)؛
–    تحتل مكانة متنامية كلغة للإعلام الدولية الواسعة الانتشار من خلال الإرسال العربي والذي ما فتئ يعزز  بفضائيات أجنبية ناطقة باللغة العربية؛
–    تحتل مكانة متنامية من حيث الوجود والاستعمال على الإنترنت؛ حيث تصنف كسابع أو ثامن لغة من بين اللغات العالمية الهامة.
وإذا كان دخول الإنترنت على الخط قد عزز من هذه الدلالات والأبعاد؛ حيث قوى من إمكانيات تواصل اللغة العربية وتفاعلها مع اللغات والثقافات الأخرى، فإنه قد أحدث إشكاليات جديدة وأماط اللثام عن فجوات أسست لنقاشات مطولة وهامة خلال المؤتمر.
2.    الإشكالات والفجوات التي تجابهها اللغة العربية على الإنترنت

توقف المؤتمرون على بعض الإشكاليات البحثية الساخنة والمتعلقة بفجوات اللغة العربية، وقد خلصوا إلى أن وضعها اليوم ضعيف؛ فإذا كان رسم خارطة واقعها يكشف عن أهميتها من حيث الوجود والاستعمال على النت، كما سبقت الإشارة، فإن هذا الوجود يظل كميا، حيث لاحظ الجميع أن هذه اللغة تتعرض لمعوقات متعددة تقف حجر عثرة في طريق بلوغها مجتمع المعرفة، وهي ناجمة في أغلبها عن :
–    منافسة الثقافات واللغات والمنظومات المعلوماتية الأخرى؛
–    التزايد الكبير في عدد العلوم والتكنولوجيات التطبيقية المعولمة، والتي لا تجد لها في أغلب الأحيان مكانا على الخارطة المعرفية العربية؛
–    تنامي المصطلحات المرتبطة بهذه العلوم والتكنولوجيات، والتي غالبا ما لا تجد لها مقابلات في اللغة العربية؛
–    القضايا الإيديولوجية المرتبطة باللغة : الازدواجية (العربية/الأمازيغية، العربية/الكردية، الفصحى/العامية، العربية/الفرنسية، العربية/ الإنجليزية)، تعريب/تعجيم التعليم، تغيير كتابة الأبجدية العربية باللاتينية، إلخ.؛
–    عدم اكتمال البنى التحتية الاتصالاتية والحاسوبية : والتي تظهر على شكل عراقيل تواجه المستعمل العربي إن على صعيد البث أو البحث أو الاتصال ؛
–    قضايا حوسبة ورقمنة اللغة العربية : المعالجة الآلية للغة الطبيعية وتطبيقاتها، التكشيف الآلي، الترجمة الآلية، المسح الضوئي OCR، محركات البحث إلخ ؛
–    ضعف المحتوى الرقمي العربي: حيث لا يتجاوز الإنتاج العربي واحد ونصف بالمائة 1.5% من الإنتاج الفكري العالمي ثم إن هذا الإنتاج لم يجمع ويعالج ويرقم بعد. وتبقى محاولات مكتبة الأسكندرية وصخر وغيرهما لا تلبي الاستحقاقات العلمية الأساسية وهذا بسبب غياب أو ضعف حل إشكاليات الحوسبة والمسح الضوئي ومحركات البحث ؛
–    التحدي التواصلي الجديد: ذلك أن الكتابة التي فرضتها الحاجة للتواصل عبر المواقع الإلكترونية الاجتماعية (والحديث هنا لا يخص المواقع الرسمية والأكاديمية التي تستعمل اللغة الفصيحة)، وكذا البحث عن أسهل الطرق لإيصال الرسالة للمتلقي، قد أديا إلى استعمال اللغة المحكية -المغايرة بنيويا وإملائيا ونحويا للغة الفصيحة- وإلى استخدام الحروف اللاتينية والصور والأرقام، إلخ لاستكمال محتوى الرسالة ؛
–    ضعف التشريعات الخاصة بحقوق التأليف والنشر والترقيم وانعدام تطبيق المتواجدة منها.
3.    إمكانيات وآليات تجاوز فجوات اللغة العربية

في مواجهة كل ذلك، وعملا على الرفع من مستوى تواجد اللغة العربية على النت وعلى الاندماج في المحيط الجغراسياسي والاقتصادي لمجتمع المعلومات والمعرفة، عزز المؤتمر برصيد مهم جدا من الأفكار والتحاليل والمشاريع ذات النفس الاجتهادي. وفي هذا الإطار أصر المشاركون في المؤتمر على التأكيد على :
–    أن اللغة العربية أساس الثقافة العربية وعمادها، وعلى أن قضيتها هي قضية أمن قومي. وهو ما يدعو إلى معالجة أوضاعها واتخاذ القرارات الكفيلة بالحفاظ عليها وتطويرها، وتحقيق استخدامها الشامل، وغرس الاعتزاز بها وجعلها في صدارة الاهتمامات الوطنية والقومية، بما في ذلك القمة الثقافية المرتقبة؛
–    ضرورة الرفع من إمكانياتها التنافسية من خلال :
–    تقوية المرجعية العلمية العربية: وذلك عبر تمثل العلوم والتطبيقات وإدماجها في لخارطة المعرفية للمنطقة ؛
–    مواجهة الفجوة المعجمية العربية: بما فيها أزمة الموسوعات ودوائر المعارف على الإنترنت؛
–    حل قضايا البنى التحتية الاتصالاتية والحاسوبية و إشكاليات رقمنة اللغة العربية: بما في ذلك قضايا البرمجيات، والتكشيف والترجمة الآليين، والمسح الضوئي OCR، ومحركات البحث، وأسماء النطاقات، إلخ ؛
–    إيجاد صناعة عربية للمحتوى الرقمي: من خلال تقوية البنيات التحتية المعلوماتية والاتصالاتية وفرض احتياجات المنطقة على مصنعي الأجهزة والبرمجيات، بما يتلاءم والخصوصيات اللغوية والحضارية العربية، ومواجهة النقص الحاصل في الأطر المتخصصة في إنتاج المحتوى، وفي شح الموارد، و كذا النقص الحاصل في التعاون بين الدول العربية، الخ ؛
–    تأسيس قاعدة رقمية عربية ثلاثية الأبعاد:  تتشكل من ثلاث بوابات:
–    بوابة التعليم الرقمي العربي
–    بوابة البنى التحتية الرقمية العربية ومكتبتها الرقمية
–    بوابة حملة الترجمة العربية الحديثة
–    تلافى الضعف المزدوج لحاملي اللغة العربية: عن طريق إصلاح التعليم ومراجعة مناهجه وبيداغوجيته من جهة،  ودعوة الدول العربية إلى سن تشريع لغوي ملزم ووضع مخططات لغوية تعطي الصدارة للغة العربية، باعتبارها لغة الهوية والحضارة والتنمية والأمن القومي، وتنظيم علاقاتها باللغات الأخرى الضرورية من جهة أخرى ؛
–    التصدي للتحدي التواصلي الجديد : عن طريق فهم الظاهرة اللغوية الجديدة للإنترنت، واستيعاب جوانبها الحداثية وتلافي جوانبها السلبية حتى لا تحل اللغة الجديدة بنواقصها في المستقبل محل الصيغة الكتابية للعربية الفصيحة ؛
–    تكثيف مبادرات مثل هذه اللقاءات العلمية الهادفة حفاظا ودفاعا على سلامة لغتنا اليوم وغدا.
هذا وقد خصص المشاركون جلسة حوار مفتوح تناولت عددا متزايدا من المسائل ذات العلاقة المباشرة بالإنترنت. وقد اكتسى هذا الحوار أهمية علمية، وكان واقعا وحقيقة حوارا ثريا جدا تقاطعت وتكاملت فيه آراء واستشرافات المشاركين بكل حرية تعبير وساد فيه الانسجام والتوافق واحترام الآراء بين كل المشاركين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق