مركز الدراسات القرآنية

من قضايا ترجمة معاني القرآن الكريم

 

في إطار أنشطته العلمية والفكرية، نظم مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء الحلقة الثالثة من حلقات “منتدى الدراسات القرآنية” بمحاضرة علمية في موضوع: “من قضايا ترجمة معاني القرآن الكريم: ترجمة ألبر كازيمرسكي أنموذجا”، ألقاها فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد نصري، رئيس شعبة الدراسات الإسلامية، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة الحسن الثاني، المحمدية.

 وكان موضوع هذه الحلقة متمما لسابقتها الأولى التي كان موضوع محاضرتها: “الدراسات الاستشراقية للقرآن الكريم: الواقع والآفاق “، وقد تم ذلك يوم الخميس 28 نونبر 2013م، ابتداء من الساعة الثانية بعد الزوال بمقر المركز، وفيما يلي  تقريرا عما جاء في ثنايا كلمته:

أول ما استهل به بيانه الهدف من عملية الترجمة وفيه يقول: «إن الهدف من الترجمة بين اللغات المختلفة هو مد جسور التواصل بين الثقافات العالمية، حيث قامت الترجمة بدور فعال في تعريف الشعوب بحضارات الآخرين، والوقوف على ما انتهى إليه الإبداع الإنساني في كل المجالات.

ولا شك أن تحقيق هذا الهدف يحتم على المترجم نقل أفكار الآخرين ونصوصهم بكل دقة وأمانة، وموضوعية كاملة سواء اتفق المترجم مع أفكار المترجم له أو اختلف معه» انتهى. وهذا أجده تصديرا مهما لأجل الوقوف على الترجمة المنصفة، الذات المصداقية من غيرها، وهو بمثابة مقياس كما قال.

وانطلاقا من اختياره للموضوع الموسوم بـ “من قضايا ترجمة معاني القرآن الكريم ـ ترجمة كازميرسكي أنموذجا” دشن حقيقة مفادها أن ترجمة النصوص الدينية أكبر عائق نحو تواصل حقيقي بين الشعوب، مسندها حسب رأيه إلى الحقائق التالية: «أولا: المثبطات الثقافية والحضارية والسيكولوجية والإثنية والسوسولوجية. ثانيا: الإشكال اللساني. ثالثا: الإشكال المعجمي والدلالي والتركيبي والأسلوبي. رابعا: الإشكال الهيرمينوطيقي  الذي يقف حاجزا أمام نقل المعنى الصحيح». واعتبر أن هذه الإشكالات هي التي أفضت بالمترجمين إلى اللجوء إلى استراتيجيات تأويل المعنى وتعتيمه.

وقد وقف على العديد من نماذج الإخلال في ترجمات القرآن الكريم، والتي عمل على إبراز أهم معالمها ونماذجها في ترجمة كازميرسكي للقرآن الكريم. مبتدأ عرضه بتعريف مقتضب حول هذه الترجمة وفي يلي نصه: «وقبل هذا وذاك، يجب أن نتعرف على ترجمة كازمرسكي التي ظهرت إلى الوجود في سنة 1840م، تعتبر مقارنة مع ترجمة سافاري، أكثر عراقة واستعمالا، رغم عوزها بعض الأمانة العلمية وفهم البلاغة العربية، يقول مونتيه: “لا يسعنا إلا الثناء عليها، فهي منتشرة كثيرا في الدول الناطقة بالفرنسية”، والشاهد على ذلك تعدد طبعاتها..» مع إشارته أن هنالك طبعة أخرى قُدّم لها بمقدمة تناول فيها تاريخ القرآن وترجماته، وأن هذه الترجمة مليئة بالشبهات والأباطيل عن سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومصدرية القرآن، وكيفية انتشار الإسلام، وذكره أن الهدف من ذلك هو إبعاد كل مهتم بمعرفة القرآن الكريم معرفة صحيحة بتشويش ذهنه بتلك الافتراءات والأكاذيب، حيث يتولد لديه إحساس بعدم جدية هذا القرآن وتفضيله الإنصراف عنه دون متابعة ما جاء فيه من تشريعات وعقائد.. وهكذا يتحقق الهدف المتوخى حسب تعبيره.

كما أوضح أن ترجمة أسماء السور أفقدها معناها الحقيقي وسمتها المميزة، طارحا بعض الأمثلة وعنها يقول: «أبدأ بسورة الفاتحة التي يسميها السورة الأولى: sourate première ولكنها في الحقيقة ليست السورة الأولى التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم.

سورة البقرة تسمى génisse  عنده يعني البقرة الصغيرة أي العجلة.

سورة الأنعام bétail يسميها يعني الماشية». وهكذا مما يدل دلالة واضحة على تحريف المعنى، ويبدي أن كازميرسكي أطلق هذه الأسماء من غير إدراك لمعناها، متسائلا عن ما هي المقاييس التي اعتمدها في ترجمته.
وألمح إلى ملاحظة دقيقة ذات طابع شكلي ـ كما صنفها الأستاذ أحمد نصري ـ لكنها مهمة وتتعلق بترتيب الآيات في ترجمة كازميرسكي، على أن ترتيب بعض الآيات في الترجمة لا يتوافق مع ترتيبها في المصحف وأمثلة ذلك كثيرة.

إلى حين وقوفه عند المحطة المركزية من هذه الورقة والفقرة الرئيسة في محاضرته وهي قضية التأويل في ترجمة كازميرسكي، واضعا لكل صنف من تلك التأويلات نموذجا مفصحا عن تحريفاته للمعنى الصحيح، نقتصر على سرد الصنف مع نموذجه دون باقي النماذج الأخرى مراعاة للاختصار. وفيما يلي ذلك:

1- زيادة بعض الألفاظ التي تناقض المعنى المراد من النص: وفيه يقول: «لقد أضاف كازميرسكي في ترجمة خاتمة الآية (15) « les prophètes menteurs » مع أن خاتمة الآية: الأصلية ﴿بما كانوا يكذبون﴾، ولا شك أن في هذا التصرف خروجا عن منطق النص القرآني» انتهى.

2- اضطراب الزمن (الماضي، والحاضر، والمستقبل) وأثره في توجيه النص.

3- عدم إظهار وجه الإعجاز في النص القرآني: وفيه يقول: «مثال ذلك قوله تعالى: ﴿وحملناه على ذات ألواح ودسر﴾. وجاء في نص ترجمة كازميرسكي :noé dans une arche construite de planches jointes avec des clous ».  « nous emportâmes

ترجمتها إلى اللغة العربية: «حملنا نوحا داخل سفينة مصنوعة من ألواح مثبتة بالمسامير». فرغم أن هذه الترجمة سلمت من الأخطاء اللغوية لكن لم تثبت الإعجاز الموجود في الآية…، يقول سيد قطب في الظلال: “وظاهر من العبارة تفخيم السفينة وتعظيم أمرها، فهي ذات ألواح ودسر توصف ولا تذكر لفخامتها وقيمتها”» انتهى.

4- عدم إظهار المعنى المجازي للنص القرآني:

5- عدم الاهتمام ببلاغة النص القرآني: وعنه يقول الدكتور أحمد نصري: «مثال ذلك قوله تعالى: ﴿وجعلنا الليل لباسا﴾. وترجمتها عند كازميرسكي: « nous vous avons donné la nuit pour vous envelopper »  

وترجمة كلامه بالعربية هو: “نحن أعطينا لكم الليل لكي تلحفو/ تغطوا/ تلفوا”. حيث لم يعرف كازميرسكي أن في هذه الآية استعارة وبالتالي ترجم كل مفردات الآية ترجمة حرفية مما أخل كثرا بالمعنى…» انتهى.

6-  تحريف معنى النص القرآني:

7- تقييد النص القرآني وغياب انفتاحه على احتمالات أخرى تضيف غني لمعنى الآية

8- عدم مراعاة ظاهرة التأخير والتقديم في القرآن: ففي قوله تعالى ﴿خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها﴾ ترجمة كازميرسكي لـ: ﴿من أموالهم صدقة﴾ بـ: «reçois une aumône de leurs biens » أي تلق الصدقة من أموالهم” وهذا غير وجيه في التركيب العربي للجملة؛ لأنه يترتب عليه تغيير المعنى ليصبح بحكم هذه الترجمة أن الصدقة هنا تطوع وليست فرضا…» انتهى.

9-  تغيير صيغ الألفاظ من الإفراد إلى الجمع.

10- قصر المعنى على بعض أجزاءه: وعنه يقول الأستاذ المحاضر: «كما فعل ترجمة معنى الراكب على ممتطي الفرس وهو غير وجيه لأن لفظ (ركبانا) جاء عاما في كل راكب فلا يجوز قصره على أي مركوب بعينه…».

11- عدم مراعاة حروف الربط مثل الفاء والواو عند الترجمة.

12- الإبهام في ترجمة بعض ألفاظ النص.

13- زيادات مخلة بالمعنى العام للنص.

14- أثر الحذف في التباس معنى النص.

15- استخدام ألفاظ عديدة للتعبير عن معنى لفظة واحدة في النص: وعنه يقول: «لقد استعمل كازميرسكي في ترجمته لقوله تعالى: ﴿أياما معدودات﴾ المركب من كلمتين فقط تسع كلمات وهي: « le jeûne ne durera qu’un nombre de jours détermine »  أي “لن يدوم الصيام إلا عددا محددا من الأيام”

16- سوء استهلال النص وأثره في تحديد المعنى المراد.

17- تحريف معاني ألفاظ النص.

18- التلاعب بألفاظ القرآن التي تنتمي إلى الجذر الواحد والأسرة الواحدة.

19- اعتماد الهوامش بغية التشويش على النص.

هذه جملة من التأويلات المشوبة بالشبه، والتحريف الوارد في نص ترجمة كازميرسكي، وفي نهاية هذا السرد المعدّد لتلك الشبه والانحرافات يحدثنا الأستاذ المحاضر عنها ـ أي ترجمة كازميرسكي ـ بقوله: «…إنها ترجمة لا تقول لقارئها شيئا، رغم تلك الحرفية، وتلك الأمانة فيها إلى حد ما؛ لأنه لا يمكن للغة الفرنسية أن تلم بكل المعاني التي يوحى بها النص القرآني..» انتهى. وهذه معضلة الترجمة. يلي ذلك حديثه عن إشكالات كبيرة تخللتها ترجمة كازميرسكي والتي أخلت بالمعنى السليم للنص، ذاكرا إياها على سبيل المثال لا الحصر وهي:

أولا: المثبطات الثقافية والحضارية والسيكولوجية والإثنية والسوسيولوجية.

ثانيا: الإشكال اللساني.

ثالثا: الإشكال المعجمي والدلالي والتركيبي والأسلوبي.

رابعا: الإشكال الهيرمينوطيقي الذي يقف حاجزا أمام نقل المعنى الصحيح. وعنها يقول: «ولعل هذه الإشكالات هي التي أفضت بالمترجم إلى اللجوء إلى استراتيجيات تأويل المعنى وتعتمه وهو ما يستدعي أن نأبه إليه لحظة المراجعة وإعادة النظر» انتهى.

 مع تعليقه أسباب الإخلال بالمعنى في ترجمات القرآن الكريم في الآتي:

 – التركيب والمعجم والدلالة والصوت.

 – غياب البناء الأسلوبي القرآني في الترجمة، وعني به التشبيه والإستعارة والكناية..

 – اللغة التي توسل بها المترجم في ترجمته للنص القرآني لا تسعف وتعجز في الكثير من المواضع أن تنقل المعنى وأن تفي بانسجام البناء النصي.

 – ترجمة اللفظ العربي بلفظ أقل ثراء في الفرنسية.

وأسباب أخرى لنكتفي بهذا القدر ولننقل ما خلص إليه في عرضه على أنه صار من الضروري تصنيف ترجمة صحيحة سليمة المعنى سليمة المقصد، لتحقق عالمية القرآن الكريم وكونيته المهيمنة، وإليكم نص كلامه: «وفي الختام، أقول: إن الضرورة تقتضي اليوم عدم حبس القرآن في الدوائر العربية، وتجريده من الأسلحة العالمية، وهي اللغات الحية، فوضع القيود غير المعقولة في مسألة نقل القرآن يقضي عليه بهزيمة منكرة تقع نتائجها علينا وعلى أعقابنا قرونا طويلة، ومعناه صده عن الجولان في الدورة الفكرية العالمية مع غيره من كتب الأديان السابقة. إن تعطيل القرآن عن الترجمة والزج به في معترك الأفهام إلى اليوم قضى عليه بألا يكسب أنصارا من الأمم الغربية فصار مقصورا على الأمم الشرقية التي رضيت أن يكون حظها من دينها كحظ الببغاء» انتهى.  

وقد تخللت طاولة هذه الحلقة نقاشا علميا وإضافات نوعية وتعقيبات رصينة أغنت موضوع الحلقة وأثرته، واعتبر هذا الأخير ـ موضوع الحلقة ـ درسا علميا عاما حول قضايا وإشكالات ترجمة معاني القرآن الكريم، ومقدمة بمثابة مفتاحا للغوص بتفاصيل وجزئيات هذا الموضوع الآني والهام.

وضمن هذا الإطار تدخل الدكتور محمد المنتار رئيس مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء متسائلا: ماذا يمكننا أن نترجم؟ فاتحا الباب على مصراعيه للاستشراف عمل علمي هادف ووظيفي.   

 

 

  
إعداد: ذ. طه الراضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق