مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية

ندوة تاريخ العلوم

يناير 5, 2012

الجلسة العلمية الأولى

تاريخ العلوم في الإسلام: مصادر ومشكلات

أ. د. رشدي راشد (جامعة باريس 7 ـ فرنسا)

La science arabe et le renouvellement de l’histoire des sciences

On se pose d’abord les questions suivantes : quand et où a-t-on commencé à étudier l’histoire des sciences arabes ? Pour ensuite analyser les représentations qu’en ont faites les historiens de l’apport scientifique arabe. On s’efforce ensuite de dégager les traits distinctifs de la science arabe dans la période classique, pour montrer comment la recherche en histoire des sciences arabes renouvelle le domaine de l’histoire des sciences en général. On prendra enfin des exemples en algèbre, en géométrie et en théorie des nombres pour illustrer ce renouvellement.

العلم العربي وتجديد تاريخ العلوم

سنبدأ أولا بطرح الأسئلة المتعلقة ببداية دراسة تاريخ العلوم العربية: متى وأين؟ لكي نحلل فيما بعد الكيفية التي تعامل بها المؤرخون مع الإسهام العلمي العربي. ثم نحاول استخراج العناصر المميزة للعلم العربي في المرحلة الكلاسيكية، لكي نبين كيف أن البحث في تاريخ العلوم العربية يجدد مجال تاريخ العلوم بصفة عامة. وسنستشهد في الأخير على هذا التجديد بنماذج من الجبر والهندسة ونظرية الأعداد.

أ. د. محمود الحمزة (معهد تاريخ العلوم والتكنولوجيا التابع لأكاديمية العلوم الروسية – موسكو)

حول دراسة المخطوطات الرياضية العربية والإسلامية في روسيا

بدأت دراسة المخطوطات العلمية في روسيا منذ حوالي 60 عاماً بالضبط وذلك مع نشر أول دراسة معمقة ليوشكيفيتش عن الجبر عند عمر الخيام (1948). ومن المعروف بأنه تأسست مدرسة كاملة سوفييتية لدراسة تاريخ الرياضيات العربية والإسلامية توزعت فروعها في مدينة موسكو ولينينغراد (سان بطرسبورغ حالياً) وقازان وطشقند وباكو ودوشنبيه وغيرها. وعمل العشرات من المختصين السوفييت في اللغات والعلوم الدقيقة على ترجمة مخطوطات عربية نادرة محفوظة في مكتبات تلك المدن في الرياضيات والفيزياء والطب والفلك والهندسة والصيدلة وغيرها.

وقد تم التركيز في روسيا على دراسة الرياضيات في المشرق العربي دون أي اهتمام برياضيات المغرب العربي والأندلس لأسباب تتعلق قبل كل شيء بندرة المخطوطات المغاربية والأندلسية في المكتبات الروسية. وكذلك لوجود احتكاك بين المستعربين الروس وبلدان المشرق العربي. وتدل الأبحاث المنشورة على غزارتهاوعمقها وموضوعيتها في تقييم الإسهام العلمي العربي والإسلامي في تقدم العلوم وتأثيرها في النهضة الأوروبية. وللأسف فإن هذه الأبحاث العلمية والنتائج القيمة التي توصل إليها هؤلاء المستعربون مجهولة عند القارئ العربي. كما نسلط الضوء في أعمالنا العلمية على إبراز تلك الصفحات المشرقة من تاريخ الاستعراب العلمي في روسيا.

أما دراسة الرياضيات في المغرب العربي والأندلس فقد بدأت لأول مرة في روسيا منذ 7 سنوات بالضبط على يد كاتب هذه السطور بالاشتراك مع الباحثة مريم روجانسكايا. وتمت ترجمة مخطوطة ابن البناء المراكشي مع تعليق تاريخي علمي مفصل حول محتوياتها وكذلك أنجزت ترجمات مع دراسات تاريخية ورياضية لأجزاء من مخطوطات الحصار وابن غازي الفاسي والقلصادي ويعيش الأموي وابن الهائم وابن الياسمين وغيرهم.

ومع ذلك فهناك جهد قيم ومثمر لمؤرخي العلوم الروس في دراسة الأعمال العلمية لعلماء عرب ومسلمين مثل الخوارزمي والبيروني وثابت ابن قرة وابن سينا وعمر  الخيام وعبد الرحمن الخازني ونصير الدين الطوسي وأبي كامل المصري وأبي الوفاء البوذجاني وجمشيد الكاشي وبهاء الدين العاملي وابن عراق وابن البغدادي وغيرهم الكثير.

وقد ركزنا بحثنا هذا على المسيرة العلمية للمستعربة الروسية الشهيرة غالينا ماتفييفسكايا (1930) كنموذج ساطع على دور المستعربين الروس في إحياء التراث العلمي العربي والإسلامي في القرون الوسطى.

فقد عملت ماتفييفسكايا مدة 30 عاماً في ترجمة ودراسة المخطوطات العلمية العربية والإسلامية ونشرت مئات الدراسات والبحوث العلمية المعمقة ونذكر من أعمالها: تاريخ دراسة المقالة العاشرة لإقليدس، دراسات حول العدد في المشرق الإسلامي في القرون الوسطى، موسوعة علماء الرياضيات والفلك المسلمين في القرون 8-17 (3 أجزاء). ولها دراسات عن الخوارزمي والبيروني والفارابي وكوشيار ابن لبان وابن عراق والطوسي وابن البغدادي وابن قرة وابن سينا والصوفي والقزويني وأبي عبد الله الخوارزمي (صاحب مفتاح العلوم) والعاملي وغيرهم.

د. محمد أبلاغ (كلية الآداب، جامعة ابن طفيل، القنيطرة، المغرب)

البناء الثقافي للعلوم في مغرب القرنين 13م و14م: ابن البنا ـ ابن خلدون

بعد وفاة ابن رشد (ت 1198م) الذي اعتبر النظر في كتب القدماء واجبا شرعيا، ساعيا من وراء ذلك إلى جعل الفلسفة بشكل عام ـ والعلوم بشكل خاص ـ جزءا لا يتجزأ من الفكر الإسلامي نفسه، لم يتوقف السعي نحو تبييء العلوم العقلية، وذلك من خلال البحث لها عن سند صلب يستند إلى المرجعية الفكرية الدينية والثقافية العربية الإسلامية نفسها.

سيكون هذا العرض بمثابة محاولة لإبراز مختلف الطرق التي استعملها المغاربة، من خلال فكر ابن البنا المراكشي (ت 721هـ/1321م) الذي ألف أشهر كتاب مغربي في علم الحساب هو “تلخيص أعمال الحساب” ومدرسته الفكرية لتحقيق هذا المبتغى، وذلك من خلال الانتقال على المستوى الآلي من البرهان المنطقي إلى الجدل الرياضي، مما مكن من التوسع في استعمال الرياضيات في مجالات متعددة لتشمل عدة علوم عقلية ونقلية، كان من نتائجه أيضا التخلي عن التصنيف الأرسطي للعلوم إلى نظرية وعملية، وهو ما مكن في الأخير ابن خلدون (ت 1406م) الذي يعتبر نتاجا خالصا لهذه المدرسة الفكرية ـ كما سنبين ذلك في العرض ـ من إعطاء نفس الأهمية لكل العلوم في مقدمته الشهيرة، حتى التي لم تحظ بالاهتمام اللائق من قبل التيار المشائي-الأرسطي.

أما ما نتوخى تبيانه في هذا العرض، فهو لفت النظر ـ من خلال أعمال ابن البنا ومدرسته الرياضية ـ إلى أن الإسهامات العربية الإسلامية في مجال تاريخ العلوم بشكل عام، وتاريخ الرياضيات بشكل خاص، بقدر ما كانت مبدعة في المجالات التي اعتمدت بها، كانت تسعى أيضا ـ إلى جانب البحث عن التطبيق العملي للعلوم في مختلف المجالات المدنية والشرعية للمدينة العربية الإسلامية ـ إلى أن تستثمر ثقافيا وفكريا هذا الإبداع العلمي، وهو ما مهد للدمج الفعلي للعلوم الدقيقة في جسم الثقافة العربية الإسلامية نفسها.

وبذلك سيكون الغرض من هذا البحث هو التساؤل عن الإمكانيات المتاحة لنا اليوم، ليس فقط لإبراز ما قدمه العلماء في الإسلام من عطاء تقني في مختلف المجالات العلمية التي اشتغلوا بها، بل كذلك في الكيفية التي يمكننا اليوم أن نستثمر البعد الثقافي والفكري لأعمالهم لبناء الفكر الإسلامي المعاصر على أسس قويمة.

الجلسة العلمية الثانية

 قضايا في التوارث العلمي بين الحضارة الإسلامية والحضارات الأخرى

د. توبي هاف 

It is now widely agreed that the Scientific Revolution, capped by Newton’s Principia Mathematica of 1687, is something that emerged only in Europe. There is no parallel in the Islamic world or China. No Copernicus, Tycho Brahe , Galileo, Kepler or Newton emerged outside of Europe.

Nevertheless some scholars have tried to claim that there was an

indispensable Arabic-Islamic contribution that in some way paved the way for the heliocentric revolution and the new science of mechanics that Newton uniquely transformed into an integrated celestial and terrestrial physics. His new world system was governed by the principle of universal gravitation.

In this paper I will review the Arab-Muslim legacy, the path to Newton’s grand synthesis, and suggest that all the components of Newton’s revolution were either European or Greek, with no significant
contribution from Arabic-Islamic sources.

د.  كريمة الصالحي (جامعة SLU – السويد)

Al-Kindi, A first pioneer, of the mathematical basis, to quantifying the strength of drugs on a patient’s illness

ولد أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي، الموسوعي العراقي العربي، والرجل الأكثر إثارة للاهتمام في تاريخ العلوم في العصور الوسطى، في الكوفة جنوب العراق ، حوالي 803 م، ونشأ في بغداد، في خلافة المأمون والمعتصم.

 كان الكندي أول فلاسفة المسلمين رحلة، وعرف بجهده كيف يدخل الفلسفة اليونانية والهلنستية إلى العالم العربي. كما عرف رائدا في مجال الكيمياء، والتعمية، والطب، ونظرية الموسيقى، والفيزياء، وعلم النفس وفلسفة العلم. هناك أكثر من ثلاثين أطروحة منسوبة إلى الكندي في مجال الطب، ولكن أهم تأليف الكندي الطبية هو الرحمةDe Gracious ، (و De Gracious هو الاسم اللاتيني للكتاب، وكان هناك عنوان وسيط له هو Quia Primos). وهو عمل رائع تضمن انطلاقة لتقليد أصيل يبرهن فيه على تطبيق الرياضيات والتكميم في الطب، وخاصة في مجال الصيدلة. وعلى سبيل المثال طور مقياسا رياضيا لتكميم قوة الدواء، ونظاما مبنيا على أساس مراحل القمر، من شأنه أن يسمح للطبيب ليحدد مقدما الأيام الأكثر حرجا لأمراض المريض. وعن طريق الإقرار بالحاجة إلى تقدير آثار الأدوية، عرض الكندي وجهة نظر علمية جعلت منه واحدا من أبرز علماء العصور الوسطى. وعلاوة على ذلك، تجعل المقاربة التجريبية للمسائل العلمية من الكندي رائد الثورة العلمية التي ستحدث بعد ذلك بكثير. فقد اعتبره جيرولامو كاردانو واحدا من أعظم العقول بفضل وضعه أساسا رياضيا لعلم الصيدلة. وبالإضافة إلى ذلك، قدم التفسير العلمي الأول للصرع وعلاجه.

من المتفق عليه على نطاق واسع أن الثورة العلمية التي أخذت شكلها النهائي مع من المتفق عليه على نطاق واسع أن الثورة العلمية التي أخذت شكلها النهائي مع كتاب نيوتن المبادئ الرياضية الذي يرجع تاريخه إلى سنة 1687، قد ظهرت في أوروبا فقط. وأنه لا يوجد لها مثيل في العالم الإسلامي ولا في الصين. فلا أحد من المؤسسين الكبار أمثال كوبرنيكوس وتايكو براهي وغاليليو وكبلر ونيوتن ينحدر من خارج أوروبا.

ومع ذلك، يزعم بعض العلماء أن هناك إسهاما عربيا إسلاميا لا يمكن الغفلة عنه في بعض المسالك التي مهدت الطريق نحو الثورة الكوبرنيكية والميكانيكا الجديدة التي تفرد نيوتن بتحويلها إلى فيزياء فلكية وأرضية متداخلة. وقد هيمن نظامه الكوني الجديد بواسطة مبدأ الجاذبية الكوني.

سأستعرض في هذه الورقة التراث العربي الإسلامي، والطريق إلى التركيب النيوتوني الكبير، وأفترض بأن جميع مكونات ثورة نيوتن هي إما أوروبية أو يونانية، وأنه لا يوجد إسهام كبير للمصادر العربية الإسلامية فيها.

حنين ابن إسحاق في كتابات ألمانية

د. أحمد علي السري (جامعة الإمارات العربية المتحدة)

يعد حنين ابن اسحاق حجر الأساس في حركة الترجمة من الإغريقية إلى العربية، وهي الترجمة التي نقلت العلوم البحتة  والفلسفة  إلى المجال العربي الإسلامي، وبفضلها بدأ العقل العربي الإسلامي أكثر عملياته العقلية حضورا في الحضارة الإنسانية فاستوعب وصوب وأضاف. ولا تزال ظاهرة نقل العلوم إلى العربية ثم نقلها مطورة بعد ذلك إلى اللاتينية من الظواهر الأكثر إثارة عند المشتغلين في تاريخ العلوم النشط في الغرب على وجه الخصوص. وقد لقي بسبب ذلك حنين ابن اسحاق، بوصفه شيخ المترجمين العرب، موقعا خاصا في تاريخ العلوم هذا، وتناولته كتابات استشراقية كثيرة، ومنها الاستشراق الألماني الأكثر علمية ودقة وحيادا. وسيتولى هذا البحث عرض

صورة حنين ابن اسحاق في هذه الكتابات وإنجازاته وكيف تنظر إليه وأين تضعه، ثم سيتعرض البحث بشكل خاص لرسالة نادرة منشورة في أحد الكتب الألمانية لحنين ابن اسحاق حول الترجمات والمترجمين في عصره، وهي رسالة نادرة حقا تكشف المناخ العلمي السائد آنئذ وتزيد صورة الترجمة من جهة وحنين ابن اسحاق العلمية من جهة أخرى إيضاحا وبيانا. وسيختم البحث بتقييم عام لتلك الكتابات وخلاصة.

د. عبد المالك بوزاري (جامعة سوق أهراس – المدرسة العلية للأساتذة، القبة ـ الجزائر)

La transmission de l’œuvre des Coniques d’Apollonius

A la tradition mathématique des pays d’Islam

سمح انتشار نظرية المخروطات للرياضيين في بلاد الإسلام بالإسهام، إلى حد كبير، في التطبيقات الرياضية. ففي المجالات التطبيقية، مثل علم الفلك والبصريات، اهتم الرياضيون بخطوط القطاعات المخروطية الثلاثة نقطة نقطة. والبحث عن طرق لتكوين هذه المنحنيات بواسطة خط متصل، مما أدى إلى تأليف سلسلة من الكتب تصف أداة تدعى “البركار التام”. ثم انطلاقا من حلول مشكلة الوسطين المتناسبين المعروضة في شروح Eutocius على كتاب la sphère et le cylindre لأرخميدس، والحلول التي قدمت للقطاع الثلاثي للزاوية  التي نتضمنها المصادرة 8 من كتاب البديهيات، قام رياضيون آخرون، في البداية ، بدراسة حلول هذه المسائل، ونقدها، وغالبا بإعادة البرهنة عليها. ثم تطور تقليد كامل حول هذه المسائل، ووضعت طرق ميكانيكية وهندسية عديدة تستعمل القطاعات المخروطية.

وسوف يأخذ مجال تطبيقات المخروطيات أهمية أكبر عندما سيهتم الرياضيون بمعالجة مشكلة تسجيل المسبع المنتظم.
وهناك ميدان آخر دخلت فيه القطاعات المخروطية بشكل ملحوظ، وهو الحل الهندسي للمعادلات التكعيبية. والبحوث في هذا المجال هي جزء من المسائل الشهيرة المعروفة باسم “المسائل الصلبة” الموروثة من الإغريق. لقد أعطاها رياضيو البلاد الإسلامية حلولا بواسطة القطاعات المخروطية، ثم حملهم ذلك على استعمال هذه المنحنيات في حل سلسلة كاملة من المعادلات من الدرجة الثالثة هندسيا. مما مهد الطريق للكرجي (ت 1131م) الذي نشر دراسة شاملة للمعادلات التكعيبية. وسيتم إثراء هذا العمل ، قرنا بعد ذلك، من قبل شرف الدين الطوسي (ت 1213م).

الجلسة العلمية الثالثة

التوارث العلمي في المجال الطبي

د. نشأت الحمارنة، (جامعة دمشق سوريا ، مجمع اللغة العربية بدمشق)

اللقاء الأول بين اللغة العربية والمصطلح الطبي الإغريقي

يحتوي البحث على :
1- التأثير الإغريقي ( من الإسكندرانيين إلى مدن الشام )
2- انتقال الطب من الرها ونصيبين إلى جنديسابور .
3- جنديسابور : مركزاً سريانياً ، وجسراً لعلوم فارس والهند .
4- المصطلحات الطبية الفارسية في بلاد العرب قبل بناء بغداد .
5- العلم الأعجمي في لغة العرب قبل عصر الترجمة .

د. ماهر عبد القادر علي (كلية الآداب، القاهرة)

أثر الإسهام الإسلامي في علوم الطب في أوروبا
كتاب القانون في الطب لابن سينا نموذجا

تأتى هذه الدراسة لتتناول أثر كتاب القانون في الطب لابن سينا، أمير الأطباء، والترجمات المختلفة التي عملت لهذا الكتاب في أوروبا. وقد آثرت أن يكون هذا البحث عن ابن سينا وأهميته في الفكر الأوروبي والعربي الإسلامي  بمناسبة مرور ألف عام هجري على وفاته (428هـ)، ولنبرز في الوقت ذاته قيمة العلم العربي وقيمة العلماء، وقيمة إسهاماتهم وإبداعاتهم الفكرية التي أضاءت الطريق للبشرية قروناً طويلة، والتي من خلالها نهضت أوروبا من كبوتها واستلمت الراية، ليدخل العلم في حلقة جديدة من حلقات تطوره الفكري والحضاري .

لم يفكر أي باحث عربي على امتداد سنوات طويلة في تحقيق كتاب القانون فى الطب لابن سينا (370هـ) تحقيقاً علمياً، (الأمر الذي جعلني أعكف على تحقيقه منذ سنوات إلى أن انتهيت من تحقيقه بعون الله في العام 2008 وانتهى الآن من إعداد فهارسه)، وهى مسألة تدعو إلى النظر والدهشة، خاصة وأن كتاب القانون في الطب وهو أكبر موسوعة طبية في العصور الوسطى زودت الأطباء، في الشرق والغرب على السواء، بزاد معرفي وعلاجي وجراحي وتشريحي لم يتوافر لعالم أو طبيب من قبل؛ ومع هذا اتجه أغلب الذين عرفوا ابن سينا في الشرق إلى دراسة إسهاماته الفلسفية والمنطقية وأهملوا الجانب العلمي عنده، بل ولم يعيروه الانتباه والاهتمام الكافيين، على عكس ما فعله الغرب الوسيط والحديث الذي أولى الجانب العلمي عند ابن سينا، والمتمثل في كتاب القانون في الطب، أهمية كبيرة، وهذه مسألة تدعو للدهشة والعجب.

لننظر في كتاب القانون في الطب ونحاول أن نقترب من المنظومة التي حكمت حركة كتاب القانون في أوروبا، منذ ترجمته الأولى إلى اللاتينية، لنتعرف من خلال هذه الحركة على قيمة الاهتمام العلمي بتراثنا، أو بمعنى أدق بتراثنا الفاعل. لقد ترجم كتاب القانون إلى اللاتينية والعديد من اللغات الأجنبية الأخرى، وأثر في الفكر العلمي الأوروبي بصورة قوية وكان من نتيجة هذا التأثير أن انطلقت أوروبا في مجال علم الطب بخطوات واسعة إلى آفاق التطور العلمي والنهضة العلمية. وعلى الجانب الآخر لم تكن الاستفادة العربية الإسلامية من كتاب القانون في الطب على مستوى الفعل الأوروبي. وربما جاز لنا القول أن فعل الاستفادة من كتاب القانون لابن سينا في أوساط العرب والمسلمين عامة وقف عند مستوى الشروح التي عملت على بعض أجزائه. ولم تتجاوز المسألة نطاق الشروح إلى التطبيق العملي والإكلينيكي في الفترات التي تلت عصر ابن سينا: نعم كانت هناك شروح أوروبية لكتاب القانون في الطب لابن سينا، كما سنبين ذلك ، لكن الفعل الأوروبي سرعان ما تجاوز مسألة الشروح إلى الجوانب الإكلينيكية والسريرية، مما أدى إلى إحداث نقلة نوعية في الطب في أوروبا في نهاية العصور الوسطى ومطلع العصر الحديث .

وإذا كان هذا الكتاب من الكتابات الطبية المهمة التي أثرت بصورة كبيرة في أوروبا فترة العصور الوسطى، لكونه موسوعة جامعة لمعارف الطب في عصره، فإن هذا يفسر لنا سبب شهرته غير العادية في كل أوروبا، نظراً لما امتاز به من التنظيم وحسن التبويب ورقي المنهج العلمي الذي اعتمد عليه ابن سينا، وبصفة خاصة أن هذا المنهج يجمع في متنه بحوث القدماء التي أجراها الأطباء الذين سبقوا ابن سينا، بالإضافة إلى الابتكارات التي أحدثها ابن سينا والتي أتت على الطب في عصره . وهو ما جعل المستشرق الألماني طبيب العيون ماكس مايرهوف يذهب إلى أن أهمية هذا الكتاب تتضح من شدة الطلب عليه، الأمر الذي جعل طبعاته متتالية، وكذا ترجماته التي استمرت حتى القرن السادس عشر. وهذه بلا شك مسألة جديرة باحترام العقل الإسلامي في تجلياته وإبداعاته.

لكن إذا كان كتاب القانون في الطب لابن سينا قد لعب دوراً بارزاً في نهضة العقل الأوروبي في مجال الطب، فإن هذا يجعلنا نحاول أن نتتبع حركة الكتاب في ترجماته وشروحاته المختلفة داخل أروقة الفكر العلمي الأوروبي.

د. فلوريال سناغوستان Floréal SANAGUSTIN، جامعة Lyonـ فرنسا

 La transmission du savoir dans la civilisation arabo-musulmane classique. Le cas du Miftâh al-tibb wa minhâj al-tullâb d’Ibn Hindû m.409/1019

أولى العلماء المسلمون، في العصر الوسيط، أهمية كبيرة لنقل المعرفة العلمية، وبخاصة في مجال العلوم العقلية. وهكذا تم كتابة منظومات تعليمية مثل الأرجوزة في الطب لابن سينا، أو تصنيف كتب موجهة للطلبة مثل العشر مقالات في العين لحنين بن إسحاق. والنص الذي سيكون مدار هذه المداخلة يندرج في هذا الإطار، وهو مفتاح الطب ومنهاج الطلاب لابن هندو، المنطقي والطبيب الذي عاش في القرن الرابع الهجري/الحادي عشر الميلادي. وفي الواقع، فإن مشروع هذا الكتاب، الذي هو بمثابة مقدمة في فن الطب، هو تكوين الطلاب على طريقة عقلية، مبنية على أساس المنطق، وجعلهم يكتسبون، عبر مسار تدريجي، معرفة مهيكلة تمكنهم من الابتعاد عن الممارسة التجريبية البحتة. إن هذه المعرفة تطمح إلى أن تكون كونية، ما دامت تصل الوسائل الطبية بالعناصر المنطقية والفلسفية.

1 2الصفحة التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق