ندوة التراث اللغوي بسبتة
احتضنت قاعة العلامة عبد الهادي التازي بفضاء المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، فعاليات الندوة العلمية التي نظمتها الرابطة المحمدية للعلماء ممثلة في مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث ومركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات والبحوث اللغوية والأدبية، بشراكة مع وزارة الثقافة في إطار الأنشطة الثقافية الموازية للمعرض الدولي الكتاب في دورته الثانية والعشرين في موضوع: التراث اللغوي بسبتة، وذلك يوم الأربعاء 17 فبراير 2016م.
وكان الغرض من تتنظيم هذه الندوة تحقيق جملة من الأهداف والمقاصد منها:
- إعادة الاعتبار إلى مدينة سبتة، وبيان مكانتها بين الحواضر المغربية.
- استرجاع الذاكرة الثقافية والحضارية لمدينة سبتة، والتذكير بماضيها العلمي الزاهر.
- إبراز ريادة مدينة سبتة في علوم اللسان، والتعريف بتراثها في مختلف المجالات اللغوية والأدبية.
- التعريف بمشاهير أعلام اللغة والأدب الذين استوطنوا مدينة سبتة وبيان جهودهم العلمية.
افتتحت أعمال هذه الندوة بآيات بينات من الذكر الحكيم، تلتها كلمة افتتاحية للسيد الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء الدكتور أحمد عبادي ألقاها نيابة عنه الدكتور محمد الحافظ الروسي رئيس مركز ابن أبي الربيع السبتي، رحَّب فيها بالحضور، وأشاد بأهمية تنظيم هذه الندوة وقيمتها العلمية في التعريف بمدينة سبتة؛ التي كانت حاضرة علمية كبيرة، ظهر فيها علماء كبار؛ كان لهم أثر كبير في إثراء الدرس اللغوي بالمغرب والأندلس وصل صداه إلى المشرق، حتى وصفها لسان الدين ابن الخطيب ببصرة المغرب.
واستهلت عروض السادة الأساتذة المشاركين بعرض للدكتور عبد الرحمن بودرع(أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب بتطوان)، بعنوان: «إمام النحاة: ابن أبي الربيع السبتي»، عرَّف فيه بأحد أعلام النحو في مدينة سبتة، وهو العلامة أبو الحسين عبيد الله بن أحمد المعروف بابن أبي الربيع السبتي(ت688هـ)، حيث قدم من خلاله لمحة من ترجمته، مبرزا أهم شيوخه ومكانته العلمية ومشاركته في العلوم المختلفة، ثم وقف عند جملة من مؤلفاته النحوية، مثل: «شرح كتاب سيبويه»، و«الكافي في الإفصاح عن مسائل كتاب الإيضاح»، لأبي علي الفارسي، و«البسيط في شرح الجمل»، للزجاجي، وغيرها، وبيَّن من خلال بعض الأمثلة التي استقاها من هذه الكتب خصوصا «البسيط في شرح الجمل» أن منهجه يقوم على عدة عناصر منها:
- التفصيل والتفريع، وطول النفس في رد اعتراضات النحويين.
- الاحتجاج بإجماع البصريين، وهو عنده حجة مقدم على غيره.
- الميل إلى المنهج الكلامي في مناقشة المسائل النحوية.
- التعليل بعلل يقبلها المنطق، والاحتجاج بالنظر والقياس.
- اللجوء إلى الافتراض في الاعتراض والرد على النحاة.
- إيراد الاتفاقات والاختلافات بين النحاة وتطبيق منهج التقعيد.
وعموما ـ كما يقول المحاضر ـ فقد اتسم منهجه بالبسط والتيسير في شرحه، وهو منهج تعليمي محض.
وأما العرض الثاني فكان من تقديم الدكتور محمد مفتاح (أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب بتطوان سابقا)، وكان بعنوان:«الحركة اللغوية في سبتة: آراء واختيارات وأعلام»، وقد تناوله في عدة نقط، أهمها:
1. توطئة عن مدينة سبتة: تحدث فيها عن الدور التاريخي والحضاري لهذه المدينة، الذي جعل لها أهمية كبرى نظرا لقربها من الأندلس، مما جعلها مستقر عدد من الأندلسيين الذين هاجروا من الفتن والحروب، وسرد بعض المؤلفات في تاريخها، مثل: «العيون الستة في أخبار سبتة»، للقاضي عياض، وكتاب «الكواكب الوقادة في ذكر من دفن بسبتة من العلماء والصلحاء والقادة»، لمحمد بن القاسم السبتي، و«الإشادة بذكر المشتهرين من المتأخرين بالإفادة»، لأبي القاسم العزفي، وكل هذه الكتب مفقودة، ولم يبق منها إلا كتابان: «بلغة الأمنية ومقصد اللبيب فيمن كان بسبتة في الدولة المرينية من مدرس وأستاذ وطبيب»، لمؤلف مجهول، و«اختصار الأخبار عما كان بثغر سبتة من سَنِيّ الآثار»، لمحمد بن القاسم الأنصاري، وهما مطبوعان.
2. حلقات الدرس اللغوي بسبتة: وكانت تقوم على ثلاثة كتب رئيسية هي: «كتاب سيبويه»، و«كتاب الإيضاح» لأبي علي الفارسي، و«كتاب الجمل»، لأبي القاسم الزجاجي، وأهمها حلقة ابن أبي الربيع السبتي، وحلقة تلميذه إبراهيم بن أحمد بن عيسى الغافقي.
3. المناظرات النحوية بسبتة: ومن أهمها مناظرة أحد تلامذة ابن أبي الربيع وأبي عبد الله ابن خَميس لما دخل سبتة، وأيضا مراجعات ابن أبي الربيع السبتي مع مالك بن المرحَّل، في مسألة «كان ماذا».
4. بعض الأعلام السبتيين الذين كانوا مبرَّزين في النحو: وذكر منهم أبا الحسن ابن خروف(ت609هـ) الذي ألف كتاب: «تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب»، والشريف محمد بن أحمد الغرناطي السبتي(ت760هـ)، صاحب كتاب «رفع الحُجب المستورة عن محاسن المقصورة»، وأبا عبد الله محمد بن علي بن الفخار(ت754هـ)، وغيرهم.
وأما العرض الثالث الذي ألقاه الدكتور مصطفى طوبي(أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب بجامعة ابن زهر بأكادير)، فعنوانه: «خصائص الدرس الأدبي بسبتة»، نبّه في أوله إلى أهمية الحديث عن الأدب السبتي الذي اكتسب قيمته مما راكمته المدينة من تجارب حضارية عريقة في القدم، وذلك جعل لأدبها قيمة كبرى، إلا أن الحديث عن هذا الأدب يستوجب التسلح بعدة آليات منها: ضرورة مراودة المادة اللغوية الموجودة، وهذا يحتاج من الباحث وقتا طويلا، ثم أشار إلى بعض الخصائص التي استقاها من المصادر التي رجع إليها، ومنها:
- تميزه بثنائية الإمتاع والإقناع.
- خاصية الطبع: وهو عذوبة الألفاظ ورقة معانيها.
- التغني بسبتة.
- وجود الطابع الديني في كثير من أشعاره، كما عند مالك بن المرحل.
- احتواؤه على شعر النعال، وهو مدح نعال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- وجود الملمح السياسي في الشعر السبتي: وفسر ذلك بوجود ة عدد من التيارات العقدية.
- الإبداع في الصورة: بحيث إن البلاغة التقليدية ـ حسب المحاضر ـ لا تستطيع فتح مغاليق الشعر السبتي، بل لا بد من اللجوء إلى الخيال الذهني، وأيضا استعمال الثقافة القرآنية، من أجل لَمّ عناصر الصورة في هذا الشعر، وضرب بعض الأمثلة على ذلك.
- توفره على شعر النقائض: مثل ما فعله ابن رشيق المُرسي نزيل سبتة حين كتب أبياتا يهجو فيها مالك ابن المرحل.
- وجود ملامح الأدب المسرحي: ومن نماذجه «مقامة الافتخار بين العشر الجوار»، لعبد المهيمن الحضرمي السبتي.
وأما العرض الأخير فألقاه الدكتور محمد الحافظ الروسي، في موضوع:«الدرس البلاغي بسبتة من خلال كتاب رفع الحجب المستورة عن محاسن المقصورة لأبي القاسم الشريف السبتي(ت760هـ)»، بين في مستهله أن معرفة علماء سبتة بالبلاغة لا تقل عن معرفتهم بالنحو، واستدل على ذلك بصنيع القاضي عياض في كتبه، خصوصا «بغية الرائد فيما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد»، وعدَّه من كتب البلاغة التطبيقية على النصوص النثرية، وعادة قضايا البلاغة إنما تطبق على النصوص الشعرية.
وانتقل بعد ذلك للحديث عن مقصورة حازم القرطاجني، التي شرحها الشريف السبتي، وتوقف عند أساليبها البلاغية خصوصا في مقدمتها البليغة، كما عرض ملامح من ترجمة أبي القاسم السبتي صاحب «رفع الحجب»، وتبحره في علوم اللسان وشهادة العلماء له بذلك، وأفاد ببعض مزايا كتابه، التي منها اشتماله على مسائل بلاغية لا توجد في غيره، مع بعض الأمثلة التي تدل على المدى الذي بلغه الشريف السبتي في هذا الميدان.
وبعد انتهاء العروض تم فتح باب المناقشة والأسئلة من أجل إغناء النقاش وإثرائه حول محاور الندورة، وما قدم فيها من عروض.
ونظم على هامش الندوة معرض لبعض كتب أعلام سبتة في علوم مختلفة:
إعداد: جمال القديم - حنان الجد
كلما اطلع على التراث المغربي وعلمائه أزداد فخرا