تقرير عن الندوة الوطنية العلمية “ثوابت الهوية الدينية بالمغرب”
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
إعداد: ذ. عبد الرحيم السوني
باحث بمركز دراس بن إسماعيل
في إطار الأنشطة العلمية التي يقوم بها مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك، نظم هذا الأخير ندوة علمية وطنية بتعاون مع ماستر "الإبداع الصوفي في الأدب المغربي" التابع لشعبة اللغة العربية وآدابها بجامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز في موضوع "ثوابت الهوية الدينية بالمغرب" وذلك يوم الخميس 02 جمادى الأولى 1434 الموافق لـ 14 مارس 2013، برئاسة فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الله معصر رئيس مركز دراس بن إسماعيل، ومشاركة كل من السادة الأساتذة الدكتور عبد الوهاب الفيلالي رئيس الماستر المذكور، والعلامة أحمد الغزالي، والدكتور محمد العمراني.
بعد الافتتاح بآيات بينات من الذكر الحكيم، أخذ فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الله معصر الكلمة حيث أكد على التكامل الحاصل بين مكونات الثوابت الدينية والوطنية للمغرب، وهي: المذهب المالكي، والعقيدة الأشعرية، والتصوف السني، وإمارة المؤمنين، وبهذا الخصوص أكد فضيلته على أن المغرب وبفضل إمارة المؤمنين حصّل أمنا روحيا متميزا حيث كان لهذا الثابت الفضل في رسوخ الهوية الدينية للمغرب في ضوء وحدة مغربية خالصة؛ وحدة مذهبية تتمثل في المذهب المالكي، ووحدة عقيدية ارتضاها السلف الصالح تتمثل في العقيدة الأشعرية، ووحدة سلوكية تتمثل في سلوك أخلاقي متزن ومنضبط بضوابط شرعية تتجلى في تصوف الإمام الجنيد، بهذا البعد التكاملي والوحدوي بين مكونات الهوية الدينية للمغرب أطر فضيلته لموضوع الندوة حيث أبرز أنه وبفضل هذه المكونات وتحت رعاية ثابت إمارة المؤمنين تحققت للمغاربة خصوصيتهم التدينية وهو ما انعكس في سلوكهم الأخلاقي والنفسي.
بعد ذلك أحال الكلمة على فضيلة الأستاذ العلامة أحمد الغزالي الذي تناول الحديث عن الخصوصية الدينية المغربية وما تميزت به من وسطية واعتدال ومراعاة للمستجدات والمتغيرات، إن عقديا أو عمليا أو سلوكيا، والتي يبرز من خلالها التكامل الحاصل بين هذه المكونات حيث إنها لا تنفك عن بعضها، والنموذج في أعلام مثل الإمام مالك والشيخ ابن أبي زيد القيرواني وغيرهما الذين تمثلوا هذه الثوابت مجتمعة فقها وعقيدة وسلوكا. بهذا النظر التكاملي تبرز الخصوصية العقدية التي اختارها المغاربة التي تحمل قيم الاعتدال وتفتح الآمال أمام الناس، وفي الباب ذاته قدم فضيلته نموذج لهذا الاعتدال المتمثل في مسألة الكسب في الأفعال وتطرق إلى جملة من تفاصيلها، مع تناوله لبعض الملامح النقدية لبعض الطروحات الغربية في الموضوع. ثم ختم فضيلته مداخلته بالحديث عن ثابت إمارة المؤمنين الذي كفل للمغاربة طيلة اثنتي عشر قرنا الاستقرار والوحدة والحكامة؛ إذ لا ينخرط في مصلحة جهة معينة، بقدر ما يحقق الاتزان بين جميع مكونات المجتمع، وهو ما ضمن للمغاربة وحدتهم الدينية والوطنية.
في حين جاءت مداخلة فضيلة الدكتور محمد العمراني حول "الحرم الإدريسي مؤسسة دينية واجتماعية"، باعتبارها نموذجا واقعيا للخصوصية الدينية المغربية خاصة في جانبها السلوكي، وفي هذا الباب قدم فضيلته مفهوم الحرم، لينتقل بعد ذلك للحديث عن الظروف التاريخية لتشكل الحرم الإدريسي، وكذا نماذج لبعض المستحرمين، وكيف كان السلاطين وغيرهم يوقرون هذا الحرم. وبيّن الخصوصية التي عرفها هذا الحرم في العهد العلوي خاصة مع السلطان سيدي محمد بن عبد الله العلوي الذي أعاد لهذا الحرم هيبته ووقاره .
أما مداخلة فضيلة الدكتور عبد الوهاب الفيلالي الموسومة بـ"التصوف والأمن الروحي: أسس وتجليات" فقد تمحورت حول مركزية التصوف في تحصيل الأمن الروحي في ارتباط مع المكونين الفقهي والعقدي، وفي هذا السياق اعتبره جزءا لا يتجزأ من تشكيل هوية الإنسان كيفما كان، وبيّن فضيلته كيف أسهم هذا المكون في تثبيت مقومات الأمن الروحي وركائزه، ، وبفضل هذا المكون وما وفره من أمن روحي إلى جانب الفقه والعقيدة فشلت التيارات المنحرفة في الانتشار داخل المغرب، وهو ما يفسر لنا حضوره ضمن مكونات الهوية الدينية المغربية التي جعلت للمغرب خصوصيات تاريخية من قبيل الخصوصية الراهنة التي يعيشها المغرب الآن والتي هي تجل من تجليات الأمن الروحي .
وفي الختام أكد فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الله معصر رئيس الجلسة على أهمية اشتغال الباحثين اليوم بتقريب مكونات الهوية الدينية المغربية على الوجه الذي يكفل للأجيال الصاعدة الوصل والاتصال بما كان لأسلاف أمتنا تحت الرعاية الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله حيث ذكّر فضيلته الحضور بمقتطف من خطاب جلالته بهذا الخصوص والذي يبرز حرص جلالته على السهر على خدمة هذا الجانب من جوانب الكيان المغربي الروحي والوجداني.
وقد ختمت الندوة بمعرض لمنشورات الرابطة المحمدية للعلماء.