المختصر في المحتاج إليه من الاعتقادات والعبادات،

تأليف: الفقيه الصّالح أبي عبد الله محمد بن عمر بن الفتوح التلمساني (ت818ه بمكناس)،

دراسة وتحقيق: د. محمد فوزار

سلسلة: نوادر التراث 42

من نفائس تراثنا المغربي الزّاخر، جملة من المصنفات التعليمية التي تؤكد اهتمام علمائنا بموضوع التربية والتعليم منذ القديم؛ وهي تنقسم إلى تصانيف في بيان آداب المعلمين والمتعلمين، وأخرى عبارة عن متون وحواشي وتقريرات وطُرَر، وقد اعتنى علماؤنا أيضا بوضع مختصرات ومقدمات أساسية في العلوم الشرعية؛ تشتمل على ما لا يسع الطالب جهله من أركان العقيدة ومسائل الفقه، وكان معظم العلماء يسلكون في تلقينهم للناشئة أسلوب التدريج، ويراعون مستويات الطلبة واختلاف مداركهم، ويقيسون مدى استعدادهم لقبول ما يَرِدُ عليهم، ويُصَنِّفُون كتبهم التعليمية المشار إليها بحسب ذلك؛ وبعض هذه الكتب تكتسي طابع الأهمية بالنظر لقيمة مضامينها، ومنهجية صياغتها، وكذلك لاحتوائها على خلاصة الآراء والاختيارات، التي ذهب إليها مؤلفوها، ولعلّ أبرزها على الإطلاق، كتاب: «الرسالة»، للإمام أبي محمد ابن أبي زيد القيرواني(ت386هـ)، الذي عرض فيه جملة مختصرة من واجب أمور الديانة، مـمـا تنطق به الألسنة، وتعتقده القلوب، وتعمله الجوارح، خصوصاً في باب الطهارة والصلاة، وبيان مـا يتصل بذلك من الفرائض والسنن والمستحبات والمكروهات، قال رحمه الله في ختامه: «قد أتينا على ما شرطنا أن نأتي به في كتابنا هذا، مما ينتفع به إن شاء الله من رغب في تعليم ذلك من الصغار، ومن احتاج إليه من الكبار، وفيه ما يؤدي الجاهل إلى علم ما يعتقده من دينه، ويعمل به من فرائضه، ويفهم كثيرا من أصول الفقه وفنونه، ومن السنن والرغائب والآداب»، ويتلو رسالة ابن أبي زيد في الأهمية كتاب: «الإعلام بحدود قواعد الإسلام»، للقاضي عياض بن موسى اليحصبي السبتي(ت544هـ)، قال في مقدمته: «أيها الراغب في الخير، الحريص على تدريب المتعلمين لوجوه البر، فإنك سألتني في جمع فصول سهلة المأخذ، قريبة المرام، مفسرة حدود قواعد الإسلام...».

وَجَرْياً على هذا المنوال من التصانيف وَضَعَ العلامة الفقيه الزاهد أبو عبد الله محمد بن عمر بن الفُتُوح التِّلِمْسَاني ـ دفين مكناسة الزيتون ـ سنة 818هـ مختصره القيّم ـ الذي بين أيدينا ـ فانتخب فيه ما تمس الحاجة إلى معرفته مِن الاعتقادات، وأورد فيه مُهِمَّات الأحكام الفقهية المتعينة على كل فرد في بابي الطهارة والصلاة،  مُعْتَمِدا على جملة من المصادر الفقهية المالكية الشهيرة، وكانت أكثر نقوله من كتاب  «الإعلام بحدود قواعد الإسلام» للقاضي عياض(ت544هـ)، وكتاب «البيان والتحصيل»، وكذلك «المقدمات والممهدات»؛ كلاهما لأبي الوليد ابن رُشد الجدّ(ت520هـ)، ونقل أيضا بضع نقول عن المدونة والعُتْبية، ومن مصادره أيضا «النوادر والزيادات» لابن أبي زيد، و«التبصرة» لأبي الحسن اللّخمي(ت478هـ)، و«التنبيه» لأبي الطاهر ابن بشير(ت536هـ)، و«الذخيرة» لشهاب الدين القرافي(ت684هـ)، و«المختصر الفقهي» لابن عرفة(ت803هـ)، وغيرها من المصادر؛ وقد توخّى المؤلف في كتابه هذا الاختصار، ووضوح العبارة، والأمانة في النقل، وكان مُعتمده على المشهور والرّاجح من المذهب دون ذكر الخلاف، ورغم وجازة الكتاب فإنه لم يخْلُ من آراء المؤلف وترجيحاته؛ علما أنه رحمه الله من أعلام الفقه في زمانه، وهو من أهل تلمسان، رحل إلى فاس للاستزادة من طلب العلم؛ ثم ما لبث أن تصدى بها للإقراء والتدريس، ثم انتقل إلى مكناس لمجاورة بعض شيوخ التقوى والصلاح، والاشتغال بتدريس اللغة والفقه والحديث، وتذكر المصادر أنه  توفي سنة 818هـ متأثرا بمرض الطاعون، وهو يقرأ البخاري عند خزانة الكتب بالجامع الأعظم بمكناسة الزيتون، وذكر العلامة ابن غازي المكناسي(ت919هـ) أن الفضل يعود إليه، في إدخال كتاب مختصر خليل إلى مدينة فاس سنة 805هـ، فكان أول من شهَرَه وأذاعه ببلاد المغرب الأقصى، رحمه الله تعالى وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا.

وقد أراد الله تعالى، أن يكون بَعْثُ هذا المختصر القيم وإحياؤه، وتذليل سُبُل الانتفاع به ـ بعد أن طواه النسيان ـ بمبادرة من مركزالدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء، فأسند مهمة تحقيقه لفضيلة الدكتور محمد فوزار ـ الباحث المُجِدُّ بالمركز ـ الذي أدّى مهمته بنجاح، والتزم بالمنهج الأمثل في تحقيق النصوص، فتتبع نسخ الكتاب في مختلف الخزائن، حتى تَحَصَّل له منها سبع نسخ، ثم دَقّق في مقابلتها ومقارنتها، واجتهد في ضبط النص، والتعليق عليه بتوثيق النقول، والتعريف بالأعلام، وشرح الاصطلاحات المشكلة، كما أنه أفاد وأجاد في دراسة الكتاب، والتعريف بمؤلِّفه، ووضع الفهارس الفنية التي تساعد في الوصول إلى محتوياته، وزاد من قيمة هذا العمل، أنه أُنْجِزَ تحت إشراف الدكتور عصام الشنطي رحمه الله، أحد كبار الخبراء بالكتاب العربي المخطوط، وخضع لمراجعة علمية دقيقة من الأستاذ البحّاثة المدقِّق فضيلة الدكتور عبد اللطيف الجيلاني حفظه الله.