مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات وأبحاثدراسات عامة

الخلاف العالي بين الأشعرية والماتريدية // القسم الأول: مسائل الخلاف بين الأشعرية والحنفية من خلال القصيدة النونية في العقائد لتاج الدين السبكي (ت.771هـ) وتعليقاتِه عليها

الخلاف العالي بين الأشعرية والماتريدية

القسم الأول: مسائل الخلاف بين الأشعرية والحنفية من خلال القصيدة النونية في العقائد

لتاج الدين السبكي (ت.771هـ) وتعليقاتِه عليها

الباحث: د.محمد أمين السقال

***


استقر في الدرس الكلامي السني عند المتأخرين أن الأشعرية والماتريدية  (أو الحنفية) هما مَن يمثل مذهب «أهل السنة والجماعة» بالدلالة الاصطلاحية المعتبرة داخل الممارسة الكلامية، خصوصا بعد انكماش «الاعتزال» في العالم الإسلامي وهيمنة المذاهب السنية الأربعة المعتبرة.

صحيح أن هذا التفييء الثنائي* لمسمى أهل السنة الجماعة، رغم اشتهاره وانتشاره، يبقى رأيا (أو اتجاها) من جملة آراء (أو اتجاهات) متعددة، تختلف بحسب معاييرَ في التصنيف تمتح من يوتوبيا «الفرقة الناجية»، وحقانية «السواد الأعظم»، وامتلاك السند السلفي، وشدة الانتماء إلى المذهب أو الطائفة أو الفرقة، فضلا عن حجم المذهب وقوة سلطانه.. بما يعنيه هذا التصنيف من ادعاء لحيازة الإسلام الحق دون سائر المخالفين.. فإن كان هذا التفييء مشتهرا، فإن الناظر في الإنتاج العقدي الإسلامي يجد تقسيماتٍ أخرى تتسع دائرتها أو تضيق بحسب مبلغ التوسل بهذه المعايير كلها أو بعضها؛ أظهرُها أن هذا الاصطلاح (أهل السنة والجماعة) يستغرق ثلاث طوائف ـ أو فرق ـ هي: الأشاعرة والحنابلة والماتريدية، أو الأشاعرة والأثرية والماتريدية. وهنالك تقسيم ثلاثي آخر أكثرُ اتساعا، كما قد يبدو في بادئ الرأي، يشمل أهل الحديث وأهل النظر العقلي وأهل الوجدان والكشف. وهذا التفييء الثلاثي**، رغم الاختلاف لاعتبارات مقامية وسياقية، هو عند التحقيق واحد في جوهره بغض النظر عن التفاوت في التسميات. وهنالك من يختزل هذا الإطلاق ـ أهل السنة والجماعة ـ في مذهب السلفية خاصة، وهو أمر مشهور لا يخفى.

وأغلب هذه التقسيمات لا يخلو من مَنزع الاحتجان الذي يدّعي الحقانية المطلقة في باب فهم العقائد وتقريرها، ويصادر على مواضع الاختلاف حتى بين المنتسبين إلى المذهب الواحد، أو على الأقل يتم تكييفها بما يرفع الخلاف بالكلية، مع أن الخلاف الحاصل إنما يقع غالبا في دقائق الحقائق وغوامض المسائل التي يدقُّ فيها النظر وتتشعَّب فيها الفِكَر. وإن كنا قد نَلحظ في التفييء الثلاثي محاولةً توفيقية بين جملة من المذاهب التي قد تبدو متعارضة في منهج التعامل مع العقائد.

وقد يتفاجأ بعض المتخصصين في علوم العقائد، بلهَ عامةُ القراء،  من كون المعتزلة ينتسبون هم أيضا إلى مسمى «أهل السنة والجماعة» وينازعون من يحتكره***، وهذا مبتوت في كتب القاضي عبد الجبار (ت.415هـ) وغيره. ولأبي القاسم الكعبي البلخي المعتزلي (ت.319هـ) كتاب بعنوان «السنة والجماعة» ذكره غير واحد من مؤلفي كتب الطبقات والتراجم والفهارس.

ولسنا هنا بصدد التفصيل في هذه المعضلة وإلا خرجنا عن المقصود. وللباحث، صاحبِ هذه الورقة، بحثٌ قيدَ الإنجاز في هذا الموضوع ـ موضوعِ التنازع حول تسمية أهل السنة والجماعة، نقدم فيه رؤية علمية موضوعية بعيدا عن النزعة العقائدية الضيِّقة.

ويهمنا، فيما نحن بصدده، أن السردية التي تنتصر للتفييء الثنائي جعلت من الأشعرية والماتريدية، رغم الكثير من مسائل الخلاف بينهما[1]، وجهين لعملة واحدة هي مذهب «أهل السنة والجماعة». ولذلك ألفينا عددا معتبرا من العلماء ألَّفوا في هذا الموضوع مُعدِّدين، كلٌّ بحسب استقصائه، وجوهَ هذا الاختلاف، مع وجود نزعة توفيقية ـ وأحيانا تلفيقية syncrétique ـ رامت تبديد هذه الوجوه بحيث تؤول جميعُها أو أكثرُها إلى اختلافات لفظية غير حقيقية. وهو صنيع ابن السبكي في قصيدته النونية التي نعرض لها في هذه الورقة.

لكن يجمل بنا، قبل عرض هذه القصيدة وتعليقات ابن السبكي على عناصر الاختلاف بين المذهبين، إجمالُ ما أُلِّف في هذا الموضوع ليكون وعاء ببليوغرافيا ينبه على قيمته في باب المقارنة والتقريب بين المذهبين. على أن نقوم فيما يُستقبل من أقسام هذا البحث بدراسات نقدية مقارنة للمسائل المختلف فيها واحدة واحدة، وهو ما عبرنا عنه باصطلاح «الخلاف العالي بين الأشعرية والماتريدية».

أولا: جرد جملةِ المؤلفات والمباحث التي تناولت موضوع الاختلاف بين الأشاعرة والماتريدية:

ليس هذا الجرد بجديد فقد سبقنا إليه جملة من الباحثين والمحققين الذين عُنوا بإخراج الأعمال والمؤلفات التي وُضعت  لبيان «الخلافيات» بين الأشعرية والماتريدية. في هذا الصدد عدّد الباحث سيّد باغجوان في تحقيقه لكتاب «المسالك في الخلافيات بين المتكلمين والحكماء» لمَسْتَجي زاده (ت.1130هـ) عشرين عنوانا (عبارة عن أعمال مستقلة) وعشرة أعمال أخرى (غير مستقلة) في موضوع الاختلاف بين الأشاعرة والماتريدية. وفيما يلي نذكر هذه الأوضاع، على الترتيب المذكور عند صاحبها[2] مع إيراد بعض المعطيات المفيدة التي عنّت لي عند الرجوع إلى عدد منها أو بمزيد من البحث والاستقصاء:

1ـ المؤلفات والرسائل المؤلفة رأسا في الموضوع:

ـ «قصيدة نونية في الخلاف بين الأشعرية والماتريدية» لتاج الدين السبكي. وهي موضوع هذه الورقة.

ـ «الاختلاف بين الماتريدي والأشعري» لشمس الدين الخيالي (ت.875هـ). مخطوط باللغة التركية في مكتبة السليمانية (رقم 58 (92ب ـ 95أ)).

ـ «رسالة في الاختلاف بين الأشاعرة والماتريدية» لابن كمال باشا (ت.940هـ) نُشرت ضمن كتاب «خمس رسائل في الفرق والمذاهب» للمؤلف نفسه، بتحقيق الدكتور سيد باغجوان[3]. وقد عدّد فيها ابن كمال باشا اثنتي عشر مسألة (12) مختلَفا فيها بين المذهبين؛ ذكرها واحدةً واحدةً مجرودةً دون تفصيل أو تحكيم. وقد انبرى الدكتور سعيد فودة للقيام بهذا التفصيل ـ وإنْ في حدوده الدنيا ـ في شرحه على الرسالة المذكورة؛ فبيَّن فيه أنواع الخلاف في هذه المسائل وأسبابَه مع الوقوف عند معاني المفاهيم والمصطلحات التي عليها مدار الاختلاف[4].

ـ «رسالة في الفرق بين مذهب الأشاعرة والماتريدية في الكلام النفسي» لمَعْلْقَرَوي نوعي يحيى أفندي بن علي (ت.1007هـ)، وهي لا تزال مخطوطة في نسختين في مكتبة بايزيد بأماسْيَه بتركيا (رقم882: 7ب ـ 9ب/رقم 918: 150أ ـ 151ب)، وبمكتبة بَرْتَوْ باشا (مكتبة السليمانية) (رقم:607)، وبمكتبة نور عثمانية –(رقم:4909/3).

ـ «رسالة الاختلاف بين الأشاعرة والماتريدية» لإسماعيل بن سنان السيواسي (ت.1048هـ)، طبعت ـ حسب المحقق ـ باستنبول عام 1304هـ. وهذه الرسالة لم نقف عليها.

ـ «نظم الفرائد وجمع الفوائد في بيان المسائل التي وقع فيها الاختلاف بين الماتريدية والأشعرية في العقائد» لعبد الرحيم بن علي شيخ زاده (ت.1137هـ). وهو مطبوع أكثر من مرة. ويظهر من طبعته المصرية القديمة (سنة 1317هـ) أن المؤلف ـ وهو حنفي ماتريدي ـ قد تناول فيه أربعين فريدة (40) اختلف فيها المذهبان، وغالبا ما ينتصر المؤلف لما تقرر في مذهبه الذي يعتزي إليه. وقد حرّر عليه الدكتور عيسى بن عبد الله بن محمد بن مانع الحميري الكثيرَ من الملاحظات والمتابعات والمحاكمات ضمَّنها كتابَه المسمى: «القلائد في تحرير الفرائد فيما بين الأشاعرة والماتريدية من الاختلاف والفوائد»[5]، فليُنظر، فإن فيه جرأةً علمية تستحق الموازنة.

ـ «شرح الخلافيات بين الأشعري والماتريدي» لمحمد بن ولي بن رسول القيرْشَهري (ت.1165هـ)، ذكر باغجوان أن مخطوطته توجد بمكتبة شهيد علي باشا (السليمانية) (تحت رقم: 1650/143ق)، وأنها تضم ـ بحسب بعض المصادر الببليوغرافية ـ سبعا وستين مسألة (67) خلافية بين الأشاعرة والماتريدية. وقد وجدتُ أن هذا الشرح قد نوقش سنة 2022 في رسالة ماجستير بكلية العلوم الإسلامية في جامعة تكريت بالعراق.

ـ «رسالة في اختلافات الأشعري والماتريدي» لأبي إسحاق زاده محمد أسعد بن إسماعيل أفندي الإستانبولي (ت.1166هـ)، وقد طبعت في استنبول سنة 1287هـ.

ـ «الروضة البهية فيما بين الأشاعرة والماتريدية» لأبي عذبة الحسن بن عبد المحسن (ت. بعد 1172هـ)، وقفت على طبعته القديمة بحيدر آباد الدكن (سنة 1322هـ)، ثم حققها لاحقا الدكتور عبد الرحمن عميرة (سنة 1989م). وفي هذا الكتاب ميز أبو عذبة بين المسائل المختلف فيها اختلافا لفظيا وهي سبعة (7)، وبين المسائل المختلف فيها اختلافا معنويا وهي ستة (6)، وهو في ذلك مساير لابن السبكي على ما ستقف عليه لاحقا. هذا مع كون المؤلف زاد على هذه المسائل مسألتين اثنتين؛ الأولى تخص بيان الكبائر والصغائر، وقد تناول فيها اختلاف العلماء في اجتراح الأنبياء للصغائر منتصرا لعصمتهم منها رفعا لمرتبتهم عن النقصان، والثانية في موضوع الاسم والمسمى وقد جعلها خاتمة، وإن كانت ملحوقة ببحث انتهى به الكتاب وهو في مسألة الإيمان: هل هو مخلوق أو غير مخلوق؟ والسر في هذه الزيادة ـ في نظري ـ أن المسألة الأولى المزيدة ساقها أبو عذبة  نموذجا من نماذج الاختلاف الحاصل داخل المذهب الأشعري نفسه، في حين ساق المسألة الثانية كنموذج على الاختلاف الواقع داخل المذهب الماتريدي نفسه؛ فكأنه يريد أن يقول إن الاختلاف بين المذهبين السنيين هو من قبيل الاختلاف القائم داخل أرباب كل مذهب على حدة، والحكمَ على ذاك كالحكم على هذا؛ فلا تكفير ولا تفسيق ولا تشنيع، وإلا فهو تطفيف وسقوط في ازدواجية المعايير.

ـ «أفعال العباد والإرادة الجزئية» (باللغة التركية) محمد بن مصطفى آفكرماني (ت.1174هـ)*، وذَكر باغجوان أنه طُبع مرتين بإستانبول عامي 1283 و1289. ومعلوم أن هذه المسألة التي أفردها آفكرماني بالتأليف تُعَدُّ ـ زيِّدا على انبهامها واعتياصها ـ من بين أخطر المسائل التي اختلف فيها المذهبان، مع كونهما ـ بحسب التفييء الثنائي المتقدم ـ قسيميْ أهل السنة والجماعة بائنين عن مذاهب المبتدعة، بالنظر إلى ما اشتُهر به مذهبُ المعتزلة من القول بخلق الأعمال وما اشتهر عن الجبرية من القول بالجبر المطلق؛ فقال المذهب الماتريدي بـ«الاختيار» وبـ«الإرادة الجزئية» الصادرة عن العبد والتي بها يصنع أفعاله، وقال الأشاعرة بـ«الكسب» غير المؤثر في حصول الفعل ـ على اختلاف بين الأشاعرة أنفسهم. ولعل الرسالة المذكورة قد أوغلت في المقارنة بين أقوال المذهبين وفصلت في المآتي والمآلات والمصطلحات، فخليق بها أن تُترجم إلى اللسان العربي.

ـ «شرح الاختلاف بين الماتريدية والأشعرية» لأبي سعيد محمد بن مصطفى الخادمي (ت.1176هـ). أشار باغجوان أنه مخطوط بمكتبة مدينة أدَه نَه الشعبية (رقم: 1175/61أ ـ 78أ)، ولست أدري هل هو باللغة العربية أم باللغة التركية؟ وغالب الظن أنه باللغة العربية لأن صنيع الباحث فيما يذكره من أعمال مزبورة بغير اللغة العربية أن يذكر ذلك. على أن الخادمي قد نص في غير هذا العمل على المسائل المختلفة بين المذهبين الماتريدي والأشعري في «تذييل» له بعنوان: «تذنيب للمسائل المختلفة بين إمامي أهل السنة» ضمَّنه كتابَه «بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية»، وجملةُ ما عدَّده من المسائل بلغت ثلاثا وسبعين مسألة (73) يدخل بعضها في جملة بعض[6].

ـ «رسالة في الفرق بين كلام الماتريدي والأشعري» لأحمد الجوهري الخالدي (ت.1182هـ). أفادنا باغجوان بكونها لا تزال مخطوطة، ومنها نسخة في المكتبة المركزية (قسم المخطوطات) بجامعة أم القرى (رقم:1420/1).

ـ «رسالة مسائل مخلفة بين الأشعري والماتريدي»[7] لجُورْليلي قَره خليل باشا (ت.1189هـ)، ذكر أنها مخطوطة بمكتبة حفيد أفندي (رقم: 150/20ق).

ـ «العقد الجوهري في الفرق بين قدرتي الماتريدي والأشعري» لخالد ضياء الدين النقشبندي البغدادي (ت.1242هـ). ذكر باغجوان أنه مخطوط بمكتبة حاجي محمود (رقم: 1459/13ق)، وأن عمر الخَرْبوطي [أو الخربوتي] زاده حميد أفندي شرحه في كتاب بعنوان «السمط العبقري في شرح العقد الجوهري»، وهو شرح مطبوع[8]. وهذا الشرح، بحسب الاطلاع على الطبعة القديمة منه، في غاية الأهمية لأنه يتناول واحدة من أدق المسائل الكلامية وأكثرها اعتياصا؛ فكأنها من عُضَل المسائل التي لا يحاقِقُ فيها أحد. وقد فصل الخربوتي في مذهب الأشعري فيها وجاء بما خالفه من مذاهب أتباعه، خصوصا عند القاضي والأستاذ، وقارَن بينها وبين مذهب الماتريدي مرجحا له على قول الأشعري ومنزِّلا إياه على مذهب الباقلاني والإسفراييني، وفيه تفصيلات مهمة تُنظر في محلها من الكتاب. وأما المتن المشروح فقد نُشر مضمَّنا في كتاب «الشيخ خالد النقشبندي العالم المجدد حياته وأهم مؤلفاته»، بعنوان: رسالة في تحقيق مسألة الإرادة الجزئية الموسومة بالعقد الجوهري في الفرق بين كسبي الماتريدي والأشعري[9]، وهو مضمن أيضا في كتاب «مكتوبات حضرة مولانا خالد المسمى بغية الواجد»[10]. ولهذه الرسالة شرح غير «السمط العبقري» كتبه إبراهيم فصيح الحيدري البغدادي[11] (ت.1299هـ).

ـ «مطلع النيرين فيما يتعلق بالقدرتين» لمحمد بن محمد السنباوي المغربي المشهور بالأمير الصغير (ت. بعد 1253هـ)*، ذكرَ أن له نسخةً مخطوطة بمكتبة مكة المكرمة (رقم 38 توحيد/24ض). وهذا الكتاب طبعه مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية محققا من قِبل الباحث يوسف الحزمري ونُشر عام 2016. وهو، على غرار، كتاب «السمط العبقري» يفصل في مسألة القدرة والاختيار في فعل الإنسان، مقارنا بين المذهبين الماتريدي والأشعري. وهو ينتصر، بعد سبر ونقد، لقول صاحب المذهب (أبي الحسن الأشعري) ـ الذي اتُّهم بسببه بالجبر ـ وهو أيضا ما يؤول إليه قول الماتريدي عند التفسير، محققا أن جميع الأقوال التي تفيد اختيار الإنسان وقدرته (الحادثة) على التأثير في أفعاله لا تخلِّصه مما سماه بـ«الجبر الباطني» المقرون بـ«الكسب الظاهري» وهو مذهب وسط بين الجبر المطلق ومذهب الاعتزال، حسب قوله[12]. وفي الكتاب تحقيقات علمية وفوائد نفيسة تُقتنى في موضعها.

ـ «رسالة في مسائل اثنا عشر المنازع فيها بين أبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي» لعبد السلام أفندي المارديني (ت.1259هـ). ولم نجد ما نزيد به عما ذكره باغجوان من مجرد ذكر عنوان الرسالة واسم صاحبها، اللهم إلا أن المارديني هو مؤلف كتاب «تاريخ ماردين» (في تركيا)، وهو مصدر في بابه، وقد كان هو المفتي فيها على المذهب الحنفي.

ـ «القصيدة الميمية» ليوسف العتاقي (ت.؟)، لها نسخة مخطوطة بمكتبة قصيده جي زاده (رقم:687/4 (93أ ـ 95ب))، وأخرى بمكتبة بغدادلي وهبي (رقم: 2161/8).

ـ «رسالة في بيان المسائل المختلف فيها بين الأشاعرة والماتريدية» لمؤلف مجهول، وهي مخطوطة لمكتبة الحرم المكي الشريف (رقم:122 مخطوطة).

ـ «رسالة في المسائل النزاعية بين الماتريدي والأشعري» لمؤلف مجهول أيضا، وهي مخطوطة بمكتبة أنطاليه تكه لي أوغلي (السليمانية) (رقم:5872).

ـ «المسائل المختلفة بين إمامي أهل السنة» لمؤلف مجهول كذلك، وهي مخطوطة بمكتبة لا لا إسماعيل (السليمانية) (رقم: 705 (170 ـ 184)).

ـ «المنهل السيّال الدافع لما نشأ من خلاف بن الأشعري والماتريدية من الإشكال» لعبد الحفيظ بن علي المالكي الصعيدي (ت.1303هـ)، وقد أغفل ذكره الدكتور باغجوان. وهو كتاب مهم في بابه ، لكن أفسده المحقق غاية الإفساد بتعليقات لا تمت إلى البحث العلمي بصلة، ووقع في أغلاط ومطاب لا يجترحها المبتدئ في هذا الشأن؛ منها ـ مِما له تعلق بموضوع هذه الورقة ـ نسبةُ «شرح النونية» بعد قول المؤلف: «انتهى من «شرح النونية» للإمام الشيرازي ببعض تصرف واختصار» إلى أبي إسحاق الشيرازي (ت.476هـ)، وضمَّن ذلك في هامش من ثلاث صفحات[13]! ولم ينتبه «المحقق» إلى أن الأمر يتعلق بالقصيدة النونية للتاج السبكي وبشرحها لأبي الطيب الشيرازي على ما سيأتيك لاحقا. بل وعلق في موضع آخر على قول المؤلف : «قال صاحب «النونية»» بقوله: هو أبو عبد الله القحطاني الأندلسي (ت. على الأرجح سنة 383هـ) (على اختلاف في تاريخ الوفاة)[14]، ويقصد به محمد القحطاني المنسوب له القصيدة النونية الشهيرة التي شنَّع فيها على الأشاعرة، وهذا خطأ فادح.. إلى غير ذلك من الفوادح التي شانَ بها الكتاب.

2ـ مؤلفات تناولت ضمنا موضوع الخلاف بين الأشعرية والماتريدية:

ـ «أصول الدين» لأبي اليسر البزدوي (ت.493هـ)، تناول في أحد مباحثه «بيان المذاهب ونحل أهل القبلة» على وجه التَّعداد، فأَسْلَمَه ذلك إلى ذكر ما خالف فيه أبو الحسن الأشعري والكلابيةُ مذهبَ أهل السنة والجماعة[15]. ولنا وقفة قادمة مع هذا الكتاب ـ في غير هذه الورقة ـ لأن صاحبه يكاد يقصر مسمى أهل السنة والجماعة على مذهب الماتريدية.

ـ «منح الروض الأزهر في شرح الفقه الأكبر» للملا علي القاري (ت.1014هـ). وهذا المصدر لم يذكره الدكتور باغجوان، وفيه ما كان من اختلاف بين  الماتريدية والأشاعرة في الصفات الفعلية ومتعلقات الصفات الذاتية[16].

ـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» (=خطط المقريزي) لأبي العباس أحمد بن علي المقريزي (ت.845هـ). وفيه يقول المؤلف: «هذا وبين الأشاعرة والماتريدية [...] من الخلاف في العقائد ما هو مشهور في موضعه، وهو إذا تتبع يبلغ بضع عشرة مسألة، كان بسببها في أول الأمر تباين وتنافر، وقدح كل منهم في عقيدة الآخر، إلا أن الأمر آل آخرا إلى الإغضاء، ولله الحمد»[17].

ـ «إشارات المرام من عبارات الإمام» لكمال الدين أحمد البياضي (ت.1098هـ)، ذكرَ فيه المؤلف ما سماه «الخلافيات بين جمهور الماتريدية والأشعرية»، تَعدادُها خمسون (50) مسألة  خلافية في التفاريع الكلامية على حد تعبيره[18].

ـ «البريقة المحمودية في شرح الطريقة المحمدية» لأبي سعيد الخادمي. وقد سبق ذكره أعلاه عند الحديث عن رسالة المؤلِّف الموسومة بـ «شرح الاختلاف بين الماتريدية والأشعرية».

ـ «إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين» لمرتضى الزبيدي (ت.1205هـ)م، وفيه يقول المؤلف: «بين الطائفتين اختلاف في بعض الأصول كمسألة التكوين ومسألة الاستثناء في الإيمان ومسألة إيمان المقلِّد، والمحققون من الفريقين لا ينسب أحدهما الآخر إلى البدعة والضلالة»[19].

ـ مقدمة تحقيق «كتاب التوحيد للماتريدي» لفتح الله خليف، أبدى فيها المحقق انزعاجه مما حاق بالماتريدي من اهتضام مكانته لحساب الأشعري، وهو ما دفعه إلى تسطير صفحات عدة دافع فيها عن اتفاق الرجلين في المنهج والأصول ووسطية مذهبهما السني منتقدا ما صدع به محمد زاهد الكوثري من كون الماتريدية مذهبا وسطا بين المعتزلة والأشعرية[20].

ـ «فصل في خلافات أهل السنة والخلافات المنقولة بين الماتريدية والأشاعرة» منشور في كتاب «نظرة علمية في نسبة كتاب الإبانة جميعِه إلى الإمام الجليل ناصر السنة أبي الحسن الأشعري» لوهبي سليمان غاوجي. وهذا الفصل لا يعدو أن يكون مجرد نقل مختصر للفرائد الأربعين الخلافية التي حررها عبد الرحيم بن علي شيخ زاده في كتابه «نظم الفرائد» المذكور آنفا، فلا جديد فيه ولا نقد[21].

ـ «العقائد الخيرية في تحرير مذهب الفرقة الناجية وهو أهل السنة والجماعة والرد على مخالفيهم» لمحمد وهبي بن حسين أفندي الخادمي، أشار فيه إلى المسائل المختلف فيها بين الأشاعرة والماتريدية على وجه الإجمال، وجعل تعدادها واحدا وثلاثين (31) مسألة[22].

ويظهر من جملة العناوين التي عرضنا لها والتعليقات التي تابعنا فيها أغلب هذه المنجزات، أن موضوع الخلافيات بين المذهبين الماتريدي والأشعري قد استأثر باهتمام المتكلمين قديما وحديثا رغم جنوح أكثرهم إلى التقليل من شأن هذا الاختلاف تقوية منهم لجناح «أهل السنة والجماعة» في مقابل أهل الاعتزال والفلسفة من جهة، وأهل الظاهر والحرْفيين من جهة ثانية. وهذا الجنوح هو الذي استقر عليه الدرس الكلامي السني المتأخر، وإن كان هو أيضا يحتاج إلى إعادة دراسة وفق منهجية علمية محايدة.

ثانيا: القصيدة النونية لابن السبكي وشرح الشيرازي عليها

1ـ نونية ابن السبكي: أول إنتاج شعري ـ تعليمي يلملم مواضع الاختلاف بين الأشعرية والماتريدية

يبدو أن هذه القصيدة، بحسب لائحة المؤلفات المذكورة أعلاه ـ من بواكير الأعمال التي عنيت رأسا بموضوع الخلافيات بين الأشعرية والماتريدية، ولعلها تكون المحاولة الشعرية ـ التعليمية الأولى في موضوعها. وهي، في مضمونها، تناسب تماما المنزعَ العقائدي التوفيقي للتاج السبكي بين قطبَيْ مذهب أهل السنة والجماعة، بل وتناسب رغبتَه الجامحةَ في تمتين «الجبهة السنية» متمثلة في المذاهب الفقهية الأربعة لمواجهة باقي الجبهات وعلى رأسها الجبهة الشيعية والجبهة الاعتزالية والجبهة الفلسفية. وهذه الجبهة السنية لا بد وأن يُقوِّيَ أساسَها مذهبٌ كلامي يعرض لنظرية عقلية متكاملة في المعرفة تجمع بين الأرضية الشرعية الصلبة، والتماسك المنطقي والنسقي في الحجاج والاستدلال، مع الاعتزاء إلى السنة وموروث السلف في العقائديات. ولذلك دافع التاج السبكي بضراوة عن هذا الأساس الكلامي السني ما دفعه إلى المبالغة أحيانا في نسبة كل أو جل أكابر علماء المذاهب الفقهية الأربعة إلى الأشعرية والماتريدية والتقليل من شأن الخلاف الواقع بينهما في بعض المسائل.

والحق أن من أمعن النظر في هذه القصيدة وجدها ليست قاصرة على ذكر المسائل الخلافية بين الأشاعرة والحنفية كما ذهب إلى ذلك أغلب من ذكرها، وإنما ألمع فيها أيضا إلى الخلافيات بين الأشاعرة أنفسهم أو ما أسميه بـ«الخلاف الصغير في المذهب الأشعري»*. وهذا الإلماع له دلالته الرمزية؛ فابن السبكي بقدر ما يروم التوفيق بين قطبي علم الكلام السني وردم الهوة بينهما ويحاجج على الطبيعة اللفظية للخلاف في أغلب المسائل المختلف فيها، يعمل ـ بطريقة ضمنية ـ على تهوين حجم هذا الخلاف من خلال الإشارة إلى اختلاف أرباب المذهب الأشعري أنفسِهم في جملة من المسائل والأحكام؛ فهذه من قَبِيل تلك لا فرق بينهما، فإنْ تسامحنا فيها وإلا وجب اعتبارُها جميعا خلافاتٍ جوهريةً، وواقع المذهب (الأشعري) بخلاف ذلك، كذلك الشأن بينه وبين قَسِيمِهِ (الماتريدي)، فتأمل.

هذا، وقد كان ابن السبكي في قصيدته حريصا جدا على امتداح خصيصة عدم التكفير وترك التبديع بين الأصحاب (من الأشاعرة والماتريدية) على النقيض من باقي المذاهب والفرق الكلامية الأخرى؛ فكأنها علامة فارقة بين أهل السنة وأهل البدعة.

وقمين بالذكر أن نونية ابن السبكي رغم مقصد تذويب الاختلاف بين الأشعرية والماتريدية الباعث على قرضها إلا أنه صدَّرها بعشرات من الأبيات (من جملة ثلاثة وأربعين ومائة بيت) سكب فيها اعتقاداته التي يدين بها؛ وهي في جملتها تطوف على أصول تنبني عليها المذهبية الأشعرية، أهمها:

  • «أصل التنزيه» مقابل التجسيم والتشبيه؛ وهذا واضح في نفيه القول بالجهة والعلو المكاني أو تشبيه الله بخلقه، وقد أكثر من الأبيات التي تفيد هذا المعنى.
  • و«أصل الإثبات» مقابل التعطيل؛ كإثبات صفات القدم والبقاء والسمع والبصر، وكما هو الشأن في مسألة إثبات رؤية الله يوم القيامة.
  • و«أصل الاتباع» مقابل الابتداع؛ بتشديده على اقتفاء سنة النبي عليه السلام وسنة الخلفاء والصحابة من بعده.

وهو في أضعاف ذلك ينتصر لما أجمع عليه الأشعرية من الشوافع والمالكية وغيرهِم من اعتقاد الشفاعة، والتوسل بالنبي، والإيمان بكرامات الأولياء، وتولي الصحابة جميعهم، وخصوصا الخلفاءَ الأربعة بالترتيب المعهود عند أهل السنة.

إلى ذلك، فقد نقل التاج السبكي قصيدته النونية بالكامل في كتابه «طبقات الشافعية الكبرى» في سياق بيان أن طريقة أبي الحسن الأشعري «هي التي عليها المعتَبرون من علماء الإسلام» بحسب تعبيره[23]. في هذا الصدد، ذكر المؤلف كلاما لأحد أعلام الحنفية في علم الكلام ـ وهو أبو العباس الحنفي المعروف بـ«قاضي العسكر» ـ تحدث فيه عن أبي الحسن الأشعري وتقليد الشوافع لطريقته، وألمع إلى تخطئة الأحناف له في جملة من المسائل، بطريقة يُفهم منها أن الإعراض عن كتب الأشعري آمنُ وأولى لمن لم يقف على المسائل التي أخطأ فيها وخالف بها أهلَ السنة والجماعة (=الماتريدية أو الحنفية)*. لذلك انبرى التاج السبكي لتحقيق هذه الدعوى والحجاج على كون الأشعرية والماتريدية صنويْن؛ فجاء بقصيدته التي قرضها لهذا الغرض، وعدَّد فيها ثلاث عشر مسألة (13) اختلف فيها المذهبان؛ سبعٌ منها لفظية والباقي معنوي، وهي في المجموع لا تكفير فيها ولا تبديع. وهذا المسائل هي:

  1. الاستثناء في الإيمان
  2. هل ينقلب السعيد شقيا وبالعكس؟
  3. هل على الكافر نعمة أم هي محض استدراج؟
  4. إنكار الرسالة بعد موت الرسول
  5. هل تستلزم الإرادة الرضا والمحبة؟
  6. هل يصح إيمان المقلد أم لا؟
  7. الكسب والاختيار

وهذه المسائل الخلاف فيها لفظي ليس إلا. ومنها ما هو مختلَق على الأشعري وهما مسألتان: إنكار الرسالة بعد موت الرسول، وعدمُ تصحيح إيمان المقلد. ومنها ما قيل إنه مفترىً على أبي حنيفة وهي القول باتحاد الإرادة والرضا.

  1. جواز إثابة العاصي وتعذيب المطيع أو مسألة الوعد والوعيد
  2. هل تجب معرفة الله بالشرع أم بالعقل؟
  3. هل صفات الأفعال قديمة أم محدثة؟
  4. هل حروف المصحف هي عين كلام الله؟
  5. التكليف بما لا يطاق
  6. عصمة الأنبياء ـ أو: هل يجوز على الأنبياء اقتراف الصغائر ـ؟

وتلك المسائل الست الخلافُ فيها واقع في المعنى. على أن منها ما هو مختلَق أو متأوَّل على أبي حنيفة؛ فمسألة: هل حروف القرآن ـ أو مكتوب المصاحف ـ هو عين القرآن؟ قيل إنها مكذوبة عليه.

بعد عرض المسائل المختلف فيها بقسميها بين الماتريدية والأشعرية، عرَّج ابن السبكي على ذكر المسائل التي اختلف فيها الأشاعرة فيما بينهم، ونص منها على ثلاث، هي:

  1. صفة البقاء: هل هي صفة نفسية أم صفة زائدة على الذات؟
  2. هل الوجود هو عين الذات أم زائد عليها؟
  3. هل الاسم والمسمى واحد أم لا؟

ثم توّج تاج الدين قصيدته بأبيات يجمع فيها بين أهل الرأي وأهل الحديث في المعتقد الحق الذي عليه الأشاعرة والماتريدية، باستثناء مَن مال من الأحناف إلى الاعتزال، وربطَ فيها أهلَ هذه العقيدة الحقة بأرباب المذاهب الفقهية المتبَعين؛ أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل مشددا على وجوب اتباعهم ونبذ التكفير بالذنوب، ليختمها بالصلاة والسلام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلى الآل والصحْب مخصصا منهم الخلفاء الأربعة.

تلكم كانت أهمَّ المسائل التي احتضنتها نونية ابن السبكي قاصدا منها بيان مطابقة عقيدة الأشعري لعقدية أبي حنيفة النعمان.

وجدير بالذكر أن هذه القصيدة ربما أُطلق عليها أيضا «العقيدة النعمانية» بتعلة المطابقة المذكورة، وهذا الإطلاق استصحبناه بموجب ما ذكره مؤلفَا «معجم تاريخ التراث الإسلامي في مكتبات العالم (المخطوطات والمطبوعات)» ؛ حيث أثبتا شرحا للعقيدة النونية بعنوان «شرح العقيدة النعمانية» وجعلاه شرحا للقصيدة النونية لتاج الدين السبكي في الكلام[24]. لكن لم يتسنَّ لي التحقق من هذا الإطلاق، وإن كان يحيل ـ أي الإطلاق ـ فيما يبدو على أبي حنيفة النعمان[25]، لكن في النسبة إبعاد؛ إذ ليست القصيدة النونية في بيان أو اختصار «العقيدة الحنفية/ أو الماتريدية) وإنما هي، أساسا، في باب الخلافيات بين المذهبين الأشعري والماتريدي.

وقد كُتب لهذه القصيدة الانتشارُ فنقل منها العلماء واستشهدوا بكثير من أبياتها كما هو صنيع أبي عذبة صاحب «الروضة البهية»، ومرتضى الزبيدي في «إتحاف السادة المتقين»، وعبد الحفيظ بن علي المالكي الصعيدي الأزهري في «المنهل السيال» وغيرهم.

من جهة أخرى، لا يستبعد الباحث أن تكون القصيدة النونية لابن السبكي تعريضا للقصيدة النونية لابن القيم (ت.756هـ)، وهي أيضا في العقائد، وفيها ما فيها من التقريرات التي تخالف ما استقر في المذاهب الكلامية السنية خصوصا الأشعري والماتريدي، أعتَضِد في ذلك بما قاله الزبيدي في «إتحاف السادة المتقين» ـ بعد نقلِ قطعة كبيرة من القصيدة النونية لابن السبكي ـ: «وهذه القصيدة على وزان قصيدة لابن زفيل ـ رجل من الحنابلة ـ وهي ستة آلاف بيت رد فيها على الأشعري وغيره من أئمة السنة وجعلهم جهمية تارة وكفارا أخرى، وقد رد عليها شيخ الإسلام التقي السبكي في كتاب سماه السيف الصقيل»[26].

وعلى غرار القصيدة النونية لابن السبكي وغريمتها لابن القيم نجد قصائدَ أخرى في العقائد كان حرف النون رويَّها ؛ نذكر منها القصيدة النونية المشهورة المسماة «جواهر العقائد» لخضر بك بن جلال الدين (ت.863هـ)، شرحها شمس الدين أحمد بن موسى الخيالي (ت.862هـ وقيل عام 870، وقيل عام 886هـ). وهذه القصيدة قد حوت أمهات المسائل الكلامية منسوجةً بالمذهبية الماتريدية. وهي ـ مع شرحها ـ مطبوعة محققة سنة 2008، فلتُنظَر.

2ـ شرح الشيرازي على القصيدة النونية:

يهمنا التنويه، في سياق التعريف بأثر العقيدة النونية ومبلغ حضورها في  الإنتاج الكلامي السني، إلى شرح مفصل لها نهض به تلميذُ التاج السبكي وصاحبُه نور الدين محمد بن أبي الطيب الشيرازي الشافعي (ت. بعد 758هـ) كما ذكر هو نفسُه (السبكي) في تقديمه للقصيدة، واصفا الشارح بـ«الشيخ الإمام العلامة»[27]. وقد احتفظت بعض المكتبات العامة بنسخ مخطوطة من هذا الشرح أبرزها دار الكتب المصرية حيث انحفظت فيها نسخة مخطوطة تحت (رقم: 1916 علم الكلام)، وهي النسخة التي اعتمد عليها ـ إلى عهد قريب ـ مَن كتب من الباحثين المعاصرين في الخلاف بين المذهبين مِمَّن تأتى له الاطلاع عليها[28].

وقد قُيِّض لهذا الشرح أن يخرج من ظلمات مكتبات المخطوطات إلى نور رفوف المطبوعات بفضل تحقيقين اثنين متزامنين تقريبا:

ـ أولهما صدر بالعنوان الآتي «شرح القصيدة النونية في مسائل الخلاف بين الأشاعرة والحنفية»، تأليف: الإمام نور الدين محمد بن أبي الطيب الشيرازي الشافعي الشهير بنور الشيرازي (ت: بعد 757هـ)، ويليه: الروضة البهية فيما بين الأشاعرة والماتريدية، للشيخ أبي الصلاح نور الدين حسن بن عبد المحسن الشهير بأبي عذبة (ت: بعد 1125هـ)، تحقيق: محمود بن جواد قره داغ الساقاريوي[29].

ـ والثاني بعنوان «شرح قصيدة السبكي النونية في بيان الاختلاف بين الأشعرية والماتريدية» للإمام نور الدين محمد بن أبي الطيب الشيرازي (توفي بعد 758هـ)، ومعه: أرجوزة في معرفة المسائل الخلافية بين الأشعرية والماتريدية» لنجم الدين الطرسوسي الحنفي (ت.758هـ) ، تحقيق وتعليق: محمد باقر أحمد عز الدين ويس[30].

وقد أفادنا صاحب التحقيق الأول ـ وهو الأسبق زمنا[31] ـ بأن كتاب «الروضة البهية» لأبي عذبة هو منتحَل في معظمه حرفًا حرفًا، بحسب ما كُتب في واجهة الكتاب، من شرح الشيرازي على القصيدة النونية[32]، مما يُبِين عن قيمته وأسبقيته التاريخية.

ولعل من نافلة الكلام عن هذا الشرح أن نستطرد في مسألة تاريخية جزئية تبعث على التساؤل والاستفهام تتعلق بتاريخ كتابته؛ إذ معلوم أن تاج الدين السبكي ممن لم يُعمِّر، فقد عاش أربعا وأربعين (44) سنة ـ على الرأي الراجح[33] ـ لكنها كانت حافلة بالتأليف في جميع العلوم الشرعية تقريبا كما هو معروف ومسطور في محله. والرجل توفي عام 771هـ، وقد رأينا أن المحققَيْن معا ـ دائما بحسب ما هو لائح على واجهتي الإصداريْن لعدم تسنّي الوقوف على الكتابين ـ لم يقطعا بسنة وفاة الشارح (أحدهما قال توفي بعد 757 هـ والثاني جعلها بعد 758هـ)، وسندهما في ذلك هو في الغالب نصان: أولهما ما صرح به ابن السبكي قبل عرضه لقصيدته ـ على ما سيأتيك لاحقا بنصه ـ  بقوله: ««شرحها من أصحابي الشيخ الإمام العلامة نور الدين محمد بن أبي الطيب الشيرازي الشافعي، وهو رجل مقيم في بلاد كيلان، ورد علينا دمشق في سنة سبع وخمسين وسبعمائة، وأقام يلازم حلقتي نحو عام ونصف عام، ولم أر فيمن جاء من العجم في هذا الزمان أفضل منه ولا أدين»[34]، والثاني ما صرح به الشارح نفسه في مقدمة شرحه حيث قال: «لما امتطيت غوارب الاغتراب، وتصديت متاعب الاكتساب، انتهى الحط والترحال، وتقلُّب الأمور حالا بعد حال، إلى أن توردت غوطة دمشق [...] غرة ربيع الأول لسنة سبع وخمسين وسبعمائة»[35].

والمحققان إذ لم يقطعا بسنة وفاة الشارح ـ وحُقَّ لهما ذلك لغياب ترجمة للرجل كما نبهنا في الهامش ـ فإنه مما يثير الاستغراب كيف لم ينتبها ـ على الأقل بالنسبة لمن قال منهما «توفي بعد 757هـ»[36] ـ لما سطره ابن السبكي من كون الشيرازي قد لبث مدة عام ونصف يلازم فيها حلقته، ولعل هذه الملازمة امتدت إلى سنة 759هـ أو قريب منها. ولذلك فمن جعل وفاته بعد 758هـ كان، على كل حال، أنبه من قرينه. ويستفاد من ذلك أيضا أن ابن السبكي بالنظر إلى تاريخ كتابة هذا الشرح (بين عامي 757 و758هـ على أضيق تقدير أو بين 757 و759 على أوسع تقدير)، قد وضع نونيته وهو في سن  الثلاثين (30).

على أن تصريح تاج الدين السبكي بكون الشيرازي قد ورد عليهم دمشق سنة 757هـ يحتاج إلى تفصيل؛ فقد ذكر هو نفسه في «طبقاته» ـ وهو بصدد الانتصار لوالده تقي الدين السبكي بذكر أعلام من تلمذ عليه ـ بأن الشيرازي المذكور هو من جملة من أخذ عنه، يقول: «وأما الذين اجتمعوا عند والدي واشتغلوا عليه وتمثلوا بين يديه فهم العلماء الأبرار والصلحاء الأخيار بذلوا له الأنفس والأموال منهم الإمام الهمام الشيخ شرف الدين الطيبي شارح الكشاف والتبيان وهو كالشمس لا يخفى بكل مكان، ومنهم الإمام المدقق نجم الدين سعيد شارح شرح الحاجبية والعروض الساوية وهو الذي سار بذكره الركبان، ومنهم النوران فرج بن أحمد الأردبيلي ومحمد بن أبي الطيب الشيرازي وهما كالتوأمين تراضعا بلبان وأي لبان ورتعا من أكلأ العلوم في عشب أخصب من نعمان..»[37]. ومعلوم أن تقي الدين السبكي قد توفي عام 756هـ، لكنه توفي بالقاهرة وليس بدمشق، فربما كان تتلمذُ الشيرازي على التقي السبكي بمصر ثم دخل دمشق بعد وفاة شيخه، وربما أخذ عنه بالشام في مرحلة سابقة قبل أن يأخذ عن ابنه التاج السبكي، والأوَّل أولى. لكن قول التاج الذي أوردناه آنفا (ولم أر فيمن جاء من العجم في هذا الزمان أفضل منه ولا أدين) كأنه يُفهم منه أن الشيرازي قد ورد دمشق سنة 757هـ لأول مرة؛ فكأنه بعد موت شيخه بالقاهرة ارتحل إلى ابنه بدمشق ليواصل امتصاص علم آل السبكي رغم ما بلغه من العلم باعتراف شيخه وقرينه التاج السبكي.

وعلى كل حال، يبدو أن هذا الشرح الذي نهض به الشيرازي قد كان متداولا بين العلماء مشهورا بينهم؛ فنقل منه مَن ألف في الخلافيات بين المذهبين الأشعري والماتريدي كما هو حال صاحب «الروضة البهية» وصاحب «المنهل السيال» المذكورين آنفا.

وفيما يلي نعرض لنص القصيدة النونية السُّبكية مع ذكر سياق الإتيان بها ـ المنوَّهِ به أعلاه ـ وتعليقاتِ صاحبها عليها كما هي مضمنةٌ في كتابه «طبقات الشافعية الكبرى»[38]، مخدومةً ببعض الهوامش التي ترفع اللبس عن عَلم من الأعلام أو حكم من الأحكام.

************

* «ذكر كلام أبي العباس قاضي العسكر الحنفي»:

كان أبو العباس هذا رجلا من أئمة أصحاب الحنفية ومن المتقدمين في علم الكلام وكان يُعرف بقاضي العسكر.

وقد حكى الحافظ أبو القاسم في كتاب التبيين[39] جملة من كلامه فمنه قوله «وقد وجدت لأبي الحسن الأشعري كتبا كثيرة في هذا الفن ـ يعني أصولَ الدين ـ وهي قريب من مائتي كتاب، والموجز الكبير يأتي على عامة ما في كتبه. وقد صنف الأشعري كتابا كبيرا لتصحيح مذهب المعتزلة ـ فإنه كان يعتقد مذهبهم ـ ثم بين الله له ضلالتهم فبان عما اعتقده من مذهبهم؛ وصنف كتابا ناقضا لما صنف للمعتزلة. وقد أخذ عامة أصحاب الشافعي بما استقر عليه مذهب أبي الحسن الأشعري، وصنف أصحاب الشافعي كتبا كثيرة على وفق ما ذهب إليه الأشعري، إلا أن بعض أصحابنا من أهل السنة والجماعة خطأ أبا الحسن الأشعري في بعض المسائل مثل قوله: «التكوين والمكوَّن واحد» ونحوها على ما نبين في خلال المسائل إن شاء الله. فمن وقف على المسائل التي أخطأ فيها أبو الحسن وعرف خطأه فلا بأس له بالنظر في كتبه وقد أمسك كتبَه كثيرٌ من أصحابنا من أهل السنة والجماعة ونظروا فيها[40].

* «ذكر البحث عن تحقيق ذلك»

سمعت الشيخ الإمام[41] رحمه الله يقول: «ما تضمنته عقيدة الطحاوي هو ما يعتقده الأشعري لا يخالفه إلا في ثلاث مسائل».

قلت: أنا أعلم أن المالكية كلهم أشاعرة لا أستثني أحدا[42]، والشافعية غالبهم أشاعرة لا أستثني إلا من لحق منهم بتجسيم أو اعتزال ممن لا يعبأ الله به، والحنفية أكثرهم أشاعرة؛ أعني يعتقدون عقد الأشعري لا يخرج منهم إلا من لحق منهم بالمعتزلة، والحنابلة أكثر فضلاء متقدميهم أشاعرة لم يخرج منهم عن عقيدة الأشعري إلا من لحق بأهل التجسيم، وهم في هذه الفرقة من الحنابلة أكثر من غيرهم.

وقد تأملت «عقيدة أبي جعفر الطحاوي» فوجدت الأمر على ما قال الشيخ الإمام. و«عقيدة الطحاوي» زعم أنها الذي عليه أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد، ولقد جوَّد فيها، ثم تفحَّصت كتب الحنفية فوجدت جميع المسائل التي بيننا وبين الحنفية خلافٌ فيها ثلاثَ عشرة مسألة؛ منها معنوي ست مسائل والباقي لفظي، وتلك الست المعنوية لا تقتضي مخالفتُهم لنا ولا مخالفتُنا لهم فيها تكفيرا ولا تبديعا، صرح بذلك الأستاذ أبو منصور البغدادي وغيره من أئمتنا وأئمتهم، وهو غني عن التصريح لظهوره.

ومن كلام الحافظ [يقصد ابن عساكر]: «الأصحاب مع اختلافهم في بعض المسائل كلُّهم أجمعون على ترك تكفير بعضهم بعضا مجمعون، بخلاف مَن عداهم من سائر الطوائف وجميع الفرق فإنهم ـ حين اختلفت بهم مستشنَعات الأهواء والطرق ـ كفَّر بعضُهم بعضا ورأى تبرِّيه ممن خالفه فرضا».

قلت: وهذا حق، وما مثل هذه المسائل إلا مثل مسائل كثيرة اختلفت الأشاعرة فيها، وكلهم عن حمى أبي الحسن يناضلون وبسيفه يقاتلون، أفتراهم يبدع بعضهم بعضا! ثم هذه المسائل لم يثبت جميعُها عن الشيخ ولا عن أبي حنيفة رضي الله عنهما، كما سأحكي لك، ولكن الكلام بتقدير الصحة.

ولى قصيدة نونية، جمعت فيها هذه المسائل، وضمَمْت إليها مسائل اختلفت الأشاعرة فيها مع تصويب بعضهم بعضا في أصل العقيدة، ودعواهم أنهم أجمعين على السنة. وقد ولع كثير من الناس بحفظ هذه القصيدة لا سيما الحنفية، وشرحها من أصحابي الشيخ الإمام العلامة نور الدين محمد بن أبي الطيب الشيرازي الشافعي، وهو رجل مقيم في بلاد كيلان[43]، وردَ علينا دمشق في سنة سبع وخمسين وسبعمائة، وأقام يلازم حلقتي نحو عام ونصف عام، ولم أر فيمن جاء من العجم في هذا الزمان أفضل منه ولا أدين.

وأنا أذكر لك قصيدتي في هذا الكتاب لتستفيد منها مسائل الخلاف وما اشتملت عليه:

الوَرْدُ خَدُّكَ صِيغَ مِن إنسانِ أم في الخُدود شَقائقُ النُّعمانِ
والسيفُ لَحظُك سُلَّ مِن أجفانهِ فَسَطا كمِثْلِ مُهنَّدٍ وسِنانِ
تاللهِ ما خُلِقَتْ لِحاظُك باطلا وسُدًى تعالى الله عن بُطلانِ
وكذاك عَقلُكَ لم يُركَّبْ يا أخي عَبثا ويودَع داخل الجثمانِ
لكنْ ليسعدَ أو ليشقى مؤمنٌ أو كافر فبَنُو الوَرى صِنفانِ
لو شاء ربُّك لاهتدى كلٌّ ولم يحتجْ إلى حدٍّ ولا برهانِ
فانظر بعقلك واجتهد فالخيرُ ما تُؤْتاه عقلٌ راجحُ الميزانِ
واطلب نجاتَك إنَّ نفسَك والهوى بحران في الدَّرَكاتِ يلتقيانِ
نارٌ يراها ذو الجهالة جَنَّةً ويخوضُ منها في حَميمٍ آنِ
ويظلُّ فيها مِثلَ صاحبِ بدعةٍ يتخيل الجناتِ في النيرانِ
كذب ابنُ فاعلةٍ يقول لِجَهْلِهِ   اللهُ جسمٌ ليس كالجُسمانِ
لو كان جسما كان كالأجسام يا   مجنونُ فاصغِ وعُد عن بُهتانِ
واتَّبعْ صراطَ المصطفى في كلِّ ما يأتي وخلِّ وساوسَ الشيطانِ
واعلم بأن الحق ما كانت عليـ ـه صحابةُ المبعوثِ من عَدنانِ
مَن أكملَ الدينَ القويمَ وبيَّن الْـ ـحججَ التي يُهدَى بها الثَّقلانِ
قد نزَّهوا الرحمنَ عن شَبَهٍ وقدْ دانوا بما قد جاء في الفُرقانِ
ومَضَوا على خيرٍ وما عقدوا مَجا لِسَ في صفات الخالق الديَّانِ
كلا ولا ابتدعوا ولا قالوا البِنا متشابه في شَكْلِهِ للباني
وأتتْ على أعقابهم علماؤنا غرسوا ثمارا يجتنيها الجاني
كالشافعيِّ ومالكٍ وكأحمدٍ وأبي حنيفةَ والرِّضا سفيانِ
وكمثل إسحاقٍ وداودٍ ومَنْ يَقْفو طرائقَهم مِن الأعيانِ
وأتى أبو الحسن الإمامُ الأشعريُّ مُبيِّنا للحق أيَّ بيانِ
ومناضلا عما عليه أولئك الْـ أسلافُ بالتحرير والإتقانِ
ما إن[44] يخالف مالكا والشافعي وأحمدَ بنَ محمد الشَّيْباني
لكنْ يوافقُ قولَهم ويزيدُهُ حُسنا بتحقيقٍ وفضلِ بيانِ
يقفو طرائقَهم ويتبع حارثا[45] أعني محاسبَ نفسِه بوِزانِ
فلقد تلقَّى حسنَ منهجه عن الْـ أشياخ أهل الدين والعرفانِ
فلذاك تلقاه لأهل الله ينـ ـصُرُ قولَهم بمُهنَّدٍ وسِنانِ
مِثلُ ابن أدهمَ[46] والفُضَيْلِ[47] وهكذا معروفٌ[48] المعروفُ في الإخوانِ
ذو النون[49] أيضا والسَّريّ[50] وبشرٌ بـ ـنُ الحارثِ الحافي[51] بلا فُقدانِ
وكذلك الطائيُّ[52] ثم شقيقٌ الْـ ـبَلخيُّ[53] وطَيْفورُ[54] كذا الدارانِي[55]
والتُّستريّ[56]ُ وحاتمٌ[57] وأبو ترا بٍ عسكرٌ[58] فاعدُدْ بغير توانِ
وكذاك منصورُ بن عمّارٍ[59] كذا يحيى سليل معاذٍ[60] الرَبَّانِي
فله بهم حُسنُ اعتقادٍ مثل ما لهُمُ به التأييدُ يومَ رِهانِ
إذ يُجمعُ الخصمانِ يومَ جِدالهم ولِما تَحَقَّقَ يسمعُ الخصمانِ
لمَ لا يتابعُ هؤلاء وشيخُه الـ شيخُ الجنيدُ[61] السيِّدُ الصَّمدانِي
عنه التصوفَ قد تلقَّى فاغتذَى وله به وبعلمه نُورانِ
ورأى أبا عثمانٍ الحيريِّ[62] والنُّـ وريَّ[63] يا لَهُما! هما الرَّجلانِ
ورأى رُوَيْما[64] ثم رام طريقَه وأبا الفوارس شاهًا الكِرْمانِي[65]
والمغربيَّ[66] كذا ابنَ مسروقٍ[67] كذا الْـ بُسْرِيَّ[68] قومٌ أفرسُ الفُرسانِ
وأظنه لم يلتقِ الخرَّازَ[69] بل قيل التقى سَمْنونَ[70] في سِمْنانِ
وكذاكَ للجَلَّاءِ[71] لم ينظر ولا ابْـ ـنِ عَطا[72] ولا الخَوَّاصِ[73] ثم بُنانِ[74]
وكذاكَ مُمْشاذٌ[75] مع الدُّقِّيِّ[76] مَعْ خيرٍ[77] وهذا غالبُ الحُسبانِ
وكذاك أصحاب الطريقة بعده ضبطوا عقائدَه بكل عِنانِ
وتتلمذ الشِّبْليُّ[78] بين يديه وابـ ـنُ خَفيف[79] والثَّقَفِيُّ[80] والكَتّانِي[81]
وخلائقٌ كَثُروا فلا أحصيهمُ ورَبَوْا على الياقوت والمَرْجانِ
الكل معتقدون أن إلهنا مُتَوَحِّدٌّ فردٌ قديمٌ دانِ
حيٌّ عليم قادر متكلمٌ عالٍ ولا نعني عُلَوَّ مكانِ
باقٍ له سمعٌ وإبصارٌ يريـ ـدُ جميع ما يجري من الإنسانِ
والشرُّ مِن تقديره لكنَّه عنهُ نهاك بواضحِ البرهانِ
قد أنزل القرآنَ وَهْوَ كلامُه لَفَظَتْ به للقارئ الشفتانِ
وإلهنا لا شيءَ يُشبهه وليـ ـسَ بمُشبهٍ شيئا من الحِدْثانِ
قد كان ما معه قديما قطُّ من شيء[82] ولم يبرح بلا أعوانِ
خلق الجهاتِ مع الزمان مع المكا نِ الكلُّ مخلوقٌ على الإمكانِ
ما إن تحُلُّ به الحوادثُ لا ولا كلَّا وليس يحُلُّ في الجُسمانِ
كذب المُجسِّمُ والحُلوليُّ الكَفو رُ فَذانِ في البطلان مُفتريانِ
والاتحاديُّ الجَهولُ ومَن يقُلْ بالاتحادِ فإنه نَصرانِي
ونبينا خيرُ الخلائق أحمدٌ ذو الجاه عند الله ذي السُّلطانِ
وله الشفاعةُ والوسيلة والفضيـ ـلةُ واللواء وكوثرُ الظمآنِ
فاسأل إلهَكَ بالنبي محمدٍ متوسِّلا تظفر بكلِّ أمانِ
لا خلقَ أفضلُ منه لا بشرٌ ولا مَلَكٌ ولا كونٌ من الأكوانِ
ما العرشُ ما الكرسيُّ ما هذِي السَّما عند النبي المصطفى العدنانِ
والرُّسْلُ بعد محمدٍ درجاتُهم ثم الملائك عابدو الرحمن
ثم الصحابةُ مثلَ ما قد رُتِّبوا فالأفضلُ الصِّدِّيقُ ذو العرفانِ
ثم العزيزُ السيِّد الفاروقُ ثم اذكرْ محاسنَ ذي التُّقَى عُثمانِ
وعليٌّ ابنُ العمِّ والباقون أهـ ـلُ الفضل والمعروف والإحسانِ
والأولياء لهم كراماتٌ فلا تُنكِر تقعْ في مَهْمَهِ الخِذلانِ
والمؤمنون يرون ربهم كرُؤْ يَتِهِمْ لبدرٍ لاح نحوَ عَيانِ
هذا اعتقادُ مشايخ الإسلام وَهْـ ـوَ الدينُ فَلْتَسمعْ له الأُذنانِ
الأشعريُّ عليه ينصرُه ولا يألو جزاه اللهُ بالإحسانِ
وكذاك حالتُه مع النُّعمانِ لَمْ ينقُض عليه عقائدَ الإيمانِ
يا صاح إن عقيدة النعمان والْـ أشعريِّ حقيقةُ الإتقانِ
فكلاهما والله صاحبُ سنةٍ بهُدى نبيِّ الله مُقتديانِ
لا ذا يبدِّعُ ذا ولا هذا وإن تحسب سواه وَهِمْتَ في الحسبانِ
من قال إن أبا حنيفةَ مُبدِعٌ رأيا فذلك قائلُ الهذيانِ
أو ظن أن الأشعريَّ مُبَدِّعٌ فلقد أساء وباء بالخسرانِ
كلٌّ إمامٌ مقتدٍ ذو سُنةٍ كالسيف مسلولا على الشيطانِ
والخُلْفُ بينهما قليلٌ أمرهُ سهلٌ بلا بِدْعٍ ولا كُفرانِ
فيما يَقِلُّ مِن المسائل عَدُّهُ ويهون عند تطاعُنِ الأقرانِ
ولقد يؤول خلافها إما إلى لفظ كالاستثناء في الإيمانِ
  • الأشعرى يقول أنا مؤمن إن شاء الله.
وكمنعه أن السعيد يَضلُّ أو يشقى ونعمةَ كافرٍ خَوّانِ
  • الأشعري يقول: السعيدُ مَن كُتب في بطن أمه سعيدا، والشقيُّ من كُتب في بطن أمه شقيا، لا يتبدلان. وأبو حنيفة يقول: قد يكون سعيدا ثم ينقلب ـ والعياذ بالله ـ شقيا وبالعكس.

وقد قررنا هذه المسألة في كتابنا في «شرح عقيدة الأستاذ أبي منصور» وبينا اختلاف السلف فيها كاختلاف الخلف، وأن الخلاف لفظي لا يترتب عليه فائدة[83].

والأشعري يقول: ليس على الكافر نعمة وكل ما يتقلب فيه استدراج، وأبو حنيفة يقول: عليه نعمة، ووافقه من الأشاعرة القاضي أبو بكر بن الباقلاني فهو مع الحنفية في هذه كالماتريدي منهم معنا في مسألة الاستثناء.

وكذا الرسالةُ بعد موتٍ إن تكنْ صحَّت وإلا أجمعَ الشيخانِ
وقد ادَّعى ابنُ هَوازِنَ[84] أستاذُنا فيها افتراءً من عدوٍّ شانِ
وهو الخبير الثَّبْتُ نقلاً والإرا دةُ ليس يلزمها رضا الرحمنِ
فالكفرُ لا يرضَى به لعبادهِ ويريده، أمران مفترقانِ
وأبو حنيفةَ قائلٌ إنَّ الإرا دةَ والرِّضا أمران متحدانِ
وعليه أكثرنا ولكن لا يصحُّ وقيلَ مكذوبٌ على النعمانِ
  • إنكار الرسالة بعد الموت معزوَّةٌ إلى الأشعري، وهى من الكذب عليه، وإنما ذكرناها وفاءً بما اشترطناه من أنا ننظم كلَّ ما عُزِيَ إليه، ولكنه صرَّح بخلافها، وكتبُه وكتبُ أصحابه قد طبَّقت طبقَ الأرض وليس فيها شيء من ذلك، بل فيها خلافه.

ومن عقائدنا أن الأنبياء عليهم السلام أحياء في قبورهم، فأين الموت؟ وقد أنكر الأستاذ ابن هوازن ـ وهو أبو القاسم القشيري ـ في كتابه «شكاية أهل السنة»[85] الذي سنحكيه في هذه الترجمة بتمامه هذه، وبيَّن أنها مختلَقةٌ على الشيخ، وكذلك بيَّن ذلك غيرُه.

وصنَّف البيهقي رحمه الله جزءا سمعناه في «حياة الأنبياء عليهم السلام في قبورهم»[86]، واشتد نكير الأشاعرة على من نَسب هذا القول إلى الشيخ، وقالوا: قد افترى عليه وبَهَتَه.

  • وأما مسألة الرضا والإرادة، فاعلم أن المنقول عن أبي حنيفة اتحادُهما وعن الأشعري افتراقُهما. وقيل إنَّ أبا حنيفة لم يقل بالاتحاد فيهما بل ذلك مكذوب عليه. فعلى هذا انقطع النزاع، وإنما الكلام بتقدير صحة الاتحاد عنده، وأكثر الأشاعرة على ما يُعزَى إلى أبي حنيفة من الافتراق، منهم إمام الحرمين وغيره، آخرُهم الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله، قال: هما شيء واحد، ولكني أنا لا أختار ذلك، والحق عندي أنهما مفترقان، كما هو منصوص الشيخ أبي الحسن.
وكذاك إيمان المقلِّد وهو مِمَّـ ـا أنكر ابنُ هوازن الربَّانِي
ولو أنه مما يصح فخلفُهم فيه للفظٍ عادَ دون مَعانِ
  • ذكروا أن شيخنا يقول: إن إيمان المقلد لا يصح، وأنكر ذلك الأستاذ أبو القاسم، وقال: إنه مكذوب عليه. وسنبحث عن ذلك في ذيل سياق كتاب «شكاية أهل السنة»[87]، والقول على تقدير الصحة.
وكذاك كَسْبُ الأشعريِّ وإنه صعبٌ ولكن قام بالبرهانِ
من لم يقل بالكسب مال إلى اعتزا لٍ أو مقالِ الجَبْرِ ذي الطغيانِ
  • كسب الأشعري كما هو مقرر في مكانه أمر يضطر إليه من ينكر خلق الأفعال وكون العبد مجبرا، والأول اعتزال والثاني جبر؛ فكل أحد يثبت واسطة لكن يعسر التعبير عنها ويمثلونها بالفرق بين حركة المرتعش والمختار. وقد اضطرب المحققون في تحرير هذه الواسطة، والحنفية سموها «الاختيار».

والذي تحرر لنا أن الاختيار والكسب عبارتان عن معين واحد، ولكن الأشعري آثر لفظ الكسب على لفظ الاختيار لكونه منطوقَ القرآن، والقوم آثروا لفظ الاختيار لما فيه من إشعار قدرة للعبد. وللقاضي أبي بكر مذهبٌ يزيد على مذهب الأشعري، فلعله رأي القوم. ولإمام الحرمين والغزالي مذهب يزيد على المذهبين جميعا ويدنو كلَّ الدُّنُوِّ من الاعتزال، وليس هو هو.

ولسنا الآن لتحرير هذه المسألة العظيمة الخطب، وقد قررناها على وجه مختصر في شرح مختصر ابن الحاجب، وعلى وجه مبسوط فيما كتبناه من أصول الديانات[88].

أو للمعاني وَهْوَ ستُّ مسائل هانت مداركُها بدون هَوانِ
لله تعذيبُ المطيعِ ولو جرى ما كان مِن ظُلمٍ ولا عُدوانِ
متصرِّفٌ في مُلكه فلهُ الذي يختار لكنْ جاد بالإحسانِ
فنفىَ العقابَ وقال سوف أثيبُهمْ فله بذاك عليهمُ فَضْلانِ
هذا مَقال الأشعريِّ إمامِنا وسِواه مأثورٌ عن النُّعمانِ
  • ما قدمنا من المسائل ـ ومنه ما لم يصح كما عرفت ـ هو لفظي كله لا فائدة للخلاف فيه.

ومن هنا المسائل المعنوية، وهى ست مسائل. وقد عرفنا أن الشيخ الإمام[89] كان يقول: إن «عقيدة الطحاوي» لم تشتمل إلا على ثلاث، ولكنا نحن جمعنا الثلاث الأُخَر من كلام القوم؛ أولها أن الرب تعالى له عندنا أن يعذب الطائعين ويثيب العاصين؛ كل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل لا حَجْرَ عليه في مُلكه ولا داعيَ له إلى فعله، وعندهم: يجب تعذيب العاصي وإثابة المطيع، ويمتنع العكس.

ووجوبُ معرفة الإله الأشعر يُّ يقول ذاك بشِرْعَة الدَّيّانِ
والعقلُ ليس بحاكمٍ لكنْ له الـ إدراكُ لا حكمٌ على الحيوانِ
وقضَوا بأن العقل يوجبها وفي كتب الفروع لصَحْبنا وَجهانِ
وبأن أوصافَ الفِعال قديمةٌ ليست بحادثة على الحِدْثانِ
وبأن مكتوبَ المصاحف مُنْزَلٌ عَيْنُ الكلام المُنْزَلِ القرآنِ
والبعض أنكر ذا فإن يصدُق فقد ذهبت من التَّعداد مسألتانِ
هذي ومسألةُ الإرادة قبلَها أمران فيما قيل مكذوبانِ
وكما انتفى هذان عنهم هكذا عنَّا انتفى مما يُقال اثنانِ
قالوا وليس بجائز تكليفُ ما لا يُستطاع فتىً مِن الفِتيانِ
وعليه من أصحابنا شيخُ العرا قِ وحُجة الإسلام ذو الإتقانِ
ورواه مجتهد الزمان محمد بْـ ـنُ دقيق عيدٍ واضحُ السُّبلانِ

 

  • منعوا تكليف ما لا يطاق، ووافقهم من أصحابنا الشيخ أبو حامد الإسفرايني شيخ العراقيين وحجة الإسلام الغزالي وشيخ الإسلام تقي الدين محمد بن علي بن دقيق العيد القوصي رحمهم الله تعالى أجمعين.
قالوا وتمتنع الصغائرُ من نبـ ـيٍّ للإله وعندنا قولانِ
والمنعُ مرويٌّ عن الأستاذ والـ ـقاضي عياضٍ وهو ذو رُجحانِ
وبه أقول وكان مذهبَ والدي دَفْعا لرُتبتهم عن النُّقصانِ
والأشعريُّ إمامُنا لكننا في ذا نُخالفه بكل لسانِ
ونقول نحن على طريقته ولـ ـكنْ صَحْبُه في ذاك طائفتانِ
بل قال بعض الأشعرية[90] إنهم بُرآء معصومون من نِسيانِ
والكل معدودون من أتباعه لا يخرجون بذا عن الإذعانِ
وأبو حنيفة هكذا مع شيخنا لا شيء بينهما من النُّكرانِ
متناصران وذا اختلافٌ هيِّنٌ عارٍ عن التبديع والخِذلانِ
هذا الإمام وقبله القاضي يقو لان البَقا[91] لحقيقة الرحمنِ
وهما كبيرا الأشعرية وهْو قا لَ بزائدٍ في الذات للإمكانِ
والشيخُ والأستاذُ متفقان في عَقْدٍ وفي أشياء مختلفانِ
وكذا ابن فُورَكٍ الشهيدُ وحجة الْـ إسلام خَصْما الإِفْكِ والبهتانِ
وابنُ الخطيب[92] وقولُه إنَّ الوُجو دَ يزيد وهْو الأشعريُّ الثانِي
والاختلافُ في الاسم هل هو والمُسـ ـمَّى واحدٌ لا اثنانِ أو غَيْرانِ
والأشعرية بينهمُ خُلْفٌ إذا عُدَّت مسائلُه على الإنسانِ
بلغت مئينَ وكلُّهم ذو سُنَّةٍ أُخذَت عن المبعوث مٍن عدنانِ
وغدا ينادى كلّنا من جملة الـ أتباعِ للأسلاف بالإحسانِ
والأشعريُّ إمامُنا والسنة الـ غَرَّاء سُنَّتُنا مدى الأزمانِ
وكذاك أهلُ الرأي مع أهل الحديـ ـث في الاعتقادِ الحقِّ متفقانِ
ما إن يُكفِّر بعضُهم بعضا ولا أزْرَى عليه وَسامَه بهَوانِ
إلا الذين تَمَعْزَلوا منهم فهُمْ فيه تنحَّتْ عنهمُ الفِئتانِ
هذا الصوابُ فلا تظنَّنْ غيرَه واعقِد عليه بخِنْصرٍ وبَنانِ
ورأيت مِمَّن قالهُ حَبْرٌ لهُ نبأٌ عظيمٌ سار في البلدانِ
أعني أبا منصورٍ الأستاذَ عبـ ـدَ القاهر المشهورَ في الأكوانِ
هذا صراط الله فاتْبَعْهُ تجد في القلب بَرْدَ حلاوة الإيمانِ
وتراه يومَ الحشر أبيضَ واضحا يُهدي إليك رسائل الغفرانِ
وعليه كان السابقون عليهمُ حُلَلُ الثناء ومَلْبَسُ الرِّضوانِ
والشافعيُّ ومالكٌ وأبو حنيـ ـفةَ وابنُ حنبلٍ الكبيرُ الشانِ
درجوا عليه وخلَّفونا إثْرَهمْ إن نتَّبعهم نجتمع بجنانِ
أو نبتدعْ فلسوف نصلى النار مذْ مومينَ مدحورين بالعصيانِ
والكفرُ منفيٌّ فلست مكفِّرا ذا بدعة شنعاءَ في النِّيرانِ
بل كلُّ أهل القبلة الإيمانُ يجـ ـمعهم ويفترقون كالوُحدانِ
فأجارنا الرحمن بالهادي النبيِّ   محمدٍ مِن ناره بأمانِ  
صلى الله عليه وسلم ما وَضَح الضُّحى   وبدا بِدَيْجور الدُّجَى النَّسْرانِ  
والآلِ والصَّحْبِ الكرامِ ومنهمُ الصِّـ ـدِّيقُ والفاروقُ مع عثمانِ
وعليٌّ ابنُ العمِّ والباقون إنَّـ ـهمُ النجومُ لمقتدٍ حَيْرانِ

 *** لائحة المصادر والمراجع (بحسب ترتيبها في البحث) ***

ـ الفتاوى الحديثية، الهيثمي ابن حجر، دار المعرفة، بيروت.

ـ رسائل الخادمي (المجموعة الشريفة القدسية)، دار الطباعة العامرة، مصر (طبعة قديمة).

ـ حاشية الخيالي على شرح العقائد النسفية، ضمن مجموعة الحواشي البهية على شرح العقائد النسفية، مكتبة إسلامية ميزان ماركيث كوئته، 1392هـ.

ـ البراهين الساطعة في رد بعض البدع الشائعة، سلامة القضاعي العزامي، مطبعة السعادة، القاهرة، 1396.

ـ البدور الزاهرة في طبقات الأشاعرة، عبد الله معلم عبد، ط1، 1429هـ.

ـ تحرير المطالب لما تضمنته عقيدة ابن الحاجب، قاسم البكّي الكومي أبو الفضل (ت.916هـ)، تح: حمادي نزار، مؤسسة المعارف، بيروت، ط1، 1429هـ ـ 2008م.

ـ العين والأثر في عقائد أهل الأثر، عبد الباقي المواهبي الحنبلي، تح:رواس قلعجي عصام، دار المأمون للتراث، دمشق، ط1، 1407هـ ـ 1987م.

ـ لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية، محمد بن أحمد السفاريني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3، 1411هـ ـ 1991م.

ـ فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ومباينتهم لسائر المخالفين، من إملاء القاضي عبد الجبار، تح: سيد فؤاد، المعهد الألماني للأبحاث الشرقية ـ بيروت، ط1.

ـ فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، من إملاء عماد الدين أبو الحسن عبد الجبار (القاضي)، تح: سيد فؤاد، الدار التونسية للنشر.

ـ مناهج الأدلة في عقائد الملة، ابن رشد، تحقيق: قاسم محمود، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط2، 1964.

ـ المسالك في الخلافيات بين المتكلمين والحكماء، عبد الله بن عثمان بن موسى أفندي المعروف بمَسْتَجي زاده، دراسة وتحقيق: باغجوان سيد، دار صادر، بيروت، ط1، 1428هـ ـ 2007م،

ـ خمس رسائل في الفرق والمذاهب، ابن كمال باشا، تحقيق: باغجوان سيد، دار السلام، مصر، ط1، 1425هـ ـ 2005م.

ـ مسائل الاختلاف بين الأشاعرة والماتريدية، ابن كمال باشا، تصنيف: فودة سعيد عبد اللطيف، ويليه أربع مختصرات في العقائد، تحقيق: فودة سعيد عبد اللطيف، دار الفتح، عمان، ط1، 1430هـ ـ 2009م.

ـ بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية، الخادمي أبو سعيد محمد بن مصطفى، بابرات عايشان شركت صحافيه هيئت إداره سنه احسان بيوريلان مداليه (طبعة قديمة).

ـ معجم تاريخ التراث الإسلامي في مكتبات العالم (المخطوطات والمطبوعات)، علي الرضا قره بلوط ـ أحمد طوران قره بلوط، دار العقبى/ قيصري ـ تركيا.

ـ السمط العبقري في شرح العقد الجوهري، در سعادته باب عالى جاده سنده 34 نومرولو (جمال أفندي) مطبعه سنده طبع أو لنمشدر (طبعة قديمة).

ـ الشيخ خالد النقشبندي العالم المجدد حياته وأهم مؤلفاته، جمع وتحقيق: أباضة نزار، دار الفكر المعاصر ـ بيروت، دار الفكر ـ دمشق، ط1، 1414هـ ـ 1994م.

ـ مكتوبات حضرة مولانا خالد المسمى بغية الواجد، الخالدي صاحب زادة محمد أسعد، عناية: الشمرخي المارديني محمد هادي، مكتبة سيدا، ديار بكر ـ تركيا، ط1، 2012.

ـ مطلع النيرين فيما يتعلق بالقدرتين محمد بن محمد السنباوي المغربي المشهور بالأمير الكبير (ت. 1232هـ)، تحقيق: الحزمري يوسف، مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية ـ تطوان (الرابطة المحمدية للعلماء ـ الرباط)، ط1، 1437هـ ـ 2016م.

ـ المنهل السيّال الدافع لما نشأ من خلاف بن الأشعري والماتريدية من الإشكال، عبد الحفيظ بن علي المالكي الصعيدي الأزهري، تحقيق: حسن سيد كسروي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2008.

ـ أصول الدين، البزدوي أبو اليسر، تحقيق: هانز بيتر انس، ضبطه وعلق عليه: حجازي السقا أحمد، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، 1424هـ ـ 2003م.

ـ منح الروض الأزهر في شرح الفقه الأكبر، القاري الملا علي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط1، 1419هـ ـ 1998م.

ـ خطط المقريزي (=كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار)، المقريزي تقي الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418هـ، ج4.

ـ إشارات المرام من عبارات الإمام، البياضي كمال الدين، خرج أحاديثه ووضع حواشيه: المزيدي أحم فريد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1428هـ ـ 2007م.

ـ إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين، الزبيدي مرتضى، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، ط1، 1414هـ ـ 1994م،  ج2.

ـ كتاب التوحيد، الماتريدي أبو منصور، تحقيق: خليف فتح الله، دار الجامعات المصرية، الإسكندرية.

ـ فصل في خلافات أهل السنة والخلافات المنقولة بين الماتريدية والأشاعرة، منشور بمعية كتاب: نظرة علمية في نسبة كتاب الإبانة جميعِه إلى الإمام الجليل ناصر السنة أبي الحسن الأشعري، غاوجي وهبي سليمان، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1409هـ ـ 1989م.

ـ العقائد الخيرية في تحرير مذهب الفرقة الناجية وهو أهل السنة والجماعة والرد على مخالفيهم، الخادمي محمد وهبي بن حسين أفندي، دار إحياء الكتب العربية.

ـ طبقات الشافعية الكبرى، السبكي تاج الدين، تحقيق: الطناحي محمود محمد ـ الحلو عبد الفتاح محمد، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1976.

ـ رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب» لتاج الدين السبكي، تحقيق: معوّض علي محمد ـ عبد الموجود عادل أحمد، عالم الكتب، بيروت، ط1،1419هـ ـ 1999م.

ـ تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، ابن عساكر أبو القاسم (ت.571هـ)، دار الفكر، دمشق، ط2، 1399.

ـ السيف المشهور في شرح عقيدة أبي منصور، السبكي تاج الدين، تحقيق: يبرم مصطفى صائم، استنبول، ط1، 1421هـ ـ 2000.

ـ شكاية أهل السنة بذكر ما نالهم من محنة، القشيري أبو القاسم، تحقيق: ذو الغنى محمد خالد ـ إدريس محمد يوسف، دار النون، عمان، ط1، 2016.

المقالات والبحوث:

ـ «مسائل الخلاف بين الماتريدية والمعتزلة ـ المسائل العياضية أنموذجا ـ» لصاحبه صالح بن درباش الزهراني، وهو منشور في مجلة البحوث والدراسات الشرعية، عدد: 140 (سنة 1444هـ) [صص.51 ـ 119].

ـ التعريف بالماتريدية تاريخا ومنهجا وعقيدة، ضمن: مجلة قطاع أصول الدين، مج11، العدد: 11، ج2، 2016، [صص.1374 ـ 1488].

ـ قضية الانتحال في المخطوط العربي «شرح الشِّيرَازِيّ على منظومة السُّبکي في بيان الاختلاف بين الأشعرية والماتريدية، والرَّوضة البهية لأبي عذْبة نموذجا»»، ضمن: مجلة كلية أصول الدين والدعوة ـ أسيوط، مج35، العدد: 2، 2017، [صص.2133-2240].


*** الهوامش ***

* انظر ـ مثلا ـ بخصوص التفييء الثنائي:

ـ الفتاوى الحديثية، الهيثمي ابن حجر، دار المعرفة، بيروت،  ص.280،

ـ رسائل الخادمي (المجموعة الشريفة القدسية)، دار الطباعة العامرة، مصر (طبعة قديمة)، ص.155.

ـ حاشية الخيالي على شرح العقائد النسفية، ضمن مجموعة الحواشي البهية على شرح العقائد النسفية، مكتبة إسلامية ميزان ماركيث كوئته، 1392هـ، ج1، ص.21.

ـ البراهين الساطعة في رد بعض البدع الشائعة، سلامة القضاعي العزامي، مطبعة السعادة، القاهرة، 1396، ص.171.

ـ البدور الزاهرة في طبقات الأشاعرة، عبد الله معلم عبد، ط1، 1429هـ، ص.37.

**  انظر بخصوص التفييء الثلاثي:

ـ تحرير المطالب لما تضمنته عقيدة ابن الحاجب، قاسم البكّي الكومي أبو الفضل (ت.916هـ)، تح: حمادي نزار، مؤسسة المعارف، بيروت، ط1، 1429هـ ـ 2008م، ص.40 ـ 41.

ـ العين والأثر في عقائد أهل الأثر، عبد الباقي المواهبي الحنبلي، تح:رواس قلعجي عصام، دار المأمون للتراث، دمشق، ط1، 1407هـ ـ 1987م، ص.53. على أن مؤلف الكتاب قد طفق ينقض هذا القسيم لطوائف أهل السنة والجماعة.

ـ لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية، محمد بن أحمد السفاريني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3، 1411هـ ـ 1991م، ج1، ص.73.

***  انظر مثلا: فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ومباينتهم لسائر المخالفين، من إملاء القاضي عبد الجبار، تح: سيد فؤاد، المعهد الألماني للأبحاث الشرقية ـ بيروت، ط1، 1439هـ ـ 2017م، ص.146 ـ 148.

وارجع إلى النشرة الأولى: فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، من إملاء عماد الدين أبو الحسن عبد الجبار (القاضي)، تح: سيد فؤاد، الدار التونسية للنشر، ص.185 ـ 186.

[1] - بالمقابل وسع قاسم محمود من شرخ الخلاف بين المذهبين حتى جعل مواضع الاتفاق بينهما «في مسائل قليلة ليست بالجوهرية» على حد قوله، وهو قول مبالغ فيه. راجع: مناهج الأدلة في عقائد الملة، ابن رشد، تحقيق: قاسم محمود، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط2، 1964، ص.123.

[2]- المسالك في الخلافيات بين المتكلمين والحكماء، عبد الله بن عثمان بن موسى أفندي المعروف بمَسْتَجي زاده، دراسة وتحقيق: باغجوان سيد، دار صادر، بيروت، ط1، 1428هـ ـ 2007م، [صص.21 ـ 24].

وقد استثنيت من الأعمال المستقلة العنوان الأول الذي ابتدأ به المحقق وهو «المسائل العشر العياضية» لأبي بكر العياضي (ت.361هـ) لأنها تعرض للخلافيات بين الماتريدية والمعتزلة. وقد ذكر المحقق أن هذه المسائل العشر موجودة ضمن كتاب «الحاوي في الفتاوى» لمحمد بن إبراهيم الحصيري (ت.500هـ) ولها نسخة في مكتبة السليمانية (رقم:402: 251أ ـ 252أ). يُذكر أن هذه المسائل قد حظيت بعناية علمية مستفيضة في بحث بعنوان: «مسائل الخلاف بين الماتريدية والمعتزلة ـ المسائل العياضية أنموذجا ـ» لصاحبه صالح بن درباش الزهراني، وهو منشور في مجلة البحوث والدراسات الشرعية، عدد: 140 (سنة 1444هـ) [صص.51 ـ 119].

[3] ـ راجع: خمس رسائل في الفرق والمذاهب، ابن كمال باشا، تحقيق: باغجوان سيد، دار السلام، مصر، ط1، 1425هـ ـ 2005م، [صص.65 ـ 78].

[4]- انظر: مسائل الاختلاف بين الأشاعرة والماتريدية، ابن كمال باشا، تصنيف: فودة سعيد عبد اللطيف، ويليه أربع مختصرات في العقائد، تحقيق: فودة سعيد عبد اللطيف، دار الفتح، عمان، ط1، 1430هـ ـ 2009م، [صص. 9 ـ77].

[5] - طبع عام 1430هـ ـ 2009م.

* المؤلف هو صاحب كتاب «نبراس العقول الذكية شرح الأربعين حديثا النبوية» وهو مطبوع طبعة قديمة بمصر.

[6]- راجع: بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية، الخادمي أبو سعيد محمد بن مصطفى، بابرات عايشان شركت صحافيه هيئت إداره سنه احسان بيوريلان مداليه (طبعة قديمة)، ص.314 ـ 316.

[7] - وردت في «معجم تاريخ التراث الإسلامي في مكتبات العالم» بعنوان: «رسالة في مسائل الخلاف بين الأشعري والماتريدي»، ج2، ص.1099.

[8] - در سعادته باب عالى جاده سنده 34 نومرولو (جمال أفندي) مطبعه سنده طبع أو لنمشدر (طبعة قديمة). ثم طبعته دار الأصلين بشراكة مع مركز كلام للبحوث والإعلام، سنة 2017 بتحقيق يوسف إدريس، وأعيد نشره سنة 2022.

[9] - راجع: الشيخ خالد النقشبندي العالم المجدد حياته وأهم مؤلفاته، جمع وتحقيق: أباضة نزار، دار الفكر المعاصر ـ بيروت، دار الفكر ـ دمشق، ط1، 1414هـ ـ 1994م، [صص.32 ـ 44].

[10] - راجع: مكتوبات حضرة مولانا خالد المسمى بغية الواجد، الخالدي صاحب زادة محمد أسعد، عناية: الشمرخي المارديني محمد هادي، مكتبة سيدا، ديار بكر ـ تركيا، ط1، 2012، [صص.91 ـ 108].

[11] - المرجع السابق، ص.93، تكملة الهامش: 1.

*  أخطأ باغجوان في نسبة الكتاب إلى الأمير الصغير، والصواب أنه لأبيه المشهور بالأمير الكبير المتوفى عام 1232هـ.

[12] - مطلع النيرين فيما يتعلق بالقدرتين محمد بن محمد السنباوي المغربي المشهور بالأمير الكبير (ت. 1232هـ)، تحقيق: الحزمري يوسف، مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية ـ تطوان (الرابطة المحمدية للعلماء ـ الرباط)، ط1، 1437هـ ـ 2016م، ص.98.

[13] - راجع: المنهل السيّال الدافع لما نشأ من خلاف بن الأشعري والماتريدية من الإشكال، عبد الحفيظ بن علي المالكي الصعيدي الأزهري، تحقيق: حسن سيد كسروي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2008، ص.29.

وللمحقق هنات وأي هنات، ومطبات تنمُّ عن جهل كبير بعلم الكلام وتاريخه فضلا عن فقر ملحوظ  في آليات البحث العلمي وقواعد التحقيق وإن في حدودها الدنيا، والشواهد على ذلك كثيرة مما لا يتسع المقام ببسطه وله موضع آخر بحول الله، لكن يكفي أن نورد بعض أقواله في الكتاب الذي تصدى لتحقيقه ليتحقق القارئ على من مبلغ الرجل من العلم والبحث، يقول: «وأما عن هذا الكتاب: فإنما هو من كتب العقائد التي منها المئات، وهي كتب في حقيقة الأمر لا أحبها ولا أحب أن أقرأها ولا أنصح بقراءتها ولا أدعو إليها [...] فأيها المسلم لتحذر هذه الكتب التي تدعى كتب العقائد، بما فيها هذا الكتاب..» (ص.6 ـ 7). وواضح أن الرجل يخلط خلطا شنيعا بين منطق البحث العلمي وبين منطق الوعظ والإرشاد، وبأسلوب ركيك لا يرقى إلى لغة العلم.

[14] - المصدر نفسه، ص.31، هامش: 1.

[15] - راجع: أصول الدين، البزدوي أبو اليسر، تحقيق: هانز بيتر انس، ضبطه وعلق عليه: حجازي السقا أحمد، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، 1424هـ ـ 2003م، [صص.249 ـ253].

[16] - راجع: منح الروض الأزهر في شرح الفقه الأكبر، القاري الملا علي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط1، 1419هـ ـ 1998م، ص.70  فما بعدها.

[17] - خطط المقريزي (=كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار)، المقريزي تقي الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418هـ، ج4، ص 193.

[18] - إشارات المرام من عبارات الإمام، البياضي كمال الدين، خرج أحاديثه ووضع حواشيه: المزيدي أحم فريد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1428هـ ـ 2007م، [صص.36 ـ 40].

[19] - إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين، الزبيدي مرتضى، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، ط1، 1414هـ ـ 1994م،  ج2، ص.6

[20] - انظر: كتاب التوحيد، الماتريدي أبو منصور، تحقيق: خليف فتح الله، دار الجامعات المصرية، الإسكندرية، [ص ص.7 ـ 51] (من مقدمة التحقيق).

[21] - راجع: فصل في خلافات أهل السنة والخلافات المنقولة بين الماتريدية والأشاعرة، منشور بمعية كتاب: نظرة علمية في نسبة كتاب الإبانة جميعِه إلى الإمام الجليل ناصر السنة أبي الحسن الأشعري، غاوجي وهبي سليمان، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1409هـ ـ 1989م، [صص.103 ـ 125]

[22] - راجع: ص.131. طبعة دار إحياء الكتب العربية.

* أعمل منذ سنوات خلت على جمع المسائل التي اختلف فيها أرباب المذهب الأشعري ودراستها دراسة موضوعية في إطار مشروع علمي طموح بعنوان «الخلاف الصغير في المذهب الأشعري» يسر الله إنجازه.

[23] - طبقات الشافعية الكبرى، السبكي تاج الدين، تحقيق: الطناحي محمود محمد ـ الحلو عبد الفتاح محمد، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1976، ج3، ابتداء من ص.373.

*  واضح أنا نماهي بين الحنفية والماتريدية عند الإطلاق. ولنا في هذه المماهاة دعوى عريضة لا يليق التفصيل فيها في هذا المقام، خلاصتها أن الماتريدية ترتكز على سند مذهبي فقهي يربطها مباشرة بأبي حنيفة النعمان إمام المذهب الحنفي بخلاف الأشعرية عند المالكية أو الأشعرية عند الشافعية إلا بنوع من الاستناد والاعتزاء والتأويل. ولذلك لا يمكن، في نظري، الحديث عن «الماتريدية الحنفية» لأن الماتريدية تنطوي هي في ذاتها على الجانب العقدي للمذهب الحنفي بخلاف المذهب الأشعري الذي حاول أتباعه ورواده وصلَه بالمذهب المالكي عند المالكية وبالمذهب الشافعي عند الشافعية أو بهما معا أو بالمذاهب الأربعة جميعا وبباقي رموز السلف الكبار ممن اندرست مذاهبهم الفقهية. ويصدق ما قلناه عن المذهب الماتريدي أن النسبة إليه أو إلى الحنفية واحدة فهما متعاوضان، ولنا في ذلك الكثير من الشواهد والمصاديق، يكفي أن تنظر مثلا في كتاب: «السيف المشهور في شرح عقيدة أبي منصور» للتاج السبكي كيف يقول في مواضع كثيرة جدا: «قالت الحنفية: ... وقالت الأشعرية: ...» أو كقوله: «.. مما اختلفت الحنفية والأشاعرة فيه..». كذلك فإن المقابلة تكون بين عقيدة أبي حنيفة وعقيدة الأشعري وليس بين عقيدة الماتريدي وعقيدة الأشعري، وهو ما تجده في الكثير من المصادر التي قارنت بين المذهبين ومن جملتها القصيدة النونية التي عليها مدار هذه المقالة.

ولي تفصيل لهذه الدعوى في سياق دراسة مستقلة.

[24] - انظر: معجم تاريخ التراث الإسلامي في مكتبات العالم (المخطوطات والمطبوعات)، علي الرضا قره بلوط ـ أحمد طوران قره بلوط، دار العقبى/ قيصري ـ تركيا، ج4، ص.2498.

[25] - ذكرا المؤلفان كتابا بعنوان: «سرور القلوب العرفانية بترجمة القصيدة النعمانية لأبي حنيفة» للفقيه الحنفي إبراهيم خليل بن أحمد بن إسحاق الإستانبولي العثماني (ت.1127هـ). فربما اشتبه الأمر على المؤلفين، ج1، ص.19.

[26]- إتحاف السادة المتقين، مصدر سابق، ج2، ص.10. ولا يخلو تعبير الزبيدي من آفة التحقير؛ فقوله: «وهذه القصيدة على وزان قصيدة لابن زفيل رجل من الحنابلة ..» فيه ما فيه من التجهيل والزراية، رغم أن الزبيدي نفسَه، وفي الكتاب ذاتِه، قد نقل كثيرا من أقوال ابن القيم ذاكرا له بالاسم! كذلك فعل قبله التقي السبكي في رده على نونية ابن القيم.

[27]- طبقات الشافعية، مصدر سابق، ج3، ص.379.

[28]- انظر مثلا: التعريف بالماتريدية تاريخا ومنهجا وعقيدة، ضمن: مجلة قطاع أصول الدين، مج11، العدد: 11، ج2، 2016، [صص.1374 ـ 1488]، ص.1430.

[29]- صدر عن دار باب العلم سنة 1443هـ في (364) صفحة.

[30]- صدر عن دار التقوى بدمشق سنة 2023م في (470) صفحة.

[31]- هنالك تحقيق آخر لعله أسبق من التحقيقين المذكورين أعلاه بعنوان: «شرح الشيرازي على منظومة العلامة السبكي في بيان الاختلاف بين الأشعرية والماتريدية في علم التوحيد، لنور الدين محمد بن أبي الطيب الشيرازي، كان حيا سنة 757هـ»، أنجزه أحمد البدوي سالم محمد سالم، وهو عبارة عن رسالة ماجستير في معهد المخطوطات بحسب ما صرح به الباحث نفسه في قائمة المصادر والمراجع من بحثه المعنون بـ«قضية الانتحال في المخطوط العربي «شرح الشِّيرَازِيّ على منظومة السُّبکي في بيان الاختلاف بين الأشعرية والماتريدية، والرَّوضة البهية لأبي عذْبة نموذجا»»، ضمن: مجلة كلية أصول الدين والدعوة ـ أسيوط، مج35، العدد: 2، 2017، [صص.2133-2240]، ص.2237. ويبدو أن هذا التحقيق لم يطبع بعد.

[32]- وجدت بعد تبييض هذه الورقة أن الدكتور أحمد البدوي سالم محمد سالم قد توسع في هذا الموضوع في بحثه المذكور في الهامش السابق. وقد اشتكى الباحث فيه من غياب ترجمة لشارح النونية رغم انفتاحه على كتب التراجم والأعاجم المكتوبة بالفارسية بحكم أصل الشيرازي وإقامته في بلاد كيلان (أو جيلان بعد التعريب) من طبرستان، فاكتفى بالاعتماد على ما زبره السبكي في طبقاته وما كتبه الشيرازي عن نفسه في مقدمة شرحه، وقد أقر فيها بدخوله دمشق «غرة ربيع الأول لسنة سبع وخمسين وسبعمائة»، راجع: ص.2152 من البحث المذكور.

[33]- راجع مثلا: مقدمة تحقيق «رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب» لتاج الدين السبكي، تحقيق: معوّض علي محمد ـ عبد الموجود عادل أحمد، عالم الكتب، بيروت، ط1،1419هـ ـ 1999م، ج1، ص.76.

[34]- طبقات الشافعية، مصدر سابق، ج3، ص.379.

[35]- أفدت هذا النص من مقالة: قضية الانتحال في المخطوط العربي «شرح الشِّيرَازِيّ على منظومة السُّبکي في بيان الاختلاف بين الأشعرية والماتريدية، والرَّوضة البهية لأبي عذْبة نموذجا»، مرجع سابق، ص.2152.

[36] - كذلك الأمر بالنسبة لأحمد البدوي سالم محمد سالم في تحقيقه غير المنشور بحسب ما صرح به في الهامش الذي أثبتنا منه عنوان تحقيقه لشرح النونية.

[37] - المصدر نفسه، ج10، ص.76.

[38]- طبقات الشافعية، مصدر سابق، ج3، [صص.377 ـ 390].

[39]- يقصد ابنَ عساكر في كتابه «تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري».

[40]- راجع: تبيين كذب المفتري..، ابن عساكر أبو القاسم (ت.571هـ)، دار الفكر، دمشق، ط2، 1399، ص.140.

[41]- يقصد به والدَه تقي الدين السبكي (ت.756هـ).

[42]- هذه الدعوى ـ دعوى تعميم أشعرية جميع المالكية أو ما أعبر عنه بـ«أشعرَنة» جميع المالكية ـ كانت محل دراسة مستفيضة في أطروحتي للدكتوراه المعنونة بـ«المواقف من مشروعية علم الكلام لدى مالكية الغرب الإسلامي» (نوقشت برحاب كلية أصول الدين بتطوان سنة 2024)، وقد خصَّصت لتتبع مآتيها مبحثا خاصا، فليراجع.

[43]- كيلان أو جيلان (عند التعريب): بلاد تقع اليوم في دولة إيران.

[44]- بمعنى: لم.

[45] - يقصد الحارث المحاسبي (ت.243هـ).

[46] - يقصد إبراهيم بن أدهم (ت.162هـ).

[47] - أي الفُضَيْل بن عياض (ت.187هـ).

[48] - أي معروف الكرخي (ت.200هـ).

[49] - أي ذو النون المصري (ت.245هـ).

[50] - أي السًّرِي السَّقَطي (ت.253هـ).

[51] - بشر الحافي (ت.227هـ)

[52] - أي داود الطائي (ت.165هـ).

[53] - شقيق البلخي (ت.194هـ).

[54] - يقصد أبا يزيد البسطامي (ت.261هـ).

[55] - أبو سليمان الداراني (ت.215هـ).

[56] - سهل التستري (ت.283هـ).

[57] - حاتم الأصم (ت.237هـ).

[58] - أبو تراب عسكر النخشبي (ت.245هـ).

[59] - أبو السري منصور بن عمار الخراساني (ت.225هـ).

[60] - هو يحيى بن معاذ الرازي (ت.258هـ).

[61] - الجنيد سيد الطائفة (ت.298هـ).

[62] - أبو عثمان الحِيْرِي النيسابوري (ت.298هـ).

[63] - أبو الحسين النوري (ت.295هـ).

[64] - أبو محمد رويم بن أحمد (ت.303هـ).

[65] - أبو الفوارس شاه بن شجاع الكِرماني (ت. بعد 270هـ).

[66] -  كثيرون هم أرباب التصوف الذين تسموا بهذا الاسم، ولعله يقصد أبا عبد الله محمد بن إسماعيل المغربي (ت.299هـ)، وأشهرهم أبو عثمان المغربي (ت.373هـ) ـ صحِبَه ابنُ فورك الأشعري المشهور (ت.406هـ) ـ لكن تبعُد الرؤية بالنظر إلى سنة الوفاة.

[67] - أبو العباس بن مسروق الطوسي (ت.298هـ).

[68] - أبو عبيد البسري (ت. قبل 300هـ).

[69] - أبو سعيد الخراز (ت.على الأرجح سنة 286هـ).

[70] - أبو الحسن سمنون بن حمزة (ت.298هـ).

[71] - أبو عبد الله أحمد بن يحيي الجلاء (ت.306هـ).

[72] - أبو العباس بن عطاء (ت.309هـ).

[73] - أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الخواص (ت.291هـ).

[74] - أبو الحسن بنان بن محمد الحمال (ت.316هـ).

[75] - مُمْشاذ الدينوري (ت.299هـ).

[76] - أبو بكر الدُّقي الدينوري (ت.360هـ) وكان معمرا.

[77] - أبو الحسن خير النساج (ت.322هـ).

[78] - أبو بكر دلف بن جحدر الشِّبْلي (ت.334هـ).

[79] - أبو عبد الله بن خفيف (ت.371هـ) تلميذ الأشعري.

[80] - أبو على محمد بن عبد الوهاب الثقفي (ت.328هـ).

[81] - أبو بكر محمد بن علي الكتاني (ت.322هـ).

[82] - في البيت تقديم وتأخير للضرورة الشعرية، والمراد: قد كان قديما ما معه قطُّ من شيء..

[83]- راجع : السيف المشهور في شرح عقيدة أبي منصور، السبكي تاج الدين، تحقيق: يبرم مصطفى صائم، استنبول، ط1، 1421هـ ـ 2000، ص.43 ـ 46.

[84]- هو أبو القاسم القشيري (ت. 465هـ).

[85]- راجع: شكاية أهل السنة بذكر ما نالهم من محنة، القشيري أبو القاسم، تحقيق: ذو الغنى محمد خالد ـ إدريس محمد يوسف، دار النون، عمان، ط1، 2016، ص.81 ـ 90.

[86]- الكتاب محقق مطبوع بتحقيق: الغامدي أحمد بن عطية، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط1، 1414هـ ـ 1993م.

[87] - راجع: شكاية أهل السنة، مصدر سابق، ص.101.

[88]- قلت: أما الوجه المبسوط في كتبه الكلامية فلم نقف عليه، والمعروف أن للرجل كتابين في علم الكلام وأصول الدين ـ عدا القصيدة النونية طبعا ـ وهما:

ـ «قواعد الدين وعمدة الموحدين»، ذكره محقق كتابه «رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب» (ص.81) لكن دون عزو أو توثيق. وذكره أحمد إبراهيم حسن الحسنات في كتابه «منهج الإمام تاج الدين السبكي في أصول الفقه» (ص. 34) وقال: توجد منه نسخة خطية محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم850 .

ـ «شرح عقيدة ابن الحاجب»، نقل منها العلماء كالزبيدي في «إتحاف السادة المتقين»، ولم نقف عليه.

وأما الوجه المختصر فهو مضمن في كتابه «رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب» فانظره في: ج1، [صص.461 ـ 464]، بالمعطيات التوثيقية التي ذكرناها في هامش سابق.

[89]- المقصود به التقي السبكي كما قدمنا.

[90]- في الهامش: في حاشية ج: هو الأستاذ أبو إسحاق. قلت يقصد أبا إسحاق الإسفراييني وهو المقصود بالأستاذ عند الإطلاق في المذهب الأشعري. يراجع، لصاحب هذه الورقة، مقالة «عقيدة الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني (ت.418هـ) ـ تقديم ونشر ـ » على الرابط الآتي:  https://shorturl.at/b5MSB

[91] - أي صفة البقاء.

[92] - أي الفخر الرازي (ت.606هـ).

Science
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق