مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامقراءة في كتابنصوص مترجمة

«LE FÉMINISME»

 

 

 

 

إلياس بوزغاية.

 

عندما نريد أن نرصد أوضاع المرأة والحركات النسائية عبر التاريخ فإن هذا ليس بالأمر السهل. علينا أن نتسائل أولا: هل سيكون تقييمنا لأوضاعها تبريرا وشرعنة للنظام الأبوي السائد؟ هل هذا التاريخ محايد ليعكس لنا حقيقة الأوضاع التي عاشتها المرأة ؟ هل المقاربة التاريخانية للحركات النسائية تنتصر لنضال المرأة من أجل حقوقها أم تزيد في تبخيس هذه النضالات؟

هذه الأسئلة وغيرها يعالجها كتاب  « Que sais-je? LE FÉMINISME » لكاتبه Andrée Michel. المنشور ضمن سلسلة الكتب  Que sais-je? »” بالمطابع الجامعية بفرنسا PUF سنة 1979. هذا الكتاب يركز على ضرورة التساؤل عن مدى موضوعية العلوم في نقل الحقيقة التاريخية عن أوضاع المرأة ونضالاتها، ويؤكد أن تقييم هذه الأوضاع يجب أن يتم بشكل يعكس إرادة ومؤهلات النساء في مجتمعاتها وليس من خلال نزعات عرقية أو إيديولوجية مسبقة. ثم يرصد ويناقش الواقع الذي كانت تعيش فيه المرأة منذ العصر الحجري القديم إلى عصرنا الحالي مع ظهور وتكاثر الحركات النسائية في العالم.

–          أوضاع المرأة في العصر الحجري القديم إلى الثورة الثانية للعصر الحجري 

اتسم الوضع العام للمرأة في العصر الحجري القديم بكونها عاشت في نظام “مجتمع الصيد” حيث كانت تشارك الرجل في البحث عن لقمة العيش. وفي ظل أوضاع مستقرة وخالية من الحروب كانت لها القدرة على المشاركة في اتخاذ القرار داخل القبيلة. ثم ومع تطوير الإنسان لآليات ووسائل جديدة في الثورة الثانية للعصر الحجري، انتقل نشاط القبائل من الصيد إلى الاستيطان والاقتيات على ما تنتجه الأرض. هذا ما أدى إلى ظهور ملامح تقسيم الأدوار الاجتماعية بين الرجال والنساء، فأصبحت النساء أكثر انخراطا في أعمال البيت وخرج الرجال للقيام بأعمال أخرى. والملاحظ أن هذا لم ينقص أبدا من قيمة المرأة.

–          أوضاع المرأة في الثورة الثانية للعصر الحجري و العصور القديمة 

في هذه الفترة لعبت التحولات التقنية والعمرانية دورا في تغيير وضع المرأة حيث تم اختراع طاقات جديدة وزادت نسبة السكان والتعمير بالمدن وبدأت تظهر ملامح المجتمع الطبقي. كل هذه العوامل ساهمت في بداية تدهور أوضاع المرأة من خلال احتكار الرجال الأدوار الحيوية وحجز المرأة في المجال الخاص “sphere prive” الشيء الذي كرس الثقافة الأبوية في معظم أنحاء العالم. كما أن الأديان الثلاثة بالنسبة للكاتب جعلت المرأة تبدوا كإنسان من الدرجة الثانية تابعة للرجل.

–          أوضاع المرأة  من سقوط الإمبراطورية الرومانية إلى عصر النهضة 

في الفترة الفيودالية من عصر الإمبراطورية الرومانية شهدت أحوال المرأة تنوعا وذلك حسب الوضع الاجتماعي الذي تنتمي إليه. أما في في الإمبراطورية البيزنطية والإسلامية فقد اشتركت النساء في لعب دور ريادي في العديد من المراكز الهامة، وبذلك كانت الصورة النمطية السائدة عن المرأة لم تتكون بعد. بالانتقال إلى أوروبا نجد أن الكنيسة قد تحالفت مع النظام الملكي والبورجوازية الناشئة قبل عصر النهضة لتجعل عامة النساء والرجال تعاني من الإستبداد والتهميش مقابل الاغتناء على حسابهم. لكن هذا الوضع لم يمنع من تضافر جهود العديد من المثقفين مع الشعب من أجل إطلاق شرارة عصر النهضة الذي تميز بظهور مفاهيم ومعايير جديدة.

–          أوضاع المرأة بين القرن 17 والقرن 18 

في عصر النهضة تأثرت أوضاع المرأة بين القرنين 17 و 18 بالتحولات السياسية والثقافية التي ساهمت في نشر أفكار النهضة المشتملة على مفاهيم العقد الإجتماعي والحقوق الفردية، وتحكيم العقل، هذا ما ساهم في تكوين وعي نسائي حاول الإستفادة من ثمرات الثورة قدر المستطاع، لكن ذلك لم يتحقق بشكل كبير نظرا لاستمرار تبعية المرأة للرجل في معظم الحالات بحكم جنسها. هذا ما فرض عليهن نضالا أكبر وأكثر تنظيما.

–          أوضاع المرأة في القرن 19

تميزت هذه الفترة بظهور بتغول الرأسمالية والحملات الإستعمارية في معظم أنحاء العالم. هذا ما سينتج عنه استغلال كبير للطبقة العاملة ومعاناة مستمرة للدول المستعمرة في ظل قوانين ظل يحتكرها أصحاب النفوذ والبورجوازيون. المرأة ستكون بدورها فاعلة في الحركات الإجتماعية الناتجة عن هذا الوضع خاصة مع ظهور وسائل نشر الوعي وأيضا ظهور حركات ذات طابع ديني وخيري. لكن الملاحظ هو أن المرأة ظلت في معظم التنظيمات خاضعة لسيطرة الذكور وعدم إعطاء أولوية للمطالب النسائية. هذا ما أدى إلى خلق نواة للحركات النسائية المستقلة والمدافعة عن حقوق المرأة فقط.

–          الحركات النسائية وأوضاع المرأة في القرن 20 في الغرب

عند بداية القرن العشرين وقبل الحرب العالمية الأولى كانت لدى النسائيات القدرة على تشكيل المجلس العالمي للمرأة والذي اضطلع بأدوار مختلفة تهدف إلى تحقيق المساواة بين الجنسين. لكن بعد الحرب العالمية الأولى تحددت هذه الحقوق في مطالب عاجلة أهمها الحق في التصويت والعمل في ظروف جيدة والتعليم. ولم يكن للنساء في روسيا والدول الفاشية حظ أوفر من النساء في العالم الرأسمالي حيث اكتفت النساء في بمساندة الرجال في تحقيق الثورة الشيوعية مع التذكير أحيانا بحقوقهن. وفي الدول الفاشية لم يكن للمرأة الحق في ولوج كامل للتعليم إلا عن طريق الكوطا. وأثناء الحرب العالمية الثانية استغلت معظم النساء فرصة تواجد الرجال بالحرب لتدخل مجال العمل من بابه الواسع مما سمح بإبراز مقدرتهن على والإنتاج والابتكار بما لا يقل عن قدرة الرجال. وبعد انتهاء الحرب العالمية لم يثن النضال النسائي من أجل تحصيل مزيد من الحقوق في الغرب عن مساندة نساء العالم الثالث في مواجهتهن للموجة الاستعمارية. وقد شهد النصف الثاني من القرن العشرين تكاثرا كبيرا للمنظمات والهيئات النسائية المهتمة بشتى المجالات مما ساهم في تغيير أوضاع كثير النساء إلى الأفضل رغم ضرورة مواصلة هذا النضال ليشمل شرائح أكبر.

في الأخير يختم الكاتب بالتأكيد على أهمية الانتباه إلى تاريخ المرأة من زاوية غير منحازة للثقافة الذكورية السائدة ويؤكد أن النسائيات ساهمن يشكل كبير عبر التاريخ في تشكيل عالم أكثر أمنا يعتمد على العدل والمساواة بين الجنسين وبين الطبقات الإجتماعية وبين الأمم. كل هذا من أجل مستقبل أفضل للإنسانية.

نشر بتاريخ: 15/11/2012

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق