مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينشذور

من فضائل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه (2)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«يَطْلُعُ عليكم من هذا الفَجِّ رجلٌ من أهل الجَنَّة» فَطَلَعَ عثمان بن عفان رضي الله عنه([1]).

لقد تميز الصحابة الكرام بصفات وأخلاق عالية جعلتهم خير من اصطفاهم الله لصحبة سيدي الخلق أجمعين، لذا يَلزَمُ المُسلمَ أن يتأدّبَ مع صحابةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهلِ بيتِه بالتّرضّي عليهم ومعرفةِ فضلهِم وحقِّهم، والإمساكِ عمّا شَجرَ بينهُم مع نَزاهةِ كلٍّ منهُم عن ارتكابهِم شيئاً يُعتقَدُ حِرمَتُه، بل كلٌّ منهم مُجتهدٌ، فهم كلُّهم مجتهدونَ مُثابونَ، المُصيبُ بعشـرةِ أجورٍ، والمُخطئُ منهم بأجرٍ واحدٍ، والعقابُ واللّومُ والنّقصُ مرفوعٌ عن جَميعهِم؛ ألا وإنّ فَضيلَتَهم على مَن سواهُم من الأمّةِ إنّما هي بفوزِهم بتلكَ الصُّحبةِ الشّـريفةِ، وفضيلةِ المُشاهدةِ التي لا تكونُ لغيْرِ الصّحابةِ... كيفَ لا وهُم الذينَ بَذَلوا أرواحَهُم في محبّةِ المُصطفى، وآثروا رِضاه على هَوى نُفوسهِم، فَنالوا بذلِك رِفعةً وشَرفاً.

وفي هذا المقال نستمر في سرد بعض الفضائل المنسوبة إلى عثمان رضي الله عنه وهي كفيلة بإدراك قيمة الرجل الذي تتلمذ مباشرة على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كان رضي الله عنه أوّاها، أوّاباً، خاشعاً، ضارعاً، تقياً، نقياً، طاهراً، عفيفاً، دائم الصلة بالله، موصول القلب بالله سبحانه، فكان يقول: (لَقَدِ اخْتَبَأْتُ عِنْدَ رَبِّي عَشْـرًا: إِنِّي لَرَابِعُ أَرْبَعَةٍ فِي الإِسْلامِ، وَلَقَدْ جَهَّزْتُ جَيْشَ الْعُسْـرَةِ، وَلَقَدْ جَمَعْتُ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَلَقَدِ ائْتَمَنَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى ابْنَتِهِ، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ فَأَنْكَحَنِي الأُخْرَى، وَمَا تَغَنَّيْتُ، وَلا تَمَنَّيْتُ، وَلا وَضَعْتُ يَمِينِي عَلَى فَرْجِي مُذْ بَايَعْتُ بِهَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَلا مَرَّتْ سَنَةٌ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلا وَأَنَا أُعْتِقُ فِيهَا رَقَبَةً إِلا أَلا تَكُونَ عِنْدِي فَأُعْتِقُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلا زَنَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلا الإِسْلامِ)([1]).

كان رضي الله عنه من أخشى النّاس، وأعرفهم بالله، وأتقاهم له، يُعدّ رضي الله عنه من فرسان النّهار ورهبان الليل، لا يملّ من قراءة القرآن آناء الليل وأطراف النهار، كما حكاه محمد بن سيرين عنه كان (يمرّ الليل كله بركعة يجمع فيها القرآن) وقد كان هذا من دأبه رضي الله عنه([2]).

وقد خص عثمان رضي الله عنه بأحاديث نبوية تزكيه وبأنه من أهل الجنة، منها ما جاء عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يطلع عليكم من هذا الفج رجل من أهل الجنة» فطلع عثمان بن عفان رضي الله عنه([3]).

قال عنه عبد الله بن عمر: «كنا ‌في ‌زمن ‌النبي ‌صلى ‌الله ‌عليه ‌وسلم ‌لا ‌نعدِل ‌بأبي ‌بكر ‌أحدًا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم»([4]).

سبقه إلى الإسلام: كان رضي الله عنه من أوائل من لبى دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، قبل دخوله إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم، لم يمنعه من ذلك جاهه ولا ثراؤه كما حصل لمعظم صناديد الكفر من قريش، فكان من أوائل من أسلم على يدي أبي بكر الصديق، وأحد الثمانية السابقين للإسلام.وقد عانى ما عانى منه المسلمون الأوائل، فقد أخذه عمّه الحكم بن أبي العاص وأوثقه لتركه دين آبائه واعتناقه الدين الإسلامي قائلا له: (والله لا أطلقك حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين، فقال عثمان رضي الله عنه والله لا أدعه أبدًا ولا أفارقه، فلما رأى الحكم صلابته وإصراره على دينه تركه)([5]).

سخاؤه وجوده: روى الإمام أحمد في مسنده أن عثمان رضي الله عنه طلع على محاصريه يوم قتل، فقال لهم: >ادعوا لي صاحبيكم اللذين ألّباكم علي. فدعيا له، فقال: أنشدكما الله، أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ضاق المسجد بأهله، فقال: >من يشتري هذه البقعة من خالص ماله فيكون فيها كالمسلمين، وله خير منها في الجنة؟<. فاشتريتها من خالص مالي فجعلتها بين المسلمين، وأنتم تمنعوني أن أصلي فيه ركعتين! ثم قال: أنشدكم الله، أتعلمون أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة لم يكن فيها بئر يستعذب منه إلا رومة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: >من يشتريها من خالص ماله فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين، وله خير منها في الجنة؟<. فاشتريتها من خالص مالي، وأنتم تمنعوني أن أشرب منها! ثم قال: هل تعلمون أني صاحب جيش العسـرة؟ قالوا: اللهم نعم< ([6]).

حبه للخير وحرصه على اغتنامه بما أتاه الله تعالى من ماله الحلال، جعله أيضا يختص بفضل توسيع بيت الله الحرام بمكة المكرمة. فقد روي عن سالم بن عبدالله بن عمر بن الخطاب >أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أهل مكة: >يا فلان! ألا تبيعني دارك أزيدها في مسجد الكعبة ببيت أضمنه لك في الجنة؟< فقال له الرجل: يا رسول الله، ما لي بيت غيره، فإن أنا بعتك داري لا يؤويني وولدي بمكة شيء. قال: >ألا، بل بِعْنِي دارك أزيدها في مسجد الكعبة ببيت أضمنه لك في الجنة؟< فقال الرجل: والله ما لي في ذلك حاجة ولا أريده. فبلغ ذلك عثمان وكان الرجل (ندمان) لعثمان في الجاهلية وصديقا، فأتاه فقال: يا فلان بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد منك دارك ليزيدها في مسجد الكعبة ببيت يضمنه لك في الجنة فأبيت عليه؟ قال: أجل قد أبيت، فلم يزل عثمان يراوده حتى اشترى منه داره بعشرة آلاف دينار ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بلغني أنك أردت من فلان داره لتزيدها في مسجد الكعبة ببيت (تضمن) له في الجنة، وإنما هي داري، فها أنت آخذها مني ببيت في الجنة، قال: >نعم<. فأخذها منه وضمن له بيتا في الجنة، وأشهد له على ذلك المؤمنين< ([7]).

كما تصدق رضي الله عنه بكامل طعام تجارته التي وصلته من الشام عندما قحط المطر في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه.([8])

-خدمته للوحي: روى الإمام أحمد شهادة عائشة أم المؤمنين في حق عثمان بن عفان رضي الله عنه: >لعن الله من لعنه، فوالله لقد كان قاعدًا عند نبي الله صلى الله عليه وسلم، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمسند ظهره إلي وإن جبريل عليه السلام ليوحي إليه القرآن، وإنه ليقول له: اكتب عثمان، فما كان الله عز وجل  لينزله تلك المنزلة إلا وهو كريم على الله ورسوله< ([9]).

-خلقه وبره: عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: قَالُوا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْبِرِينَا عَنْ عُثْمَانَ، قَالَ: فَاسْتَجْلَسَتِ النَّاسَ، فَحَمِدَتِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: >  أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا نَقِمْنَا عَلَى عُثْمَانَ ثَلَاثًا: إِمْرَةَ الْفَتَى، وَالْحِمَى، وَضَرْبَةَ السَّوْطِ، ثُمَّ تَرَكْتُمُوهُ حَتَّى إِذَا مُصْتُمُوهُ مَوْصَ الثَّوْبِ عَدَوْتُمْ عَلَيْنَا الْفُقَرَ الثَّلَاثَ: حُرْمَةَ دَمِهِ الْحَرَامِ، وَحُرْمَةَ الْبَلَدِ الْحَرَامِ، لَعُثْمَانُ كَانَ أَتْقَاهُمْ لِلرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَحْصَنَهُمْ لِلْفَرْجِ، وَأَوْصَلَهُمْ لِلرَّحِمِ <([10]). وكان رضي الله عنه >لا يوقظ أحدا من أهله من الليل، إلا أن يجده يقظان فيدعوه، فيناوله وضوءه، وكان يصوم الدهر<([11]). و>عن حفصة بنت عمر، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فوضع ثوبه بين فخذيه فجاء أبوبكر يستأذن، فأذن له ورسول الله على هيئته، ثم جاء عمر يستأذن، فأذن له ورسول الله صلى الله عليه وسلم على هيئته، وجاء ناس من أصحابه فأذن لهم، وجاء علي يستأذن، فأذن له ورسول الله صلى الله عليه وسلم على هيئته، ثم جاء عثمان بن عفان فاستأذن، فتجلّل ثوبه ثم أذن له، فتحدثوا ساعة، ثم خرجوا. فقلت: يا رسول الله دخل عليك أبوبكر وعمر وعلي وناس من أصحابك وأنت في هيئتك لم تحرك، فلما دخل عثمان تجللت ثوبك؟ قال: ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة< ([12]). وروي عنه أنه رضي الله عنه أعتق عشرين مملوكا([13]).

قال عنه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: >أما والله لقد كان أحسننا وضوءا وأطولنا صلاة، وأتلانا لكتاب الله، وأعظمنا نفقة في سبيل الله< ([14]).

-------------------------------------------------------------------------------------------------------

([1]) رواه الطبراني، معجم الطبراني الكبير: 1/ 85، رقم الحديث: 124، تحقيق حمدي عبدالمجيد السلفي. والخرائطي: اعتلال القلوب: 2/101، رقم الحديث: 195، تحقيق حمدي الدمرداش.

([2])  البداية والنهاية 7/240.

([3]) رواه عبدالله بن أحمد بن حنبل: فضائل عثمان بن عفان، 1/ 62.

([4]) أخرجه البخاري في الصحيح-كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم-باب مناقب عثمان بن عفان-5/14 رقم: 3697.

([5]) ابن سعد، الطبقات: 3/40.

([6]) مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه. حديث رقم: 555 -1/ 402.

([7]) عبدالله بن حنبل، فضائل عثمان: حديث رقم: 76. 1/ 123، 124.

([8]) الصلابي، تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان رضي الله عنه: شخصيته وعصـره، ص: 51.

([9])  فضائل عثمان. حديث رقم:175. 1/ 198، 199.

([10])  فضائل عثمان. حديث رقم: 18. 1/ 64.

([11])  فضائل الصحابة. حديث رقم: 742 ـ 1/ 561، 562.

([12])  فضائل الصحابة. حديث رقم: 748 ـ 1/ 564.

([13])  فضائل عثمان. حديث رقم:109. 1/ 149.

([14])  العقد الفريد: 5/ 57.

([1]) رواه عبدالله بن أحمد بن حنبل: فضائل عثمان بن عفان، 1/ 62.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق