من أسرار صيام يوم عاشوراء

بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم:
إن من نعم الله تعالى على عباده أن وفقهم إلى الطاعات التي تقربهم إليه سبحانه، ومن أجلِّها: "صيام التطوع"؛ الذي يعد وسيلة عظيمة لنيل مرضاة الله تعالى والتقرب إليه سبحانه، ومن صيام التطوع: صيام يوم عاشوراء الذي له الفضل الكبير مصداقا لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء؛ وهذا الشهر يعني: شهر رمضان"([1])، ولأهمية وفضل هذا اليوم، أحببت أن أتناوله في مقال أورد فيه سبعة أسرار وفوائد في صيامه، وقبل ذلك أعرف كلمة عاشوراء لغة واصطلاحا؛ وهذا أوان الشروع في الموضوع فأقول وبالله التوفيق:
أولا: معنى كلمة عاشوراء لغة واصطلاحا:
1-معنى عاشوراء لغة:
جاء في لسان العرب لابن منظور قوله: " عاشوراء، وعشوراء؛ ممدودان: وهو اليوم العاشر من المحرم، وقيل: التاسع؛ قال الأزهري: ولم يسمع في أمثلة الأسماء اسما على فاعولاء إلا أحرف قليلة"([2]).
وقال الرافعي في المصباح المنير: "المشهور من أقاويل العلماء سلفهم وخلفهم أن ( عَاشُورَاءَ ) عاشر المحرم، و ( تَاسُوعَاءَ ) تاسع المحرم"([3]).
2-معنى عاشوراء اصطلاحا:
وفي الاصطلاح قال ابن الأثير في النهاية: "عاشوراء؛ هو: اليوم العاشر من المحرم، وهو اسم إسلامي، وليس في كلامهم فاعولاء بالمد وغيره، وقد ألحق به تاسوعاء؛ وهو تاسع المحرم . وقيل : إن عاشوراء هو: التاسع مأخوذ من العشر في أوراد الإبل"([4]).
وقال النووي -رحمه الله-: " وعاشوراء وتاسوعاء اسمان ممدودان، هذا هو المشهور في كتب اللغة، وحكى عن أبي عمرو الشيباني: قصرهما. قال أصحابنا: عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم، وتاسوعاء هو التاسع منه، هذا مذهبنا، وبه قال جمهور العلماء"([5]).
ومن خلال هذه التعاريف اللغوية والاصطلاحية لكلمة "عاشوراء" و "عشوراء"؛ يتبين أنهما يطلاقان على معنى واحد وهو: اليوم العاشر من محرم، وقد ألحق به التاسع من المحرم.
ثانيا: من أسرار وفوائد صيام عاشوراء
يعد صيام عاشوراء أحد السنن المستحبة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يستحب صيامه؛ لما له من الفضل على القائمين بتلك السُّنة؛ ولا شك أن في صيامه أسرارا عظيمة، وفوائد جليلة، ومن هذه الأسرار أذكر سبعة منها وهي:
1-شكر الله تعالى على نعمة نجاة موسى وقومه من فرعون ؛ ذلك أن عاشوراء هو اليوم الذي نجى فيه الله تعالى موسى عليه السلام وبني إسرائيل من بطش فرعون وجنوده، فصامه سيدنا موسى شكرا لله تعالى، ثم صامه النبي صلى الله عليه وسلم بعده، وأمر الأمة الإسلامية بصيامه؛ مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: " قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا ؟ قالوا : هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى. قال: فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه" ([6]).
2-حصاد الأجر والثواب العظيم؛ فهو كفارة ذنوب عام قبله؛ مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله"([7])، ثم إنه داخل في عموم أجر صيام التطوع الذي لا يعلمه إلا الله تعالى لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها" ([8])..
وكان الصحابة رضوان الله عليهم يصومونه، ويصوِّمون فيه صبيانهم، ليتعودوا على صيامه؛ فإذا طلبوا الطعام أعطوهم العهنة ونحوها يتلهون بها حتى تغرب الشمس؛ فعن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: "أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار : من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائما فليصم، قالت: فكنا نصومه بعد، ونصوم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك، حتى يكون عند الإفطار"([9]).
3-التدرب على الصبر؛ فبصيامه يتمرن العبد على الصبر النفسي الذي يدفعه إلى الامتثال للطاعات والابتعاد عن المخالفات، وكذا الصبر على أقدار الله المؤلمة بصبره على المفطرات التي يؤلم النفس تركها.
4-الفرح بنصر الله تعالى للحق والعدل على الظلم والطغيان؛ ذلك أن في صيام هذا اليوم يعد تخليدا لذكرى إنجاء الله تعالى لموسى ومن معه من بطش فرعون؛ وفي هذا دلالة على أن الحق دائما لابد له من أن ينتصر، مهما طال الزمان أو قصر، وأن الله تعالى كما أهلك فرعون فسيهلك كل جبار متكبر مثله، وكما نجى عبده ونبيه موسى عليه السلام، ومن معه من المؤمنين فسينجي كل مؤمن في كل وقت وحين.
5- الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي رغب بصيامه؛ مصداقا لحديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم ذكره آنفا.
6- الوقاية من نار جهنم؛ لدخوله في عموم صيام التطوع؛ مصداقا لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا"([10])، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من صام يوما في سبيل الله باعد الله بينه وبين النار بذلك اليوم سبعين خريفا "([11]) .
7-أن صيامه يعد وسيلة للتقرب إلى الله عز وجل للحصول على مرضاته سبحانه.
الخاتمة:
وفي ختام هذا المقال خلصت إلى الآتي:
1-أن صيام عاشوراء يعد سنة مستحبة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
2-أن في صيامه فضل كبير وأجر عظيم؛ فهو كفارة لذنوب عام قبله، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على صيامه، وكذا صحابته الذين كانوا يصُومُونه، ويصوِّمُون صبيانهم، ليتعودوا على صيامه .
4-أنه اليوم الذي نجى فيه الله تعالى موسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين من بطش فرعون وجنوده.
5-أن صيامه يعد تخليدا لذكرى نجاة موسى عليه السلام من فرعون.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
**********************
هوامش المقال:
([1]) وهذا لفظ البخاري صحيح البخاري (2/59)، كتاب الصوم، باب: صيام يوم عاشوراء برقم: (2006)، وأما لفظ مسلم فهو كالآتي: سئل ابن عباس عن صيام يوم عاشوراء فقال: " ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوما يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم ولا شهرا إلا هذا الشهر». يعني رمضان" .
([2]) لسان العرب (4 /569) مادة: "عشر".
([3]) المصباح المنير (1 /75) مادة: "تسع".
([4]) النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 240) مادة (عشر).
([5]) المجموع شرح المهذب (6 /433).
([6]) أخرجه البخاري في صحيحه (2 /58-59)، كتاب: الصيام، باب: صيام يوم عاشوراء، برقم: (2004)، ومسلم في صحيحه (1 /504) كتاب: الصيام، باب: صوم يوم عاشوراء، برقم: (1130) واللفظ للبخاري.
([7]) أخرجه مسلم في صحيحه (1 /518-519)، كتاب: الصوم، باب: استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس برقم: (1162).
([8]) أخرجه الإمام البخاري (2/ 29)، كتاب: الصوم، باب: فضل الصوم، برقم: (1894)، والإمام مسلم، كتاب: الصيام، باب: فضل الصيام، برقم:( 1151). واللفظ للبخاري.
([9]) أخرجه البخاري (2 /48) ، كتاب: الصوم، باب: صيام الصبيان، برقم: (1960) واللفظ له، ومسلم في صحيحه (1 /505-506) كتاب: الصيام، باب: من أكل في عاشوراء فليكف بقية يومه، برقم: (1136).
([10]) أخرجه البخاري في صحيحه (2 /316) ،كتاب: الجهاد والسير، باب: فضل الصوم في سبيل الله، برقم: (2840) واللفظ له ، ومسلم في صحيحه (1 /512)، كتاب: الصيام، باب: فضل الصيام في سبيل الله لمن يطيقه بلا ضرر ولا تفويت حق، برقم: (1153).
([11]) أخرجه الترمذي في سننه (3 /265)،أبواب فضائل الجهاد، باب: ما جاء في فضل الصوم في سبيل الله، برقم: (1622) النسائي في سننه الكبرى (3/ 141) كتاب: الصيام، باب: ثواب من صام يوما في سبيل الله عز وجل وذكر الاختلاف على سهيل بن أبي صالح في الخبر في ذلك، برقم: (2564) واللفظ لهذا الأخير.
********************
لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:
- الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه. لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتحقيقه: محب الدين الخطيب، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة، ط1 /1400هـ.
- الجامع الكبير. لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي . حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: د بشار عواد معروف. دار الغرب الإسلامي. بيروت. ط1/ 1996 مـ.
- السنن الكبرى. لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي. ضبط نصها: أحمد شمس الدين. قدم له: عبد الله بن عبد المحسن التركي. حققه وخرج أحاديثه: حسن عبد المنعم شلبي. مؤسسة الرسالة ط1/ 1421هـ- 2001مـ .
- صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج للزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427هـ-2006 مـ.
- كتاب المجموع شرح المهذب للشيرازي. لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي. حققه وعلق عليه وأكمله بعد نقصانه: محمد نجيب المطيعي. مكتبة الإرشاد جدة السعودية (د.ت).
- لسان العرب (ج4). لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور. دار صادر بيروت ط 1/ 1410هـ- 1990مـ .
- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير. لأبي العباس بن محمد بن علي الفيومي. دار المعارف القاهرة. ط2 (د.ت).
- النهاية في غريب الحديث والأثر. لمجد الدين أبي السعادات المبارك المعروف بابن الأثير الجزري. تحقيق: محمود محمد الطناحي- طاهر أحمد الزاوي. دار إحياء التراث العربي بيروت (د.ت).
*راجع المقال الباحث: محمد إليولو