مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

منظومة في أحكام الفطر في الصيام لأبي العباس أحمد بن المامون البلغيثي(1348هـ)-تقديم وضبط

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه الأخيار الكرام الأطهار، ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.

وبعد؛

فلا شك أن علماء الإسلام  قد ألفوا تواليف كثيرة لا تعد ولا تحصى في أحكام الصيام وفوائده ومقاصده،  ووجوه الفطر فيه، وهي متنوعة بين النثر والنظم، ومن هؤلاء العلماء الأفذاذ الفقيه أحمد بن المامون البلغيثي، رحمه الله، الذي نظم هذه المنظومة الرائعة في أحكام الفطر في الصيام، ولأهميتها ارتأيت إخراجها للقارئ بمناسبة شهر رمضان المبارك.

ولأجل تحقيق هذا الغرض قسمت العمل عليها إلى قسمين: خصصت الأول منهما للتقديم، وتناولت فيه التعريف بالمؤلف والمنظومة. وأما القسم الثاني: فخصصته لضبط المنظومة. 

التعريف بالناظم[1]

هو أبو العباس أحمد بن المأمون بن الطيب بن المدني العلوي البلغيثي الحسني، ولد أبو العباس في شهر رمضان من عام (1282هـ) بمدينة فاس، ووالده هو المأمون بن الطيب نقيب الأشراف في وقته المتوفى سنة (1316هـ).

أخذ  رحمه الله عن جماعة من العلماء منهم: محمد بن عبد الرحمن العلوي (ت1299هـ)، ومحمد بن المدني كنون (1302هـ)، ومحمد بن التهامي الوزاني (ت1311هـ)، وجعفر بن إدريس  الكتاني الحسني (ت1323هـ)، وأحمد بن محمد بن الخياط الزكاري (ت1343هـ)، ومحمد ـ فتحا ـ بن قاسم القادري الفاسي (ت1331هـ).

 تتلمذ عليه جماعة من العلماء الجلة  منهم: عبد السلام بن محمد السرغيني(تـ 1354هـ)، ومحمد بن أحمد ابن الحاج السلمي(تـ 1364هـ)، ومحمد بن عبد المجيد أقصبي(تـ 1364هـ)، وعبد الرحمن مولاي الكبير بن محمد ابن زيدان(تـ 1365هـ) ومحمد بن عبد السلام السايح(تـ 1367هـ)، ومحمد المختار السوسي(تـ 1383هـ)، وعبد الحفيظ بن الطاهر الفاسي(تـ 1383هـ).

له تآليف عديدة منها: شرح منظومة في معاني الحروف -والنظم له  أيضا- طبع على الحجر بفاس  في فاتح ربيع النبوي عام(1313هـ)،ورحلة حجازية منظومة في 568 بيتا، وسمها بالنحلة الموهوبة النجازية في الرحلة الميمونة الحجازية، وحسن النظرة في أحكام الهجرة، ومجلي الأسرار والحقائق فيما يتعلق بالصلاة على خير الخلائق (صلى الله عليه وسلم)، وتشنيف الأسماع بأسماء الجماع، وما يلائمه من مستلذات السماع في جزأين، وفتاوى وأحكام في ثلاثة أجزاء، وختم صحيح البخاري، وديوان شعري يسمى: "تنسم عبير الأزهار بتبسم ثغور الأشعار، ونتيجة البر في حكم الصلاة بعد الدفن على القبر.

توفي مولاي أحمد بن المأمون البلغيثي يوم الثلاثاء سابع رجب من عام 1348هـ ودفن بروضتهم بالقباب[2].

ثانيا: التعريف بالمنظومة.

هي: أرجوزة جمع فيها أحمد بن المامون البلغيثي أحكام الصوم التي يكثر وقوعها وتكون عسيرة،  ووجوه الفطر فيه،  وتناولها في عدة فصول وهي كالآتي:

فصل في تصوير مسائله[3]، وفصل في جوه الفطر في رمضان[4]، وفصل في جوه قضاء الفطر في رمضان[5]، وفصل في جوه الفطر في النفل[6]، وفصل في جوه الفطر في النذر المبهم[7]، وفصل في وجوه الفطر في النذر المعين[8].

وهذه الأرجوزة ثابتة النسبة لمؤلفها جاء في أولها ما نصه: "وللعلامة المحقق الأديب المدقق الشيخ المشارك الأريب الشريف الأصيل أبي العباس مولاي أحمد بن المامون البلغيتي حفظه الله ورعاه"[9]، ونسبها له محمد الكانوني في جواهر الكمال في تراجم الرجال[10]، وإدريس القيطوني في معجم المطبوعات المغربية[11].

وقد بين أحمد بن المامون البلغيثي سبب إنشاء أرجوزته في آخرها بما نصه: "الحمد لله وحده حيث ألح جماعة من إخواننا سادتنا أهل العلم وفر الله جمعهم ولا  أوقر عما يجلب نفعهم سمعهم في إنتاج هذه الرجزية،  فإني أجيز بها كل من انتسخها عاهدا إليه إن سعى في  تصحيحها بعد كتبها، فإن في ألفاظها مقاصد تتغير بتحريف أدنى حرف منها، نفع الله بها من نظرها بعين الانتفاع آمين"[12].

وهي منقولة من خط الناظم، قال رحمه الله: "قيد في صباح يوم الجمعة ثاني عشر جمادى الأولى من عام اثنين وأربعين وثلاثمائة  وألف بمكناسة الزيتون حرسها الله تعالى آمين. انتهى من خط الناظم دام حفظه ونفع بعلومه آمين"[13].

وقد اعتمدت في ضبط هذه المنظومة على نسخة محفوظة بالمكتبة الوطنية تحت رقم: 3344د، وهي ضمن مجموع من ص:41 إلى ص:42 مكتوبة بخط مغربي، منسوخة من خط مؤلفها.

 تاريخ تأليفها: صباح يوم الجمعة ثاني عشر جمادى الأولى من عام اثنين وأربعين وثلاثمائة وألف(1342هـ)، مكان نسخها: مكناسة الزيتون، خالية من الناسخ وتاريخ النسخ، مكتوبة بخط مغربي.

متن القصيدة:

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.

وللعلامة المحقق الأديب المدقق الشيخ المشارك الأريب الشريف الأصيل أبي العباس مولاي أحمد بن المامون البلغيثي حفظه الله ورعاه.

حمد الإله أول المقول**ثم صلاتنا على الرسول

هذا ودونك نظاما في رجز** عظُم في عينِيَ لما إن نجَز

جمع أحكاما لصوم يكثر** وقوعها وحكمها قد يعسرُ

في حكم تكرير لفطر إن وقع** بأي وجه من وجوهه يَقَعْ

فصل في تصوير مسائله

الصوم إما رمضان أو قَضَا** أو نفْلٌ أو صومٌ بنذرٍ مُقتضَى

والنذر إما مبهم أو عيِّنا** فتلك خمس عدّها قد بُيِّنا

والفطر إن يقع فعمدا أو ضرر** أو غفلة فتلك خمس عشر

فصل في جوه الفطر في رمضان

الفطر في شهر الصيام عمدا** دون تأوُّل قريب يُبْدى

فيه القضا ثم يلي التكفيرُ** وحكم ذا بين المَلا شهير

وأدب على انتهاكه لزم**إلا إذا ما تائبًا لنا قدم

ويجب الإمساك فيما بقيا** من يومه والخلف في ذا نُفِيا

فإن يَعُد للانتهاك ثانيا** في يومه كان بذاك عاصيا

أما إعادة لتكفير فلا** من دون ما خُلفٍ لديهم مُسجَلا

وإن يكن عن ضرر فقد جزم ** فيه خليل أن فطره يُتَم

وحافظ المذهب قال يجب** إمساكُه والأول المنتخَبُ

أما قضاؤه فأمر حتمُ** وما لنا بالخُلف فيه علمُ

وإن يكن إفطاره عن غفلة ** فالفطر بعد ما امرؤ أحلَّه

ويجب القضا على المشهور** من مذهب الإمام لا الجمهور

فصل في جوه الفطر في قضاء رمضان

والفطر في القَضا بكل صوره** جاز تمادي الفطر فيها فادَّره

واستحسنوا الإمساك في السهو وفي** ضرٍّ فأما الحتم فهو مُنتَف

أما القضاء في غفلة فمرا** ما حكمه يجري هنا بالأحرى

فصل في جوه الفطر في النفل

والفطر في النفل بعمد قد وجب ** قضاؤُه وقد عصا بما ارتكب

وجاز فيه فطرُه من بعدِ ذا ** ومن يقل لا، فكلامَه انبِذا

وإن يكن فطره جاء عن ضرر ** جاز تماديه كما في المختصر

وإن يك النسيان جلى فطره** فما له فطر يجوز إِثره

ولا وجوب للقضا إجماعا** والندب عندنا به قد شاعا

فصل في جوه الفطر في النذر المبهم

الفطر في المبهم من نذر إذا** وقع جاز فطرا من بعد ذا

من غير تقييد بعمدٍ أو ضرر** أو غفلةٍ من دون ما خلف ظهر

لكن عَصَى في عمده و لزمه** قضاؤه إذ كان قيدُ التزمه

تنبيه

ومثل هذا القسم في الأحكام** كفارة اليمين بالصيام

والقتل والفدية والظهار ** فحكمه في الفطر فيها جار

سوى الذي فيه التتابع يجب** ظهارا أو قتلا فكفه استحب

إن كان في أول يوم عَنَّا** إفطاره وخيِّرن في الاثنا

فصل في وجوه الفطر في النذر المعين.

والفطر في النذر المعين متى** وقع فالقضاء بعد ثبتا

بأي وجه كان هذا الفطر** نعم لدى العمد يجيء الوزر

والفطر ثانيا لدى العمد وفي ** غفلتِه امتناعُه قد اقتفي

أما لدى ضرورة فلا حرج**هذا الذي يظهرُ مما قد درج

تم الذي قصدتُّه من نظم** بحمد رب ذي العطاء الجَمّ

قرب من يحتاجه مناله ** يبدي لمن أنصفه كماله

الحمد لله وحده حيث ألح جماعة من إخواننا سادتنا أهل العلم وفر الله جمعهم ولا  أوقر عما يجلب نفعهم سمعهم في إنتاج هذه الرجزية،  فإني أجيز بها كل من انتسخها عاهدا إليه إن سعى في  تصحيحها بعد كتبها، فإن في ألفاظها مقاصد تتغير بتحريف أدنى حرف منها، نفع الله بها من نظرها بعين الانتفاع آمين.

وقيد في صباح يوم الجمعة ثاني عشر جمادى الأولى من عام اثنين وأربعين وثلاثمائة  وألف بمكناسة الزيتون حرسها الله تعالى آمين. انتهى من خط الناظم دام حفظه ونفع بعلومه آمين.

*************

هوامش المقال:

[1] من مصادر ترجمته: شجرة النور الزكية (1 /621)، الفكر السامي (3 /41)، معجم الشيوخ لعبد الحفيظ الفاسي الفهري(1 /133)، الأعلام لخير الدين الزركلي(1 /201)، إتحاف المطالع (1 /453)، )، سل النصال للنضال(ص:54)، التأليف ونهضته(ص: 62)، من أعلام الفكر المعاصر بالعدوتين (1/ 202).

[2]إتحاف المطالع(1 /453).

[3]منظومة في أحكام الفطر في الصيام، ص: 41.

[4]منظومة في أحكام الفطر في الصيام، ص: 41.

[5]منظومة في أحكام الفطر في الصيام، ص: 41.

[6]منظومة في أحكام الفطر في الصيام، ص: 41.

[7]منظومة في أحكام الفطر في الصيام، ص: 41.

[8]منظومة في أحكام الفطر في الصيام، ص: 42.

[9]منظومة في أحكام الفطر في الصيام، ص: 41.

[10]جواهر الكمال(1 /57).

[11]معجم المطبوعات المغربية(ص: 39).

[12]منظومة في أحكام الفطر في الصيام، ص: 42.

[13]منظومة في أحكام الفطر في الصيام، ص: 42.

**************

جريدة المصادر والمراجع

الأعلام (قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين) لخير الدين الزركلي الدمشقي. دار العلم للملايين .ط15: 2002 م.

التأليف ونهضته بالمغرب في القرن العشرين لعبد الله الجراري، مطبعة النجاح الجديدة البيضاء،ط1: 1406هـ ـ 1985م.

جواهر الكمال في تراجم الرجال، لمحمد بن أحمد العبدي الكانوني، المطبعة المغربية البيضاء، ط1: 1356هـ.

سل النصال للنضال بالأشياخ وأهل  الكمال لعبد السلام بن عبد القادر بن سودة، تحقيق محمد حجي، دار الغرب الإسلامي ط1 : 1417هـ  ـ 1997م.

شجرة النور الزكية في طبقات المالكية لمحمد بن محمد بن عمر بن علي ابن سالم مخلوف، تعليق عبد المجيد خيالي، دار الكتب العلمية، لبنان ط1: 1424 هـ ـ 2003 م.

الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي لمحمد بن الحسن بن العربيّ بن محمد الحجوي الثعالبي الجعفري الفاسي، دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان.

معجم الشيوخ لعبد الحفيظ الفاسي الفهري، المطبعة الوطنية، لصاحبها عباس التناني بدرب  الفاسي بالرباط، عدد3: 1350هـ ـ 1931م.

معجم المطبوعات المغربية، إدريس ابن الماحي القيطوني الإدريسي، مطابع سلا، 1988.

من أعلام الفكر المعاصر بالعدوتين: الرباط وسلا، لعبد  الله الجراري، مطبعة الأمنية بالرباط، ط1: 1391 هـ- 1971م.

راجع المقال الباحث: يوسف ازهار

Science

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق