
يقول العلامة الكبير فخر الدين الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب عن معجزة القرآن الكريم ورونق نظمه وشرف معاني آيه:
« ..أولها: قيام المعجز على أن المسموع كلام الله لا غيره، فيعرف الملك بواسطة ذلك المعجز أنه سمع كلام الله تعالى.
وثانيها: قيام المعجزة عند النبي صلى الله عليه وسلم على أن ذلك الملك صادق في دعواه، وأنه ملك بعثه الله تعالى وليس بشيطان.
وثالثها: أن تقوم المعجزة على يد الرسول عند الأمة حتى تستدل الأمة بها على أن الرسول صادق في دعواه.
فإذن لما لم يعرف الرسول كونه رسولا من عند الله لا تتمكن الأمة من أن يعرفوا ذلك، فلما ذكر الله تعالى في هذه السورة أنواع الشرائع وأقسام الأحكام، قال: ﴿آمن الرسول﴾، فبين أن الرسول عرف أن ذلك وحي من الله تعالى وصف إليه، وأن الذي أخبره بذلك ملك مبعوث من قبل الله تعالى معصوم من التحريف، وليس بشيطان مضل، ثم ذكر إيمان الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، وهو المرتبة المتقدمة، وذكر عقيبه إيمان المؤمنين بذلك وهو المرتبة المتأخرة، فقال: ﴿والمؤمنون كل آمن بالله﴾، ومن تأمل في لطائف نظم هذه السورة وفي بدائع ترتيبها علم أن القرآن كما أنه معجز بحسب فصاحة ألفاظه وشرف معانيه، فهو أيضا معجز بحسب ترتيبه ونظم آياته، ولعل الذين قالوا: إنه معجز بحسب أسلوبه أرادوا ذلك إلا أني رأيت جمهور المفسرين معرضين عن هذه اللطائف غير متنبهين لهذه الأمور، وليس الأمر في هذا الباب كما قيل:
والنَّجْمُ تَسْتَصْغِرُ الأَبْصَارُ رُؤْيَتَهُ *** وَالذَّنْبُ لِلطَّرْفِ لَا لِلنَّجْمِ فِي الصِّغَرِ
ونسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا، ويعلمنا ما ينفعنا به بفضله ورحمته».