من مستحبات عيد الفطر: “الأكل قبل الخروج إلى الصلاة”.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى أهل بيته - أزواجه وذريته وبعد:
إن من نعم الله على عباده أن جعل لهم عيدان يفرحون بهما وهما: عيدي الفطر والأضحى، عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم المدينةَ ولهم يومان يلعبون فيهما، قال: «ما هذان اليومان؟». قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال: «إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الفطر، ويوم النحر»([1]).
ولا شك أن لكل منهما سننا مستحبة حث على فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديثه، وقام بها الصحابة رضي الله عنهم بعده ، ومقالنا اليوم هو عن إحدى سنن عيد الفطر السعيد وهي: "سنة الأكل قبل الخروج إلى صلاة العيد " ؛ حيث وردت بشأنه عدة أحاديث نبوية وآثار عن الصحابة رضي الله عنهم. ولأهمية هذا الموضوع أحببت أن أتناوله في هذا المقال؛ حيث سأذكر فيه جملة من الأحاديث النبوية، التي ذَكَرَتِ استحباب الأكل قبل الخروج إلى صلاة عيد الفطر، انتقيت منها خمسة أحاديث مع تخريجها تخريجا موجزا ، ومنهجي في ذلك الآتي:
أذكر نص الحديث أولا ، ثم أذكر بعض من أخرجه من الأئمة الأعلام ثانيا، مع ترتيب الأحاديث المذكورة على الحروف، ثم أختمه بذكر بعض الفوائد والحكم المستفادة منها ، ثم خاتمة للموضوع، وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق والسداد:
- الحديث الأول:
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ".
- تخريجه:
أخرجه بهذا اللفظ البخاري في كتاب: العيدين، باب: "الأكل يوم الفطر قبل الخروج" وزاد: وقال مرجأ بن رجاء، حدثني عبيد الله، قال: حدثني أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، «ويأكلهن وترا» ([2])، والترمذي في كتاب: العيدين، باب: "في الأكل يوم الفطر قبل الخروج " بلفظ: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يفطر على تمرات يوم الفطر ، قبل أن يخرج إلى المصلى» وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح([3]).
- الحديث الثاني:
حديث بريدة بن الخصيب رضي الله عنه قال: « كان النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر لا يخرج حتى يطعم ، ويوم النحر لا يطعم حتى يرجع ».
- تخريجه:
أخرجه أحمد في مسنده([4])–وهذا لفظه-، والدارمي في سننه، أبواب العيدين، باب: "في الأكل قبل الخروج يوم العيد"([5])، والترمذي في سننه ، في كتاب: أبواب العيدين ، باب: "الأكل يوم الفطر قبل الخروج"([6])، وابن حبان في صحيحه، في كتاب: الصلاة، باب: العيدين : "ذكر ما يستحب للمرء أن يطعم يوم الفطر قبل الخروج ، ويؤخر ذلك يوم النحر إلى انصرافه من المصلى"([7]).
قال محققه شعيب الأرناؤوط : إسناده حسن.
- الحديث الثالث:
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:"كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يطعم يوم الفطر قبل أن يخرج، ولا يصلي قبل الصلاة، فإذا انصرف صلى ركعتين".
- تخريجه:
أخرجه أبو يعلى في مسنده([8])-وهذا لفظه-،والطبراني في المعجم الأوسط وقال:" لا يروى هذا الحديث عن عمر بن عبد العزيز إلا بهذا الإسناد، تفرد به الواقدي"([9])، وقال الهيثمي : رواه أبو يعلى، والبزار، والطبراني في الأوسط ولفظه : "أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يطعم يوم الفطر قبل أن يغدو ويأمر الناس بذلك " وفي إسناد الطبراني: الواقدي، وفيه كلام كثير ، وفيما قبله عبد الله بن محمد بن عقيل، وفيه كلام وقد وثق"([10]) قال ابن حجر في ترجمة هذا الأخير : "صدوق في حديثه لين، ويقال تغير بأخرة"([11]).
لكن وإن كان السند ضعيفا فهو يتقوى بما قبله؛ لأن الحديث يشهد لطرفه الأول حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وكذا حديث بريدة بن الخصيب رضي الله عنه المتقدمين.
- الحديث الرابع:
حديث عبيد الله بن أبي بكر بن أنس رضي الله عنه قال : سمعت أنسا يقول : "ما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الفطر حتى يأكل تمرات ثلاثا، أو خمسا، أو سبعا، أو أقل من ذلك، أو أكثر من ذلك وترا".
- تخريجه:
أخرجه الحاكم في المستدرك-وهذا لفظه- ، وقال "صحيح على شرط مسلم"، وأقره الذهبي في التلخيص([12])، وبنحوه البيهقي في سننه الكبرى في كتاب العيدين، باب: الأكل يوم الفطر قبل الغدو([13])، وهو عند البخاري في رواية معلقة بلفظ: "ويأكلهن وتراً"([14]).
- الحديث الخامس:
حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: "من السنة أن لا يخرج حتى يطعم ، ويخرج صدقة الفطر".
- تخريجه:
أخرجه الدار قطني في سننه ، كتاب العيدين –وهذا لفظه- ([15])،وأخرجه بنحوه في موضع آخر من سننه ([16])، والبيهقي في سننه الكبرى، في كتاب العيدين، باب: الأكل يوم الفطر قبل الغدو([17]) ،كلاهما من رواية على رضي الله عنه.
قال الزرقاني في شرح المواهب: "وقول الصحابي من السنة حكمه الرفع، وهو إنما يعني سنة النبي صلى الله عليه وسلم"([18]).
ثم أن للحديث شواهد مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم- صلى الله عليه وسلم - ؛تصريحا كحديث أنس المتقدم.
- الفوائد والحكم المستفادة من هذه الأحاديث:
من الفوائد المستفادة من هذه الأحاديث الآتي:
1-المبادرة إلى امتثال أمر الله تعالى قال ابن حجر: "واستحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر الله تعالى"([19]).
2-ومنها: الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم مصداقا لقول الله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر) ([20]).
3-ومنها: إظهار الفرح بقدوم العيد؛ وذلك بعد انقضاء شهر الصيام، وكان الأكل قبل الخروج للصلاة تعبيرا عن انتهاء هذه الفترة. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري نقلا عن المهلب: " الحكمة في الأكل قبل الصلاة، أن لا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد، فكأنه أراد سد هذه الذريعة"([21]).
4-ومنها: استحباب الإفطار على التمر ؛ لأن الحلو كما قال ابن القيم "أسرع وصولا إلى الكبد، وأحبه إليها؛ ولاسيما إن كان رطبا، فيشتد قبولها له فتنتفع به هي والقوى، فإن لم يكن فالتمر لحلاوته وتغذيته" ([22])، وقال الحافظ: "والحكمة في استحباب التمر فيه لما في الحلو من تقوية البصر ..، ولأن الحلو مما يوافق الإيمان ويعبر به المنام ويرق القلب وهو أسر من غيره، ومن ثم استحب بعض التابعين أن يفطر على الحلو مطلقا كالعسل "([23])، وفي جعلهن وترا " استشعارا للوحدانية ، وكذلك كان يفعل صلى الله عليه وسلم فى جميع أموره" ([24]).
الخاتمة:
وختاما فإن هذه الأحاديث دعت إلى إحدى السنن المستحبة لعيد الفطر؛ وهو الأكل قبل التوجه إلى صلاة العيد، اقتداءا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا شك أن في ذلك حكم، وقد أشرت إلى ذكر بعضها جعلتها خاتمة هذا المقال.
والحمد لله رب العالمين.
***************
هوامش المقال:
([1]) أخرجه أحمد في مسنده (21 /226-225) برقم: (13622) واللفظ له، وأبو داود في سننه (2 /345) برقم: (1134). والنسائي في سننه (3/ 199) برقم: (1155)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (1/ 434) كلهم من طرق عن حميد الطويل عن أنس بن مالك. الحديث بنحوه.
([2]) صحيح البخاري (1 /302)، برقم (953).
([3]) سنن الترمذي (1 /545)، برقم: (543).
([4]) مسند أحمد (38 /87) برقم (22983).
([5]) سنن الدارمي (2/ 997)، برقم: (1641).
([6]) سنن الترمذي (1 /544)، برقم: (542).
([7]) صحيح ابن حبان (7 /52) ، برقم: (2812).
([8]) مسند أبي يعلى (2 /500 )، برقم: ( 1347).
([9]) المعجم الأوسط(4 /384-385) برقم (4502).
([10]) بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد(2 /431-432).
([11]) تقريب التهذيب (ص: 542).
([12]) المستدرك (1 /433-434) برقم: (1090).
([13]) سنن البيهقي الكبرى (3 /400)، برقم (6155).
([14]) صحيح البخاري (1/ 302)، برقم (953).
([15]) سنن الدار قطني (2 /172)، برقم: (1671).
([16]) سنن الدار قطني (2/ 172-173 ، رقم 1692).
([17]) سنن البيهقي الكبرى (3 /400-401 برقم:6158).
([18]) شرح الزرقاني على المواهب اللدنية (11 /74).
([20]) سورة الأحزاب الآية : (21).
([24]) شرح صحيح البخاري لابن بطال (2 /552).
**************
لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:
بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي. تحقيق: عبد الله محمد الدرويش. دار الفكر 1414 هـ- 1994 مـ.
تقريب التهذيب. لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. حققه وعلق عليه ووضحه وأضاف إليه: أبو الأشبال صغير أحمد شاغف الباكستاني. تقديم: بكر بن عبد الله أبو زيد. دار العاصمة الرياض. ط2/ 1423 هـ.
الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه. لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتحقيقه: محب الدين الخطيب، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب. المطبعة السلفية القاهرة. ط1/ 1400هـ.
الجامع الكبير. لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي . حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: د بشار عواد معروف. دار الغرب الإسلامي. بيروت. ط1/ 1996 مـ.
زاد المعاد في هدي خير العباد. لابن القيم الجوزية. حقق نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط- عبد القادر الأرنؤوط. مؤسسة الرسالة. بيروت. ط3/ 1418 هـ- 1998 مـ.
سنن أبي داود. لسليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني. حققه، وضبط نصه، وخرج أحاديثه، وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط- محمد كامل قروبللي. دار الرسالة العالمية.ط 1430-2009.
سنن الدار قطني. لعلي بن عمر الدار قطني. عادل أحمد عبد الموجود – علي محمد . دار المعرفة بيروت ط1 /1422 هـ- 2001 مـ.
السنن الكبرى. لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي بن البيهقي. تحقيق: محمد عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية بيروت . ط2 / 1424 هـ - 2003 مـ.
سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي، وحاشية الإمام السندي. لأحمد بن شعيب أبي عبد الرحمن النسائي. حققه، ورقمه، ووضع فهارسه: مكتب تحقيق التراث الإسلامي. دار المعرفة. بيروت لبنان. (د.ت).
شرح العلامة الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية. ضبطه وصححه. محمد عبد العزيز الخالدي. دار الكتب العلمية. بيروت. ط1/ 1417 هـ- 1996 مـ.
شرح صحيح البخاري. لأبي الحسن بن خلف بن عبد الملك ابن بطال القرطبي. ضبط نصه وعلق عليه: أبو تميم ياسر إبراهيم. مكتبة الرشد الرياض. (د. ت).
صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان. حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط. مؤسسة الرسالة. بيروت ط2/ 1414 هـ- 1993 مـ.
فتح الباري شرح صحيح البخاري. لأحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني. طبعة منقحة ومقابلة على طبعة بولاق والطبعة الأنصارية والطبعة السلفية التي عني بإخراجها الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وقام بإكمال التعليقات بتكليف وإشراف علي بن عبد العزيز الشبك. رقم كتبها وأبوابها وأحاديثها: ذ محمد فؤاد عبد الباقي. دار السلام الرياض. ط1 /1421 هـ- 2000 مـ.
المستدرك على الصحيحين. لمحمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري. تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية بيروت . ط 2 /1422 هـ- 2002 مـ.
مسند أبي يعلى الموصلي. لأحمد بن علي بن المثنى التميمي. حققه وخرج أحاديثه: حسين سليم أسد. دار المأمون للتراث دمشق بيروت ط1/ 1404 هـ - 1984 مـ.
مسند الدارمي المعروف ب: سنن الدارمي . لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي. تحقيق: حسين سليم أسد الداراني. دار المغني السعودية. ط 1/ 1421 هـ– 2000 مـ.
المعجم الأوسط. لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني. تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد- عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني. دار الحرمين القاهرة 1415 هـ- 1995 مـ.
*راجع المقال الباحث: يوسف ازهار