كتاب النشر في القراءات العشر للمحقق ابن الجزري ومكانته عند قراء الغرب الإسلامي: الإمام محمد الرحماني المراكشي وكتابه فوائد من كتاب النشر نموذجا

حظي كتاب "النشر في القراءات العشر" بعناية أئمة القراءات بالغرب الإسلامي، ونذكر من بينهم إمام هذا الشأن ابن القاضي المكناسي، والإمام محمد بن عبد السلام الفاسي.
ولعل من تتبع ما صنف من كتب القراءات والتقاييد والأجوبة في خزائن المخطوطات المغربية، خصوصا في القرن الحادي عشر وما بعده يجد اهتمام المغاربة ضمن هذه المصنفات بالنقل من كتاب "النشر في القراءات العشر".
ويعد كتاب "فوائد من كتاب النشر" للرحماني –أحد أعلام القرن الحادي عشر الهجري- من أهم الكتب التي احتفت بابن الجزري ومصنفه في القراءات؛ إذ إن الرحماني وهو من هو في رسوخه في هذا العلم عمد إلى استخراج الفوائد النفيسة والدرر المضيئة والنكت الدقيقة.
ومن خلال بحثنا عن نسخ الكتاب المخطوطة، وجدنا نسخة فريدة تامة ومحفوظة بالخزانة الحسنية بالرباط ضمن مجموع برقم 13456، إلا أن توافر نسخ النشر؛ وهو الكتاب الأصل ساعدت في تقويم ما وقع في نسخة الخزانة الحسنية من تصحيف أو تحريف أو سقط.
وفيما يلي صورة للوحة الأولى من هذه النسخة المخطوطة:
وقد يسر الله طبع الكتاب سنة 2021م.
ولا يشك في نسبة هذا الكتاب للمقرئ الرحماني نزيل مراكش، وذلك من جهتين: الأولى: أن النسخة التي بين أيدينا قد صدرت بعبارة: (قال الشيخ الإمام العلامة الهمام الأستاذ أبو عبد الله سيدي محمد بن محمد الرحماني المدعو بابن الحاج رحمه الله ورضي عنه)؛ كما في الصورة أعلاه، والثانية: نسبة الكتاب له في كتب التراجم.
وقد صَدَّر الرحماني كتابه بقوله: (هذه الأوراق جمعت فيها بعض الفوائد من كتاب النشر للإمام الكبير شيخ الإسلام وحجة الأنام محمد بن محمد بن محمد بن الجزري رحمه الله).
وسأحاول –إن شاء الله- في هذه الورقة المختصرة التنبيه على مكانة هذا الكتاب وقيمته العلمية، وذلك من خلال العناصر الآتية:
أولا: أن هذه الفوائد جمعها عالم من علماء القراءات، عُلِمَ باعه في هذا العلم من خلال شهادات علماء عصره له؛ كابن القاضي المكناسي (ت 1082هـ)، ومحمد بن يوسف التملي المراكشي (ت1048هـ) وغيرهما، ومن خلال ما خلفه من تراث علمي مكين في علم القراءات والتجويد.
ثانيا: أن المصنف رحمه الله في الغالب لم يتصرف في كلام ابن الجزري بتغيير –سوى الاختصار-، إلا في مواضع يسيرة، كما أنه رحمه الله لم يعلق على شيء إلا في مواضع قليلة، وقد انتقى الشيخ المراكشي الذي كان حيا سنة 1070ه الفوائد مرتبة حسب أبوابها من كتاب النشر، فابتدأ بالحديث عن تاريخ انتشار القراءات والتأليف فيها، ثم ذكر أسماء الكتب والمصادر التي اعتمدها ابن الجزري مع أسماء مؤلفيها وتاريخ وفياتهم، ثم ذكر بعض الفوائد من صفات الحروف، ثم انتقل إلى أبواب الأصول؛ وهي الأحكام المطردة، من باب البسملة إلى الياءات الزوائد، ثم انتقل إلى فرش الحروف؛ وهي الأحكام المفردة، فذكر بعض الفوائد من بعض سور القرآن لا كلها، كما ذكر فوائد متعلقة بجمع وإفراد القراءات القرآنية، وكذا باب التكبير .
ثالثا: حرص الإمام الرحماني على جمع ما نص عليه ابن الجزري من اختيارات المغاربة، وقد أحصيت منها زهاء أربعين موضعا، وهي مفرقة في أغلب الأبواب من قسم الأصول والفرش، ونذكر نماذج منها:
-في قسم الأصول:
1-قوله في باب هاء الكناية: (وأما يرضه: فبالإسكان للسوسي، وبالوجهين للدوري، وروى عنه الإسكان أبو الزعراء وابن فرح، وبه قرأ الداني من طريق ابن فرح، وروى عنه الصلة ابن مجاهد، عن أبي الزعراء من جميع طرقه، وبه قرأ الداني على من قرأ عليه من طريق أبي الزعراء، وهو الذي لم يذكر في " الهداية "، و" التبصرة "، و"الكافي"، و"التلخيص "، وسائر المصريين من المغاربة عن الدوري سواه، وذكر الوجهين جميعا عنه أبو القاسم الشاطبي). [فوائد من كتاب النشر ص: 75].
2-قوله في باب الإدغام الصغير: (ولقد زينا) ، واختلف عن ابن ذكوان في الزاي، فروى الجمهور عن الأخفش عنه الإظهار، وبه قرأ الداني على عبد العزيز الفارسي، وهو الذي في التجريد من قراءته على نصر بن عبد العزيز الفارسي، وهي رواية العراقيين عن الأخفش، وروى عنه الصوري وبعض المغاربة عن الأخفش الإدغام، وهو الذي في العنوان والتبصرة، والكافي، والهداية، والتلخيص، وغيرها، وبه قرأ الداني على أبي الحسن بن غلبون وأبي الفتح فارس، وصاحب التجريد على عبد الباقي وابن نفيس، ورواه الحافظ أبو العلاء عن ابن الأخرم). انتهى [فوائد من كتاب النشر ص: 88].
-في قسم الفرش:
1-قوله في فرش حروف سورة يوسف: (هيت)، قال: واختلف عن هشام، فروى الحلواني وحده من جميع طرقه عنه كذلك؛ أي: بكسر الهاء وفتح التاء، إلا أنه همز، وهي التي قطع بها الداني في التيسير والمفردات، ولم يذكر مكي، ولا المهدوي، ولا ابن سفيان، ولا ابن شريح، ولا صاحب العنوان، ولا كل من ألف في القراءات من المغاربة عن هشام سواها، وأجمع العراقيون أيضا عليها عن هشام من طريق الحلواني، لم يذكروا سواها). [فوائد من كتاب النشر ص: 150].
2-وقوله في فرش حروف سورة الرحمن: (المنشئات): قال: واختلف عن أبي بكر، فقطع جمهور العراقيين من طريقيه كذلك بكسر السين، وهو الذي في جامع البيان والتيسير، والإرشاد، والكفاية، والكامل، والتجريد، وغاية أبي العلاء، والكفاية في الست، وقطع به ابن مهران من طريق يحيى بن آدم، وبه قرأ الداني على أبي الفتح من الطريق المذكورة، وكذلك صاحب المبهج من طريق نفطويه عن يحيى، وقطع آخرون بالفتح عن العليمي، وقطع بالوجهين جميعا لأبي بكر الجمهور من المغاربة والمصريين، وهو الذي في التيسير والتبصرة، والتذكرة، والكفاية، والهادي، والهداية، والتلخيص، والعنوان، والشاطبية). [فوائد من كتاب النشر ص: 166].
3-وقوله في باب التكبير: (وأما قنبل: فقطع له جمهور من روى التكبير عنه من المغاربة بالتكبير فقط، وهو الذي في الشاطبية، وتلخيص أبي معشر، ولم يذكره صاحب التيسير، كما قدمنا، وذكره في غيره، والأكثرون من المشارقة على التهليل، حتى قطع له به العراقيون من طريق ابن مجاهد، وقطع له بذلك سبط الخياط في كفايته من الطريقين). [فوائد من كتاب النشر ص: 198].
فهذه باختصار كلمة قصدت من خلالها التنويه بكتاب "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري ومكانته عند المغاربة، كما رمت الاحتفاء بالفوائد التي انتقاها منه الإمام الرحماني وجعلها في مصنف مستقل، والتي تدل على الاهتمام بهذا الفن عند المغاربة، ويبقى هذا التراث القرائي المخطوط للمغاربة خير شاهد على النبوغ المغربي في مختلف الفنون والعلوم، بل يمكن القول إن من أراد التعرف على أئمة هذا الشأن وغيره، فما عليه إلا أن يتتبع خزائن المخطوط، ويقوم بجرد للأئمة المصنفين، فيتبين من خلال ذلك مكانة المتقدمين وما بذلوه من غال ونفيس في سبيل خدمة القرآن الكريم، والحمد لله رب العالمين.