
أنشد العلامة الأديب أبو عبد الله محمد بن أحمد أكنسوس السوسي(ت1294هـ) قصيدة لامية في تهنئة السلطان مولاي عبد الرحمن العلوي بمناسبة المولد الشريف، مطلعها:
عهدي بكم جـيرةَ الـبطحاء موصولُ *** يا ناسـيَ العهد إن العهد مسؤولُ...
يا لائمي إنَّ فرط الحب معذرتي *** وفي الصـبـابة لي عِرقٌ وتأصيل
فكيف أصغي إلى اللاحين إن عذلوا *** فعاذلي الـمبتلَى بالحبّ معذول
نعـم فلي كبـدٌ تهتـاج لـوعتها *** إذا دنـا مـن ربـيع النـور تجليل
شهـرٌ تشـرَّفَ بالإسلام حُقَّ له *** بـيـن الـمـواسم تعـظيـمٌ وتبجيل
شهر تعاظم مجدا أن يماثله *** عيدُ ولا زمنُ بالفضل مشمول
شهر غدا غرة في كل مكرمة *** وأين من غرَّةِ في الفخر تحجيل
فيه تكون كَوْنُ الفضل وانفتحت *** أبوابه وأتانا العز والسول
فيه تفجر كل الخير منبجسا *** على الخلائق طرا فهو مبذول
فيه البشائر قد لاحت أشعتها *** فيه تعين للخيرات تسهيل
وزخرفت لعباد الله جنته *** واستبشر الملأ الأعلى وجبريل
في ليلة المولد الأسمى وسحرته *** يا أمة سعدت بالمصطفى قولوا
قولوا وتيهوا على الأكوان وافتخروا *** فقولكم لمكان الصدق مقبول
أهلا بمولد خير المرسلين ومن *** له على الكل تسييد وتمويل
بمولد الصفوة الأعلى الرسول إلى *** كل الوجود وما للحق تبديل
سرّ العوالم والأرواح عنصرها *** من ذكره في قديم الذكر منقول
ألواح موسى بن عمران مبشرة *** ببعثه وبقرب البعث إنجيل
يا من بدا روحه للخلق مبتدئا *** وجسمه لمناط الوحي تكميل
يا دوحة الحق يا مجد المحامد يا *** من نطقه كلّه وحي وتنزيل
لك اللواء لواء الحمد يشملنا *** من ظله عند هول العرش تظليل
لك الشفاعـة والحـوض المعدُّ لنا *** لك الجنان جنان الخلد تنفيل
لك المقام الذي قد عز مدركه *** برؤية ما لها في الصدق تأويل
إن لم يطق حملها موسى الكليم فقد *** عاينت ربك والتقديس مسدول
لك الوسيلة والجاه العظيم إذا *** ما أنت فوق نطاق العرش محمول
يا من يخلص من أضحى لمدحته *** على جناب كريم منه تطفيل
هذي مدائح راج أن تكون له *** من الرسول بإذن الله تنويل
صلى عليك مفيض الجود منك على *** كل الخلائق والتعميم تسجيل
والآل والصحب ما زمت على مرح *** إلى زيارتك العيس المراسيل
يا حاشر الخلق يا ماحي الضلال ويا *** من مدحه لرضى الرحمن توسيل
يا واضع الإصر عنا في شريعته *** فضلا ومن قبلنا بالإصر مغلول
تركتنا وسبيل الحق واضحة *** أعلامها ومحيا الدين مغسول
بآل بيتك والذكر الحكيم لنا *** كال اعتصام اذا ما اغتالت الغول
هذا حفيدك سلطان الملوك أبو *** زيد إمام بنصر الدين مشغول
سبط الخلائق باني العز في شرف *** عال على مجده للناس تعويل
قرم تداركت العليا سعادته *** لما غدا وإليه الأمر موكول
ما زال مجتهدا في الله منتصرا *** بالله والسيف في يمناه مسلول
حتى استنارت نجوم للهدى فلها *** والحمد لله تقويم وتعديل
فهو المؤمل للسمحا يجددها *** من بعد ما عز للتجديد تأهيل
وهو الذي سنة المختار قد حييت *** به وقد سامها وهن وتعطيل
وهو المؤيد بالإسعاد همته *** لبنية العز تشييد وتطويل
ففضله روضة غناء دانية *** قطوفها، وجنى كفيه معسول
وبأسه في ديار الكفر صاعقة *** فيها لحزب ذوي الأهواء تنكيل
يا خزي من حاد عن منهاج طاعته *** ويلمه إنه والله مثكول
إن سار يوما إلى الهيجاء تتبعه *** أجناد جرد أبابيل أبابيل
من كل أروع في إقدامه بطر *** وسيفه من قراع الهام مفلول
يجرها كعديد الطيس عابسة *** وما له غير وجه الله مأمول
يعنى به النصر لا ينفك يلزمه *** كأنه علة والنصر معلول
وعزمه نافذ لا شيء يحجبه *** فكل ما يبتغي في الحين مفعول
وتلك سنة ربي في عزائمه *** وما لسنة رب الناس تحويل
وللسعادة أسباب مقدرة *** في سابق العلم لا كسب وتحصيل
من أسرة زين الأقطار ملكهم *** كأن ملكهم تاج وإكليل
بنو علي أدام الله عزهم *** فهم لمغربنا عز وتفضيل
يا أيها الملك الأتقى المحيط به *** من الجلالة إجمال وتفصيل
بقيت للمولد المبرور تشهده *** وعزه بجلال منك مكفول
النبوغ المغربي في الأدب العربي(857-860).