قصيدة المديح النبوي عند شعراء الصحراء دراسة تطبيقية في قصيدة محمد سالم ولد عبد الفتاح الصحراوي
لم يحظ شعر شعراء الصحراء الفصيح بما يستحقه من الجمع و التدوين ثم الدرس و الفحص ، و لا نكاد نعثر من أشعارهم إلا على نتفٍ منثورة بين ثنايا بعض الكتب المعروفة من قبيل المعسول و الوسيط في تراجم أدباء شنقيط ، و لقد أتاح عبد الرحمان حجي للقراءِاكتشاف خريدة فريدة من فرائد المديح النبوي الصحراوي ، حين أقدم على نشر قصيدة محمد سالم ولد الفتاح البالغة زهاء مائة و ستين بيتا ، و تدلنا القراءة الأولى للقصيدة على اختلافها عن قصيدة الشيخ اليدالي المشهورة التي خصص لها " ماسينيون " دراسة مهمة ، كشفت بعض مضامينها و أوجه التناص بها ، بعد أن عمل على تأطيرها تأطيراً زمانيا يبرز سياقاتها الخارجية . ذلك أن قصيدة الشاعر محمد سالم ولد عبدالفتاح ، تخلو تماما من التوسل بالأولياءبوصفه نوعا من أنواع الحب الصوفي 1،خلافا لقصيدة اليدالي التي تسمح بعض أبياتها بإدراجها ضمن " شعر التصوف التوسلي " ، إذ تذكر كرامات الأولياء و تستدر بركاتهم2.
إن المديح النبوي فنقديم 3بلغ ذروته في العصر المملوكي بتأثير من عوامل خارجية سياسية وعسكرية أحاطت بالعالم الاسلامي ، وعوامل داخلية اجتماعية واقتصادية ودينية متعددة أثرت في المجتمع الاسلامي4، و قد وصفه زكي مباركبأنه"من فنون الشعر التي أذاعها التصوف، فهي لون من التعبير عن العواطف الدينية، وباب من الأدب الرفيع؛ لأنها لا تصدر إلا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص"5، و ذاك حال الشاعر محمد سالم الصحراوي الذي قال عنه المترجم : " شاعر مجيد ، عاش جل حياته في المغرب (...) ، له أشعار كثيرة ، لم تجمع بعد، أغلبها في المديح النبوي "6، و ليس نشازا في هذا المسعى ، فقد طارت شهرة الشعراء المداحين في الآفاق مثل البوصيري صاحب البردة الشهيرة ، و محمد شمس الدين النواجي الذي عرف بالمدّاح نسبة إلى غزارة قصائده في المديح ، حتى قال عن نفسه :
سُمّيتُ بِاسْمِكَوَ المَدّاحُ لِي لَقَبُ يَا حَبَّذَا الاسمُ أْوْ يَا حَبَّذََا اللَّقَبُ7
و بالنظر إلى أهمية مديحيات الشاعر محمد سالم الصحراوي ، سنعمد فيما يأتي إلى دراسة مطولته الآنفة الذكر التي مطلعها : (وقفت أبكي ...) ، وذلك من خلال تحليل بنائها الموضوعي ثم الأسلوبي ،
ذلك أن نقد البناء الموضوعي لا ينفصل عن نقد نظيرهالموضوعي ،فقد " انتبه نقادنا القدامى إلى أن سلامة اللغة من شروط جمالية القصيدة "8،
1- البناء الموضوعي للقصيدة :
سن شعراء المديح النبوي طريقة " شبه موحدة " فيتشييد معمار القصيدة ،فلا تكاد تخلو قصيدة من المدائح النبوية من العناصر الأساسية الآتية:
" المقطع الغزلي الاستهلالي
التخلص من الغزل إلى المديح النبوي
مدح الرسول صلى الله عليه و سلم
الدعاء لله و التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم ، و التوسل بشفاعته
وصف قصيدة المديح نفسها
المقطع الختامي ،وهو الصلاة على رسول الله وآله وصحبه أجمعين " ص 58
و ليست تشذ قصيدة " وقفت أبكي" عن هذا المبنى ، فقد تضمنت مختلف العناصر التي درج النقاد على ملاحظتها و استخراجها من " المدحة النبوية" أيّاً كان مبدعها ، و إيثاراً للاختصار غير المخلّ بمضامين القصيدة وعناصر بنائها الموضوعي ، سنعمد إلى تحليلها من خلال محاورها الموضوعية الآتية :
محور المقدمات :مقدمة الربع و الطلل ومقدمة التشبيب و الغزل
محور التخلص .
محور المدح النبوي .
محور المقدمات .
لا تخطئ الأذن ، و لا تزيغ العين عن إدراك أصداء الشعر الجاهلي في مطالع9قصيدة محمد سالم الصحراوي التي تبدأ بالتصريح بالوقوف على الأطلال و البكاء على دوارسها :
وقفت أبكي ودمع العين ينسجم /// و نار شوقي في الأحشاء تضطرم
على دوارس أطلال تعاورها /// نسف الروامس قفرِ ما بها أرم
يطلق بعض النقاد القدامى على مثل هذا المفتتح اسم المحيا ، فقد قال ابن الخطيب مترجما لأبي عامر ابن ينق: " شعره رائق المحيا و الأقسام، مسفر المعاني و الوجوه الوسام"10. تلك الوسامة التي نلمسها أيضا في " البكاء على الربع و الطلل و الغزل " المنثال بطلاوة على امتداد اثني عشر بيتا من القصيدة محل كلامنا :
وقفت أسألها حيران أندبها /// فاستعجمت و غدا عني بها بكم
فلم أزل باكيا بالرسم أسأله /// شوقا وما لي في إفصاحه عشم
أكفكف الدمع لا أنفك أسجمه /// أبكي على خاشع نؤي به سلم
و خالدات ثلاث ركد جثمت /// على رماد قديم وسطه فحم
تحنو عليه طوال الدهر خاشعة /// على معرسها سفع به سحم
جرت عليه الصبا أذيالها و مضت /// بعد الأنيس عليها أعصر دهم
خلت على رسمها من بعدنا حجج /// منها تقضى عليها الحل و الحرم
غدت بها العين و الآرام ساكنة /// منها البهام مع الآجال تلتئم
من كل أم غضيض الطرف فاترة /// دنا عليها الكباث الغض و الينم
وكل أربد في ميثاء ذي لبد /// جثا على بيضه صعل به صمم
يغضو على البيض بالهفهاف ملتحفا /// فيها الرئال الربد تنتظم
ومن سماحيج في روض تكنسه /// قد مال منه الضال و السلم
يغدو يطاردها في كل مرقبة /// علنكد مسحل طاوي الحشا سدم
من كل ضحيانة يقفو نحائصه /// حيث الخزامى و حيث القضب و العذم
حتى إذا رابه منها الوحام مضى /// و هاجها بعده معصوصب كدم
يقرو بهن مواقيع الحيا أبدا /// من لهله القرو حيث السحّ و الديم
حيث الوجين بكل النبت مؤتزر /// مما وشى الأسحم الهطال و الرهم
أطلاؤها ضمنتها في أكاسمها /// أزهار سح سريع روضة كرم
بالأقحوان و بالسعدان لابسة /// منها المعالم و الأهضام و الأكم
غير خاف أن الطلل الدارس قد هيّج أشواق الشاعر وحنينه للماضي الذي تختزنه " ذاكرة المكان "بأثافيه (حجارة موقد النار) و رياحه التي مسحت بأذيالها وجه الرسم (الطلل المندرس) الذي مرت عليه حجج (سنوات) غيّرت كل شيء ، فأصبح مرتعا تمرح به و ترتع صغار الوحش (البهام) ، كالظليم (ذكر النعام) ، و تنمو فيه و تترعرع الأعشاب البرية كالخزامى و القضب و العذم . وحين تجود عليه السماء بماء غزير ، يصبح روضاً غناء يتمايس فيه الأقحوان و السعدان ، و تلبس الآكام و الأهضام و المعالم ثوبها الأخضر القشيب الذي يلهب الشوق إلى التي هام بحبها الشاعر في المطلع الغزلي الموالي الذي وصله " بالأماكن /الأطلال " حيث قال :
فكم رداح بها باتت تساعدني /// بيضاء ناعمة في طرفها سقم
غريرة ناهد لعساء بهكنة /// لم يعرها فاقة يوما ولا يتم
ترخي أثيثا فويق الوجه منتثرا /// كما تجن محيا الجليم الظلم
تميل مثل قضيب البان مائسة /// عن حسن قامتها قد تقصر القيم
تمشي الهوينا كما تمشي القطاة على /// وعث الكثيب و ما يبدو لها قدم
سود ذوائبها بيض ترائبها /// حمر أناملها في خلقها عمم
عجزا مهفهفة نجلاء غانية /// نيرانها أبداً في القلب تضطرم
تلوح منها بروق في الظلام كما /// تفوح منها الغوالي حيث تبتسم
حورا خدلجة درم مرافقها /// قد غص منها البرى و الحجل و الخدم
و كل ساق له حجل يغص به /// أزرى به أبداً من مية الخدم
تجلو ثنايا ذوات الظلم نابتة /// في الراح و المسك لم يمرر بها ظلم
يزينها حور ناهيك من حور /// ومنطققد زانه رخم
لم تدر ما كان بالتنور من أرب /// يوما و لا سهرت تؤذي به العدم
ما كان إلا إذا ما الحي مرتحل /// تأوي إلى هودج تسمو به الفؤم
يضني الزمام يديها حين تمسكه /// لينا كأن يديها صابها عسم
كأنها أم ساجي الطرف أخذلها /// مقزع الرأس جلد قانص لحم
ذو دردق هزل سود ثمانية /// و ليس يكسب إلا ما يقي الوضم
يضعنا هذا الوصف في أجواء صورة المرأة في الشعر الجاهلي ، و قبل أن نستبق باب تلقي الصور الجميلة التي يكتنز بها النص ، يكفي أن نشير إلى أن عديداً من الألفاظ الواردة في النص تجعل من السهل إدراك صدى شعر امرىء القيس والأعشى و غيرهما (بهكنة، مهفهفة ، نجلاء ، غانية، حورا خدلجة ، درم مرافقها...)
محور التخلص:
يجلو قول الشاعر ( كيف التخلص لي مما أكابده /// منها و منها بقلبي في الحشا ضرم) رغبته في الانتقال من الغزل إلى ما يُبرد به حرقة العشق و الهيام ، وما ذاك إلا امتداح خير الورى كما ينبئ بذلك البيت الموالي :
ما خلت لي اليوم سلوانا أيممه /// إلا بأمداح من فازت به الأمم
إن السلوة و السلوان في اللغة هو:
من كان في الملأ الأعلى له رتب /// ما إن به بلغتها قبله النسم
وما أقول وقد جلت مناقبه /// عن ذكر مثلي لها ولي بها همم
أمداح ربي له في الكتب قاطبة /// ما للسوى بعده في حصرها جعم
بر عطوف و جود النفس ديدنه /// أشهى من الراح نطقا ليس ينتئم
طافت به خضم في الدهر يمطرها /// من سيب راحته الهطال و الديم
من البراري لا تهتان نائله /// تأتي الفئام و يأتي الفوج يرتطم
إني بِطَه النبي المختار من مضر /// من المكاره في الدارين أعتصم
كما به فيهما مستحلب أبدا /// من المهيمن فوزاً ليس ينخرم
دين علي إذا لم يأتني أجلي /// بتربه أرتدي يوما و ألتئم
آتي إليه من البيت الحرام وقد /// مرغت بالركن منه الوجه أستلم
فالبحجاز اشتياقي كاد يسلبني /// يا حبذاه ومنه حبذا الحرم
تئن نفسي دواما بالوصول له /// كما عليه مدى الأيام أعتزم
به عسى لي وعلّ اليوم ترحم يا /// من منك في خلقه قد عمت الرحم
ولقد أجاد الشاعر عند هذا الحد التخلص مرتين ، أولاهما ، عندما خلص من ذكر المحبوب المتخيل (المرأة) إلى ذكر محبوبه الأسمى (الرسول عليه السلام ) متشوفا بل متعهدا بزيارة قبره ما لم تسرع إليه المنية ، ذاك أن الاشتياق للحرم و أرض الحجاز يستبد بنفسه لدرجة أنها تئن من الحنين ، و ثانيهما ، عندما ختم تباريح الشوق بخاتم التوسل بالنبي المختار إلى الله الرحيم القهار الذي توجه إليه مناجيا ، إذ قال :
أنت الرحيم وأنت الفرد خالقنا /// و الأول والآخر القهار و الحكم
و انت سبع سماوات بلا عمل /// بنيتهن بناء ليس ينهدم
و أنت أمسكتها بالجو قائمة /// شبت مصابيحها في الدهر تضطرم
تزينها شهب منها يمانية /// تزهو و شامية كالزهر تنتظم
من كل برج تضيء الأفق طلعته /// و نيرات نجوم فوقها نجم
تحمي مقاعدها من كل ناحية /// ترمي الشياطين من أرجائها الرجم
فلم يزل من جيوش الجن منهزم /// بشهبها أبدا يقفوه منهزم
وبعد ذاك دحوت الأرض مخرجة /// ماء ومرعى قفته الناس و النعم
فجرت أمواهها للخلق قاطبة /// ذا راكد منها وذا سدم
أمست ممهدة بالشم راسية /// تحوطها أبحر في الدهر تلتطم
فذاك ملح أجاج ما يصاغ طمى /// وذاك عذب فرات سائغ شبم
و الفلك ماخرة فيها مسخرة /// لها عليها دوام الدهر تقتحم
سويت ذاك و لم يمسسك –بارئنا /// حاشى- لغوب ولا إعيا و لا سأم
وذا بستة أيام ولا عجب /// إن قلت كن كان ما تقضي وما تسم
ذاك اصطناع إله لا شريك له /// فرد قدير غني باق له القدم
لقد جمع الشاعر جمعا لطيفا كل معاني التوحيد في هذه الأبيات ، بدءاً من الاستدلال على قدرة الله بدليل البرهان و العناية(رفع السماوات بلا عمد ، إخراج الماء من الأرض و إنبات النبات و كل ما تصلح به حياة البشر ...) و انتهاء بتوحيد الصفات من قدرة وقدم و بقاء ومخالفة للحوادث ، ثم انتقل بعد ذلك انتقالا سلسا سليما إلى جوهر المديح النبوي .
ذكر الاسراء و المعراج و منزلة النبي عند ربه :
استهل الشاعر التغني بالشمائل المحمدية بذكر معجزة الاسراء و المعراج التي اعتبرها مناط تفضيل رباني للنبي المعصوم حيث قال :
يا من سرى صاعدا يطوي البراق به /// بسط العوالم بالإجلال يتسم
و من بحور جنان الخلد عن عجل /// أتاه ثمّ القراح الصرف و الرخم
حتى تسامى فويق السبع مرتفعا /// منها تصاحبه الآلاء و الرحم
سرى بك الروح إجلالا ومكرمة /// و الليل لولاكم داج به غسم
تسير أملاك العرش خلفكم /// تبغي الذي منكم للفوز تغتنم
و سدرة المنتهى كنت الامام بها /// و الرسل خلفك و الأملاك تزدحم
و غيرك العرش و الكرسي فوقهما /// في الدهر ما وضعت يوما له قدم
غادرت دونك أملاكا مقربة /// و أهل عزم و رسلا أنبيا عظموا
من رفرف لم تزل في رفرف شرفا /// حتى تناهت لك الخيرات و النعم
و أنت من حجب تسمو إلى حجب /// فما هنالك سر عنك ينكتم
نوجيت ثمّ مناجاة وحينئذ /// أدناك للرؤية العظمى له الحكم
بقاب قوسين أو أدنى بمنزلة /// نمى لك منها الفوز و الرخم
فجئتنا و حمدنا ما أتيت به /// حمدا و شكرا دواما ليس ينصرم
ذكر الشمائل المحمدية ومدح الحضرة النبوية :
بلغتنا شرعة بيضاء خالصة /// من الأماني بها دامت لنا العمم
بيمنكم لم نحمل فوق طاقتنا /// إصرا كما حملت من قبلنا الأمم
شكت لكم بيضة الاسلام ما هي قد /// صارت به اليوم في الآفاق تلتحم
فبادروها بداراً قبل ما انفصمت /// و اليوم كادت لعمر الله تنفصم
وقد شكا من دجى الاشراك نوركم /// تداركوه فقد طافت به الظلم
أنت الأمير وهذا الكون أجمعه /// إنساً وجناً و أملاكا لك الخدم
شمس الضحى إنما ضاءت بنوركم /// و البحر أودع فيكم الكرم
و البدر من حسن ذاك الوجه مقتبس /// و الدهر منكم به قد نيطت الهمم
ما الضيغم الرزِم الضرغام منقبضا /// على براثينه حيكت به أجم
مردي السباع له أجر مهرتة /// فوه تثاءب عن سمر المدى هضم
يوما بأشجع منكم في مواطنه /// ولا بأهيب منكم ذلك الرزِم
فأنتم ظل هذا الكون قاطبة /// له الملاذ كما أنتم له النظم
ألفيتم دين الله مهملة /// من الديانة قفرا كلها شيم
فمذ برزتم جرى عمرانها أبداً /// وصار كل وصيم تحته رجم
ما غاب ناموس عمران وفلسفة /// إلا و منه انزوى عنا بك الطسم
قد فقت من في الدنيا و العجوز بها /// لله أنت إلى جناته القدم
فقد تعد لك الجنات قاطبة /// فيها لك الحور و الولدان و الرمم
و أنت أغلى مقاما قد حللت به /// و أنت في العالمين المفرد العلم
من ليس يهديه ما في الذكر جئت به /// يهدى بكل قويم الحد يختصم
تمضي على شرب قب أياطلها /// ضراغم الأسد في أيديهم الخذم
من كل ورد وفضي ومن يقق /// وكل أشقر منه شدت الختم
إلى الذي صد عما أنت قائله /// حتى يدين وما في قلبه وهم
قد خاب منها لأعداء المهيمن ما /// كانت عليه دوام الدهر تعتزم
وقد تلاشى الذي كانت تؤمله /// وما عليه من الآراء تحتزم
لم تُحصِ بالبحر والأشجار مدحكم /// يوما لو اجتمعت في دهرها الأمم
مدح الخلفاء الأربعة:
انتقل الشاعر إلى مدح الخلفاء الراشدين ، إذ قال :
صديقنا عمر عثمان حيدرة /// على الورى لهم أمسى بك الكرم
الدين كم شيدوا يوما له أظُما /// و الشرك كم أطماً يوما له هدموا
هم الأولى صدقوا في عهد ربهم /// فليس يحصر ما حازوا وما اغتنموا
على جنان أبي بكر سعى عمر /// في شأنها فهي في الأيام تلتئم
و عون عثمان يجري صوبها أبدا /// وقد حماها علي ذلك القدم
ذكر المعجزات الحسية
حرص الشاعر على ذكر بعض المعجزات الحسية ، حيث قال :
من لي بلثم يد مدت فسح بها /// ماء السحاب و ماء في السما غسم
و صاع ماء بها ألف به رويت /// و مثله صاعها مما تقي السمم
وكم بها انهزمت ألف و ما التفتت /// وكم بها وهبت للمعتفى وهم
لو لم تكل أمنا ما الرف يحمله /// أمسى إلى اليوم فيه ليس ينعدم
فمثل هذا جدير أن يكون له /// من البرية للحبلى به الوحم
ذكر شفاعة النبي عليه السلام
حرص الشاعر على تضمين قصيدته الطويلة مسألة شفاعة النبي عليه السلام يوم العرض ، حيث قال :
أنت الشفيع وكل الناس في دهش /// و لا شفيع إذاً يرجى ولا رحم
إن قيل نفسي نفسيقلت ها أنا ذا /// لها ولم تر ذا في رسلها الأمم
أوصدت الأنبياعنها قدمت لها /// سعيا وإنك في أمثالها قدم
فنورك اقتبسوا منه الذي اقتبسوا /// هم البدور وأنت الشمس فوقهم
و حيثما الشمس في الآفاق طالعة /// عنها تغور بدور التم و النجم
واشفع تشفع وسل تعطه هنالك قد /// تقاصرت في الورى عن نيلها الوهم
ينجي الاله الذي قد شاء يومئذ /// على يديك و قد طافت بك الخدم
و أنت تسقي الذي ما بعده ظمأ /// تنتاب كوثرك الأفواج و الرذم
الحقيقة المحمدية :
يتبدى من الأبيات أدناه ، أن الشاعر قد تأثر بما بات يسمى " الحقيقة المحمدية " ، ومؤداها على حد قول الدكتور محمود سالم محمد في كتابه المدائح النبوية إلى نهاية العصر المملوكي أن الله تعالى قد بدأ خلق الوجود بخلق نور ، وهو النور المحمدي11الذي لولاه لم يخلق شيء من المخلوقات و الكائنات ، كما في قول شاعرنا :
" لولاك لم تك شمس و لا قمر /// ولم يكن أبدا لوح ولا قلم
كذا المسبح من أحشائه أبدا /// لولاك لم يلقه في الدهر ملتقم
و أنت لولاك لم يفد الذبيح ولا /// زال الخليل بذات اللفح تضطرم
ولا ذوو الفيل في التضليل كيدهم /// غدا ولا أبدا فيه غدا الدلم
و الريح عاد بها لولاك ما هلكت /// والدار مدين يوما ما بها جثموا
ثمود ما أحذتها الدهر صاعقة /// لولا الاله ولولاكم و لا ندموا
لولاكم الدهر لم يصنع سفينته /// نوح ولا فار لولاكم الرجم
لولاك يوسف مذ ألتقه إخوته /// يغدو الدهر قبرا ذلك الرجم
و حسنه ذاك مما أنت واهبه /// إذ منك في الخلق كل الحسن ينقسم
و لقد ختم شاعرنا المفوه ميميته الطويلة بالصلاة على النبي المختار و الآل و الصحب الأبرار :
من لم يصل على المختار من مضر /// لا زال في فمه بين الورى صجم
دامت عليك صلاة الله يتبعها /// سلامه الدهر طرا ليس ينصرم
والآل و الصحب و الأتباع أجمعهم /// ومن بدينك من ذا الكون يتسم
ما دام من كل يعروه من نصب /// يا خير ملتجأ يشكو لك الوجم
وما شدا ذو الجوى وهنا على مهل /// وقفت أبكي ودمع العين ينسجم
د. بوزيد الغلى
هوامش الدراسة :
1 الفيلالي ،عبد الوهاب ، الأدب الصوفي في المغرب إبان القرنين الثاني عشر و الثالث عشر للهجرة – ظواهر و قضايا- ، منشورات الرابطة المحمدية للعلماء ، مركز دراس بن اسماعيل لتقريب العقيدة و المذهب و السلوك ، فاس ، الطبعة الأولى ، 2014 ، ص 43
2Louis Massignon, Un poète saharien . La quassidah d’Al Yedali ,Revue du monde musulman , volume VIII , Mai 1909 ,page 205.
محمود سالم ، المدائح النبوية حتى نهاية العصر المملوكي ، دمشق ، دار الفكر ، ط 1996، ص 193.
4أسامة محمد البحيري ، قصيدة المديح النبوي – دراسة تطبيقية في ديوان شمس الدينالنواجي ، منشورات نادي تراث الامارات ، الطبعة الأولى 2013 ص 56
5 زكي مبارك: المدائح النبوية في الأدب العربي، منشورات المكتبة العصرية، صيدا بيروت، الطبعة الأولى ،1935 ، ص 17.
6محمد المختار السوسي ، المعسول ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ج 3 ص 40 و ما بعدها
7أسامة محمد البحيري ، قصيدة المديح النبوي – دراسة تطبيقية في ديوان شمس الدين النواجي ، منشورات نادي تراث الامارات ، الطبعة الأولى 2013 ص 57.
8يوسف حسين بكار ، بناء القصيدة في النقد العربي القديم في ضوء النقد الحديث، دار الأندلس للطباعة و النشر و التوزيع ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الثانية ، ص 147
9ذكر صاحب العمدة اختلاف النقاد في إطلاق اسم " المطلع " على مبدأ القصيدة بصيغة المفرد أو بصيغة الجمع (مطالع) ، مرجحا الرأي الأخير ، مستشهدا بآراء الجاحظ و العتابي و غيرهما . راجع : ابن رشيق، العمدة في محاسن الشعر و آدابه و نقده ، تحقيق وتعليق محمد محيي الدين عبد الحميد ، دار الرشاد الحديثة ، الدار البيضاء ، (د.ت)، ج1 ص 215-216
10جيش التوشيح ، ابن الخطيب ، حققه و قدم له و ترجم له هلال ناجي، أعد أصلا من أصليه محمد ماضور ،مطبعة المنار ، تونس (د.ت) ، ص 182
11محمود سالم محمد ، المدائح النبوية حتى نهاية العصر المملوكي ،دمشق ، دار الفكر العربي ، بيروت ، دار الجيل ، 1991، ص 247.