غيث النفع في توجيه القراءات السبع قوله تعالى: ﴿فَتَلَقّ۪يٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ﴾، ﴿فَتَلَقّ۪يٰٓ ءَادَمَ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٌ﴾

الحمد لله الذي أنزل القرآن على نبيه على سبعة أحرف تخفيفا عن هذه الأمة وتيسيرا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أرسله الله للناس بشيرا ونذيرا، وعلى آله وصحبه التّالين لكتاب الله تجويدا وتحبيرا.
سورة البقرة
قوله تعالى: ﴿فَتَلَقّ۪يٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ﴾، ﴿فَتَلَقّ۪يٰٓ ءَادَمَ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٌ﴾
قال أبو عمرو الداني: «قرأ ابن كثير ﴿فَتَلَقّ۪يٰٓ ءَادَمَ﴾ بالنصب، ﴿مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٌ﴾ بالرفع، وقرأ الباقون برفع ﴿ءَادَمُ﴾ ونصب «الكَلِمَاتِ»، ونصبُها كسرٌ؛ لأن تاءها تاء جمع المؤنث»(1).
قال مكي بن أبي طالب: «وعلة من نصب ﴿ءَادَمَ﴾ ورفع «الكلمات» أنه جعل «الكلمات» استنقذت ﴿ءَادَمَ﴾ بتوفيق الله له لقوله إياها والدعاء بها، فتاب الله عليه.
وأيضا فإنه لما كان الله جل ذكره من أجل «الكلمات» تاب الله عليه بتوفيقه إياه لقوله لها كانت هي التي أنقذته ويسرت الله التوبة من الله، فهي الفاعلة، وهو المستنقَذُ بها. وكان الأصل أن يقال على هذه القراءة «فتلقت آدم من ربه كلمات»، لكن لما كان بعد ما بين المؤنث وفعله حسن حذف علامة التأنيث، وهو أصل يجري في كل القرءان إذا جاء فعل المؤنث بغير علامة. وقيل: إنما ذكر لأنه محمول على المعنى؛ لأن الكلام والكلمات واحد، فحمل على الكلام فذكر. وقيل: ذكر لأن تأنيث الكلمات غير حقيقي إذ لا ذَكَر لها من لفظها، وبذلك قرأ ابن عباس ومجاهد وأهل مكة»(2).
وقال المهدوي: «وجه قراءة ابن كثير أنه جعل ﴿ءَادَمَ﴾ مفعولا، والكلمات فاعلة، فهي المتلقية لآدم، ويقويه قوله تعالى: ﴿لَنْ يَّنَالَ اَ۬للَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِنْ يَّنَالُهُ اُ۬لتَّقْو۪يٰ مِنكُمْ﴾ ، فكما نسب الفعل ها هنا إلى اللحوم والدماء والتقوى، كذلك يجوز أن ينسب إلى الكلام»(3).
وقال الزمخشري: «وقرئ بنصب ﴿ءَادَمَ﴾ ورفع «الكلمات» على أنها استقبلته بأن بلغته واتصلت به»(4).
قال مكي: «وعلة من قرأ برفع ﴿ءَادَمُ﴾ ونصب «الكلمات» أنه جعل ﴿ءَادَمُ﴾ هو الذي تلقى الكلمات، لأنه هو الذي قبِلها ودعا بها وعمل بها فتاب الله عليه، فهو الفاعل لقبوله الكلمات .. وفي تقدّم ﴿ءَادَمُ﴾ على الكلمات تقوية أنه الفاعل. وقد قال أبو عبيد في معنى ﴿فَتَلَقّ۪يٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ﴾، معناه: قبلها، فإذا كان آدم قابلا فالكلام مقبول، فهو المفعول وآدم الفاعل، وعليها الجماعة، وهي قراءة الحسن والأعرج وشيبة وأهل المدينة وعيسى بن عمر والأعمش، وهي قراءة العامة، وهي اختيار أبي عبيد وغيره»(5).
وقال ابن القراب: «من رفع ﴿ءَادَمُ﴾ ونصب «الكلمات» فعلى أن آدم هو الموصوف بالتلقي، أي: تلقاها بالقبول والطاعة والإيمان، وهذا أولى بمدحه والثناء عليه واستحقاقه التوبة به.
قال الزجاج: وهذا الوجه أقوى في العربية لأن آدم تعلم الكلمات، فقيل: تلقى الكلمات، والعرب تقول: تلقيت هذا من فلان، والمعنى: فهمي قبله من لفظه.
وقد احتج بعضهم لهذه القراءة بقوله تعالى: أي: تلقن»(6).
الهوامش:
- جامع البيان 2/ 853
- الكشف 1/ 237
- شرح الهداية 1/ 163
- الكشاف 1/ 128
- الكشف 1/ 237- 238
- الشافي في علل القراءات ص 515