(توفي ما بين أواخر ق8 وأوائل ق9 هـ) الشيخ أبو السباع عامر الهامل الجد الجامع للشرفاء السباعيين

هو الصوفي الكبير، العارف بالله، الولي الصالح، الشريف، العالم العامل، السائح الهامل، المُوثِرِ للخلوات، التقي النقي، الورع الصادق، سيدي أبو السباع عامر بن أحمد احريز اللبدي بن محروز بن محمد بن عبد الله بن عمران بن إبراهيم، الفاسي الإدريسي الحسني، الملقب بالهامل، الجد الجامع للشرفاء السباعيين، صوفي كبير من أهل القرن الثامن الهجري، كما نبّه على ذلك ابن عبد المعطي السباعي، في كتابه "الدفاع وقطع النزاع".
ولد سيدي عامر في القرن الثامن الهجري بمدينة فاس وفيها ترعرع، نشأ في بيت علم وورع، وكان يحترف حرفة اللبادة (أي صناعة الملابس الصوفية) وهي حرفة متوارثة أبا عن جد، كما ورث التصوف عن أجداده. نشأ سيدي عامر في دار والده وتربى فيها أحسن تربية وتعلم الحروف الهجائية والقراءة والكتابة وحفظ القرآن ومبادئ علم التوحيد والفقه المالكي في بيت أبيه في فاس من أسرته الأدارسة، ولما بلغ الحلم فضّل العزلة عن جميع الناس والانزواء لعبادة الله في الخلوة. ولما يئس هو وأبوه من العيش في مدينة فاس بسبب اضطراب الأوضاع فيها زمن المرينيين، وأيضا بسبب صخبها وكثرة الملذات والمُلهيات فيها، خرجا في سياحة صوفية بحثا عن خلوة بعيدة عن ملذات الحياة، فاستغنوا عن كل شيء وفضلوا السياحة في سبيل الله.
وهكذا لم يطب لهم الثواء إلا في الأنحاء البدوية البعيدة عن الناس، ففضلوا الخلوة والصحاري بدل صخب المدينة التي ترعرعوا فيها منذ أن بناها جدهم المولى إدريس الثاني، فكان سيدي عامر ملازما لوالده أحمد حريز مرافقا له في كل جولاته وخلواته، ولهذا سمي بالهامل، والهامل في اللغة تعني السائح، ويقال دموعه تهمل على خديه أي تسيل أو تسيح على خديه، لأن الشيخ كان كثير السياحة في البلاد هو ووالده احريز فلقد جال ربوع البلاد آنذاك انطلاقا من فاس إلى تلمسان ثم نزح إلى توات فبلاد درعة بالجنوب المغربي حيث استقر لمدة طويلة مع والده عند أبناء عمومته من الأدارسة حفدة عبد الله بن إدريس بمدينة تمدولت –أقا، وبهذه البقاع أي درعة وفي هذه الفترة من حياة سيدي عامر توفي أبوه احريز ودفن بها، ثم جاءت فترة الانتقال إلى سوس الأدنى حيث استقر بجبل يدعى "أضاض نميدني" بقرب من دوار "تمجيشت" جماعة "أوكَنز" دائرة آيت باها، إقليم اشتوكة آيت باها حاليا، وبها اتخذ خلوته التي كان ينزوي فيها للعبادة والتبتل في أعلى جبل "أضاض نميدني" وهو جبل منيع اختار أن ينزوي فيه ويتخذه خلوة له في فترة انزوائه بعيدا عن الناس وملذات الحياة.
والجدير بالذكر أن هذه الرحلة التي قطعها سيدي عامر رفقة والده لم تكن رحلة سياحة صوفية من أجل الخلوة وحسب، بل إلى جانب ذلك كانت رحلة علمية أيضا، فقد تلقى خلالها العديد من العلوم على كبار علماء البلاد التي حلوا بها، ومن جملة ما أخذه وتمكّن فيه علم الكلام، والفقه المالكي وقواعده، وعلم الأصول، وعلم التجويد، فهذه العلوم خاصة هي التي ركّز عليها اهتمامه وأولاها عنايته، وكأننا به -بهذا التركيز- كان قاصدا الاهتمام بما يفيده في عبادته خاصة، سواء في ضبط قراءة القرآن أو فيما يتعلق بضبط التصورات الإيمانية والاعتقادية، أو في ضبط الجانب الفقهي والأصول لضبط أحكام العبادات والمعاملات، هذا إلى جانب تمكنه في السلوك الصوفي الذي خاضه إلى جانب والده، وبهذا فقد ركز اهتمامه على العناية والاهتمام وضبط الممارسة الدينية في شموليتها عقيدة وفقها وسوكا، علما وعملا وحالا، وهكذا فقد قضى جزءا من حياته في تحصيل العلم، إلى جانب ما خصصه من الأيام والليالي الطوال من حياته في العبادة والخلوة والصيام والقيام. إلى أن استقر به المقام بخلوته بجبل "أضاض نميدني" التي مكث فيها يتعبد مدة تزيد عن 12 سنة اشتهر فيها أمره، وذاع صيته، وتعددت كراماته، فبدأت القبائل المجاورة تحج إليه للتبرك به والقيام بواجب خدمته.
وبعد هذه المرحلة التي قضاها سيدي عامر في الخلوة والانقطاع، انتقل إلى مرحلة ثانية من نزوحه نحو المجتمع المجاور، خاصة عندما تزوّج بامرأة من البرابيش فأنجبت له من الذكور اعمر وعمران ومن الإناث رقية وعائشة ومسعودة، ثم بعد ذلك تزوج كذلك امرأة ثانية من قبيلة سملالة أو إسملالن الشريفة النسب (نسبة لسليمان بن عبد الله الكامل أخو إدريس الأكبر) فأنجب منها ولدا واحدا هو محمد النومر. فكانت بذلك فترة الاندماج في المجتمع السوسي وانخراطه في الحياة اليومية للساكنة المحلية، وهي مرحلة اتسمت باستقراره بعد أن جال منذ خروجه رفقة أبيه حريز من فاس إلى استقر بسوس، وأسس أول نواة للقبيلة السباعية، وكان خلال هذه المرحلة متصدرا للتوجيه والتربية والتأطير، وذلك بجدارة واستحقاق، فهو الذي تمكن خلال سنوات من الخلوة والمجاهدة من ضبط هواجس نفسه والتغلب على نوازعها ومشتهياتها، فكان جديرا بالتوجيه والإرشاد، فبقي على هذا الحال إلى أن وافته المنية والتحق بالرفيق الأعلى بنفس راضية مطمئنة وروح دانية مترقّية، ولا نعلم تحديدا سنة وفاته، ما نعلمه أنه توفي في أواخر القرن الثامن إلى حدود بداية القرن التاسع، فقد ذكر الأستاذ مولاي إدريس شداد في كتابه حول أولاد أبي السباع، قال: "ونعش الولي الصالح مبني على الطريقة القديمة، تدل على قدمه، فهو يعود إلى القرن الثامن الهجري"، مع أننا لا نجزم بذلك، إلا أن وفاته بشكل عام تتراوح ما بين أواخر القرن الثامن إلى أوائل القرن التاسع، فلم تذكر لنا المصادر التاريخية تاريخا محددا لوفاته.
وأما ما ذهب إليه البعض أن وفاته كانت سنة 924هـ فهذا قول لا أساس له. وضريح سيدي عامر يقع على رأس جبل "أضاض نميدني" وهو جبل شامخ في وسط سلسلة جبال الأطلس الصغير، وهو يعتبر من المزارات العظيمة والهامة في جنوب المغرب، وهو إلى الآن مقصود بالزيارة والدعاء والتبرك، وسكان المنطقة يقيمون موسمين سنويين على ضريحه، يطلقون عليه اسم "المعروف" خلال فترة شهر نونبر التي تصادف موسم الحرث، وفترة شهر ماي التي تصادف موسم الحصاد. ومكان هذا الضريح هو عينه مكان الخلوة التي كان يتعبد بها هذا الولي، وقد ترك وصية لأولاده بأن يتم دفنه بخلوته في جبل أضاض نميدني، كي لا ينقطع عن المكان الذي أنس به وشملته فيه عناية ربه وما تفضل به عليه من أنوار الذكر والصلاة والمناجاة. وحقيقة فإن هذه الأجواء الروحية الغامرة التي عاشها سيدي عامر في هذه الخلوة، تتلمسها وتستنشق عبيرها حين تزور هذا الضريح، ويراودك شعور وأنت في قمة هذا الجبل الشامخ أنك في فضاء مقدّس، تغمره السكينة والطمأنينة، خاصة أنه يبعد كل البعد عن مخاض ضوضاء وهرج المدن وصخبها.
عموما فقد حصّل سيدي عامر مقاما رفيعا في الولاية والصلاح لا يصله إلا الآحاد القلائل من الصلحاء، وهو ما شاع بين الأوساط المجاورة وأكسبه وقارا واحتراما منقطع النظير، بالنظر لما عرف واشتهر عنه من كرامات وفي مقدّمتها كرامته مع الأسود التي سُخّرت له تسخيرا، ولذلك كُنّي بأبي السباع، أو بو السباع، وهو مع ذلك لم يكن يلتفت إلى ذلك ولا يأنس به، وأكثر ما كان يهتم به انقطاعه للعبادة وتعمير وقته بصالح الأعمال واشتغاله بما يعنيه على ما لا يعنيه، وعلى هذا الحال كان يدعوا أبناءه ومحيطه وكل من أخذ عنه، مذكرا لهم -بحاله قبل مقاله- بضرورة التوجه لله تعالى وتعمير الوقت بما ينفع من العبادة والخير وصالح الأعمال.
تنظر ترجمته في:
كتاب: الدفاع وقطع النزاع عن نسب الشرفاء أبناء أبي السباع، عبد الله بن عبد المعطي السباعي، المطبعة الاقتصادية، الرباط 1940، ص: 42.
كتاب: دينامية القبيلة الصحراوية في المغارب بين الترحال والإقامة: دراسة سوسيو-أنثروبولوجية حول أولاد بالسباع، د. محمد دحمان، ص: 25.
كتاب: منوغرافية قبيلة الشرفاء الأدارسة أولاد أبي السباع: رحلة نسب وعلم وتاريخ وحسب، د. مولاي إدريس شداد، منشورات دار أبي رقراق-الرباط، الطبعة الأولى 2017، ص: 144.