تقريب نظم ابن عاشر شذرات من شرح العلامة الشيخ أبي عبد الله محمد بن قاسم جسوس على توحيد ابن عاشر(12)

ثم بين الناظم رحمه الله شروط التكليف وعلامات البلوغ، فقال:
وكل تكليف بشرط العقل مع البلوغ بدم أو حمــــــل
أو بمني أو بإنبات الشعر أو بثمان عشرة حولا ظهر
في الحديث: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)[1]، وقد اختلف الأصوليون في الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر بذلك الشيء، فيكون الصبيان مكلفين من الشرع بمثل هذا أو ليس أمرا بذلك الشيء، فيكون الصبيان لم يأمرهم الشرع، فالمتعلق بهم ليس حكم الشرع بل حكم أوليائهم، وقد أشار إلى هذا في شرح المقدمات، وفي الحطاب في باب الحج عند الكلام على حج الصبيان، قال في الإكمال: اختلف هل هم مخاطبون على جهة الندب أو غير مخاطبين، وإنما يخاطب أولياؤهم بحملهم على أداء الشريعة وتمرينهم عليها وأخذهم بأحكامها في أنفسهم وأموالهم، وهذا هو الصحيح، ولا يبعد مع هذا أن يتفضل الله بادخار ثواب ما عملوه من ذلك. انتهـى. وعليه فالتكليف هو إلزام ما فيه كلفة، والصبي غير مكلف وإن طلبت منه الصلاة وغيرها، والندب ليس بتكليف.
وقال في أوائل المقدمات: للصبي حالان، حال لا يعقل فيها معنى القربة، فهو فيها -كالبهيمة والمجنون-ليس بمخاطب بعبادة ولا مندوب إلى فعل طاعة، وحال يعقل فيها معنى القربة، فاختلف هل هو فيها مندوب إلى فعل طاعة كالصلاة والصيام والوصية عند الممات وما أشبه ذلك، فقيل إنه مندوب إليه، وقيل إنه ليس بمندوب إلى فعل شيء، وأن وليه هو المخاطب بتعليمه والمأجور على ذلك، والصواب عندي أنهما جميعا مندوبان إلى ذلك مأجوران عليه، قال صلى الله عليه وسلم للمرأة: (ولك أجر)، الحديث المتقدم والله أعلم.
وعليه فالتكليف هو طلب ما فيه كلفة، فيكون الصبي مكلفا [بالندب] تكليفا. وقال ابن جماعة: "وعند الأربعة أن الصبي يثاب على طاعته، وتكتب له حسناته، كان مميزا أو غير مميز، ويروى ذلك عن عمر رضي الله عنه، ونَقل بعض العلماء الإجماع على ذلك، ويدل له ما قدمناه في باب الفضائل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (جهاد الكبير والصغير الحج والعمرة)[2]، وحديث المرأة التي رفعت صبيا". انتهـى من منسكه الكبير. انتهـى.
ونقل الحطاب قبل هذا عن أبي مهدي أنهم اختلفوا هل يجب على الكافل تمرين الصبي على العبادات حتى تصير له كالعادات، واختلف القائلون بالوجوب في وقته، ولا خلاف بين العلماء أن الصبي يثاب على ما يفعله من الطاعات، ويعفى عن ما يجترحه من السيئات، وأن عمده كالخطأ. انتهـى. والمشهور عدم الوجوب، فلا إثم بتركه كما للجزولي وأبي عمر وغيرهما.
وقال المحلى في شرح جمع الجوامع: "لا يتعلق خطاب بفعل غير البالغ العاقل، وولي الصبي والمجنون مخاطب بأداء ما وجب في مالهما منه كالزكاة وضمان المتلف، كما يخاطب صاحب البهيمة بضمان ما أتلفته حيث فرط في حفظها لتَنَزُّل فعلها في هذه الحالة منزلة فعله، وصحة عبادة الصبي كصلاته وصومه المثاب عليهما ليس لأنه مأمور بها كما في البالغ، بل ليعتادها فلا يتركها بعد بلوغه إن شاء الله ذلك". انتهـى. فاقتصر على أن الصبي غير مخاطب ولا مأمور بالعبادة كالبالغ، وقد استفيد مما تقدم عن الحطاب أن [اختيار] عياض أن [الصبيين] غير مخاطبين، وأن اختيار شيخه ابن رشد أنهم مخاطبون، وعلى القول الأول في معنى التكليف جرى الناظم، ولذلك اشترط في التكليف البلوغ كما اشترط العقل.
الهوامش:
[1]- أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، رقم الحديث: 495.
[2] - رواه النسائي في سننه، كتاب مناسك الحج، فضل الحج، رقم: 2626.