مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكتراث

تقريب نظم ابن عاشر شذرات من شرح العلامة الشيخ أبي عبد الله محمد بن قاسم جسوس على توحيد ابن عاشر(8)

وقوله: "ففي إيمان ذي التقليد فيها"؛ أي في مدلول الشهادتين من العقائد العقليات والمعاد والفتنة، يعني ونحو ذلك من العقائد السمعيات، وقوله: "لا مع عصيانه أو معه ثالثهما إلخ"، حاصله أن في المقلد ثلاثة أقوال: الأول أنه مؤمن غير عاص، وهو ما نقله عز الدين والمقترح والآمدي. الثاني أنه مؤمن غير عاص، وهو قول بعض المتكلمين. الثالث أنه كافر، وهو قول أبي هاشم. ومقتضى قول الفهري كذا والشامل كذا فلم ينقل رحمه الله القول بكفره عن سُني، وإنما نقله عن معتزلي وهو أبو هاشم، مع مقتضى ظواهر من كلام ابن التلمساني والشامل. أما كلام الشامل فقد تأوله في شرح الصغرى كما تقدم، وأما ابن التلمساني فإنما هو ظاهر قوله: هب أنه قاله، إنما هو رجل واحد من العلماء ليس من أئمة هذا الشأن كالأشعري، هبه منهم تكون قولة شاذة خرجت من عالم فلا يتابع فيها.

وفي المراصد:

والخلف في الإثم ويسقط الحرج        الجملي دون   تفصيل   الحجج

والجملي باتفاق وهو تــــــام         وهو   حاصل    وفاقا    للعوام

وإن يكن لم يمكن الـتـعـبـيـر          عنه   فذاك   العجز لا يَضير

    فَـهـُم إذن بـالـلــه مـؤمـنـونا          وعارفون بـــــــــــه مـوقـنــونا

وأمر دين الله فيهم أشـهـر         من شمس الأفق في الضحى وأَنْور

أنظر تمام كلامه رحمه الله تعالى.

ولما قال في شرح الكبرى: "الذي عليه الجمهور والمحققون من أهل السنة أنه لا يصح الاكتفاء به في العقائد الدينية، وهو الحق الذي لا شك فيه"، قال سيدي أحمد المنجور: "وسياق كلامه وفحواه أن مراده جمهور علماء السنة على العموم، وهذا تشديد كثير من الشيخ رحمه الله على المقلد، قيل: وبسببه نازعه أهل عصره من أهل تلمسان كالشيخ ابن زكري، وأنكروا عليه تكفير المقلد ونسبة ذلك إلى الجمهور، وأن كبراه هي أول ما ألف من عقائده، وقد رجع في شرح الصغرى والمقدمات عن هذا التشديد فراجعه. فلعل مراده جمهور المتكلمين كما صرح به في شرح الوسطى، وإلا فجمهور الفقهاء والمحدثين على أن المقلد مؤمن من أهل النجاة، قاله العراقي في شرح جمع الجوامع، ونصه في شرح المقدمات: اختلف في تقليد عامة المؤمنين لعلمائهم أهل السنة في أصول الدين، هل يكفي ذلك أم لا، وكثير من المحققين قالوا إنه كاف إذا وقع منهم التصميم على الحق، لاسيما في حق من يعسر عليه فهم الأدلة. انتهى.

وفي المراصد مشيرا إلى التقليد وما فيه من الخلاف وإلى القول الحق من ذلك الخلاف:

وهو اعتقاد القول دون مستند          فللخلاف هاهنا أخذٌ ورَدّ

كالخلف في حكاية الخلاف        والحق أنه صحيح كـــــاف

والسعد ذا حكى عن الجمهور        كــذاك يُعزى لأبي منصور

وغيره في الــمُــتَــكـلـِّمـيـنا             والـفـقــهــــاء والـمـحـدثـيـنا

سائرهم مع ذوي التصوف         وهو الذي يعطيه شأن السلف

والشيخ الأشعري قد منعه          ومـعـه أكـثـر مــن تـبـعـه

وعنه لا يَصحُّ قيل لا يصح          أو للكمال النفي أو جزم بَرح

والآمدي قال لا خلاف في           إيمانه والخُلف في الإثم اقتفي

ومعنى برح ذهب أو ظهر، وقد ذكرهما في التسهيل معا؛ أي من اختلج في قلبه شيء لا يزيله إلا الدليل العقلي يجب عليه الاجتهاد في إزالته به، فإن استمر على ذلك لم يصح إيمانه لعدم جزمه بما خامر اعتقاده.

وفي حواشي سيدي عبد الرحمن: قال الشيخ زروق: على صحة إيمان المقلد المذاهب [الأربعة] والنووي والأوزاعي وكافة أهل الظاهر وكثير من المتكلمين خلافا لأكثرهم والمعتزلة. انتهى.

وممن قال بصحة إيمان المقلد وأنه لا يحتاج إلى الدليل إلا من اختلج في قلبه شيء لا يزيله إلا الدليل العقلي الإمام أبو عبد الله سيدي محمد بن عباد، ونصه: "وأهل (لعله: وهل) المقصود إلا حصول الجزم بالاعتقاد السني من أي وجه أمكن، فإذا حصل بطريق التقليد كفى ذلك كما يكفي إذا قارنه دليل وبرهان من غير وجود فرقان بينهما إلى محاولة الدليل والبرهان إلا من تخلخلت عقيدته بشكوك أو شُبه، وأما من هو راسخ في الاعتقاد السني كحال [عوام] الناس فلا يحتاج إلى شيء من ذلك، وقد تكون عقيدته أرسخ بكثير من عقائد أولئك الذين يتعاطون هذه الأدلة ويحاولونها، وهذا موجود مشاهد، وقد اكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجلاف العرب بمجرد الاعتراف والنطق بكلمة الشهادة، ثم ينصرفون عنه إلى أهليهم ورعاية مواشيهم، بل لو تشاغل أمثال هؤلاء بالأدلة والنظر فيها لَخِيفَ عليهم أن تنقدح عندهم وساوس وخيالات وشكوك وشبه ينتشبون فيها ولا يقدرون على التخلص منها، وقد كان قبل أن يتشاغل بها في أمان وصحة، وقد أطنب الإمام الغزالي رحمه الله في الرد على هذه الفرقة التي قالت بهذه المقالة كل الإطناب في كتاب التفرقة، وحكم بأن هذه الفرقة ضيقت رحمة الله الواسعة". انتهى من الرسائل الكبرى.

الدكتور عبد الله معصر

• رئيس مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق