تبيين ما نسب إلى النبي ﷺ من حديث: «رمضان شهر أمتي»

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
لقد وردت في فضائل الأمة الإسلامية أحاديث نبوية شريفة، وخص النبي صلى الله عليه وسلم وسلم أمته بخصائص عديدة، بيد أن تخصيص شهر من أشهر الله تعالى وهو رمضان بأمة النبي صلى الله عليه وسلم، لم يرد فيها حديث صحيح، وما روي من أحاديث في الباب، إنما هو ضعيف جدا، أو موضوع، وهذه خمسة أحاديث من طريق: أنس بن مالك، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، خرجتها من كتب السنة، مع كلام العلماء عليها:
-الحديث الأول: عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيرة الله من الشهور شهر رجب وهو شهر الله، من عظم شهر الله رجب فقد عظم أمر الله، ومن عظم أمر الله أدخله جنات النعيم، وأوجب له رضوانه الأكبر، وشعبان شهري فمن عظم شهر شعبان فقد عظم أمري، ومن عظم أمري كنت له فرطا وذخرا يوم القيامة، وشهر رمضان شهر أمتي، فمن عظم شهر رمضان، وعظم حرمته ولم ينتهكه، وصام نهاره، وقام ليله، وحفظ جوارحه خرج من رمضان وليس عليه ذنب يطلبه الله به»[1].
قال الإمام أحمد فيما نقله البيهقي: "هذا إسناد منكر بمرة، وقد روي عنه عن أنس غير هذا تركته فقلبي نافر عن رواية المناكير التي أتوهمها لا بل أعلمها موضوعة والله يغفر لنا برحمته"، وقال البيهقي: "هذا منكر بمرة"[2].
وقال ابن حجر العسقلاني: "قال البيهقي: هذا حديث منكر بمرة. قلت: بل هو موضوع ظاهر الوضع، بل هو من وضع نوح الجامع، وهو أبو عصمة الذي قال عنه المبارك، لما ذكره لوكيع: عندنا شيخ يقال له: أبو عصمة، كان يضع الحديث، وهو الذي كانوا يقولون فيه: نوح الجامع جمع كل شيء إلا الصدق، وقال الخليلي: أجمعوا على ضعفه"[3].
-الحديث الثاني: عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رجب شهر الله تعالى، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي. قيل يا رسول الله: ما معنى قولك شهر الله؟ قال: لأنه مخصوص بالمغفرة فيه، وتحقن فيه الدماء، وفيه تاب الله على أنبيائه صلوات الله عليهم، وفيه أنقذ أولياءه من بلاء عذابه»[4].
قال ابن عساكر: "هذا حديث غريب جدا، وفي إسناده غير واحد من المجهولين"[5].
وقال ابن الجوزي: "هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اتهموا به ابن جهيم ونسبوه إلى الكذب، وسمعت شيخنا عبد الوهاب الحافظ يقول: رجاله مجهولون، وقد فتشت عليهم جميع الكتب فما وجدتهم.
قال المصنف قلت: ولقد أبدع من وضعها، فإنه يحتاج من يصليها أن يصوم وربما كان النهار شديد الحر، فإذا صام ولم يتمكن من الأكل حتى يصلي المغرب ثم يقف فيها ويقع في ذلك التسبيح طويل والسجود الطويل، فيأذى غاية الإيذاء، وإني لأغار لرمضان ولصلاة التراويح كيف زوحهم بهذه، بل هذه عند العوام أعظم وأجل، فإنه يحضرها من لا يحضر الجماعات"[6].
ونقل المناوي: "قال الحافظ الزين العراقي في شرح الترمذي: حديث ضعيف جدا، هو من مرسلات الحسن، رويناه في كتاب الترغيب والترهيب للأصفهاني، ومرسلات الحسن لا شيء عند أهل الحديث، ولا يصح في فضل رجب حديث اهـ. وكلام المؤلف كالصريح في أنه لم يره مسندا وإلا لما عدل لرواية إرساله، وهو عجيب، فقد خرجه الديلمي في مسند الفردوس من طرق ثلاث، وابن نصر وغيرهما من حديث أنس باللفظ المزبور بعينه"[7].
-الحديث الثالث: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شهر رمضان شهر أمتي، يرمض فيه ذنوبهم، فإذا صامه عبد مسلم لم يكذب ولم يغتب، وفطر بطيب، خرج من ذنوبه كما تخرج الحية من سلخها»[8].
أورده المنذري في الترغيب والترهيب بصيغة المريض[9]، وعزاه لأبي الشيخ، وتعقبه إبراهيم الناجي، فقال: "فيه أمران: أحدهما: أنه لم يرو هذا الحديث، وإنما روى حديثه: «ليس من عبد يصلي في ليلة منها»، يعني: من ليالي شهر رمضان المساق بتمامه من البيهقي في هذا الباب قبل حديث سلمان، فانتقل فكر المصنف، أو نظره إلى هذا المذكور، وساقه من حفظه، وعزاه إليه توهما أنه فيه، وإنما هو مسند الفردوس، وغيره.
الأمر الثاني: أن لفظ الفردوس ومسنده فيه: «شهر رمضان شهر أمتي، يرمض فيه ذنوبهم، فإذا صامه عبد مسلم» إلى آخره. والأقرب الأشبه ترمض فيه ذنوبهم، أي: تحترق، وقد يكون ما في الترغيب تصحيفا حصل من تصرف المصنف، ويدل عليه استئناسا ما رواه أبو الشيخ في كتابه: الثواب من طريق زياد بن ميمون –وهو ضعيف-، عن أنس مرفوعا: «إنما سمي رمضان؛ لأنه يرمض الذنوب»، أي: يحرقها، ويقال: رمضت قدماه من الرمضاء، أي: احترقت، وأرمضتني الرمضاء، أي: أحرقتني.وفي الحديث الصحيح: «إن الأوابين يصلون الضحى حين ترمض الفصال» أي: تحترق أخفاف صغار أولاد الإبل بالرمضاء، وهي: الرمل الذي اشتدت حرارته بوقوع الشمس عليه. والله أعلم بالصواب"[10].
-الحديث الرابع: عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض، منها أربعة حرم: رجب لا يقارنه من الأشهر أحد، ولذلك يقال له: شهر الله الأصم، وثلاثة أشهر متواليات: يعني ذا القعدة وذا الحجة والمحرم. ألا وإن رجبا شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي، فمن صام من رجب يوما إيمانا واحتسابا استوجب رضوان الله الأكبر، وأسكنه الفردوس الأعلى» الحديث بطوله[11].
قال ابن دحية: "هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنقاش هذا هو مؤلف كتاب شفاء الصدور، وقد ملأ أكثره بالكذب والزور.
قال الخطيب الحافظ أبو بكر ابن ثابت: بل هو شقاء الصدور، وذكر كلام الناس في النقَّاش واتهامهم له بالوضع، وقال طلحة بن محمد بن جعفر الحافظ: كان النقاش يكذب، وقال الإمام أبو بكر البرقاني: كل حديثه منكر، وقد وضع في هذا الحديث الكسائي، ولا يعرفه أحد من خلق الله، وكلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم منزهة عن هذا التخليط والتجازيف في الجزاء على الأعمال من غير تقدير يشهد به الكتاب العزيز والسنة الثابتة"[12].
وقال ابن حجر العسقلاني: "هو سند مركب، ولا يعرف لعلقمة سماع من أبي سعيد، والكسائي المذكور في السند لا يدري من هو، وليس هو علي بن حمزة المقدسي؛ فإنه أقدم من هذه الطبقة بكثير. والعهدة في هذا الإسناد على النقاش.
وقال ابن ناصر: سقط من سماع ابن البطر وابن خيرون قوله: ومن صام من رجب خمسة أيام. والباقي سواء. قال: وهذا حديث غريب عال من حديث أبي معاوية الضرير، عن الأعمش. وهو غريب من حديث علقمة، عن أبي سعيد، تفرد به أبو عمرو الطبري. ولا يعرف إلا من روايته. ولم نسمعه إلا من رواية أبي بكر النقاش، عنه.
قلت: هذا الكلام لا يليق بأهل النقد. وكيف يروج مثل هذا الباطل على ابن ناصر، مع تحقيقه بأن النقاش وضاع دجال. نسأل الله العافية. فوالله ما حدث أبو معاوية، ولا من فوقه بشيء من هذا قط. وليس الكسائي على بن حمزة المقدسي النحوي، فقد جزم بأنه غيره - الإمام أبو الخطاب بن دحية، فقال: الكسائي المذكور لا يدري من هو. وقال بعد أن أخرج الحديث: هذا موضوع.
قلت: وللحديث طرق أخرى واهية أيضاً، وفي رواتها مجاهيل"[13].
-الحديث الخامس: عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب، قال: هذا شهر الله، وإذا دخل شعبان، قال: هذا شهري، فإذا دخل رمضان، قال: هذا شهر أمتي»[14].
لم أقف على من تكلم على هذا الحديث.
هذا بيان ما أورده العلماء في الكلام على الأحاديث الموضوعة المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم من طريق الصحابيين: أنس بن مالك، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، أن رمضان شهر أمتي. ولا يصح نسبته له صلى الله عليه وسلم للعلل التي ذكرها العلماء أعلاه.
****************
هوامش المقال:
[1]) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 5 /346-347، رقم الحديث: 3532، وفضائل الأوقات ص: 94-95، رقم الحديث: 10.
[2]) شعب الإيمان 5 /347، وفضائل الأوقات ص: 95.
[3]) تبيين العجب بما ورد في شهر رجب ص: 44-45.
[4]) أخرجه الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب 2 /402، رقم الحديث: 3095، وابن عساكر في معجم الشيوخ ص: 186، رقم الحديث: 210.
[5]) معجم الشيوخ ص: 186.
[6]) الموضوعات 2 /125-126.
[7]) فيض القدير شرح الجامع الصغير 4 /18.
[8]) أخرجه الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب 2 /502، رقم الحديث: 3410.
[9]) الترغيب والترهيب 2 /101-102.
[10]) عجالة الإملاء المتيسرة من التذنيب على ما وقع للحافظ المنذري من الوهم وغيره في كتابه على الترغيب والترهيب 2/ 824_826.
[11]) رواه ابن دحية في كتابه: أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب ص: 44_46، وعزاه ابن حجر في تبيين العجب بما ورد في شهر رجب ص: 41-42 إلى أبي بكر النقاش في تفسيره، وأبي الفضل ابن ناصر في أماليه.
[12]) أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب ص: 46-47، والباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة ص: 56-57.
[13]) تبيين العجب بما ورد في شهر رجب ص: 42-44.
[14]) أخرجه أبو القاسم الجرجاني في تاريخه ص: 184.
**************
جريدة المراجع
الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي، اعتناء: محمد فؤاد منقاره الطرابلسي، المطبعة المنيرية بالأزهر، مصر، 1374/ 1955.
تاريخ جرجان أو كتاب معرفة علل أهل جرجان لحمزة بن يوسف بن إبراهيم الجرجاني السهمي، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد، الدكن-الهند، الطبعة الأولى: 1369/ 1950.
تبيين العجب بما ورد في شهر رجب. لأحمد بن علي ابن حجر العسقلاني، تحقيق: طارق بن عوض الله الدارعمي، مؤسسة قرطبة، المركز الإسلامي للطباعة، مصر، (د.ت).
الترغيب والترهيب من الحديث الشريف لعبد العظيم بن عبد القوي المنذري، اعتناء: مصطفى محمد عماره، دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان، الطبعة الثالثة: 1388 /1968.
الجامع لشعب الإيمان لأحمد بن الحسين بن علي البيهقي، تحقيق: عبد العلي عبد الحميد حامد، مكتبة الرشد، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى: 1423/ 2003.
عجالة الإملاء المتيسرة من التذنيب على ما وقع للحافظ المنذري من الوهم وغيره في كتابه على الترغيب والترهيب لإبراهيم بن محمد بن محمود الناجي الدمشقي، تحقيق: إبراهيم بن حماد الريس، محمد بن عبد الله بن علي القناص، مكتبة المعارف، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى: 1420 /1999.
فردوس الأخبار بمأثور الخطاب المخرج على كتاب الشهاب لشيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي، تحقيق: فواز أحمد الزمرلي، محمد المعتصم بالله البغدادي، دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1407 /1987.
فضائل الأوقات لأحمد بن الحسين بن علي البيهقي، تحقيق: عدنان عبد الرحمن مجيد القيسي، مكتبة المنارة، مكة المكرمة- السعودية، الطبعة الأولى: 1410 /1990.
فيض القدير شرح الجامع الصغير لعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين المناوي القاهري، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الطبعة الأولى: 1356.
معجم الشيوخ لعلي بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر، تحقيق: وفاء تقي الدين، دار البشائر – دمشق- سوريا، الطبعة الأولى: 1421/ 2000.
الموضوعات لعبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية، المدينة المنورة- السعودية، الطبعة الأولى:1386/ 1966- 1388/ 1968.
*راجعت المقال الباحث: خديجة ابوري.