مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

بعض أحكام زكاة الفطر الخاصة بالمرأة في المذهب المالكي

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة:

الحمد لله الذي شرع لنا زكاة الفطر ، وجعلها طهرة للصائم، وطعمة للمساكين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:

وبعد؛ فإن زكاة الفطر صدقة واجبة على كلمسلم ، صغيرا أو كبيرا،  ذكرا كان أو أنثى ،  يخرجها المسلم عن نفسه ، وعمن تلزمه نفقته،وذلك لتطهير الصيام مما قد يؤثر فيه، وينقص ثوابه؛ لما ثبت من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكن، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات"[1]، ولها أحكام ، ومن بينها أحكام متعلقة بالمرأة، حيث نجد من بين المذاهب الفقهية التي اعتنت ببيانها ، مذهب الإمام مالك بن أنس (179 هـ) رحمه الله ؛ وقد ورد عن أئمة المذهب -رحمهم الله- أقوال مبثوتة في ثنايا كتبهم ، وفيما يلي بعض أحكام زكاة الفطر المتعلقة بالمرأة عند هؤلاء ،  وهذا أوان الشروع في فيما له قصدت  فأقول وبالله التوفيق: 

         من أحكام زكاة الفطر الخاصة بالمرأة عند السادة المالكية:

المرأة قد تكون أما ، أو زوجة ، أو أختا،  أو بنتا، وقد فرضت عليها زكاة الفطر لأنها داخلة في عموم حديث ابن عمر رضي الله عنه كما أخرجه الإمام  مالك في موطئه قال: حدثني يحيى، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس، صاعا من تمر،أو صاعا من شعير، على كل حر، أو عبد ذكر، أو أنثى من المسلمين»[2].

قال ابن عبد البر القرطبي: "لم يختلف عن مالك في إسناد هذا الحديث، ولا في متنه ولا في قوله فيه:"من المسلمين "إلا قتيبة بن سعيد وحده، فإنه روى هذا الحديث عن مالك، ولم يقل فيه:"من المسلمين" وسائرالرواة عن مالك، قالوا عنه فيه: " من المسلمين" وكذلك هو في الموطأ عند جميعهم فيما علمت، وقد زعم بعض الناس أنه لا يقول فيه أحد من المسلمين غير مالك، وذكره أيضا أحمد بن خالد، عن ابن وضاح وليس كما ظن الظان، وقد قاله غير مالك جماعة، ولو انفرد به مالك لكان حجة يوجب حكما عند أهل العلم فكيف ولم ينفرد به"[3].

وفيمن يؤديها عنها سواء كانت زوجة، أو بنتا، أو أما، أو أختا؛  فالأصل في المذهب أن  المكلف بالنفقة على من يعوله، هو المسؤول عن إخراج زكاة الفطر عنها،  قال الإمام مالك  في الموطأ: "أحسن ما سمعت فيما يجب على الرجل من زكاة الفطر أن الرجل يؤدي ذلك عن كل من يضمن نفقته، ولابد له من أن ينفق عليه"[4]، زاد ابن عبد البر القرطبي (463 هـ) : "بسبب؛ كالأبناء الفقراء ، والآباء الفقراء"[5]، وقال أبو الوليد الباجي (474 هـ) في شرح قول مالك: " وذلك على ضربين نفقة ثابتة بالشرع، ونفقة ثابتة بالعقد، فأما النفقة الثابتة بالشرع فمن لزمته نفقته لزمته زكاة الفطر عنه ..، فتجب على الرجل نفقة الولد الصغير المعسر، ونفقة أبويه المعسرين، وعلى الزوج نفقة زوجته، وعلى السيد نفقة رقيقه، فأما الأولاد فلا يخلو أن يكونوا صغارا أو كبارا ، فإن كان الولد صغيرا فلا يخلو أن يكون موسرا أو معسرا فإن كان موسرا فنفقته في ماله، وكذلك فطرته"[6]، ويؤديها كذلك  عن خادمة واحدة من خدم امرأته التي لابد لها منها[7]، وعن أصبغ  قال: "وكذلك ينفق على خادمين لها إذا كانت بهذه المنزلة من الغنى والشرف، ولو ارتفع قدرها مثل بنت السلطان والملك العظيم والهاشميات رأيت أن يزاد في عدد الخدم لما يصلحها من الأربع والخمس، وتلزم الزوج نفقتهن وزكاتهن"[8]،  ويلحق بذلك زوجة الأب في قول مالك"وإن لأب"[9]إذا كان هذا الأخير فقيرا ؛ قال الخرشي: "يعني أنه يلزمه أن يخرج زكاة الفطر عن زوجة أبيه يريد إذا كان الأب فقيرا "؛ لأن زكاة الفطر تابعة للنفقةعندهم [10].

وجاز للمرأة المسلمة إخراج زكاة فطرتها في حال إذا عجز الزوج عن أدائها عنها  قال ابن الحطاب الرعيني (ت: 954 هـ) في مواهب الجليل "قال مالك: يلزم الرجل أداؤها عن نفسه ، وعن امرأته وإن كانت مليئة، وانظر إذا لم يكن له من أين يخرجها؟ هل يجب عليها أن تخرج عن نفسها؟ قال في التفريع: إنها تخرجها عن نفسها وتعطيها زوجها الفقير[11]"[12].

ومن الأحوال التي تسقط زكاة الفطر عن المكلف بالنفقة عليها بالنسبة للزوجة كما في المذهب الآتي:

إذا طلقها زوجها طلقة بائنة ؛ قالابن يونس: "لو طلق المدخول بها طلقةرجعية لزمه النفقة عليها وأداء الفطر عنها، بخلاف لو طلقها بائنا وهي حامل فلا يزكي عنها وإن كانت النفقة عليه، لأن النفقة هاهنا إنما وجبت عليه للحمل لا لها"[13].

كذلك إذا طلقها الزوج بعد يوم الفطر قبل البناء بها ،قال مالك في المدونة: "لا شيء على الزوج في الخادم، ولا في المرأة في زكاة الفطر، على المرأة أن تزكي زكاة الفطر عن هذه الخادم وعن نفسها."[14].

هذه بعض أحكام زكاة الفطر بالنسبة للمرأة في المذهب المالكي في ثنايا كتبهم باختصار ، راجين من الله أن يرحم علماءنا السادة المالكية بواسع رحمته، وأن يجازيهم عنا وعن الإسلام خير الجزاء.

والحمد لله رب العالمين..

**************

هوامش المقال:

[1]أخرجه أبو داود في سننه (3 /53-54)، برقم: (1609)، .وابن ماجه في سننه (3 /284)، برقم: (1827)، والدارقطني  في سننه (2/ 138 ) برقم: (1)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (1/ 568)، برقم: (1488).

[2] - أخرجه مالك في الموطأ رواية يحيى الليثي (1/ 381)، كتاب: الزكاة، باب: مكيلة زكاة الفطر، برقم: (773).

[3] - التمهيد لما في الموطأ (14 /312).

[4] - الموطأ (1 /380).

[5] - الاستذكار (3 /263)

[6] - المنتقى شرح الموطأ (2 /183).

[7] - الجامع لمسائل المدونة (2 /433).

[8] - الجامع لمسائل المدونة (2 /433).

[9]-  مواهب الجليل (3 /263).

[10] - المنتقى شرح الموطأ (2/ 182).

[11] - ونص قول العلامة الجلاب المالكي في التفريع ( 1 /297): "ويجوز للمرأة أن تدفع الزكاة  لزوجها  إن كان فقيرا".

[12]-  مواهب الجليل(3 /264).

[13] -  الجامع لمسائل المدونة (2 /433).

[14] - المدونة (1/ 390).

***************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

الاستذكار. لأبي عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البر القرطبي. دار الكتب العلمية (د.ت).

التفريع . لأبي القاسم عبيد الله بن الحسين ابن الجلاب. دراسة وتحقيق: د حسين بن سالم الدهماني. دار الغرب الإسلامي بيروت. ط1/ 1408هـ- 1978 مـ.

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (ج14). لأبي عمر يوسف بن عبد البر القرطبي. تحقيق: سعيد أحمد أعراب 1404 هـ- 1984 مـ.

الجامع لمسائل المدونة والمختلطة. لأبي بكر بن عبد الله بن يونس الصقلي. اعتنى به: أبو الفضل الدمياطي أحمد بن علي . تقديم: د أحمد بن منصور سبالك. كتاب ناشرون بيروت. (د.ت) .

سنن ابن ماجه.  لمحمد بن يزيد أبي عبد الله القزويني. حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: د بشار عواد معروف. دار الجيل بيروت. ط1/ 1418 هـ- 1998 مـ.

سنن أبي داود.  لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني. حققه وضبط نصه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط- محمد كامل قروبللي– شادي محسن الشياب. دار الرسالة العالمية . بيروت. طبعة خاصة 1430 هـ- 2009 مـ.

سنن الدار قطني. لعلي بن عمر أبي الحسن الدارقطني. تحقيق: السيد عبد الله هاشم يماني المدني دار المعرفة - بيروت ، 1386 هـ– 1966 مـ.

المدونة الكبرى. لمالك بن أنس رواية الإمام سحنون بن سعيد التنوخي عن الإمام عبد الرحمن بن قاسم. ويليها مقدمات ابن رشد لبيان ما اقتضته المدونة من الأحكام. لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد. دار الكتب العلمية بيروت. ط1/ 1415 هـ- 1994 مـ

المستدرك على الصحيحين. لمحمد بن عبد الله أبو عبد الله الحاكم النيسابوري.  تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية –بيروت. ط1/ 1411هـ – 1990 مـ.

المنتقى شرح موطأ مالك. لأبي الوليد سليمان بن خلف بن سعد الباجي. مطبعة السعادة مصر. ط1/ 1332 هـ.

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل. لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بابن الحطاب. ضبط وخرج آياته وأحاديثه: زكريا عميرات. دار عالم الكتب (د.ت).

الموطأ. لمالك بن أنس. رواية يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي . حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: بشار عواد معروف. دار الغرب الإسلامي ط2/ 1417 هـ- 1997 مـ.

*راجع المقال الباحث: يوسف ازهار

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق