مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

باب ذكر طبقات الفقهاء وتخصيصهم بما ترسموا به من أنواع العلوم

قال الشيخ أبو نصر السراج الطوسي في كتابه اللمع[1]:

قال الشيخ أبو نصر رحمه الله: وأما طبقات الفقهاء فإنهم فضلوا على أصحاب الحديث بقبول علوم أصحاب الحديث والاتفاق معهم في معاني علومهم ورسومهم.

ثم خصوا بالفهم والاستنباط في فقه الحديث والتعمق بدقيق النظر في ترتيب الأحكام وحدود الدين وأصول الشرع، فبينوا ذلك، وميزوا الناسخ من المنسوخ، والأصول من الفروع، والخصوص من العموم، بالكتاب والسنة والإجماع والقياس.

وبينوا للخلق في أحكام دينهم من القرآن والأثر ما نسخ حكمه وبقى كتابته، وما نسخ كتابته وبقى حكمه، وما كان لفظه عاما والمراد به خاص، أو كان لفظه خاصا والمراد به عام، أو كان خطاب جماعة والمراد به واحد، أو خطاب واحد والمراد به جماعة، وتكلموا بالاحتجاجات العقلية على المخالفين، واستدلوا بالبراهين البينة على أهل الضلالة نصرة للدين، وتمسكوا بنص الكتاب، أو نص السنة، أو قياس على النص، أو إجماع الأمة، وناظروا من خالفهم برسم النظر، وجادلوا من جادلهم بأدب الجدل، وعارضوا خصمهم بالمعارضات، واعترضوا عليهم برد الاعتراضات واطراد العلل في المعلومات، فوضعوا كل شيء في مواضعه، ورتبوا كل حد في مراتبه، وفرقوا بين المقايسة والمشاكلة والمجانسة والمقارنة، وميزوا في الأوامر والنواهي ما كان منه حتما وما كان منه ندبا، وما كان منه ترغيبا وترهيبا، وما كان منه محثوثا عليه ومدعوا إليه، فبينوا المشكل، وحلوا العقد وأوضحوا الطرق، وأزالوا الشبهات، وفرعوا على الأصول، وشرحوا المجمل، وبسطوا المجموع، وأخذوا حدود الدين بالاحتياط، حتى لا يقلد العالم عالما ، ولا الجاهل جاهلا، ولا الخاص خاصا، ولا العام عاما في ظاهر الأحكام وحدود الشريعة.

بهم يحفظ على المسلمين حدودهم، وقد ذكرهم الله تعالى في كتابه فقال عز وجل: ﴿فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين﴾[2] الآية، وقال النبي ﷺ: ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)).[3]

وللفقهاء في معاني علومهم ورسومهم أيضا مصنفات، ولهم أئمة مشهورون، وقد أجمع أهل عصرهم على إمامتهم، لزيادة علمهم وفهمهم ودينهم وأمانتهم، وشرح ذلك يطول، والعاقل يستدل بالقليل على الكثير، وبالله التوفيق.

كتاب اللمع لأبي نصر السراج الطوسي تحقيق عبد الحليم محمود طه عبد الباقي سرور طبعة 1423هـ 2002م،

مكتبة الثقافة الدينية

الهوامش:


[1]-  كتاب اللمع: لأبي نصر السراج الطوسي -ت 378هـ، ص 26 تحقيق عبد الحليم محمود طه عبدالباقي سرور طبعة 1423هـ 2002م مكتبة الثقافة الدينية.

[2]- [التوبة: 122]

[3]- أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، ومسلم في كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة، من حديث معاوية ابن أبي سفيان.

الدكتور عبد الله معصر

• رئيس مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق