باب ذكر الصوفية، وطبقاتهم وما ترسموا به من العلم والعمل، وما خصوا به من الفضائل، وحسن الشمائل

قال الشيخ أبو نصر السراج الطوسي في كتابه اللمع[1]:
قال الشيخ أبو نصر رحمه الله: ثم إن طبقات الصوفية أيضا اتفقوا مع الفقهاء وأصحاب الحديث في معتقداتهم وقبلوا علومهم، ولم يخالفوهم في معانيهم ورسومهم، إذا كان ذلك مجانبا للبدع واتباع الهوى، ومنوطا بالأسوة والاقتداء، وشاركوهم بالقبول والموافقة في جميع علومهم.
ومن لم يبلغ من الصوفية مراتب الفقهاء وأصحاب الحديث في الدراية والفهم، ولم يحط بما أحاطوا به علما فإنهم راجعون إليهم في الوقت الذي يشكل عليهم حكم من الأحكام الشرعية أو حد من حدود الدين، فإذا اجتمعوا فهم في جملتهم فيما اجتمعوا عليه، فإذا اختلفوا فاستحباب الصوفية في مذهبهم الأخذ بالأحسن والأولى والأتم احتياطا للدين وتعظيما لما أمر الله به عبادة واجتنابا لما نهاهم الله عنه.
وليس من مذهبهم النزول على الرخص وطلب التأويلات والميل إلى الترفه والسعات وركوب الشبهات، لأن ذلك تهاون بالدين وتخلف عن الاحتياط؛ وإنما مذهبهم التمسك بالأولى والأتم في أمر الدين فهذا الذي عرفنا من مذاهب الصوفية ورسومهم في استعمال العلوم الظاهرة المبذولة المتداولة بين طبقات الفقهاء وأصحاب الحديث.
ثم إنهم من بعد ذلك ارتقوا إلى درجات عالية، وتعلقوا بأحوال شريفة ومنازل رفيعة من أنواع العبادات وحقائق الطاعات والأخلاق الجميلة، ولهم في معاني ذلك تخصيص لغيرهم من العلماء والفقهاء وأصحاب الحديث وشرح ذلك يطول.
كتاب اللمع لأبي نصر السراج الطوسي تحقيق عبد الحليم محمود طه عبد الباقي سرور طبعة 1423هـ 2002م
مكتبة الثقافة الدينية
الهوامش:
[1] - كتاب اللمع: لأبي نصر السراج الطوسي - ت 378هـ، ص 28 تحقيق عبدالحليم محمود طه عبدالباقي سرور طبعة 1423هـ 2002م مكتبة الثقافة الدينية.