مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكأعلام

الشيخ سيدي أبو زيد عبد الرحمن المليلي (ت أواخر القرن الثامن)

هو الشيخ الجليل، الولي الكبير، الصالح الشهير، الفقيه العدل، العالم الفالح، الواعظ الناصح، سيدي أبو زيد عبد الرحمن المليلي. من بيت صلاح وعلم، ذلك أن بيت المليلي بيت معروف، ذكره أبو زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي في كتابه حول بعض مشاهير بيوتات فاس، قال: "ومنهم بيت المليلي بفتح الميم وكسر اللام، الصنهاجي الحميري، أولهم الفقيه الصالح عبد الرحمن بن أحمد المليلي من صنهاجة، الذين بحوز مدينة آزمور، من فرع بني تَامَرْأَ بسكون الراء المهملة، ومولده بين أظهرهم، ثم انتقل منهم أيام الموحدين ملوك مراكش إلى مدينة مليلية واستوطنها، وبها عرف بالمليلي. وكان فقيها صالحا ورعا مجاب الدعوة"، والحق أن هذا الذي ذكر سيدي عبد الرحمن الفاسي هو جدّ المترجم له، وقع التباس بينه وبين جده بسبب تشابه اسميهما، وعدد ممن ترجموا لسيدي المليلي وقعوا في هذا الخلط، وإلا فالجد الذي رحل من آزمور زمن الموحدين استقر بمليلية وتوفي هناك.

وأما صاحب الترجمة فهو سيدي أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد، بن محمد بن عبد الله العطار بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن أحمد المليلي، فكما هو ملاحظ فسيدي عبد الرحمن بن أحمد صاحب الترجمة هو غير سيدي عبد الرحمن بن أحمد الجد، فالأخير هو من رحل من آزمور واستقر بمليلية زمن الموحدين، وأما صاحب الترجمة فهو الحفيد، وأما الجد فقد توفي في مليلية، وأما أول من دخل إلى فاس فهو ولده أبو بكر الذي ولد بمليلية ونشأ بها واستقر بها إلى أن أخرجه عنها إلى فاس السلطان أبو يحيى بن عبد الحق المريني، فيكون هو أول من نزل فاس منهم وهو من سمي بالمليلي نسبة إلى مدينة مليلية التي أتى منها.

وعلى هذا فقد كان جد جد سيدي عبد الرحمن صاحب الترجمة أبو بكر هو أول من استقر بفاس، فبقيت عائلته هناك، وبيتهم هناك معروف ومعلوم.

ولد سيدي عبد الرحمن بفاس وبها نشأ وتلقى تعليمه على خيرة علمائها، هذا إلى جانب نشأته على معالم الطهر والتقى والولاية والصلاح، فأسلافه كلهم علماء وصلحاء، وهو لم يخرج على هذا النهج الذي كان عليه أسلافه، إلى جانب تمكنه من الفقه والعلم، فقد كان من الفقهاء الأنجاد، وكان يعرف بالوراق، قارئا متمكنا، حسن الصوت، يحسن القراءة بالطبوع، يؤثر بها في النفوس بطيب نغمه. وكان فقيها بصيرا بالعربية، شاعرا محسنا، ولغويا متمكنا، إلى جانب تصدّره للتدريس فكان يُقرئ عند باب محراب مسجد القرويين، بعد صلاة الصبح كل يوم، لأربعة كتب: تفسير الثعالبي، والشفا للقاضي عياض، وصحيح البخاري، والحريفشي.

هذا إلى جانب ورعه وصلاحه، فقد كان على قدر كبير من الصلاح والولاية. توفي سيدي المليل رحمه الله في أواخر القرن الثامن، أو أوائل القرن التاسع، وضريحه هو الواقع بمسجده المعروف باسمه يعرف بمسجد سيدي عبد الرحمن من هذه الحومة، بالمحل المشهور به منها، وكان معروفا برحيبة ابن زروق، عليه به دربوز وكسوة واعْتِدَ تحليف الخصوم عنده لما يعلم من سرعة انتقام الله عز وجل ممن يحلف عنده كاذبا. أورده الشيخ المدرع في منظومته حيث قال:

ومنهم الفخار ذو الإجلال بفرن  سَرَّادة  إذ  يُـــــــوالي
ثـــم  يليه  سيدي  المليلي من الشيوخ الجلّة الفحول

لقد كان لسيدي المليلي حرمة عظيمة بين الناس، حيا ومنتقلا، إذ كان ضريحه موقرا، محفوظة حرمته بين العام والخاص، وكانت له قيمة ومكانة كبيرة بين سكان مدينة فاس، وكان المسجد الذي به ضريحه من المساجد العامرة التي تدرس بها العلوم الشرعية، ومن الكراسي التي كانت ثابتة في هذا المسجد؛ كرسي لتدريس رسالة ابن أبي زيد القيرواني، فقد أبت مشيئة الرحمن عز وجل إلا أن تستمر رسالة هذا الولي والفقيه الصالح، استرسالا في المهمة التي كان يقوم بها، والدور الكبير والفاعل الذي اضطلع به في بث المعرفة الشرعية والدينية بين الناس، إلى جانب الدور الإصلاحي الذي اضطلع به، وإشاعته الخير والفضيلة والبرّ والإحسان بين الناس.

إن سيدي المليلي هو من أبرز رموز الصلاح والولاية في وقته، الذين أسهموا كثيرا في نشر القيم الإسلامية السامية، والأخلاق المحمدية الفاضلة، ليس بالقول والموعظة وحسب وإنما بالسلوك الواقعي والقدوة العملية والنموذج الحي، فكان سباقا للخير متضامنا مع المحتاج؛ يساعد الضعيف والمسكين، ويعين على رفع المظالم وقضاء الحوائج، وقد أثرت عنه في ذلك أحوال عجيبة وكرامات فريدة، فكان له تأثير كبير على محيطه ومجتمعه، الذي أسهم بشكل كبير في تخليقه وتوعيته توعية دينية سليمة، ودفع بأفراده إلى الانخراط الفاعل والإيجابي في مجريات واقعهم عبر ما بثه فيهم من قيم التراحم والتضامن والتعاون والمحبة والتآزر؛ تنزيلا وتحقيقا للمقاصد الإسلامية التي جعلت من المسلمين في توادهم وتراحمهم بمثابة الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى كما في الحديث.

تنظر ترجمته في:
سلوة الأنفاس، ج1، ص: 392.
جذوة المقتبس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق