الشيخ الشريف سيدي علي أبو غالب الصاريوي (ت801هـ)

هو العارف الكبير، والشيخ الصالح الشهير، والولي الصدر، ذو الأسرار الظاهرة، والبراهين الباهرة، حجّام أهل الله، المقصود لكل طالب وراغب، سيدي أبو الحسن علي، بن جمال بن عدو بن عبد الرحمن بن داود، الشريف الإدريسي الحسني اليازغي الشهير بأبي غالب الصاريوي، دفين صاريوة المحل المعروف بالقليعة داخل باب الفتوح بفاس، يعرف عند العامة بلقب "مولاي علي بوغالب مول القلالش".
ينحدر نسبه إلى المولى إدريس باني مدينة فاس، وكان مستقر أسلافه بمدشر صاريوة من قبيلة بني يازغة، ثم انتقل جده جمال منهم إلى فاس واستقر بحومة صاريوة منها لكونه مستقر أهل مدشر الصاريويين اليازغيين، النازلين بفاس، ومن أجل استقرارهم بها صارت تعرف بصاريوة أيضا.
ولما استقر بها ملك الدار التي أقبر بها بعده حفيده سيدي علي أبو غالب، فسكن بها، وبها وُلد له والده سيدي علي وبها توفي ودفن، فخلف ولده سيدي عليا وهو صبي صغير فقير، تحت حضانة أمه من نسب والده، فعلمته صناعة الحجامة، وعلاج الجراح والقروح؛ ففتح الله عليه وتعلم تلك الصنعة، وصار جلّ من يعالجه فيها يشفيه الله تعالى؛ فاشتهر ذكره، وظهرت بركته، وقصده الناس في علاج ذلك، وانتفع به جم غفير. وأخذ ذلك هو عن بعض المماليك من الأعلاج، الذين كانوا يحترفون تلك الصناعة بفاس، وأخذه عن جماعة.
توفي سيدي علي سنة 801هـ، وضريحه معروف ومشهور بالقليعة داخل باب الفتوح بمدينة فاس.
يعتبر سيدي علي الصاريوي الشهير بأبي غالب من أشهر شخصيات الصلاح والولاية التي عرفها المغرب، بالنظر لما تميز به وعرف عنه من العلم والصلاح والولاية وما شوهد عنه من كرامات وعلامات دالة على رسوخ قدمه في هذا المضمار، وقد كان شيخا متصدّرا للتربية الصوفية والإرشاد الروحي، وكان له أتباع ومريدون، وقبل ذلك تدرج هو في مسار سلوكي طويل حصّل على إثره مقاما رفيعا ودرجة سامقة في سماء الصلاح، فكان في بداية أمره يخالط فقراء وقته، ويحضر معهم السماع بأوانيه ويتواجد، ثم صار يستعمل مع من تبعه عليه في داره كل ليلة جمعة ويومها، ويقصده من يستعمل ذلك ويحضره معه، فاشتهر أمره وفاض وجده، وتتلمذ له بشر كثير من الناس، فبنى داره زاوية على الهيئة التي كانت عليها قبل أن يتم ترميمها، وهذه الزاوية هي الموضع الذي دفن به مع والده، الذي كان قبلُ دارا لوالده وجدّه، واختطّه هو زاوية، ودفن بعض تلامذته معه.
كان سيدي علي مع شهرته بين الناس خلال حياته خاملا ساترا لما حباه الله تعالى إيّاه من الفضل والكرامة، وهو ما ظهر عليه بشكل لافت بعد وفاته عند ضريحه، قال صاحب السلوة نقلا عن أحدهم: "وكان خاملا في حياته، ثم بعد وفاته؛ قطفت أنواره في قبره، وظهرت بركته وأسراره، واشتهر أمره، واتّسع صيته، وصار الناس يستشفعون بقبره، ويدعون عنده فيستجاب لهم. وبشكل عام فضريحه يعتبر من أشهر الأضرحة بالمغرب، بالنظر لما شوهد له من كرامات كثيرة، وتصرفات شهيرة، وبركات ظاهرة، وخوارق باهرة، وكان الناس لا يزالون إلى عهد قريب يستشفون به من الأمراض والعاهات، وسائر العلل والآفات، فيشفون ببركته ويجدون البُرء بعنايته وسر نفحته، والأخبار بذلك منتشرة، وفي سائر الأذهان مقررة مشتهرة". حتى قال عنه صاحب "المعيار" "إن كراماته ميتا أكثر منها حيّا".
ثم لما زار قبره السيد محمد الحاج بن محمد بن أبي بكر الدلائي؛ أمر بإصلاح ما سقط منها فامتُثِل أمرُه ونُفّذ. قال في "التقاط الدرر" لمّا تكلم على عام تسعين وألف هجرية: "وفي هذا العام بنيت قبة سيدي أبي غالب الصاريوي"، وقد جدّد بناء هذا الضريح السلطان مولاي سليمان العلوي وجعل فيه بيوتا للمرضى وذوي العاهات الذين يأتون إليه، وعمل فيه سقاية أخرى إلى جانب السقاية التي كانت فيه.
ما يثير انتباهنا حين الحديث عن هذا الولي الصالح؛ الحرمة الكبيرة التي حازها في سماء الولاية، ويظهر ذلك في الاعتبار الذي حظي به ضريحه عند العلماء قبل عامة الناس، فهو يعتبر من أكثر الأضرحة والمزارات التي عرفت بالبركة والفضل والخير؛ ولذلك كان موقرا ومقصودا بالزيارة ومشمولا بالعناية، وكان الناس يستشفون بترابه، وقد أثبتت له هذه المزية الونشريسي في المعيار: حيث ورد فيه: "من فتاوي المتأخرين: جواز أخذ التراب من قبور الأولياء للاستشفاء كما يفعله أهل هذه البلدة –يعني فاسا- بتراب سيدي أبي غالب وغيره، ودليلهم فعل السلف ذلك في قبر حمزة رضي الله عنه". والأشعار في التوسل به والاستشفاء بجنابه كثيرة، ومما قيل فيه:
إمام همام للشفاء مجرب وتربه ترياق صحيح التجارب
عموما فقد كان سيدي علي أبو غالب طودا شامخا في سماء الولاية والصلاح، عمت شهرته الأرجاء في حياته؛ إذ كانت تشد له الرحال من أقاصي البلاد وأدانيها، طلبا لما عنده من العلم والفضل والصلاح، هذا بالإضافة إلى حرفته التي سخّرها لخدمة الناس وعلاجهم وتطبيبهم، فكما ورد عنه فقد كان جرائحيا؛ يعالج الجراح، فيشفي الله تعالى المعلولين بعلاجه لهم وببركاته جراحهم، وظهرت له كرامات، فقصده الناس واجتمعوا عليه، وصاروا يبيتون عنده في كل ليلة جمعة ويومها، فيتخذون الذكر عادة لهم ويستعملون السماع والحضرة، ويطعمهم الطعام مما يهدي إليه ويُهاب عليه، هكذا كان دأبه...، فكان اجتماعهم عليه في داره إلى أن توفي ودفن بها، وبناها الناس من أصحابه عليه روضة تطوعا منهم بذلك، وظهرت له كرامات بعد وفاته أكثر مما كان يظهر عليه في أيام حياته، وقبره يستشفي به المرضى؛ فيشفي الله تعالى من قصده لذلك ببركته، والدعاء عند ضريحه مستجاب، وهو أمان لمن لاذ به من أهل الجنايات.
وأيضا استمر الأمر على تلك الحال بعد وفاته، لما شوهد من البركة الكثيرة الظاهرة، والفضل العميم عند زيارة قبره وضريحه، وقد قيل: "زيارة قبور الصالحين لا تخلو من بركة" (قاله الإمام السخاوي)، فكان ضريحه مشهور بالزيارة والتوقير، احتراما لحرمة هذا الولي، وكانت تجبى إليه الصدقات فتفرق على المساكين والمستضعفين، وهكذا فقد استمرت بركة الشيخ في نفع الناس حتى بعد وفاته، مثلما هو الحال بالنسبة لكثير من الصلحاء الذين كانوا سببا للخير وتعميم النفع للناس في حياتهم كما بعد مماتهم مثلما هو الحال بالنسبة للشيخ أبي العباس السبتي، وذلك لحرمتهم وبركتهم وأيضا بسبب ما سنوه من سنن حميدة في حياتهم، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم الوارد في صحيح البخاري ومسلم: "من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة".
تنظر ترجمته في:
سلوة الأنفاس 2/27.
جذوة الاقتباس.