الساعة الشمسية لمسجد القرويين _ فاس

سلوى سعود
مركز ابن البنا المراكشي
تعد الساعة الشمسية من بين أقدم الأدوات التي ابتكرها الإنسان لقياس الوقت بناء على حركة الشمس في السماء، حيث اعتمدت على الظل الذي يُلقيه عمود يسمى "العمود الشمسي" أو "الشاخص" على سطح مستوٍ. وسميت كذلك بالمِزْولة لدلالتها على وقت الزوال؛ وهو الوقت الذي تكون فيه الشمس في أعلى نقطة في السماء.
في هذا المقال، سنتطرق إلى الحديث عن الساعة الشمسية التي توجد في مسجد القرويين مع إبراز مميزاتها وأهميتها التاريخية. وتجدر الإشارة إلى أننا أنجزنا هذا العمل بتوجيه من الدكتور جمال بامي، رئيس مركز ابن البنا المراكشي، في إطار الربط بين الأعمال العلمية في المركز ومعروضات متحف "صلة المغاربة بالجناب النبوي الشريف"، حيث يضم هذا المعرض -الذي تشرف عليه الرابطة المحمدية للعلماء- بين تحفه ومعروضاته القيمة نسخة طبق الأصل تحاكي الساعة الشمسية الموجودة بمسجد القرويين.
تعتبر الساعة الشمسية الموجودة في مسجد القرويين بمدينة فاس المغربية من المعالم التاريخية البارزة التي تمثل تجسيدا للفكر العلمي والهندسي في الحضارة الإسلامية. فمسجد القرويين، الذي تأسس عام 859م في عهد الأدارسة، والذي بنته فاطمة بنت محمد الفهري، هو واحد من أقدم وأهم الجامعات في العالم. وقد اشتهر بكونه مركزا مهما للعلم والتعليم، ولا سيما في مجالات الفلك والرياضيات. والساعة الشمسية في المسجد تمثل مثالا على تطبيقات العلم الفلكي في الحياة اليومية للمسلمين، وخاصة في تحديد أوقات الصلاة.
أنشئت هذه الساعة في عهد السلطان الحسن الأول (1290 – 1311هـ، 1873 – 1893م) في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وقد تولى تصميمها أحد كبار المؤقتين آنذاك، وهو العالم الفقيه الجيلالي الرحالي المكناسي الذي كان من أهل الاختصاص في علوم الفلك والتوقيت. وتعتبر هذه المزولة من أقدم الساعات الشمسية المحفوظة في المغرب. فهي على غرار باقي الساعات الشمسية التي كانت تميز معظم المساجد العظمى بالمغرب، كانت الوسيلة المعتمدة لضبط وقت الآذان، وهو ما يدل على أن المغاربة كانوا يعطون، منذ القدم، أهمية بالغة للوقت، سواء المتعلق بإقامة الصلوات أو المخصص لتدبير حياتهم الدنيوية.
صنعت هذه الساعة الشمسية من لوح حجري جيري مستطيل الشكل، وقد ثُبت على جدار داخلي بحيث يتعرض لضوء الشمس طيلة النهار. وهي مقسمة إلى 12 ساعة، تبدأ من الخامسة صباحا حتى السابعة مساء، مع تقسيمات فرعية تشير إلى الدقائق، يتوسطها شاخص معدني مائل يُلقي بظله على الساعة تبعا لموقع الشمس في السماء مما يسمح بتحديد الوقت بدقة.
كما يحيط بهذه المزولة إطار زخرفي يتضمن نقوشا محفورة لأبيات شعرية كتبت بالخط الثلث المغربي، من أبرز ما يميز هذه النقوش البيت الشعري التالي:
حقق جديد الوقت من ساعاتنا *** عندي المراد وعزة لأمناء
يحمل هذا البيت بعدا وظيفيا ورمزيا في آن واحد، فهو يشير إلى دقة الساعة من جهة، وإلى قيمتها العلمية الموثوقة بالنسبة للمؤتمنين على ضبط الوقت من جهة أخرى.
وتزين هذه المزولة أيضا رسوم النعال النبوية، وهي رمز ديني يعبر عن التقدير والاحترام للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. كما يحيط بهذه الرسوم خمس دوائر تشتمل على لفظ الجلالة "الله"، وأسماء الخلفاء الراشدين الأربعة: أبو بكر، عمر، عثمان، وعلي رضي الله عنهم.
تعتبر الساعة الشمسية في جامع القرويين حاليا رمزا حيّا للتراث العلمي والفكري للمغرب والعالم الإسلامي. ورغم تطور التكنولوجيا الحديثة وتوافر الساعات الرقمية في حياتنا اليومية، إلا أن الساعة الشمسية تظل محط إعجاب الزوار والعلماء على حد سواء، وتستمر في جذب المهتمين بتاريخ الفلك ...
خاتمة
الساعة الشمسية أو المزولة في جامع القرويين هي أكثر من مجرد أداة لقياس الوقت؛ إنها جزء من التراث الثقافي والعلمي للمغرب والعالم الإسلامي، وهي تعكس العبقرية الهندسية والفلكية التي تمتاز بها الحضارة الإسلامية. إضافة إلى ذلك، فهي تمثل في جامع القرويين تزاوجا بين العلم والدين والفن، مما يجعلها علامة بارزة في تاريخ العلم والعمران في العصور الإسلامية.