الإمام الحافظ إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري وبعض الإضاءات حول كتابه : ” سير الفزاري “

جوانب علمية وعمرانية من معرض “صلة “ :
الإمام الحافظ إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري وبعض الإضاءات حول كتابه :
" سير الفزاري "
تقديم عام :
يأتي هذا المقال في سياق مشروع يتوخى الربط بين معروضات متحف "صلة المغاربة بالجناب النبوي الشريف" والأعمال العلمية لكل من مركز ابن البنا المراكشي ومركز علم وعمران، وذلك من خلال الإستثمار الإيجابي والفعّال لكثير من الجوانب العلمية والتجليات العمرانية التي يزخر بها هذا المعرض الذي تشرف عليه الرابطة المحمدية للعلماء. وتجدر الإشارة إلى أن إنجاز هذا المشروع يأتي بتوجيه من الدكتور جمال بامي ( رئيس مركز ابن البنا المراكشي ورئيس مركز علم وعمران ) المشرف العلمي على معرض صلة بتكليف من السيد الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء د. أحمد عبادي المشرف العام على المعرض.
الحلقة الثالثة : الإمام الحافظ إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري وبعض الإضاءات حول كتابه : " سير الفزاري "
هو إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة، بن بدر بن عمرو … ويبدو أنه جال كثيرا في طلب العلم، وخاصة الحديث الشريف، ويعتبر كتاب السير لأبي إسحاق الفزاري من الكتب القيمة التي يرجع إليها الباحثين في مختلف التخصصات، رغم أنه تخصص علوم الحديث على نحو خاص، إلا أنه له صلة بالعلوم الفقهية والتفسير والسيرة النبوية، كما يعتبر أقدم كتاب في العلاقات الدولية، ويعد من أهم المصادر التي اعتمد عليها ابن جرير الطبري في كتابه "اختلاف علماء الأمصار"، ويعتبر مرجعًا للمجتهدين والحكام، حتى قال عنه الشافعي : لم يصنف أحد في السير مثل كتاب أبي إسحاق الفزاري.
وقد بلغ أبو إسحاق الفزاري مكانة عالية في العلم في العلم، وفي الحديث والسنة خاصة، حتى أصبح إماما فبهما يشار له بذلك، وذلك راجع إلى اتساع رحلته، وتكاثر شيوخه وروايته، مع ضبط مروياته وتدقيقها، مما أهله لأن يكون لأخل الأثر والسنة إماما، كما يقول الحافظ أبو نعيم الأصبهاني، مما يؤكد ذلك أنه كان أينما تجول وطاف وحل، اجتمع عليه طلاب العلم ليستمعوا منه، وخاصة في حواضر الإسلام الكبرى، كما بين ذلك أقرانه، وهم يثنون عليه ويشيدون بهذا الجانب فيه… [1].
وجاء في كتاب صفوة الصفوة: "اسمه إبراهيم بن محمد بن الحارث، كان صاحب سنة وعزو الفضيل بن عياض قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وإلى جنبه فرجة، فذهبت لأجلس فيها. فقال هذا مجلس أبي إسحاق الفزاري: فقلت لأبي أسامة أيهما كان أفضل؟ فقال: كان فضيل رجل نفسه وكان أبو إسحاق رجل عامة.
محمد بن هارون، أبو نشيط، قال قال أبو صالح، يعني الفراء: لقيت الفضيل ابن أبي عياض فعزاني في أبي إسحاق وقال: لربما اشتقت إلى المصيصة ما بي فضل الرباط إلا أرى أبا إسحاق.
أبو صالح قال : سمعت أبا إسحاق الفزاري يقول : إن من الناس من يحسن عليه الثناء، وما يساوي عند الله جناح بعوضة.
عباد الغنوي عن أبي إسحاق الفزاري قال : من قال : الحمد لله على كل حال فإن كانت نعمة كان لها كفاء وإن كانت مصيبة كان لها عزاء
أبو يحيى قال سمعت أبا عبيد يقول لما مات أبو إسحاق: الفزاري بكى عطاء ثم قال: ما دخل على الإسلام من موت أحد ما دخل عليه من أبي إسحاق [2].
وحدث عن ومالك، والأوزاعي، أبي إسحاق السبيعي، وهشام بن عروة، وحميد الطويل، وسليمان الأعمش، وسفيان الثوري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وزائدة بن قدامة، وخالد الحذاء، وعطاء بن السائب، وأسلم المنقري، وعبيد الله بن عمر، وابن شوذب، وخلق كثير…[3].
حدث عنه : الأوزاعي، وسفيان الثوري وهما من شيوخه وعبد الله بن المبارك، وبقية، وعبد الله بن عون الخراز، وعمرو الناقد، وأبو نعيم الحلبي، وخلق كثير.
قالوا عن مدى توثيقه رحمة الله عليه
ذكره أبو حاتم الرازي فقال:"الثقة المأمون الإمام".
وقال عنه الإمام النسائي:" ثقة مأمون، أحد الأئمة" [4].
حدثنا أحمد، قال لنا صبيح بن عبد الله الفرغاني: أبو إسحاق الفزاري قرأه علينا، يعني: "كتاب السير" بعد مرض مرضه، فقيل له في ذلك فقال: سأحدثكم به، وكتب إلى الآفاق واجتمع الناس فقرأه علينا.
وهو إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري.
أخبرت أنه مات بالمصيصة سنة ثمان وثمانين في خلافة هارون.
حدثنا أحمد : قال حدثني بعض أصحابنا، عن أبي صالح الفراء، قال مات: الفزاري سنة خمس وثمانين ومئة [5].
مخطوط السير للفزاري معروض بمعرض "صلة المغاربة بالجناب النبوي جمال المحبة والوفاء".
الجزء: 1
الناسخ : أبو بكري بن الأصبغ.
الخط : أندلسي دقيق.
مما لا شك فيه أن كتاب السير من تأليف أبي إسحاق الفزاري نفسه، إذ لا يمكن أن يقال: انه املاه على تلاميذه، ثم جمع من بعده كما قيل في غيره من المصنفات في تلك الفترة أو بعدها، كما في الأم للشافعي مثلا، أو مسند أبي داوود الطيالسي....ويؤكد لنا تأليفه للكتاب أمورا عديدة أولها: إسناد الكتاب في نسختنا هذه إلى المصنف نفسه، وهي كما سترى في وصفها نسخة قديمة جدا، ثانهما: مضمون الكتاب نفسه، إذ أن أسانيده وراياته هي للفزاري، ثالثها: شهرة الكتاب عند المتقدمين، وأنه من تأليفه ومنهم الإمام الشافعي الذي كان يعتز به ويقول: لم يصنف أحد في السير مثل كتاب أبي إسحاق [6]..
خلف ابن شكوال، صاحب الصلة الذي وضع خطه على واجته، واستمرت به الأيام إلى أن أصبح أخيرا ذخيرة من ذخائر الفكر الإسلامي في حزانة القرويين، وعنوانا من عناوين الروابط الروحية، التي كانت تجمع بين المشرق والمغرب، فنظرة هذا الكتاب تسبح بالفكر نحو آفاق المعرفة، وتعود به إلى أحضان الحضارة الإسلامية في عهد ازدهارها، وإلى نشاط علماء الأندلس في الأخذ والتلقين [7].
وقد قسم كتابه إلى خمسة أجزاء، احتفظت خزانة القرويين بالجزء الثاني منها، سالما والأجزاء الأخرى متلاشية مبتورة، ومع ذلك يمكن الاستفادة منها.
وقد ازدان الجزء الثاني بملحوظة كتبت على الصفحة الأولى يقول فيها كاتبها: هذا الكتاب يشمل على خمسة أجزاء، وجميعها بخط الشيخ الراوية الفاضل أبي بكر عباس بن أصبغ حاشا الجزء الثاني فهو أصله بغير خطه، وعباس هذا من جلة العلماء والرواة والفضلاء المكثرين، أخذ الناس عنه كثيرا، واشتهر بالعلم والدين والفضل والثقة، وعلو الإسناد، وتوفي في ذي القعدة من سنة ست وثمانين وثلاثمائة [8]..
والغالب أن هذا الجزء الثاني المكتوب على ورق الغزال سنة مائتين وسبعين هجرية، كان الحافز لعباس بن أصبغ على البحث عن الأجزاء الأخرى وعلى نسخها بخطه الجميل، فكان الكتاب بعد ذلك ينتقل بأجزائه الخمسة، وتتداوله أيدي العلماء، إلى أن أصبح يوما من الأيام في حوزة المؤرخ الجليل والعالم الفاضل ونظرة في هذا الكتاب، وفي موضوعاته العامة تدل على أن الفقهاء كانت لهم عناية بشؤون الجهاد وبتحديد القوانين العامة الرابطة بين المسلمين، وغيرهم في حالتي السلم و الحرب بل إن بعض موضوعاته تدمح الآن في دراسات القانون الدولي، وفي دراسات الفقه المقارن، ولعلنا سنكون على بينة من ذلك، إذا قدمنا أسماء بعض الأبواب التي أثارها الفزاري في كتابه، فهو قد تحدث في الجزء الأول عن أمان الرجل والمرأة والعبد وعن العلج يدخل بأمان، ويريد الرجوع، وعن نصب المنجنيق، وتحدث في الجزء الثاني عن نبش القبور وعن الركاز يصاب في بلاد العدو والدواب، وعن كراهية أخذ الرجل عن القاسم والقضاء أجرا وعن بيع الكلب والباز وعن الصلاة على الصغار إذا ماتوا، وعن الغلول وتحدث في الجزء الثالث عن الرجل يبايع على قتل أخيه وأبيه وعن الرياء وعن الشهادة وعن الصوم في السفر، وتحدث في الجزء الرابع عن النهي عن قتل الراهب، وتحدث في الجزء الخامس عن أول من أظهر الإسلام [9].
[1] - كتاب السير لشيخ الإسلام الفزاري (3/13-23) الطبعة الأولى مؤسسة الرسالة.
[2] - صفة الصفوة (2/406) دار الحديث القاهرة.
[3] - صفة الصفوة (2/406) دار الحديث القاهرة.
[4] - كتاب حياة التابعين ص 967
[5] - كتاب التاريخ الكبير لابن خثيمة (ج/ 255) الفاروق الحديثة للطباعة والنشر القاهرة.
[6] - سير أعلام النبلاء (8/540) الطبعة الثالثة مؤسسة الرسالة.
[7] - كتاب السير لأيس إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري ص 347 محمد بن عبد العزيز الدباغ محافظ القرويين.
[8] - كتاب السير لأيس إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري ص 347 محمد بن عبد العزيز الدباغ محافظ القرويين.
[9] - كتاب السير لأيس إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري ص 355 محمد بن عبد العزيز الدباغ محافظ القرويين.